عاشوراء والشكر-3-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
محمد بن سامر
عاشوراء والشكر-3-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى، هو أهلٌ أن يُعبدَ ويُحمدَ ويُشكرَ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وسلمَ وباركَ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
قالَ سفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ-رحمَهُ اللهُ- كلامًا معناه: إني قَرأتُ القرآنَ فوجدتُ صِفةَ سُلَيْمانَ-عليهِ السلامُ- مَعَ العافيةِ التي كانَ فيها: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، ووجدتُ صِفةَ أيوبَ-عليه السلامُ-مَعَ البلاءِ الذي كانَ فيه: (نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، فوجدتُ الشُّكرَ قد قَامَ مَقامَ الصَّبرِ، فَلَمَّا اعْتَدَلَا، كانت العافيةُ مَعَ الشُّكرِ، أَحبَّ إليَ من البلاءِ مَعَ الصبرِ.
فالشُّكرُ هو عبادةُ الأنبياءِ-عليهِم السلامُ-والأصفياءِ من كلِّ جيلٍ، ولذلكَ فإنَّ المُتَّصِفينَ بها والعاملينَ لها في كلِّ زمنٍ قليلٌ، كما قالَ ربُّنا العزيزُ الغفورُ: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
فهذا نوحٌ أولُّ الرُّسلِ-عليهِم السلامُ-يُعَلَّقُ وِسامُ الشُّكرِ على صَدْرِهِ: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا).
وهذا إبراهيمُ الخليلُ-عليه السَّلامُ-يُعطى شهادةً في الشُّكرٍ والإسلامِ: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ*شَاكِرًا لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
وهذا سُليمانُ-عليه السَّلامُ-لما أُتيَ له بعرشِ بلقيسَ: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ).
وسيدُ الشاكرينَ نبينُا محمدٌ-عليه الصلاةُ والسلامُ-، فَعَنْ أمِنا عَائِشَةَ-رَضِيَ اللهُ عَنْهَا-قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-إِذَا صَلَّى، قَامَ حَتَّى تَفَطَّرَ رِجْلَاهُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَصْنَعُ هَذَا وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ، أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا".
عَلِموا أنَّ الشُّكرَ عندَ اللهِ عظيمٌ، وأنَّه-سبحانَه-عن عبادِه غنيٌ كريمٌ، وأنَّه يُعطي العطاءَ الجزيلَ الوافرَ، ليعلمَ الشَّاكرَ من الكافرِ، وهكذا كلُّ إنسانٍ هو بينَ الشُّكرِ والكُفرِ، كما قالَ-تعالى-: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا)،
فَالشُّكرُ سببٌ لبقاءِ النِّعمِ وزيادتِها، قالَ ربُّنا-عزَّ وجلَّ-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)، فليسَ بَعدَ الشُّكرِ إلا الكفرُ والعذابُ، ولذلكَ فإنَّ الشُّكرَ أمانٌ من عذابِ اللهِ-تعالى-: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ).
أستغفر اللهَ لي ولكم وللمسلمين...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فمن تأمَّلَ كتابَ اللهِ-تعالى-، وَجَدَ أن أكثرَ القَصصِ تِكرارًا هي قِصةُ موسى-عليه السَّلامُ-وفِرعونَ، وفيها مِثالٌ حيٌّ للشُّكرِ والكُفرِ، فقد أهلكَ اللهُ-تعالى-فِرعونَ، الذي كفرَ ولم يشكرْ ما أعطاهُ اللهُ: (وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ)، فأغرقَهُ اللهُ وأبقى بدنَهُ؛ ليكونَ عبرةً ودرسًا لكلِ الكافرينَ والمتكبرينَ إلى يومِ الدِّينِ.
وأما الشُّكرُ، فعندما "قَدِمَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عليهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-المدينةَ، فَوَجدَ اليهودَ يَصُومُونَ يومَ عاشوراءَ، فقالَ لهم: ما هذا اليومُ الذي تَصُومُونَهُ؟ قالوا: هذا يومٌ عظيمٌ، أنجَى اللهُ فيه موسى وقومَه، وأَغْرَقَ فرعونَ وقومَه، فصامَه موسى شُكرًا، فنحنُ نَصُومُهُ، فقالَ: فنحنُ أحقُّ وأولَى بمُوسَى منكم، فَصَامَه وأَمَرَ بصيامِه، وَقَالَ: لَئِنْ بقيتُ إلى قابلٍ-العامِ القادمِ-لَأَصُومَنَّ التاسعَ"-يعني معَ العاشرِ مخالفةً لليهودِ-، وقالَ في فضلِ صيامِهِ: "صيامُ يومِ عاشوراءَ أحتسِبُ على اللهِ أن يُكفِّرَ السَّنةَ التي قبلَه"، فما أحسنَ أنْ نصومَهُ شُكرًا للهِ العزيزِ الغفورِ، متذكرينَ قولَه-تعالى-: (وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ).
يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، أسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللهم اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها، اللهم اغفرْ لوالدينا وارحمْهم واجعلْهم في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ وإيانا والمسلمينَ، اللهم إنَّي أسألك لي وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، وأعوذُ وأعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، وأَسْأَلُكَ لي ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ، اللهم اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ، اللهم اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه، اللهُمَّ عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ والظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، اللهُمَّ إنَّا نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم، اللهم إنَّا والمسلمينَ مستضعفونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.
اللهم أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى، وانصرْ جنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالمينَ غانمينَ.
اللهم صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
المرفقات
1689908819_عاشوراء والشكر-3-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx
1689908819_عاشوراء والشكر-3-1-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf