عام دراسي جديد1445
عبدالعزيز أبو يوسف
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن نبينا محمد عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين
( يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم)
أيها المسلمون: ودعنا قبل شهر عاماً كاملاً بأشهره وأيامه ولياليه ومواسم الخير فيه، وكذا عاماً دراسياً كاملاً فنحمده تعالى على أن مد في الأعمار ونسأله القبول لما قدمنا فيه من صالحات والعفو عما صدر فيه من الزلات، وهكذا السُّنُونُ تَنْقَضِي من الأعمار حَتَّى يَعْقُبَهَا الْمَنُونُ، تَتَجَدَّدُ أَمَامَ نَوَاظِرِنَا مَعَالِمُ الْعِبَرِ، وَتَهُزُّ قُلُوبَنَا تِلْكَ ى الْعِظَاتُ، وَفِي هَذَا ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ جعلنا الله منهم؛ بِالْأَمْسِ الْقَرِيبِ ودعنا عَامًا دِرَاسِيًّا، وَهَا نَحْنُ بعد غد نَسْتَقْبِلُ عَامًا دِرَاسِيَّا جَدِيدًا، وَهَكَذَا تَمْضِي بِنَا الْحَيَاةُ بَيْنَ اسْتِقْبَالِ للزمان والمواسم وَوَدَاعِهِا، وَشُرُوقِهِا وَغُرُوبِهُا، وَبِدَايَتِهِا وَنِهَايَتِهِا، وَنَبْقَى أَغْرَاضًا لِسِهَامِ الْمَنَايَا، وَمَا كَثْرَةُ صَرْعَى الْمَنَايَا إلَّا دَلِيلُ صِدْقٍ عَلَى قُرْبِهَا مِنَّا، فنسأله تعالى صلاح العمل وحُسن الختام
أَيّها المؤمنون: عَامٌ دِرَاسِيٌّ جَدِيدٌ يستقبله أبنائنا وبناتنا ليعودوا لاستكمال رحلتهم في طلب الْعِلْمُ، الْعِلْمُ الَّذِي يرَفَعَ اللَّهُ بِهِ أَقْوَامًا وَيضَعَ بِهِ آخَرِينَ، فَلَا يَسْتَوِي عَالِمٌ وَجَاهِلٌ؛ ﴿ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾، وَقَالَ تَعَالَى مبيناً فضل أهل العلم وطلابه: ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ ، وَالْعِلْمُ أَيْسَرُ الطُّرُقِ وَأَحْسَنُهَا لِلْوُصُولِ إِلَى رِضْوانِ اللَّهِ وَجَنَّتِهِ؛ فَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَديثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا، سَهَّلَ اللهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ"، وبيَّنَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ فَضْلَ الْعِلْمِ وأَهْلِهِ فقال: "إِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضًا لِطَالِبِ الْعِلْمِ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ، وَمَنْ فِي الْأَرْضِ، وَالْحِيتَانُ فِي جَوْفِ الْمَاءِ"، رواه أَبُو دَاودَ والتِّرْمِذِيُّ، ولَمْ يَأْمُرْ رَبُّنَا جَلَّ وعَلا نبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّزَوُّدِ مِنْ شَيءْ إِلَّا مِنَ الْعِلْمِ؛ فَقَالَ لَهُ آمِرًا، ولِغَيْرِهِ مُرْشِدًا: وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً
أيها الطلاب على اختلاف مراحلكم الدراسية: أحمدوا الله تعالى على ما أنعم به عليكم من تيسير طُرق العلم وتحصيله وما هيئته بلادنا المباركة وولاة أمرها من تيسير كافة سُبل التعلم ومنحته بالمجان، فاستقبلوا عامكم الدراسي الجديد بتجديد النية بابتغاء الثواب والأجر بطلبكم العلم ولو كان علماً دنيوياً تهدفون منه رفع الجهل عنكم ونفع مجتمعكم وبلادكم بما تتعلمون ، واعقدوا العزم على الجد والاجتهاد في تحصيل العلوم النافعة، فما أجمل الإقبال على طلب العلم رغبتاً وشوقاً إليه وتنافساً لبلوغ أعلى الرتب في تحصيله
