عبادات جليلة في رمضان

أبو ناصر فرج الدوسري
1438/09/04 - 2017/05/30 22:00PM
الخطبة مقتبسة من عدة مصادر
أما بعد : فاتقوا الله يا عباد الله فإن تقوى الله سبحانه وتعالى ، هي وصيَّة اللهِ للأوَّلين والآخِرين،
يقول سبحانه : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ وخاصة أننا في شهر التقوى ، وفي موسم يدفعنا إلى التقوى
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَات﴾
صدق الله سبحانه وتعالى ﴿ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا ﴾ ، رمضان أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ
فتأمل أيام معدودات ، هذا الذي يستثقله بعض الناس ، ويتمنى بعضهم نهايته ، ماهو إلا أيام معدودات .
وها قد مضى أسبوع من رمضان ، والله أعلم بما قضيت هذه الأيام ، فالناس بين رابح وخاسر ، وبين غانم ومغبون.
ولكن ينبغي لنا ، بل يجب علينا ، الإحسان والتقرب إلى الله فيما بقي من أيام ، التي سوف تمر كما مرت الأيام التي قبلها.
أيها الأخوة: أعمال كثيرة ، وعبادات جليلة ، ومجالات متنوعة ، تقرب من الله سبحانه ، ينبغي للمسلم أن يحرص عليها ، وأن يكون من أهلها ، وهي فرصة في هذا الشهر العظيم .
ومن ذلك صلاة التراويح، التي يستثقلها كثير من المسلمين.
فقد جاء عن النبي ﷺ في الحديث "مَنْ قَامَ مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ كُتِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ"
فاحرصوا على هذه النافلة القليلة التي يكتب لك بها الأجر الكثير ، ولا تتثاقلها.
واحذر أن تكون من هؤلاء الذين لا يصلون إلا العشاء ويخرجون إلى أسواقهم أو استراحاتهم أو ملاعبهم ،
أو أولئك ، الذين يتنقلون من مسجد إلى مسجد ، بحجة البحث عن إمام صلاته سريعة وكأنهم في سباق وكأن هذه الصلاة هماً يريدون التخلص منه،
فيمضي وقتهم يتنقلون بين المساجد ، فيفوتهم هذا الأجر العظيم ،
ولا تكن من الذين يبحثون عن الأصوات الجميلة فإن المقصود هو تدبر كلمات القرآن وليس صوت القارئ.
ففي الحديث الصحيح يقول ﷺ: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه"
وكذلك من العبادات العظيمة ، التي ينبغي أن يحرص عليها المسلم ، عبادة الدعاء ،
يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾
فالدعاء عبادة تقرب إلى الله سبحانه وتعالى ، وله مكانة عظيمة في شهر رمضان ، وأي مكانة للدعاء أعظم من أنه يستجاب ، ففي الحديث قال ﷺ: "إنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ"
فالدعاء في هذا الشهر ، يتميز عنه في غيره ، وينبغي للمسلم أن لا يغفل عنه ، ينبغي أن يدعو لنفسه ،
ويدعو لأهل بيته ، ويدعو للمسلمين ، فالأمة بحاجة للدعاء لعلها توافق ساعة إجابة .
قال ﷺ : "ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفَتَّحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ "
هذا الحديث دليل على أنه ينبغي للصائم أن يغتنم لحظات الإفطار فيدعوا بما أحب من الخير فإن له دعوة مستجابة ..
فلنجتهد ولنحافظ على الدعاء وعلى صلاة التراويح والقيام مع الإمام ، ونستغل لحظات الصيام بكثرة الدعاء وذكر الله.
ومن العبادات العظيمة في رمضان وفي كل الأوقات قراءة القرآن, فيَنْبَغِي لَنَا فِي رَمَضَانَ أَنْ نُولِيَ الْقُرْآنَ مِنْ ثَلاثَةِ جَوَانِبَ : تِلَاوَةً وَحِفْظَاً وَتَدَبُّرَاً .
