عبادة النظر إلى السماء

د. عبدالله بن حسن الحبجر
1446/05/19 - 2024/11/21 09:53AM
عبادة النظر إلى السماء
ألقيت في : 15 / 4 / 1446 هـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحَمْدُ للهِ تَفَرَّدَ بِالْعِزَّةِ وَالْمُلْكِ والْجَلَالِ؛ فَلَهُ الْحَمْدُ بُكْرَةً وَعَشِيًّا وَفِي الْغُدُوِّ وَالآصَالِ، وَأَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَهُو الْكَبِيرُ المُتَعَالُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَرِيمُ الخِصَالِ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ خَيرِ صَحْبٍ وآلٍ، والتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ:
فَأُوصِيكُمْ - أَيُّها النَّاسُ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ -، فَاتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ -، ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
عباد الله:
السَّمَاءُ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَخَلْقٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ عَظِيمٌ ، ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ مَوْضِعٍ ، وَجَعَلَهَا دَلِيلًا عَلَى رُبُوبِيَّتِهِ وَبُرْهَانًا عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ ، بِأَيَّآتِهَا أَبْطَلَتْ حُجَجَ الْمُشْرِكِينَ ، وَأَلْجَمَتْ أَفْوَاهَ الْمُسْتَكْبِرِينَ .
وَلَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ جَلَّ وَعَلَا عِبَادَهُ بِالنَّظَرِ إِلَى السَّمَاءِ وَالتَّأَمُّلِ فِيهَا وَعَظِيمِ خَلْقِ اللَّهِ لَهَا وَجَمَالِهِ فَقَالَ سبحانه:
﴿أَفَلَا یَنظُرُونَ إِلَى ٱلۡإِبِلِ كَیۡفَ خُلِقَتۡ ۝١٧ وَإِلَى ٱلسَّمَاۤءِ كَیۡفَ رُفِعَتۡ ۝١٨ ﴾
وقال سبحانه:
﴿أَفَلَمۡ یَنظُرُوۤا۟ إِلَى ٱلسَّمَاۤءِ فَوۡقَهُمۡ كَیۡفَ بَنَیۡنَـٰهَا وَزَیَّنَّـٰهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجࣲ﴾
واسعة البناء، عظيمة الاتقان، لا تفاوت ولا شقوق:
﴿ٱلَّذِی خَلَقَ سَبۡعَ سَمَـٰوَ ا⁠تࣲ طِبَاقࣰاۖ مَّا تَرَىٰ فِی خَلۡقِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ مِن تَفَـٰوُتࣲۖ فَٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ هَلۡ تَرَىٰ مِن فُطُورࣲ# ثُمَّ ٱرۡجِعِ ٱلۡبَصَرَ كَرَّتَیۡنِ یَنقَلِبۡ إِلَیۡكَ ٱلۡبَصَرُ خَاسِئࣰا وَهُوَ حَسِیرࣱ﴾ أَعِدُّ النَّظَرَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ ، حَاوِلْ مَرَّاتٍ وَكُرَاتٍ ، لَنْ تَجِدَ فِي السَّمَاءِ عَلَى اتِّسَاعِهَا خَرْقًا وَلَا فَتْقًا وَلَا مَيْلًا ،
وَفِي كِتَابِ اللَّهِ ذَكَرَ اللَّهُ حَالَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ نَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ مُقَلِّبًا وَجْهَهُ فِيهَا رَاغِبًا إِلَى اللَّهِ بِالْحَالِ دُونَ الْمَقَالِ أَنْ يُغَيِّرَ الْقِبْلَةَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى الْبَيْتِ الْحَرَامِ فَأَرْضَاهُ اللَّهُ :
﴿قَدْ نَرى تَقَلُّبَ وجْهِكَ فِي السَّماءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضاها فَوَلِّ وجْهَكَ شَطْرَ المَسْجِدِ الحَرامِ﴾ وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم كَثِيرَ النَّظَرِ إِلَى السَّمَاءِ ، فَفِي « صَحِيحِ مُسْلِمٍ » ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ وَاصِفًا حَالَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :
" فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَكَانَ كَثِيرًا مَا يَرْفَعُ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ "
وَكَانَ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ عِنْدَ تَدَبُّرِ آي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِمَا ، فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : بِتُّ فِي بَيْتِ مَيْمُونَةَ لَيْلَةً ، وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَهَا ، لِأَنْظُرَ كَيْفَ صَلَاةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِاللَّيْلِ ، فَتَحَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ أَهْلِهِ سَاعَةً ، ثُمَّ رَقَدَ ، فَلَمَّا كَانَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخَرُ ، أَوْ بَعْضُهُ ، قَعَدَ فَنَظَرَ إلَى السَّمَاءِ ، فَقَرَأَ :
