عِبَرٌ بَعْدَ الامْتِحَانَاتِ , وَإِجَازَةِ الرَّبِيعِ 16 صفر 1435 هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1435/03/13 - 2014/01/14 15:30PM
عِبَرٌ بَعْدَ الامْتِحَانَاتِ , وَإِجَازَةِ الرَّبِيعِ 16 صفر 1435 هـ
الْحَمْدُ للهِ العَزِيزِ الغَفَّار , مُصَرِّفِ الأَقْدَارِ وَمُنْشِئِ اللَّيْلِ وَالنَّهَار , وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَار , وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ عَظِيمُ الْمِقْدَار , وَأَشْهَدُ أَنِّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمُصْطَفَى الْمُخْتَار , صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ الْبَرَرَةِ الأَطْهَار , وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً مَا تَعَاقَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَار .
أَمَّا بَعْدُ : فَقَدْ انْقَضَى نِصْفُ السَّنَةِ الدِّرَاسِيَّةِ وَمَرَّ بِمَا فِيهِ مِنْ حُلْوٍ وَمُرٍّ , وَتَنَفَّسَ الأَهْلُ الصُّعْدَاءَ وَاسْتَرَاحَ الطُّلابُ مِن العَنَاء !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ فِيمَا مَضَى عِبَرٌ وَادِّكَارٌ لأَهْلِ القُلُوبِ الْحَيَّةِ وَأُولِي الأَبْصَار , جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُم مِن أَهْلِهَا أَيُّهَا الأَخْيَار !
فَمِن العِبَرِ التِي نَسْتَفِيدُهَا مِمَّا مَضَى : أَنَّ الزَّمَنَ يَمْضِى سَرِيعَاً وَلا يَقِفُ , وَأَنَّهُ يَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهُ لا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللهُ , فَالعَاقِلُ مَنْ اسْتَفَادَ مِنْ
حَيَاتِهِ وَاسْتَعَدَّ لِمَمَاتِه !
وَمِنَ الْعِبَرِ : أَنَّ فِي الدُّنيَا فَرَحَاً وَفِيهَا حُزْنَاً وَكَذَلِكَ فِي الآخِرَةِ , وَلَكَنْ شَتَّانَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ ! فَفِي الدُّنيَا , مِن الطُّلابِ مَنْ فَرِحَ بِنَجَاحِهِ وَتَفَوُّقِهِ وَتَحْصِيلِهِ للْعِلْمِ , فَلَمَّا اسْتَلَمَ شَهَادَتَهُ طَارَ بِهَا فَرِحَاً يُبَشِّرُ أُمَّهُ وَأَبَاهُ وَأَهْلَه , وَمْنْهُمْ مَنْ نَدِمَ عَلَى تَفْرِيطِهِ إِمَّا بِرُسُوبِهِ أَوْ بِعَدَمِ تَقَدُّمِهِ مَعَ مَنْ تَقَدَّمَ مِن الْجَادِّينَ , وَتَجِدُهُ لا يُحِبُّ أَنْ يُخْبِرَ أَحَدَاً بِنَتِيجَتِهِ وَيَتَمَنَّى لَوْ رَجَعَ لِلامْتَحَانِ وَأَعَادَه !!
وَهَكَذَا فِي الْقِيَامَةِ فَوْزٌ وَرِبْحٌ عَظِيمٌ , وَخَسَارَةٌ فَادِحَةٌ لا يُمْكِنُ أَنْ تُعَوَّضَ , فَتَأَمَّلُوا كَيْفَ يَحْصُلُ هُنَاك , قَالَ اللهُ تَعَالَى (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ *يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ*مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ *هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ)
وَمِن العِبَرِ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ- فِي هَذِهِ الامْتِحَانَاتِ : الرَّهْبَةُ التِي تَعْتَرِي الطُّلابَ عِنْدَ الامْتِحَان , فَلا تَسْأَلْ عَمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ خَوْفٍ وَقَلَقٍ فِي قَاعَاتِ الاخْتِبَارَاتِ , مَعَ أَنَّ الذِي يَسْأَلُهُم وَيُرَاقِبُهُم بَشَرٌ مِثْلُهُم ,لا يَطَّلِعُونَ عَلَى الْخَفَايَا , وَيُمْكِنُ لأَهْلِ الطُّرُقِ السَّيِّئَةِ الإِفْلاتُ مِن العِقَابِ !