قال ابن القيم :"فقراءة آيَة بتفكر وتفهم، خير من قِرَاءَة ختمة بِغَيْر تدبر وتفهم، وأنفع للقلب، وأدعى الى حُصُول الايمان وذوق حلاوة الْقُرْآن، وَهَذِه كَانَت عَادَة السّلف يردد احدهم الاية الى الصَّباح" .
فيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا وِرْدٌ يَوْمِيٌّ طُوَالَ السَّنَةِ , كَمَا هِيَ السُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ.
ويَنْبَغِي لَكَ أَيُّهَا الصَّائِمُ الْعِنَايَةُ التَّامَّةُ بِالْقُرْآنِ فِي رَمَضَانَ فَاخْتَرْ لِنَفْسِكَ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ لِتَقْرَأَ كَلَامَ رَبِّكَ , وَتَتَمَتَّعَ بِحَدِيثِ مَوْلَاكَ ﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ﴾
فَلَوْ أَنَّكَ جَلَسْتَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي مَسْجِدِكَ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ فَإِنَّكَ قَدْ تَقْرَأُ ثَلاثَةَ أَجْزَاءٍ أَوْ رُبَّمَا أَكْثَرَ، فَتَخْتِمُ الْقُرْآنَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ فِي رَمَضَانَ.
عَنْ أَبِيْ أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ " اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وهنا تنبيه بخصوص قراءة القرآن أنه يجب في قراءة القرآن تحريك الشفتين وأن يخرج منك صوت القراءة , أما مجرد مطالعة المصحف والقراءة في الصدر فهذا لا يحصل له أجر القراءة.
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة ؟ أو يكفي بالقلب ؟ مجموع فتاوى ابن عثيمين 13/156
فأجاب: "القراءة لابد أن تكون باللسان ، فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه ، وكذلك أيضاً سائر الأذكار ، لا تجزئ بالقلب ، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه ؛ لأنها أقوال ، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين" انتهى .
أَسْأَلُ اللهَ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى أَنْ يَجْعَلَنِي وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرْآنِ، وَمِمَّنِ اعْتَنَى بِهِ فَقَرَأَهُ وَحَفِظَهُ وَتَدَبَّرَهُ وَعَمِلَ بِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلِ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قُلُوبِنَا وَنُورَ صُدُورِنَا وَذَهَابَ غُمُومِنَا وَهُمُومِنَا, اللَّهُمَّ عَلِّمْنَا مِنْهُ مَا جَهِلْنَا وَذَكِّرْنَا مِنْهُ مَا نُسِّيْنَا, اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ أَحَلَّ حَلالَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ, وَعَمِلَ بِمُحْكَمِهِ وَآمَنَ بِمُتَشَابِهِهِ، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَاهِدَاً لَنَا لا شَاهِداً عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ شَفِيعاً لَنَا يَوْمَ نَلْقَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
الخطبة ا
لثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَىْ إِحْسَاْنِهِ ، وَالْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اللهُ ، وَحْدَهُ لَاْ شَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ الْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلِيْهِ وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً
أما بعد فاتقوا الله أيها المؤمنون :
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾
عباد الله : إن الصيام لا يصان إلا بصيام مكونات الجسد كلها؛ فصيام القلب بالإخلاص، وصيام اللسان بإمساكه عن عورات الناس، وصيام الفرج عن الزنا والمقدمات، وصيام العين عن النظر إلى المحرمات، وصيام البطن عن أكل الحرام، والله تعالى يقول: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾
وفي صيام الجائع يقول الرسول ﷺ: " مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ" ويقول ﷺ : " مَا صَامَ مَنْ ظَلَّ يَأْكُلُ لُحُومَ النَّاسِ " .
أيها الاخوة المؤمنون؛ صيام الخاشع قلب صاحبه ملؤه الإيمان والأمل والإخلاص والصدق.
