عَاشُورَاءَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عَاشُورَاءَ 1444/1/7هـ
عبد الله بن علي الطريف
عَاشُورَاءَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عَاشُورَاءَ 7/1/1444هـ
أما بعد أيها الإخوة: نحن الأنَ في شَهْرِ اللَّهِ الْمُحَرَّم، ذلكم الشهر العظيم.. الذي أَضَافَهُ رسولُ اللهِ ﷺ إلى اللهِ تعالى إِضَافَةَ تَخْصِيصٍ وتشريفٍ، وَلَمْ تَصِحّ إِضَافَة شَهْر مِنْ الشُّهُور إِلَى اللَّه –تَعَالَى- إلا هُو. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ». رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وأفضل أيامه عَاشُورَاءَ: وهُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْه؛ يدل على ذلك ما ذكره ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِصَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ الْعَاشِرِ مِنْ الْمُحَرَّمِ. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ، ولفظ عاشوراء معدولٌ عن عاشرة للمبالغة والتعظيم، وصار هذا الاسم عَلماً على اليوم العاشر من محرم.
وهذا اليوم العظيم اختلف فيه أَهْلُ السُنَةِ عَن أَهْلِ البِدْعَةِ، فَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا، وحديثنا اليوم عن عَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ السُنَةِ، وعَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ البِدْعَةِ..
أحبتي: عَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ السُنَةِ: هو يومٌ عظيم من أيامِ اللهِ تعالى؛ أنجى فيه عبدَه ورسولَه وكليمَه موسى عليه السلام وقومَهُ، وأخزى وأذلَ وأهلكَ المجرمَ الطاغيةَ فرعونَ وقومَهُ.. فبعدما تفاقم الأمر، وضاق الحال، واشتد الكرب، واقترب فرعونُ وجنودُه بحَدِهم وحَدِيْدِهم وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوبُ الحناجرَ، فعند ذلك أوحى الحليمُ العظيمُ ربُ العرشِ الكريمِ إلى موسى الكليم (أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ)، فلما ضربه بعصاه (انْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) [الشعراء:63]. وجاوزه موسى عليه السلام، فلما ولج فرعونُ وجنودُه، واستتموا داخلين ضربه فانطبق عليهم فأغرقهم وزعيمهم، لذلك صار هذا اليوم عِنْدَ أَهْلِ السُنَةِ يوم شكر وسرور..
وعَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ السُنَةِ: يوم تتأكد مشروعية صيامه كما قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ؛ فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ.
وقد كان رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يتحرى صيام هذه اليوم ويأمر بصيامه، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. رواه البخاري. ومعنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبةِ فيه. وقال النَّبِيُّ ﷺ: صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ. رواه مسلم.
وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم.
ومن أراد الصيام عليه أن يُبيت النية قبل الفجر لأن نية النوافل المعينة لا بد أن تكون من الليل؛ ليصدق على من صام اليوم كاملاً أنه صام يوم عاشوراء، وليس بعضه وهو قول الجمهور.. ويجوز لمن كان عليه قضاء من رمضان أن يصوم قبل القضاء عاشوراء بنية النافلة. ومن فاته صيام يوم عاشوراء ناسياً أو لعذر كالحائض فإنه لا يقضي؛ لأن الأجر متعلق بعاشوراء، وقد فاته، وكل ما عُلق على سبب فإنه يفوت بفوات سببه. لكن إن كان قد نوى فله أجر النية.
والسنة أن يصوم التاسع والعاشر والحادي عشر، وهذا أحسن شيء. الثانية أن يصوم التاسع والعاشر وهذا أفضل من أن يصوم العاشر والحادي عشر، وهي أفضل من إفراد العاشر؛ لما فيها من مخالفة أهل الكتاب، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ، قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. رواه مسلم. والصفة الرابعة صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ فقط، وهو كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ كما قال شيخ الإسلام... وفقنا الله لهدي نبينا سنته.
أيها الإخوة: وعَاشُورَاءَ عِنْدَ أَهْلِ البِدْعَةِ: يوم يُظِهِرُون فيه بِدْعَةَ الْحُزْنِ وَالنَّوْحِ، وَيُظْهِرُون فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ، مِنَ اللَّطْمِ والتَطْبِيريِ وَالصُّرَاخِ وَالْبُكَاءِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالْعَطَشِ وَإِنْشَادِ الْمَرَاثِي، وهُوَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ.. والسبب أنه يوافق يوم استشهاد سبط رسول الله الحسين بن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وكانت بدايته خفيفة ثم تطورت البدعة فيه كما قال الإمام ابن القيم -رحمة الله - "فإن البدع تستدرج بصغيرها إلى كبيرها، حتى ينسلخ صاحبها من الدين، كما تنسل الشعرة من العجين".
