عَاشُورَاءَ، وَعِبَرٌ مِنْ قِصَّةِ مُوسَى عَلَيهِ السَّلامُ 6 محرم 1438 هـ

مبارك العشوان
1438/01/05 - 2016/10/06 21:15PM
إِنَّ الحمدَ لِله...أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ... مُسلمون.
عبادَ الله: شَهْرُنَا هَذا أحَدُ الأشْهُرِ الحُرُمِ، وَعَنْ صَومِهِ يقولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ ) رواه مسلم.
أمَّا عَنِ العَاشِرِ مِنْ هذا الشَّهْرِ؛ فَهُوَ يَومُ عَاشُورَاءَ؛ وَفِيهِ وَقَعَ حَدَثٌ عَظِيمٌ، وَنَصْرٌ لِلمُؤمِنينَ مُبِينٌ، وَذُلٌ للطُّغَاةِ الكَافِرِينَ، أعْلَى اللهُ تَعَالَى فِيهِ الحَقَّ وَأظْهَرَه، وَأزْهَقَ البَاطِلَ وَدَحَرَهُ، نَصَرَ اللهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ عَلى عَدُوِّهِ فِرْعَونَ وَجُنُودِه.
وقِصَّةُ مُوسَى وَفِرْعَونَ مِنْ أَشْهَرِ مَا ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى مِنْ قَصَصِ أَنْبِيَائِهِ عَلَيْهِمُ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ وَفِي قَصَصِ الأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَليِنَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ، وَعِبَرٌ لِلمُعْتَبِرِينَ: { لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولِي الألْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } يوسف111
أَمَّا قِصَّةُ مُوسَى عِلَيهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ؛ فَلِعِظَمِهَا وَكَثْرَةِ عِبَرِهَا؛ وَرَدَتْ فِي القُرْآنِ الكَرِيْمِ كَثِيراً، فَجَاءَتْ مَبْسُوطَةً مُفَصَّلَةً فِي مَوَاضِعَ؛ كَمَا فِي الْأَعْرَافِ فِي خَمْسٍ وَخَمْسِينَ آيَةً، وَفِي طَهَ مِنْ مَطْلَعِ السُّورَةِ إِلَى مَا يُقَارِبُ آخِرَهَا، وَفِي الشُّعَرَاءِ وَفِي الْقَصَصِ، كَمَا جَاءِتْ مُخْتَصَرَةً مُجْمَلَةً فِي مَوَاضِعَ أُخْر؛ وَمِنْ أَخْصَرِهَا قُولُ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالى: { وَفِي مُوسَى إِذْ أَرْسَلْنَاهُ إِلَى فِرْعَوْنَ بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ، فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقَالَ سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ، فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ } الذاريات 38 – 40
عِبادَ الله: أَلَا وَإِنَّ مِنْ أَبْرَزِ الْعِبَرِ فِي هَذِهِ القِصَّةِ: بَيَانُ كَمَالِ قُدْرَةِ اللهِ جَلَّ وَعَلا؛ يُصَرِّفُ الكَونَ كَيفَ يَشَاءُ؛ جَعَلَ البَحْرَ لِمُوسَى طَرِيقاً يَبَساً، ولِفِرْعَونَ هَلَاكاً وغَرَقاً.
فَسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛: { إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } يس 82 خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ، وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ: { إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } الأعراف 54
ومِنْ أَبْرَزِ الْعِبَرِ فِي هَذِهِ القِصَّةِ: أنَّ النَّصْرَ بِيَدِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا وَهُوَ نَاصِرٌ أَوْلِيَاءَهُ؛ كما قال تعالى: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ } غافر 51 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ } محمد 7
لَهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، الخَلْقُ خَلْقُهُ وَالمُلْكُ مُلْكُه؛ { قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } آل عمران 27 – 27
عِبَادَ الله: وَقَدْ يَتَخَلَّفُ النَّصْرُ عَنِ المُؤمِنِينَ زَمَناً يُقَدِّرُهُ اللهُ عَزَّ وجلَّ؛ وَلِحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا سُبْحَانَهُ، قال تعالى: { وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُداوِلُها بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكافِرِينَ } آلِ عِمْرَانَ 140- 141 وقال تعالى:{ ذلِكَ وَلَوْ يَشاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمالَهُمْ سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ } مُحَمَّدٍ 4- 6
وَقَد يَتَخَلَّفُ النَّصْرُ عِبَادَ اللهِ: لِأسْبَابٍ مِنَ العِبَادِ؛ كَالعُجْبِ بِالقُوَّةِ وَالاغْتِرَارِ بِهَا، وَكَالتَّقْصِيرِ فِي الوَاجِبَاتِ وارتِكَابِ المُحَرَّمَاتِ وَتَرْكِ الأَمْرِ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ المُنكَرِ؛ قال تعالى: { وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ، الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } الحج 40 -41
أَلَا فَتَنَبَّهُوا أيُّهَا النَّاسُ لِهَذَا، وَحَاسِبُوا أنْفُسَكُم؛ قُومُوا لِلهِ تَعَالَى بِمَا أَمَرَكُم؛ يُنْجِزْ لَكُم مَا وَعَدَكُم؛ { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } النور 55 يَقُولُ الإمُامُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: فَهَذَا مِن آياتِ اللهِ العَجِيبَةِ البَاهِرَةِ، وَلَا يَزَالُ الأمْرُ إِلى قِيَامِ السَّاعَةِ، مَهْمَا قَامُوا بِالإِيمَانِ وَالعَمَلِ الصَّالِحِ، فَلَا بُدَّ أنْ يُوجَدَ مَا وَعَدَهُم اللهُ، وَإِنَّمَا يُسَلِّطُ عَلَيْهِمُ الكُفَّارَ وَالمُنَافِقِينَ، وَيُدِيْلُهُم فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ، بِسَبَبِ إِخْلَالِ المُسْلِمِينَ بِالإيمانِ والعَمَلِ الصَّالِح. أ هـ
بَارَكَ اللهُ لِي وَلكُم فِي القُرآنِ وَغَفَرَ لِي وَلَكُم إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

الخطبة الثانية:
الحمدُ لِله... أما بعدُ: فَاعلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ أنَّ هُنَاكَ أُمُوراً تَتَعَلَّقُ بِيَومِ عَاشُورَاءَ: فَمِنهَا: اسْتِحْبَابُ صِيَامِ عَاشُورَاءَ، يَقُولُ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ ). رواه مسلم. وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ) رواه البخاري. وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) رواه مسلم.
فَيُصَامُ العَاشِرُ، وَيُصَامُ التَّاسِعُ مَعَهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَل فَالحَادِيَ عَشَر؛ لِتَتَحَقَقَ مُخَالَفَةُ اليَهُودِ.
الأَمْرُ الثَّانِي: أنَّهُ لَا يُشرَعُ فِي عَاشُورَاءَ وَلَا فِي غَيرِهِ أيُّ عَمَلٍ لَمْ يَثْبُتْ عَنِ النَّبِيِّ صَلى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمِ؛ والذي ثَبَتَ فِي هَذَا اليومِ إنَّمَا هُوَ الصِّيام.
الأمرُ الثالثُ: تَعْوِيدُ الصِّبيَانِ صِيامَ ذلكَ اليوم: تقولُ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذٍ رضي الله عنها: ( فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ، فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ) رواه البخاري.
الأمرُ الرَّابِعُ: ينَبَغِي لِلمؤمنِ أنْ يَفْرَحَ بِكُلِّ نَصْرِ لِلإِسْلامِ وَأَهْلِهِ، وَخُذْلَانٍ لِلكُفْرِ وَأَهْلِهِ، يَفْرحُ عِندَمَا يَرْتَفِعُ الحَقُّ وَيَظْهَرُ، وَعِنَدمَا يُزهقُ الباطلُ ويُدحَر؛ قال تعالى: { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ } الروم.4- 5
اللهمَّ فَانْصُرِ الإِسلَامَ والمسلمينَ، وَعَلَيكَ بِأعْدَائِكَ أعْدَاءِ الدِّين
اللهمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا... اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ...
عبادَ الله: اذكُرُوا الله...
المشاهدات 1323 | التعليقات 0