وَلَكِن قُولُوا لِي بِرَبِّكُم : كَيْفَ تَكُونُ الْحَالُ , إِذَا وَقَفْنَا بَيْنَ يَدَيْ الْجَبَّارِ ؟ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ * مَا لَكُمْ لا تَنَاصَرُونَ * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ)
كَيْفَ بِنَا إِذَا وَقَفْنَا حُفَاةً عُرَاةً غُرْلَاً بُهْمَاً ؟ أَيْنَ الْمَفَرُّ ؟ كَلا لا وَزَر ! إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ الذِي يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى , وَيَعْلَمُ مَكْنُونَاتِ الصُّدُورُ وَخَبَايَا النُّفُوسِ هُوَ الذِي يُحَاسِبُنَا , عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلا سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلَا يَرَى إِلا مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ , وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلا يَرَى إِلَّا مَا قَدَّمَ , وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلا يَرَى إِلا النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ , فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ) رَوَاهُ البُخَارِيّ .
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : إِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي لَنَا تِجَاهَ أَوْلادِنَا عِنْدَ ظُهُورِ نَتِيجَةِ الاخْتِبَارِ التَّشْجِيعُ وَالْمُكَافَأَةُ , وَيَكُونُ ذَلِكَ مَعْنَوِيَّاً بِإِسْمَاعِهِم الْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَة وَإِظْهَارِ السُّرُورِ مِن النَّتِيجَةِ الْجَيَّدِةِ حتَّى لَوْ كَانَتْ دُونَ الْمَطْلُوبِ , وَيَكُونُ كَذَلِكَ بِالْمُكَافَآتِ الْمَادِيَّةِ وَالهَدَايَا كُلٌّ بِحَسْبِهِ وَقُدْرَتِهِ , لأَنْ ذَلِكَ مِمَّا يُبْهِجُ النُّفُوسَ وَيُفْرِحُ القُلَوبَ حَتَّى عِنْدَ الكِبَارِ فَكَيْفَ بِالصِّغَارِ !
وَلَكِنْ لا يَنْبَغِي أَنْ يُكَافِئَ الوَالِدُ أَوْلادَهُ بِمَا يَضَرُّهُم , كَالْجَوَّالَاتِ التِي فِيهَا مَا لا يَصْلُح , أَوْ يَشْتَرِي لَهُ سَيَّارَةً وَهُوَ لا يُحْسِنُ التَّصَرُّفَ فِيهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبَاً فِي انْحِرَافِهِ لا قَدَّرَ اللهُ , أَوْ تَدَنِّي مُسْتَواهُ الدِّرَاسِيِّ , فَتَصِيرَ النَتِيجَةُ عَكْسِيَّةً !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الإِجَازَاتِ لَيْسَتَ مَحَلَّاً للْكَسَلِ أَوْ التَّفَلُّتِ مِن الطَّاعَةِ , أَوْ ارْتِكَابِ الْمُحَرَّمَّاتِ , بِحُجَّةِ أَنَّنَا فِي إِجَازَةٍ , وَإِنَّمَا هِيَ فَتْرَةُ اسْتَرَاحَةٍ وَاسْتِجْمَامٍ مِن أَعْبَاءِ العَمَلِ أَوْ الدِّرَاسَةِ مَعَ الْمُحَافَظَةِ عَلَى الطَّاعَاتِ وَالبُعْدِ عَنْ الْمُحَرَّمَاتِ ! بَلْ إِنَّ الْمُوَفَّقِينَ يَسْتَغِلُّونَ إِجَازَاتِهِم فِي أَبْوَابِ الْخَيْرِ مِن الْعِلْمِ النَّافِعِ وَالدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ !
فَكَمْ مِنْ دَوْرَةٍ عِلْمِيَّةٍ أُقِيمَتْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الإِجَازَاتِ ! وَكَمْ مِن النَّاسِ مَنْ اسْتِفَادَ مِنْ إِجَازَتِهِ فِي حِفْظِ بَعْضِ أَجْزَاءِ القُرْآنِ وَمُرَاجَعَةِ مَحْفُوظَاتِهِ السَّابِقَة !
وَفِي الإِجاَزَةِ يَتَيَسَّرُ أَدَاءُ الْعُمْرَةِ التِي هِيَ عَمْلٌ صَالِحٌ وَقُرْبَةٌ إِلى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) مُتَّفُقٌ عَلَيْه .
كَمَا أَنَّ الإِجَازَةَ فُرْصَةٌ لِقَضَاءِ الأَعْمَالِ وَصِلَةِ الأَرْحَامِ وَإِعْطَاءِ الأَهْلِ حَقَّهُمْ , مِن الفُرْجَةِ وَغَيْرِهَا , فإِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ !
فَالإِجَازَةُ أَيُّهَا الإَخْوَةُ مِنْ أَعْمَارِنَا , وَنَحْنُ مُطَالَبُونَ بِالانْتِفَاعِ بِهَا ,
فَعَنْ أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلاهُ ؟) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ , الْحَمْدُ للهِ حَمْدَاً كَثِيرَاً طَيِّبَاً مُبَارَكَاً فِيه , وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى خَاتَمِ أَنْبِيَائِهِ وَخَيْرِ رُسُلُهِ نَبِيِّنَا مُحَمِّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِمْ وَاقْتَفَى أَثَرَهَمْ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ يَكْثُرُ فِي الإِجَازَةِ السَّفَرُ وَلِذَا فَيَحْسُنُ بِنَا أَنْ نَذْكُرَ شَيْئاً مِنْ أَحْكَامِه !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : تَبْدَأُ الأَحْكَامُ لِمَنْ أَرَادَ السَّفَرَ إِذَا خَرَجَ وَتَعَدَّى بُنْيَانَ البَلَدِ الذِي هُوَ فِيهِ , وَتَسْتَمِرُ الأَحْكَامُ حَتَّى يَرْجِعَ وَيَدْخُلَ بُنْيَانَ البَلَدِ ! وَمِن الغَلَطِ أَنْ بَعْضَ النَّاسِ إِذَا نَوَى السَّفَرَ صَلَّى الصَّلاةَ قَصْرَاً فِي البَلَدِ ثُمَّ سَافَرَ , فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَصَلاتُهُ بَاطِلَةٌ وَيَجِبُ أَنْ يُعِيدَهَا !
وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ , وَيَجِبِ عَلَيْهِ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمَاءَ إِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَنْ يَجِدَهُ أَمَامَهُ , كَمَا لَوْ خَرَجَ للصَّحَرَاءِ فَيَحْمِلَ مَعَهُ الْمَاءَ !
وَمِنْ الْخَطَأِ الفَاحِشِ , أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَظُنُّ أَنَّ السَّفَرَ مُبِيحٌ للتَّيَمُّمِ بِكُلِ حَالٍ , وَلِذَا فَلا يَهْتَمُّونَ بِوُجُود ِالْمَاءِ , حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يَنْزِلُ مِن الطَّرِيقِ وَيَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّى وَهُوَ يَرَى مَحَطَّاتِ الْبَنْزِينِ قَرِيبَاً مِنْهُ !!!
وَهَذِهِ الصَّلاةُ قَطْعَاً بَاطِلَةٌ وَلا تُجْزِئُ , وَعَلَى مَنْ حَصَلَ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَقْضِيَ تِلْكَ الصَّلَوَاتِ , لأَنَّهُ صَلَّاهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ ! وَقَدْ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاةَ أَحَدِكُمْ إذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَيُسَنُّ للْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ الصَّلاةَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ , وَيَجُوزُ لَهُ جَمْعُ الظُّهْرِ مَعَ الْعَصْرِ , وَجَمْعُ الْمَغْرِبِ مَعَ الْعِشَاءِ , وَيَفْعَلُ الأَرْفَقَ لَهُ وَلِصُحْبَتِهِ مِنْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوْ جَمْعِ التَّأْخِيرِ .
فَإِنْ صَلَّى الْمُسَافِرُ خَلْفَ مُقِيمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ إِتْمَامُ الرُّبَاعِيَّةِ , وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَقْصُرَهَا حَتَّى لَوْ لَمْ يُدْرِكْ مَعَ الإِمَامِ إِلَّا التَّسْلِيم , فَإِنَّهُ يَقْضِي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ! عَنْ مُوسَى بْنِ سَلَمَةَ رَحِمَهُ اللهُ قَالَ : كُنَّا مَعَ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا بِمَكَّةَ فَقُلْتُ : إِنَّا إِذَا كُنَّا مَعَكُمْ صَلَّيْنَا أَرْبَعَاً وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى رِحَالِنَا صَلَّيْنَا رَكْعَتَيْنِ ؟ قَالَ : تِلْكَ سُنَّةُ أَبِي القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رَوَاه ُأَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .
وَالْمُرَادُ بِالسُّنَّةِ هُنَا : الطَّرِيقَةُ وَالشَّرِيعَةُ , وَهَذَا يَعْنِي أَنَّهُ وَاجِبٌ !