﴿إِنَّ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَا تِ وَٱلۡأَرۡضِ وَٱخۡتِلَـٰفِ ٱلَّیۡلِ وَٱلنَّهَارِ لَـَٔایَـٰتࣲ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَلۡبَـٰبِ﴾ وَعِنْدَ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَنْزِلِهِ يَرْفَعُ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ ثُمَّ يَدْعُو فَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ : مَا خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْتِي قَطُّ إلَّا رَفَعَ طَرْفَهُ إلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ : (اللَّهُمَّ، إنِّي أعُوذُ بِكَ أنْ أضِلَّ أوْ أُضَلَّ، أوْ أزِلَّ أوْ أُزَلَّ، أوْ أظْلِمَ أوْ أُظْلَمَ، أوْ أجْهَلَ أوْ يُجْهَلَ عَلَيَّ)
وربَّما رفَعَ النبيُّ ﷺ بصَرَهُ إلى السماءِ، وهو يتحدَّثُ إلى أصحابِهِ ويَعِظُهم ويعلِّمُهم، فقد جاء عن عليٍّ رضي الله عنه أنه قال:
بينما نحنُ مع رسولِ اللهِ ﷺ وهو ينكُتُ في الأرضِ، إذْ رفَعَ رأسَهُ إلى السَّماءِ، ثُمَّ قال:
(ما مِنكُمْ مِن أحَدٍ إلاَّ قَدْ عُلِمَ ـ ـ مَقْعَدُهُ مِنَ النّارِ، ومَقْعَدُهُ مِنَ الجَنَّةِ)، قالُوا: أفَلا نَتَّكِلُ يا رَسُولَ اللهِ؟ قالَ: (لا، اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِما خُلِقَ لَهُ)
عباد الله: عباد الله:
النظر إلى السماء تأمُّلًا وتدبُّرًا وتفكُّرًا عبادة مغفول عنها بل قال بعض أهل العلم باستحباب رفع البصر إلى السماءِ عندَ الدعاءِ في غيرِ الصلاةِ، وعدوه مِن السُّنَنِ المهجورةِ، ولقد كان الصحابة رضي الله عنهم يَعْرِفُونَ دعاءَهُ ﷺ برفعِ بصرِهِ إلى السماءِ، ففي «صحيحِ مسلمٍ»، عن المِقْدادِ، رضي الله عنه في قصة شربه شراب النبي ﷺ قال في آخره:
"فرفَعَ رأسَهُ إلى السماءِ، فقلتُ: الآن يَدْعُو "،
أما رَفْع البَصَرِ إِلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ فمنهي عنه وجاء عليه وعيد شديد فعن أَنَس بْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
(مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلاَتِهِمْ) فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ:
(لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ) أخرجه البخاري وَهَذَا النَّهْيُ يَشْمَلُ أَحْوَالَ الصَّلَاةِ كُلِّهَا سَوَاءٌ فِي حَالِ الْقِرَاءَةِ أَوْ فِي حَالِ الرُّكُوعِ ، أَوْ فِي حَالِ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ ، بَلْ حَتَّى فِي الْقُنُوتِ فِي الصَّلَاةِ .
اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا وَانْعِنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا وَزِدْنَا عِلْمًا وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ
اَلْخُطْبَةُ اَلثَّانِيَةُ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الْحَمْدُ لِلَّهِ وَكَفَى ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّهِ الْمُصْطَفَى ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ اهْتَدَى أَمَّا بَعْدُ :
أَيُّهَا اَلْمُسْلِمُونَ :
فَمَعَ تَقَلُّبِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ تَتَقَلَّبُ الْأَحْوَالُ بَيْنَ بَرْدٍ وَحَرٍّ وَصَيْفٍ وَشِتَاءٍ ، ﴿یُقَلِّبُ ٱللَّهُ ٱلَّیۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ إِنَّ فِی ذَ ⁠لِكَ لَعِبۡرَةࣰ لِّأُو۟لِی ٱلۡأَبۡصَـٰرِ ﴾
وَهَذَا أَوَانُ انْتِقَالٍ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ ، تَكْثُرُ فِيهِ الْإِصَابَةُ بِأَمْرَاضٍ مَوْسِمِيَّةٍ تَتَكَرَّرُ كُلَّ عَامٍ ، وَقَدْ أَوْصَى الْمُخْتَصُّونَ النَّاصِحُونَ النَّاسَ عَامَّةً وَكِبَارَ السِّنِّ خَاصَّةً بِأَخْذِ اللَّقَاحِ لِلْوِقَايَةِ مِنْهَا فَهِيَ عَلَيْهِمْ أَعْظَمُ ضَرَرًا وَأَشَدُّ خَطَرًا . وَقَدْ قِيلَ الْوِقَايَةُ خَيْرٌ مِنْ الْعِلَاجِ ،
فَاسْتُجِيبُوا رَحْكُمْ اللَّهُ لِمَا دُعِيتُمْ إلَيْهِ ، حَفِظَ اللَّهُ الْجَمِيعَ بِحِفْظِهِ وَهُوَ خَيْرُ الْحَافِظِينَ .
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَذِلَّ الْكُفْرَ وَالْكَافِرِينَ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ .
اللَّهُمَّ أَصْلَحَ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ .
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَ الْإِسْلَامَ أَوْ الْمُسْلِمِينَ بِسُوءٍ فَاشْغَلْهُ فِي نَفْسِهِ وَرُدَّ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ وَاجْعَلْ دَائِرَةَ السُّوءِ عَلَيْهِ .
اللَّهُمَّ احْفَظْ بِلَادَنَا بِحِفْظِكَ وَاكْلَأْهَا بِرِعَايَتِكَ ، اللَّهُمَّ احْرُسْهَا بِعَيْنِكَ الَّتِي لَاتَّنَامُ ،  ، واكَنِّفْهَا بِرَكْنِكَ الَّذِي لَايُضَامُّ ، وَاكِفْهَا شَرَّ الْحَسَدَةِ اللِّئَامِ ، يَاذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ
 . اَللَّهُمَّ وَفْقَ قَادَهِ يَرْعَوْنَهَا وَجَنُودًا يَحْرُسُونَهَا وَعُلَمَاءُ يُرْشِدُونَهَا يَاحِي يَاقْيُومْ وَجَمِيعُ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ يا رب العالمين
المشاهدات 280 | التعليقات 0