ولقد نسج أَهْلُ البِدْعَةِ قصصاً هي من الكذب السمج في يوم مقتل الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حتى يظن من قرأها أن منزلة الحسين عند الله أعلى من منزلة الرسل -عليهم السلام-، والسابقين من الصحابة -رضوان الله عليهم أجمعين- وما زال هؤلاء المبتدعة يذكرونها، بل ويزيدون عليها بما لا يصدقه عقل." قال ابن كثير رحمه الله في البداية والنهاية: وَبَالَغَ أَهْلُ البِدْعَةِ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ مُبَالَغَةً عَظِيْمَةٍ فَوَضَعُوا أَحَادِيثَ كثيرة كذبا فَاحِشًا، مِنْ كَوْنِ الشَّمْسِ كَسَفَتْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى بَدَتِ النُّجُومُ وَمَا رُفِعَ يَوْمَئِذٍ حَجَرٌ إِلَّا وُجِدَ تَحْتَهُ دَمٌ، وَأَنَّ أَرْجَاءَ السَّمَاءِ احْمَرَّتْ، وأن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه الدم، وصارت السماء كأنها علقة، وأن الكواكب ضرب بَعْضُهَا بَعْضًا، وَأَمْطَرَتِ السَّمَاءُ دَمًا أَحْمَرَ، وَأَنَّ الْحُمْرَةَ لَمْ تَكُنْ فِي السَّمَاءِ قَبْلَ يَوْمِئِذٍ، ونحو ذلك. وَرَوَى ابْنُ لَهِيعَةَ عَنْ أَبِي قَبِيلٍ الْمُعَافِرِيِّ أَنَّ الشَّمْسَ كَسَفَتْ يَوْمَئِذٍ حَتَّى بَدَتِ النُّجُومُ وَقْتَ الظُّهْرِ، وَأَنَّ رَأْسَ الْحُسَيْنِ لَمَّا دَخَلُوا بِهِ قَصْرَ الْإِمَارَةِ جَعَلَتِ الْحِيطَانُ تَسِيلُ دَمًا، وَأَنَّ الْأَرْضَ أَظْلَمَتْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يُمَسَّ زعفران ولا ورس بما كَانَ مَعَهُ يَوْمَئِذٍ إِلَّا احْتَرَقَ مَنْ مَسَّهُ، وَلَمْ يُرْفَعْ حَجَرٌ مِنْ حِجَارَةِ بَيْتِ الْمَقَدْسِ إِلَّا ظَهَرَ تَحْتَهُ دَمٌ عَبِيطٌ، وَأَنَّ الْإِبِلَ الَّتِي غَنِمُوهَا مِنْ إِبِلِ الْحُسَيْنِ حِينَ طَبَخُوهَا صَارَ لَحْمُهَا مِثْلَ الْعَلْقَمِ. إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَكَاذِيبِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَوْضُوعَةِ الَّتِي لَا يَصِحُّ منها شيء.
أيها الإخوة: أما ما نقل عن النبي ﷺ وإخباره بمكان قتل الحسين ابن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فهو آية من آيات الله أخبر به رسول الله ﷺ فعن علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال: "دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ، أَغْضَبَكَ أَحَدٌ، مَا شَأْنُ عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ؟ قَالَ: "بَلْ قَامَ مِنْ عِنْدِي جِبْرِيلُ قَبْلُ، فَحَدَّثَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بِشَطِّ الْفُرَاتِ" [رواه أحمد وغيره، وصححه الألباني وشاكر].
أيها الإخوة: أما أهل السنة والجماعة فيعدُّون قتل الحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فاجعةً عظيمة، وجرحًا غائرًا في جسد الأمة.. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية عن قاتليه: "وَأَمَّا مَنْ قَتَلَ "الْحُسَيْنَ" أَوْ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ أَوْ رَضِيَ بِذَلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ؛ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا." مجموع الفتاوى. وعزاء أهل السنة والجماعة في الحسين أنه عاش حميدًا، ومات شهيدًا، ولا يقولون إلا ما يُرضِي ربهم: إنا لله وإنا إليه راجعون؛ لا يضربون لهذه المصيبة خدًّا، ولا يشقُّون لها جيبًا، ولا يحيون معها معالم الجاهلية الأولى".
فرضي الله عنه وأرضاه، وجعل الفردوس الأعلى مثواه.