لَكِنْ إِذَا كَانَتْ الصَّلاةُ مُخْتَلِفَةً جَازَ لَهُ الْقَصْرُ كَمَا لَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ خَلْفَ مُقِيمٍ يُصَلِّي التَّرَاوِيحَ أَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي الْمَغْرِبِ فَلَهُ أَنْ يَقْصُرَ , مَعَ أَنَّ الأَفْضَلَ أَنْ يُتِمَّ الرُّبَاعِيَّةَ حَتَّى فِي هَذِهِ الْحالِ !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : فَإِذَا نَزَلَ الْمُسَافِرُ وَاسْتَقَرَّ فِي الْمَكَانِ فَإِنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الْقَصْرُ وَلَا يُشْرَعُ لَهُ الْجَمْعُ إِلَّا عِنْدَ الْحَاجَةِ , فَيُصَلِّي كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا قَصْرَاً بِدُونِ جَمْعٍ ! كَمَا لَوْ نَزَلَ الْمُسَافِرُونَ فِي الصَّحرَاءِ فِي نُزْهَةٍ أَوْ مَا أَشْبَهَهَا , فَيُصَلُّونَ كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا قَصْرَاً للرُّبَاعِيَّةِ بِدُونِ جَمْعٍ إِلَّا إِذَا احْتَاجُوا , كَمَا لَوْ كَانُوا سَوْفَ يَتَفَرَّقُونَ وَيَشُقُّ عَلَيْهِم الاجْتَمَاعُ للصَّلاةِ الأُخْرَى فِي وَقْتِهَا , فَيَجْمَعُونَ لإِدْرَاكِ فَضْلِ صَلاةِ الْجَمَاعَةِ !
فَإِنْ كَانَ بِالقُرْبِ مِنْهُمْ مَسْجَدٌ , كَالْمُسَافِرِ الذِي يَنْزِلُ فِي الْمَدِينَةِ , فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ مَعَ الْجَمَاعَةِ , كُلَّ صَلاةٍ فِي وَقْتِهَا , وَبِطَبِيعَةِ الْحَالِ سَوْفَ يُتِمُّ تَبَعَاً للإِمَامِ !
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَمِن الأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَّفَرِ : أَنَّ الْمُسَافِرَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَى الشَّرَّابِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا , وَيَبْدَأُ باحْتِسَابِ الْمُدَّةِ مِنْ أَوْلِ مَسحٍ بَعْدَ الْحَدَثِ , وَلَكِنْ لَوْ أَنَّهُ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُقِيمٌ ثُمَّ سَافَرَ فَهَلْ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ أَمْ مَسْحَ مُسَافِرٍ ؟ فَالجَوَابُ : أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلافَاً , وَالأَقْرَبُ أَنُّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُسَافِرٍ ! أَمَّا لَوْ عَكَسَ فَمَسَحَ مُسَافِرَاً ثُمَّ أَقَامَ فَإِنَّهُ يُتِمُّ مَسْحَ مُقِيمٍ وَهُوَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ !
أَيُّهَا الإِخْوَةُ : وَعَلَيْنَا جَمِيعَاً فِي سَفَرِنَا وَإِقَامَتِنَا أَنْ نَخْشَى اللهَ وَنَتَّقِيَهُ وَنَسْتَعِدَّ لِلِقَائِهِ فَإِنَّ أَحَدَنَا لا يَدْرِي مَتَى تَأْتِيهِ مَنِيَّتُهُ , وَكَمْ مِنْ مُسَافِرٍ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ وَلَمْ يَعُدْ ! وَكَمْ مِنْ مُقِيمٍ نَوَى السَّفَرَ وَلَكِنَّهُ مَا اسْتَطَاعَهُ.
فاللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ حُسْنَ العَاقِبَةِ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا , وَنَسْأَلُكَ حُسْنَ الْخَاتِمَةِ , اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ الْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللَّهُمَّ إِنَّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِنَا وَدُنْيَانا وَأَهْلِينا وَأَمْوالِنَا , اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَتِنا وَآمِنْ رَوْعَاتِنا اللَّهُمَّ احْفَظْنَا مِنْ بَيْنِ أيَدَينا وَمِنْ خَلْفِنا وَعَنْ أَيْمَانِنَا وَعَنْ شِمَائِلِنا وَمِنْ فَوْقِنا وَنعُوذُ بِعَظَمَتِكَ أَنْ نغْتَالَ مِنْ تَحْتِنا !
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَزَوْجَاتِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ , وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ .
المرفقات

عِبَرٌ بَعْدَ الامْتِحَانَاتِ , وَإِجَازَةِ الرَّبِيعِ 16 صفر 1435 هـ.doc

عِبَرٌ بَعْدَ الامْتِحَانَاتِ , وَإِجَازَةِ الرَّبِيعِ 16 صفر 1435 هـ.doc

المشاهدات 2458 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا ونفع بعلمك