عَبَثُ السُّفَهَاءِ
يوسف العوض
الخطبة الأولى :
الحَمْدُ للِّهِ الْمَلَكِ الدَّيَّانِ، الرَّحِيمِ الرَّحْمَنَ، خَالَقِ الْأَكْوَانِ وَمُقَلِّبِ الْأَزْمَانِ، أَحَمِدُهُ جَلَّ شَأْنُهُ وَأَشْكُرُهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللَّهُ وَحْدَهُ لاشريكَ لَهُ وَلَا نِدَّ وَلَا صَاحِبَةَ وَلَا وِلْدَان، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا وَحَبيبَنَا وَسَيِّدَنَا مُحَمَّداً عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ لِلثَّقَلَيْنِ الْإِنْسِ وَالْجَانِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَعَلَى آله وَصَحَبِهِ وَمِنْ تَبِعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِإحْسَانِ ..
أمابعد: { يا أَيّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اِتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
أيَّها المُؤمِنونَ: يقول الله تعالى { وَاللَّه يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَات أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيماً } تَظْهَرُ بَيْنَ الفَيْنَةِ وَالْأُخْرَى صَوَرٌ مِنَ السَّفَهِ وَالسُّفَهَاْءِ فِي تَصَرُّفَاتٍ شَاذَّةٍ وَمُسْتَنْكَرَةٍ مِنْ ذَوِي الْعُقُولِ وَالْأَلْبَابِ فَهَذَا يَرْقُصُ فِي شَارِعٍ عَامٍّ مَعَ امراةٍ دُونَ حَياءٍ أو خَجَلٍ وآخرُ مِن الوَافِدِين يُقَبِّلُ مَحْبُوبَتَهُ وَيَضُمُّهَا عَلَى كَوَرْنِيشِ الْبَحْرِ وَثَالِثٌ يَسْمَحُ لأخْتِهِ أَنْ تُجْريَ مُقَابَلَةً تِلْفِزيُونِيَّةً وتُغنِّي للنَّادي الذي تُشجعهُ بَعْدَ خُرُوجِهَا مِنْ حُضورِ مُبَارَاةٍ لكُرَةِ الْقَدَمِ وَرَابعٌ يَجْلِسُ بِزَوْجَتِهِ فِي مَطْعَمٍ بمَرْأَىً مِنَ النَّاسِ وَبَيْنَ أَظْهُرِ الرِّجَالِ وَهَكَذَا تَطُولُ قَائِمَةُ السُّفهَاءِ وَيُعْلِنُ الشَّاذُّونَ بِشُذُوذِهِمْ وَيَجهَرُونَ بِسُوءِهم فِي مُجْتَمَعٍ ظَلَّ قُدْوَةً للمُسْلِمينَ فِي العَالَمِ فهُوَ مُجْتمَعٌ يُقَدِّمُ صُورَةَ الْمُجْتَمَعِ الْمُسْلِمِ الَّذِي يَحْفَظُ اللَّهَ، كَيْ يَحْفَظَهُ اللَّهُ، وَيَتَّقِيَ اللَّهَ لِيَقِيَهُ اللَّهُ!! فعَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ زَيْنَبَ بِنِّتِ جَحْشٍ رَضِيَّ اللَّهُ عَنْهُا أَنَّ النَّبِيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلِيهَا فَزِعًا يَقُولُ:« لَا إلَهُ إلا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرْبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اِقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يأجُوجَ ومأجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ»- وَحَلَّق بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا- قَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ: يا رَسُولَ اللَّهِ ! أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ:« نَعَمَ، إذاَ كَثُرَ الخبَثُ »؛ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: أَعْرِفُ أَنَّ تِلْكَ النَّمَاذِجَ شَاذَّةٌ فِي مُجْتَمَعٍ يَرْفُضُ أَنْ تُمْتَهَنَ فِيهِ الْفَضِيلَةُ بِتِلْكَ الصُّورَةِ، وَيَسْتَنْكِرَ أَفعَالَ قَومٍ مَحْسُوبِينَ عَلَيهِ، فيُصَوِّرُونَ سُلُوكَا شَائِنًا لَمْ نَعْهَدْهُ مِنْ قَبْلَ فِينَا ، يَعْرِفُ الْعُقَلَاَءُ مِنَ النَّاسِ أَنّهُ لَيْسَ مِنْ دِيننَا، وَلَا مِنْ عاداتنا، وَلَا مِنْ تَقَالِيدنَا فِي شَيْءٍ، بَلْ هِي أَفعَالٌ خَارِجَةٌ تَمَامًا عَنِ الْحَقِّ، يُرَادُ بِهَا تَشْوِيهُ صُورَةِ هَذَا الْبَلَدِ الَّذِي حَمَلَ عَلَى عَاتِقِهِ هموماً جِسَاماً مِنْ مُنْطَلِقِ وَاجِبَاتِهِ الْعَرَبِيَّةِ وَالْإِسْلَامِيَّةِ، مُنْطَلِقَاً مِنْ ثَوَابِتِهِ الدِّيِنِيَّةِ وَالْاِجْتِمَاعِيَّةِ الَّتِي يَعْرِفُ تَفَاصِيلَهَا الْجَمِيلَةَ كُلُّ مِنْ عَاشَ عَلَى تُرَابهِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ:(اِجْتَنَبُوا هَذِهِ الْقَاذُورَاتِ الَّتِي نَهَى اللَّهُ عَنهَا، فَمِنْ أَلَمَّ بِشَيْءٍ مِنهَا فَلََيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللَّهِ ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ، وَهُوَ حَديثُ صَحِيحٍ.