صيام الخاشع يصاحبه الجود والكرم، وصيام الجائع يصاحبه الشره والجشع.
صيام الخاشع للقلب والروح، وصيام الجائع للبطن والمعدة.
صيام الخاشع تهذيب للأغنياء ومواساة للفقراء، وصيام الجائع معرض لفنون الأطعمة والأشربة، حيث تزداد فيه عندنا تخمة الغني بقدر ما تزداد فيه حسرة الفقير!...
صيام الخاشع للتجرد للعلم والفوائد، وصيام الجائع لمجرد الأكل والموائد.
صيام الخاشع كان النبي ﷺ يحيي به ليالي رمضان حتى تورمت قدماه، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،
وصيام الجائع نحيي به نحن ليالي رمضان بمشاهدة التلفزيون والإبحار في المواقع العنكبوتية من أجل فساد ربما لا يخطر حتى ببال الشيطان، حتى تورمت عيوننا، فنزيد من قائمة ذنوبنا ما تقدم منها وما تأخر.
صيام الخاشع يتعرض في رمضان لنفحات الرحمن،
وصيام الجائع نعرض فيه أنفسنا في وسائل الإعلام للفحات الشهوة والشيطان؛ حيث يرفعون من وثيرة الفسق في ليالي رمضان، فيختارون لها أفحش أفلام الرقص والمجون، وأفسق البرامج الخليعة، فيبثون لبيوت الصائمين والصائمات أفظع السهرات وأقبح الويلات.
صيام الخاشع هو صيام المدارسة والتفسير، وصيام التدبر والتدبير، وصيام الجائع صيام الإسراف والتبذير، والغيبة والنميمة والتزوير.
صيام الخاشع يعتكف أصحابه في أحب البقاع إلى الله وهي مساجدها،
وصيام الجائع يعتكف أصحابه في أبغض البقاع إلى الله وهي أسواقها، فلا يحضرون المساجد إلا قليلا وعلى عجل، فيصير عندهم رمضان موسماً للدنيا لا للآخرة.
صيام الخاشع محلى بمدارسة القرآن ، ومجالسة الصالحين،
وصيام الجائع مخلى بمصاحبة قرناء السوء ومدارسة لعبة الورق مما يسمى ﺑـ(الشيش) و(البلوت) وغيرهما من الألعاب المحرمة.
احرصوا ـ أيها الأخوة ـ على استغلال شهركم بما يليق بكم وبدينكم ، اجعلوا رضا ربكم هدفا أولا لكم ، والجنة مقصدا في أولويات مقاصدكم .
﴿ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾
اللَّهُمَّ تقبل منا صيامنا وقيامنا وصدقاتنا وصالح أعمالنا وأجعلها خالصة لوجهك الكريم.
اللهم انصر الإسلام والمسلمين , اللهم أنصر المسلمين في الشام والعراق واليمن وأراكان وفي كل مكان يارب العالمين
اللهم واحمي حوزة الدين ، واجعل بلدنا هذا آمنا مطمئنا وجميع بلاد المسلمين ،
اللهم آمِنَّا في أوطاننا، واستعمل علينا خيارنا، واكفنا شرَّ شرارِنا، واجعل ولايتنا وولاية جميع المسلمين في من خافك واتقاك واتبع رضاك يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار.
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ .
اللهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ عَلَى عَبْدِكَ وَرَسُولِكَ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِينَ، اللهُمَّ ارْضَ عَنْ صَحَابَتِهِ وَعَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعيِهِم إِلَى يَوْمِ الدِّينِ, وَعَنَّا مَعَهُم بِعَفْوِكَ وَمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .

.



رابط الخطبة منسقة
https://docs.google.com/document/d/19MczSf20Win7CmEjd3Vz8HYJvqdFexoD7EIJRiVoeSc/edit?usp=drivesdk
المشاهدات 1210 | التعليقات 0