عاشوراء

محمد بن إبراهيم النعيم
1439/01/08 - 2017/09/28 10:08AM

 

أيها الأخوة في الله

لقد من الله عز وجل على عباده بمواسم عديدة طوال العام، عظّم فيها الأجور، ورغب فيها بالطاعة، وما ينقضي موسم إلا ويليه موسم آخر يدعو المؤمنين للتزلف إلى الله عز وجل، ومن هذه المواسم التي تمر علينا؛ شهر الله المحرم الذي مضى منه بضعة أيام، وقد بين النبي –صلى الله عليه وسلم- أن أفضل عمل نتقرب به في هذا الشهر هو الصيام حيث روى أبو هريرة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال :"أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم" رواه البخاري ومسلم.

 فحري بنا أيها الأخوة أن نبدأ سنتنا بصيام بضعة أيام من هذا الشهر المبارك لعظم ثوابه عند الله، فهو في الفضل يأتي في الدرجة الثانية بعد صيام رمضان، وعندما سأل أحد الصحابة رضي الله عنهم رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  : قائلا يا رسول الله أي شهر تأمرني أن أصوم بعد رمضان؟ فقال –صلى الله عليه وسلم-  " إن كنت صائما شهرا بعد رمضان فصم المحرم فإنه شهر الله ، وفيه يوم تاب على قوم ويتوب فيه على قوم" رواه أحمد والترمذي.

ويتأكد في هذا الشهر صيام يوم عاشوراء وهو اليوم العاشر من شهر المحرم، فصيامه يكفر الله عنك ذنوب سنة كاملة؛ لما رواه أبو قتادة –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "وصيام يوم عاشوراء إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله" رواه الترمذي.

وسر صيامنا لهذا اليوم هو ما رواه أبو هريرة –رضي الله عنه- قال: مر النبي –صلى الله عليه وسلم- بأناس من اليهود قد صاموا يوم عاشوراء، فقال ما هذا من الصوم؟ قالوا: هذا اليوم الذي نجى الله موسى وبني اسرائيل من الغرق وغرق فيه فرعون، وهذا يوم استوت فيه السفينة على الجودي فصامه نوحُ وموسى شكرا لله تعالى، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- :" أنا أحق بموسى وأحق بصوم هذا اليوم فأمر بصيامه" رواه الإمام أحمد.

وقد كان صيام عاشوراء فرضا على المسلمين نحو سنتين وكان الصحابة رضي الله عنهم يصومونه ويصومون صبيانهم الصغار ويذهبون بهم إلى المسجد ويجعلون لهم اللعب من القطن فإذا بكى أحدهم على الطعام أُعطي تلك اللعبة حتى موعد الإفطار، وظل الناس على ذلك الحال حتى نزل القرآن الكريم بوجوب صيام رمضان في السنة الثانية من الهجرة وأصبح صيام عاشوراء نفلا مستحبا، ورغب النبي –صلى الله عليه وسلم-  عدم ترك صيامه وبين أنه يكفر ذنوب سنة كاملة.

إن صيامنا ليوم عاشوراء إنما هو تعبير عن شكرٍ وفرح لنجاة نوح عليه السلام من الغرق يوم عاشوراء ولنجاة موسى عليه السلام في نفس اليوم من طاغية زمانه فرعون.

 انظروا  أيها الأخوة إلى عمق الرابطة الأخوة الإيمانية بين المؤمنين وكيف امتدت جذورها لتخرق آلاف السنين لنشارك موسى عليه الصلاة والسلام فرحته بانتصار الحق على الباطل ، وصيامنا ليوم عاشوراء هو مشاركة وجدانية لموسى عليه الصلاة والسلام وقومه من ظلم طاغية متجبر كما جاء في الحديث الذي ذكرته منذ قليل.

فانظروا إلى مدى ارتباط المؤمنين مع بعضهم وعمق فرحهم مع موسى عليه الصلاة والسلام مع فارق الزمن الذي بيننا وبينهم، إنه الإيمان الذي يوحد الأمة ويربط بين قلوبهم مهما تباعدت أقاليمهم واختلفت ألسنتهم، هكذا المؤمن يفرح لفرح المؤمنين ويحزن لمصائبهم أينما كانوا ومهما اختلفت جنسياتهم وابتعدت أوطانهم.

أما اليوم فتجد المسلمين يعيشون في زمن واحد وفي بلاد متقاربة إعلاميا ولكن لا يحزن المسلم لمصاب أخيه ولا يهب لنجدته وهو يراه عبر شاشات  التلفاز يُقتل ويسحق بأيدي أعداء الإسلام وكأنه ينظر إلى أفلام بوليسية ولا حول ولا قوة إلا بالله.

 يجب أن نعلم أن المسلمين أمة واحدة تجمعهم كلمة التوحيد ويربطهم الإيمان بالله والتآخي فيه لا يربطهم دم ولا عروبة ولا لغة ولا وطنية ولا جنسية ، لأن هذه الروابط قصيرة الأمد ضعيفة المفعول قابلة للتغير والتبديل بتغير الظروف السياسية والاجتماعية، أما الإسلام فهو باق لا يتغير إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

وإن تكرار فرح المؤمن كل عام بنجاة موسى عليه الصلاة والسلام من فرعون الذي قتل الدعاة وحارب الدين وأهله حتى أهلكه الله هو وجنوده في البحر ليكونوا عبرة لغيرهم ) إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين( .