أيها الأباء الكرام: اغْرِسُوا فِي قُلُوبِ أَبْنَائِكُمْ وَبَنَاتِكُمْ حُبَّ الْعِلْمِ وأَهْلِهِ، أرشدوهم إلى إِجْلالَ الْمُعَلِّمِينَ وَالْمُعَلِّمَاتِ وَتَوْقِيرِهِمْ وَاحْتِرَامِهِمْ؛ عَلِّمُوهُمُ الْأدَبَ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسُوا فِي مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالطَّلَبِ، لَمَّا أَرَادَ الإمام مالك رحمه الله أَنْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ أَلْبَسَتْهُ أمه أَحْسَنَ الثِّيابِ ثُمَّ أَدْنَتْهُ إِلَيهَا، وَمَسَحَتْ عَلَى رَأْسِهِ، وَقَالَتْ: "يَا بُنَيَّ اذْهَبْ إِلَى مَجَلِسِ الإِمَامِ رَبِيعَةَ، وَخُذْ مِنْ أَدَبِهِ وَوَقَارِهِ وَحِشْمَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْ عِلْمِهِ"، أَوْصُوهم باختيار الصحبة الصالحة في المدرسة وبِالْجِدِّ وَالاِجْتِهَادِ، وَالصَّبْرِ وَالاِحْتِسَابِ في طلب العلم وتحصيله؛ واحتسبوا الثواب العظيم عند ربكم أيها الآباء في جميع ما تنفقون على أبناءكم وبناتكم فيما يتعلق بالدراسة من ملبس وأدوات مدرسية ومصروف يومي ومواصلات وغير ذلك ولا تحرموا أنفسكم الأجر العظيم فإن الدال على الخير كفاعله كما صح ذلك عن رسولنا صلى الله عليه وسلم
أيها المعلمون: هنيئاً لمن أخلص عمله وجهده وبذله في تعليم أبناء المسلمين وطلب بذلك الأجر الأخروي إضافةً للأجر الدنيوي، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصَرِيُّ رَحِمَهُ اللهُ":لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ بِخَيْرٍ مَا إِذَا قَالَ قَالَ للهِ، وَإِذَا عَمِلَ عَمِلَ لله"، فسيُقْبَلَ عَلَيكُمْ أَبْنَاءُ الْمُسْلِمِينَ يَنْهَلُونَ مِنْ العلم، وَيَجْلِسُونَ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ، يَنْتَظِرُونَ مِنْكُمُ الْوَصَايَا الْجَامِعَةَ لِخَيْرِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، والعلم النافع بأسلوب محبب للنفوس، فَخُذُوا بِمَجَامِعِ تِلْكَ الْقُلُوبِ إِلَى اللهِ، وَدُلُّوهَا عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَمَرْضَاتِهِ، وَاغْرِسُوا فِيهَا الْإيمَانَ وَالْإحْسَانَ وَالْعُبُودِيَّةَ للهِ، وَاتِّبَاعَ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَبِرَّ الْوَالِدَيْنِ، وحب وطنهم وولاة الأمر حفظهم الله، وأرشدوهم لكُلَّ مَا هُوَ طَيِّبٌ وَحَمِيدٌ، والله الله بالرفق فَمَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ إلَّا زَانَهُ وَمَا نُزِعَ مِنْ شَيْءٍ إلَّا شَانَهُ، وَهكذا كَانَ أَشْرَفُ الْخَلْقِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ، خَيْرَ الْمُعَلِّمِينَ، وَإمَامَ الْمُرَبِّينَ وَالْمُوَجِّهِينَ، قَالَ عَنْهُ مُعاوِيَةُ السُّلَمِيُّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: "بِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي"، ولْنَحْذَرْ جَمِيعًا مِنْ أَنْ نَكُونَ قُدْوةً سَيئةً أَمَامَ أَوْلادِنَا وَطُلاَّبِنَا؛ فَإِنَّ أَعْيُنَهُمْ إلينا أَسْبَقُ من آذَانِهِمْ، وَبِئْسَ الرَّجُلُ رَجُلٌ قَالَ بِلِسَانِهِ الْخَيْرَ ثُمَّ فَعَلَ بِجَوارِحِهِ الشَرَّ، فإِنَّ عَلَيْهِ وِزْرَ مَا فَعَلَ، وَأَوْزَارَ مَنِ اقْتَدَى بِهِ
اللهم اجعل هذا العام الدراسي عام خير وبر وإحسان لأبنائنا وبناتنا، ووفقهم للعمل النافع والعمل الصالح
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ وتوبوا إليه إن ربي غفور رحيم
المرفقات
1692259377_عام دراسي جديد.docx