عاشوراء والشكر-7-1-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد محمد
1444/01/06 - 2022/08/04 07:22AM

عاشوراء والشكر-7-1-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري(مقاس الخط 40 لمناسبة الجوال)

الحمدُ للهِ كما ينبغي لجلالِ وجهِهِ وعظيمِ سلطانِه، هو أهلٌ أن يُعبدَ ويُحمدَ ويُشكرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

سألَ رجلٌ سفيانَ بنَ عُيَيْنَةَ-رحمَهُ اللهُ-فقالَ: "يا أبا محمدٍ، أخبرني عن قَولِ مُطرِّفٍ: لأَنْ أُعافى فأشكرَ، أَحبُّ إليَ من أنْ أُبتلى فأصبرَ؟ أهوَ أَحبُّ إليكَ، أم قولُ أخيه أبي العَلاءِ: اللهمَّ رَضيتُ لنفسي ما رَضيتَ لي؟ فسكتَ سفيانُ عنه سَكتةً، ثم قَالَ: قَولُ مُطرِّفٍ أَحبُّ إلي، فقالَ الرَّجلُ: كيفَ وقد رَضيَ أبو العلاءِ لنفسِه ما رَضيهُ اللهُ له؟ فقالَ سفيانُ: إني قَرأتُ القرآنَ فوجدتُ صِفةَ سُلَيْمانَ-عليهِ السلامُ- مَعَ العافيةِ التي كانَ فيها: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ووجدتُ صِفةَ أيوبَ-عليه السلامُ- مَعَ البلاءِ الذي كانَ فيه: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، فاستوتْ الصِّفتانِ، وهذا مُعافى، وهذا مُبتلى، فوجدتُ الشُّكرَ قد قَامَ مَقامَ الصَّبرِ، فَلَمَّا اعْتَدَلَا، كانت العافيةُ مَعَ الشُّكرِ، أَحبَّ إليَ من البلاءِ مَعَ الصبرِ"، وصدقَ-رحمَه اللهُ-، فالشُّكرُ هو عبادةُ الأنبياءِ-عليهِم السلامُ-والأصفياءِ من كلِّ جيلٍ، ولذلكَ فإنَّ المُتَّصِفينَ بها والعاملينَ لها في كلِّ زمنٍ قليلٌ، كما قالَ ربُّنا العزيزُ الغفورُ: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).

فهذا نوحٌ-أولُّ الرُّسلِ عليهِ السلامُ-يُعَلَّقُ وِسامُ الشُّكرِ على صَدْرِهِ: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا).

وهذا إبراهيمُ الخليلُ-عليه السَّلامُ-يُعطى شهادةً في الشُّكرٍ والإسلامِ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).

ولذلكَ تطلَّعَ إلى هذه المنزلةِ سيِّدُ البشرِ، كما جاءَ في صَحيحِ الأثرِ، فَعَنْ أمِنا عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-إِذَا صَلَّى، قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا".

عَلِموا أنَّ الشُّكرَ عندَ اللهِ عظيمٌ، وأنَّه-سبحانَه-عن عبادِه غنيٌ كريمٌ، وأنَّه يُعطي العطاءَ الجزيلَ الوافرَ، ليعلمَ الشَّاكرَ من الكافرِ، وهكذا كلُّ إنسانٍ هو بينَ الشُّكرِ والكُفرِ، كما قالَ-تعالى-: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)، واسمعْ إلى هذا الموقفِ لنبيِ اللهِ سُليمانَ-عليه السَّلامُ-: (قَالَ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ*قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ*قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آَتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآَهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).

أَوليتني نِعَماً أَبوحُ بشُكرِها*

وكَفيتني كَلَّ الأمورِ بأسرِها

فَلَأَشْكُرَنَّكَ ما حَييتُ وإنْ أَمُتْ*

فَلَتَشْكُرَنَّكَ أَعْظُمي في قَبرِها

فَالشُّكرُ سببٌ لبقاءِ النِّعمِ وزيادتِها، ونَماءِ الأمَّمِ وسيادتِها، كما قالَ ربُّنا-عزَّ وجلَّ-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، فليسَ بَعدَ الشُّكرِ إلا الكفرُ، وليسَ بعدَ الكفرِ إلا العذابُ، ولذلكَ فإنَّ الشُّكرَ أمانٌ من عذابِ اللهِ-تعالى-: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ).

أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فمن تأمَّلَ كتابَ اللهِ-تعالى-، وَجَدَ أن أكثرَ القَصصِ تِكرارًا هي قِصةُ موسى-عليه السَّلامُ-وفِرعونَ، وفيها مِثالٌ حيٌّ للشُّكرِ والكُفرِ، فقد أهلكَ اللهُ-تعالى-فِرعونَ، الذي كفرَ ولم يشكرْ ما أعطاهُ اللهُ: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، فما هيَ نهايةُ الجاحدِ لنِعمِ اللهِ؟ (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ*آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ*فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ).

وأما الشُّكرُ، فعندما "قَدِمَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-المدينةَ، فَوَجدَ اليهودَ يَصُومُونَ يومَ عاشوراءَ، فقالَ لهم: ما هذا اليومُ الذي تَصُومُونَهُ؟ قالوا: هذا يومٌ عظيمٌ، أنجَى اللهُ فيه موسى وقومَه، وأَغْرَقَ فرعونَ وقومَه، فصامَه موسى شُكرًا، فنحنُ نَصُومُهُ، فقالَ: فنحنُ أحقُّ وأولَى بمُوسَى منكم، فَصَامَه وأَمَرَ بصيامِه، وَقَالَ: لَئِنْ بقيتُ إلى قابلٍ-العامِ القادمِ-لَأَصُومَنَّ التاسعَ"-معَ العاشرِ مخالفةً لليهودِ-، يومٌ عظيمٌ من أيامِ الشُّكرِ، قد خلَّدَ اللهُ ذِكْرَهُ-تعالى-في كتابِه الكريمِ، وجعلَ في صيامِه الأجرَ العظيمَ، فقالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-: "صيامُ يومِ عاشوراءَ أحتسِبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السَّنةَ التي قبلَه"، فما أحسنَ أنْ نصومَهُ شُكرًا للهِ العزيزِ الغفورِ، متذكرينَ قولَه-تعالى-: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ.

اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ وأنبياءِ اللهِ ورسلِه وآلِهِ وصحبِهِ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1659586917_عاشوراء والشكر-7-1-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1659586921_عاشوراء والشكر-7-1-1444هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1161 | التعليقات 0