إن سر تكرار قصة موسى وفرعون في القرآن الكريم حتى فاقت جميع القصص؛ لعله تسلية لدعاة الإسلام في كل مكان وزمان بأن يصبروا على ما يصيبهم من أذى وما يحاك لهم من مؤامرات دولية، وليعلموا أن الباطل مهما انتفش فإن أمره إلى زوال وأن العاقبة للمتقين.

وإن شكر المؤمن لله عز وجل عند فرحته يتمثل بالتقرب إلى الله جل وعلا بالمزيد من الطاعات من ذكر وحمد وشكر وصيام وإنفاق في وجوه الخير للفقراء والمحتاجين، ليس كما يفعل بعض الناس اليوم من إقامة الاحتفالات الصاخبة مع ما فيها من تبذير واستنزاف للأموال الطائلة وتزمير وتصفيق وتفحيط فهل هذا هو تعبيرنا بشكرنا لله؟!

 عندما فتح رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  مكة المكرمة دخلها وهو مطأطأ رأسه متواضعا لله شاكرا له على هذا النصر والتمكين مستذكرا خروجه من مكة فارا من دينه، واليوم يدخلها فاتحا منتصرا معززا، فكان تواضعه لله أن كادت لحيته أن تلمس سنام ناقته –صلى الله عليه وسلم-.

 

 إن الواحد منا إذا رزق بزيادة نعمة من مال أو ولد أو مرتبة وظيفية أو غير ذالك، أقام الولائم لأرحامه وأصدقائه فقط وزادهم شبعا على شبعهم وفرحا على فرحهم وحرم الفقراء من هذا الشكر، فنحن معشر الأخوة نصوم يوم عاشوراء تعبيرا لشكرنا على انتصار الحق  على الباطل وهو أدب رباني يؤدبنا فيه على كيفية التعبير عن الفرح والسرور في حياتنا الاجتماعية.

أيها الأخوة في الله وفي اليوم العاشر من المحرم من يوم عاشوراء من عام واحد وستين هجرية حلت بالمسلمين فاجعة كبرى هي مقتل سيد شباب الجنة الحسين بن علي (رضي الله عنهما) ابن بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ، وموت الحسين –رضي الله عنه- مصيبة جلل على المسلمين جميعا ولكن لا نقول فيها إلا ما يرضي الله عنا، فلا نشق فيها جيوبنا ولا نسود ثيابنا ولا نضرب بالسلاسل صدورنا وظهورنا، وإنما نسترجع ونقول إنا لله وإنا إليه راجعون، هكذا أدبنا الله عز وجل عند وقوع المصيبة على أحدنا، قال الله تبارك وتعالى ) وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون(.

 

 إن بعض الناس بدلا من أن يجعلوا عاشوراء يوم فرح بانتصار الحق على الباطل كما  أمر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- جعلوه يوم مأتم وحزن لأجل مقتل الحسين –رضي الله عنه-، وما علم هؤلاء أن الله جل جلاله لم يأمرنا ولا رسوله –صلى الله عليه وسلم- باتخاذ أيام مصائب الأنبياء وموتهم مأتما، فكيف بمن دونهم من سائر الناس.

أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي هدانا للإسلام وجعلنا من خير أمة أخرجت  للناس نحمده ونشكره أكمل لنا الدين وأتم علينا النعمة وأشهد أن لا إله إلا الله  وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.

 أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن الله عز وجل ميز هذا الأمة على سائر الأمم، ونهاها عن التشبه بعادات الأمم السابقة، وأمرها أن تكون قائدة غير مقودة، وقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  حريصا كل الحرص على مخالفة أهل الكتاب وعدم متابعتهم أو مشابهتهم فكان يخالفهم في كافة أمورهم الاجتماعية حتى أغضب ذلك زعماء اليهود وقالوا عن النبي –صلى الله عليه وسلم- ما يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه.

وعندما رأى رسول الله –صلى الله عليه وسلم-  أن اليهود يصومون يوم عاشوراء أمر أصحابه بصيام يوم إضافي قبل عاشوراء فقال –صلى الله عليه وسلم-  (إن بقيت إلى قابل لأصومنَّ التاسع يعني مع العاشر)

 

فحري بنا معشر الأخوة أن لا نفوت علينا يوم عاشواء لأنه يكفر ذنوب سنة كاملة.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين ودمر أعداء الدين. اللهم انصر المجاهدين من المسلمين في كل مكان ....اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها الا أنت. اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا وأمتنا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم إنا نسألك الجنة ما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل.  اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم أصلح أحوال المسلمين، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح ولاة أمرنا، ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولأرحامنا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين, ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصل اللهم وسلم على نبيا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.                 

                   7/1/1425هـ

 

المشاهدات 809 | التعليقات 0