الخطبة الثانية:
أيها الإخوة: ولقد حرص علماء الأمة على بيان الحق وأن ما يفعله المبتدعة ضلال مخالف لهدي الإسلام وسنة سيد الأنام وممن تصدى لهذه البدع وفندها شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال في الفتاوى الكبرى: "فَصَارَتْ طَائِفَةٌ جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ: إمَّا مُلْحِدَةٌ مُنَافِقَةٌ، وَإِمَّا ضَالَّةٌ غَاوِيَةٌ، تُظْهِرُ مُوَالَاتَهُ [أي: الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]، وَمُوَالَاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ، وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ لَطْمِ الْخُدُودِ، وَشَقِّ الْجُيُوبِ، وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ. وَاَلَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ ﷺ فِي الْمُصِيبَةِ إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً إنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ وَالِاحْتِسَابُ وَالِاسْتِرْجَاعُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ* الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ* أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة: 155- 157].
وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مِنْ لَطَمَ الْخُدُودَ، وَشَقَّ الْجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ». وَقَالَ ﷺ: «أَنَا بَرِيءٌ مِنْ الصَّالِقَةِ [والصَّلَقُ: الصياحُ والوَلْوَلةُ والصوتُ الشديدُ]، وَالْحَالِقَةِ، وَالشَّاقَّةِ». وَقَالَ ﷺ: «النَّائِحَةُ إذَا لَمْ تَتُبْ قَبْلَ مَوْتِهَا تُقَامُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَيْهَا سِرْبَالٌ مِنْ قَطِرَانٍ وَدِرْعٌ مِنْ جَرَبٍ».
وَفِي الْمُسْنَدِ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهَا الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يُصَابُ بِمُصِيبَةٍ، فَيَذْكُرُ مُصِيبَتَهُ وَإِنْ قَدِمَتْ، فَيُحْدِثُ لَهَا اسْتِرْجَاعًا إلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلَ أَجْرِهِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا». وَهَذَا مِنْ كَرَامَةِ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ مُصِيبَةَ الْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرِهِ إذَا ذُكِرَتْ بَعْدَ طُولِ الْعَهْدِ، فَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَسْتَرْجِعَ فِيهَا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ لِيُعْطَى مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أَجْرِ الْمُصَابِ يَوْمَ أُصِيبَ بِهَا.
وَإِذَا كَانَ اللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَمَرَ بِالصَّبْرِ وَالِاحْتِسَابِ عِنْدَ حَدَثَانِ الْعَهْدِ بِالْمُصِيبَةِ، فَكَيْفَ مَعَ طُولِ الزَّمَانِ، فَكَانَ مَا زَيَّنَهُ الشَّيْطَانُ لِأَهْلِ الضَّلَالِ وَالْغَيِّ مِنْ اتِّخَاذِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ مَأْتَمًا، وَمَا يَصْنَعُونَ فِيهِ مِنْ النَّدْبِ وَالنِّيَاحَةِ، وَإِنْشَادِ قَصَائِدِ الْحُزْنِ، وَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا كَذِبٌ كَثِيرٌ وَالصِّدْقُ لَيْسَ فِيهَا، وَلَيْسَ فِيهَا إلَّا تَجْدِيدُ الْحُزْنِ، وَالتَّعَصُّبُ، وَإِثَارَةُ الشَّحْنَاءِ وَالْحَرْبِ، وَإِلْقَاءُ الْفِتَنِ بَيْنَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ، وَالتَّوَسُّلُ بِذَلِكَ إلَى سَبِّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ، وَكَثْرَةُ الْكَذِبِ وَالْفِتَنِ فِي الدُّنْيَا وَلَمْ يَعْرِفْ طَوَائِفُ الْإِسْلَامِ أَكْثَرَ كَذِبًا وَفِتَنًا وَمُعَاوَنَةً لِلْكُفَّارِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، مِنْ هَذِهِ الطَّائِفَةِ الضَّالَّةِ الْغَاوِيَةِ، فَإِنَّهُمْ شَرٌّ مِنْ الْخَوَارِجِ الْمَارِقِينَ. وَأُولَئِكَ قَالَ فِيهِمْ النَّبِيُّ ﷺ: «يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ».
وَهَؤُلَاءِ يُعَاوِنُونَ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ ﷺ وَأُمَّتِهِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا أَعَانُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ التُّرْكِ وَالتَّتَارِ عَلَى مَا فَعَلُوهُ بِبَغْدَادَ، وَغَيْرِهَا، بِأَهْلِ بَيْتِ النُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنِ الرِّسَالَةِ وَلَدِ الْعَبَّاسِ، وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ وَالْمُؤْمِنِينَ، مِنْ الْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَخَرَابِ الدِّيَارِ. وَشَرُّ هَؤُلَاءِ وَضَرَرُهُمْ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ، لَا يُحْصِيهِ الرَّجُلُ الْفَصِيحُ فِي الْكَلَامِ."