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ:هَذِه ظَاهِرَةٌ لَمْ نَأْلَفْهَا، وَلَمْ تَكُنْ فِينَا حَتَّى ظَهَرَ بِهَا وَأَظْهَرَهَا قَوْمٌ مَحْسُوبُونَ عَلَينَا، يُريدونَ تَهوينَ المنكرِ في أَعْيُنِ النّاسِ وَاِنْطَلَقْتْ بِهَا وَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الْحَديثَةِ تُعِيدُ رَسْمَ خَارِطَةِ الْعَالَمِ الذِّهِنِيَّةِ عَنْ هَذَا الشَّعْبِ الَّذِي مَنَّ اللَّهُ عَلَيهِ بِنِعَمٍ لَا تُعَدُ ولَا تُحصَى ، فَكَثُرَ الْحَاقِدُونَ،وَالْحَاسِدُونَ، وَطَفِقُوا يَسْحَبُونَ تِلْكَ الْأَفْعَالَ عَلَى كُلِّ أَبْنَاءِ هَذَا الْوَطَنِ ، مُشَوِّهِينَ لِصُورَتِهِ الَّتِي عَرَفَهَا الْعَالَمُ أَجْمَعُ عَنهُ، الصُّورَةُ الْجَمِيلَةُ الَّتِي مَادَّتْهَا الْخَيْرُ، وَعِمَادهَا مَخَافَةُ اللَّهِ فِي كُلِّ شَأْنِهِ وَمَنهجُها التَّمَسُّكُ بِدِينِهِ وَسَنَةِ نَبِيّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، فَخَرَجَ عَلِينَا بَعْضُ السُّفهَاءِ مِمَّنْ قَلَّ فِيهِمُ الْحَيَاءُ، وَضَعُفَتْ مَخَافَةُ اللَّهِ فِي قُلُوبهِمْ، يُصَوِّرُونَ لِلْعَالَمِ أَنَّ تِلْكَ السَّخَافَاتِ هِي مِنْ عُرْفِنَا الْاِجْتِمَاعِيِّ، وَنَحْنُ مِنهَا بَرَاءَ، مُصَوِّرِينَ لِلْحَاقِدِينَ وَالْحَاسِدِينَ أَنَّ هَذَا الشَّعْبَ بَلَغَ مِنَ الْفِسْقِ منتهاه، وَمِنَ السَّخَافَةِ حَدَّهَا !
فاللَّهُمَّ لا تُؤاخِذْنا بِما فَعَلَ السُّفهَاءُ مِنَّا ..
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ لله عَلَى إحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَاِمْتِنَانِهِ, وأَشهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلا اللَّهُ وَحَدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ،وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ لله وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى جَنَّتِهِ ورِضوانِهِ، صَلَّى اللَّهُ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آله وَأَصْحَابِهِ وَإِخْوَانِهِ وَأَعْوَانِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أيَّها المُؤمِنونَ: رَوَى اِبْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي كِتَابِهِ ذَمِّ الْمَلَاَهِي بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ بِمَا لَهُ مِنْ شوَاهِدَ وَطُرُقٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ قَالٌ: ( فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ ) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يا رَسُول اللَّهِ وَمَتَى ذَاكَ قَالَ: ( إذاَ ظَهَرَتِ الْقَيْنَاتُ وَالْمَعَازِفُ وَشُرِبَتْ الْخُمُورُ ) .
أُولَئِكَ السُّفَهَاءُ إذاَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَى أَيَدَيْهِمْ، وَيُجَرَّمْ فُعُلُهُمْ، وَيَنَالُونَ الْعُقُوبَاتِ عَلى تَجَاوُزَاتِهِم ، فَإِنّهُمْ سَيَكَونُونَ بَابَ شَرٍّ عَلَى هَذَا الْبَلَدِ، وَسَيَجُرُّونَ عَلَى مُجْتَمَعِنَا الْوَيْلَاتِ، وَسَيَرْسِمُونَ صُورَةً سَيِّئَةً عَنْ بَلَدٍ هُوَ مَهْوَى أَفْئِدَةِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَقْصِدُ وُجوهِ المُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالى مُحَذِراً : { إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّه يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ).
فَاللَّهُمَّ اِهْدِنَا لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَالْأَقْوَالِ وَالْأخْلَاقِ لَا يَهَدِي لِأَحَسَنِهَا إلا أَنْتَ, وَاِصْرِفْ عَنَّا سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنَّا سَيِّئَهَا إلا أَنْتَ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنَا، وَاِغْفِرْ ذُنُوبَنَا، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا، وَحَسِّنْ أَخلَاقَنَا, وَاِغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدِينَا وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ.