عاشوراء بين الحق والباطل للشيخ صالح محمد الجبري

منصور الفرشوطي
1434/01/07 - 2012/11/21 20:43PM
بسم الله الرحمن الرحيم


عاشوراء بين الحق والباطل

لقد أنقضت أشهر الحج المباركة وأتى بعدها شهر كريم؟ هو شهر الله المحرم وقد قال صلى الله عليه وسلم (أفضل الصيام بعد شهر الله الذي تدعونه المحرم وأفضل الصلاة بعد الفريضة قيام الليل) مسلم عن أبي هريرة.
وسمى النبي صلى الله عليه وسلم المحرم شهر الله وأضافه إلى الله عز وجل ليدلل على شرفه وفضله لأن الله تعالى لا يضيف إليه إلا خواص مخلوقاته.
وهذا الشهر هو مفتاح السنة الهجرية وبدايتها وفيه نصر الله نبيه وكليمه موسى عليه السلام، على إمام الكفرة والملحدين فرعون الذي طغى في الأرض وقال أنا ربكم الأعلى ،ففرعون هو الذي أعلن ألوهيته في قومه كما حكى الله عنه (يا أيها الملأ ما علمت لكم من إله غيري) وفرعون هو الذي قيد عقائد الناس وعقولهم فليس لأحد أن يؤمن بشيء إلا بإذنه فهو القائل (آمنتم به قبل أن آذن لكم).
وهو الذي فرق الأمة وجعل أهلها شيعاً وأحزابا ليسهل عليه السيطرة عليها كما تفعل الأمم القوية المستعمرة اليوم في الأمم الضعيفة، وكما يفعل الحاكم الظالم الذي لا يخاف الله ولا يعمل بشرعه ولا يهمه إلا استمرار حكمه ولو على الأشلاء والدماء كفرعون سوريا اليوم (إنَّ فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعاً) وهو الذي أصم أذنيه عن سماع كملة الحق كما قال الله عنه (واستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق) القصص39.
وهو الذي ظلم وطغى، وساقه ظلمه وطغيانه إلى كل أسباب العنف والظلم، فقتل أبناء بني إسرائيل واستحيا نسائهم كما حكى الله عنه (سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِـي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ) الأعراف27.
وفي ظل هذه الظروف العصيبة جدا، أرسل الله سبحانه وتعالى موسى عليه السلام داعياً فرعون وقومه وأولا إلى توحيد الله وعبادته وهذا جلي وواضح في قول الله سبحانه لموسى عليه السلام (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) (طه:14) وقوله (يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (النمل:9).
إضافة إلى تخليص بني إسرائيل من العبودية لغير الله، سواء كانت لفرعون أو غيره لهذا خاطب الله موسى وهارون عليهما السلام بقوله (فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) (طه : 47 ).
لكن فرعون وقف موقفا معاندا ومتكبرا من موسى ودعوته ومنذ اللحظة الأولى حتى أنه قال لموسى عليه السلام منذ البداية وكما حكى الله عنه (قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ * وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (الشعراء : 18-19 ) أي فرعون يمن على موسى أنه هو الذي رباه واعتنى به في صغره، لكن موسى عليه السلام رد عليه قائلا كما حكى الله عنه (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الشعراء : 22 ) أي كيف تظهر فضلك علي وأنت تستعبد قومي وتفتك بهم، لكنه ظُلم فرعون وطغيانه ، ثم جاء موسى عليه السلام إلى فرعون وقومه بالآيات الواضحات لكنهم أبو إلا الكفر والإلحاد والعناد، فأصابهم الله بأنواع من العذاب الدنيوي لعلهم يرجعون، فسلط عليهم بعضا من جنوده كالطوفان يغمر مزارعهم، والجراد يأكل مزروعاتهم وكالقمل والضفادع وغير ذلك لكنهم وكلما نزل بهم نوع من العذاب أتوا إلى موسى وقالوا له لئن كشف الله ما بنا من سوء وعذاب، سنؤمن بك، ونرسل معك بني إسرائيل لكن ما أن يكشف الله عنهم العذاب حتى ينكثوا بوعدهم (وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ * فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُواْ يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ لَئِن كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ * فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ) (الأعراف : 132-135) ومع كل هذه الآيات المخوفة والمنذرة لقوم فرعون فإنهم لم يؤمنوا، ولم يدعو غيرهم ليؤمنوا، بل إنهم لم يتوقفوا يوماً عن إيذاء المؤمنين وموسى. بل كانوا يمضون فيهم فتكا وتعذيبا وقتلا وكلما زاد عدد المؤمنين كلما زاد فرعون وجنوده ضراوة وشراسة وعدوانا وتعذيبا وفي أثناء ذلك كان موسى عليه السلام يقوم بدوره في توجيه المؤمنين وحثهم على الصبر في سبيل عقيدتهم وإيمانهم وكانوا كلما اشتكوا إليه، قال لهم (قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف : 128 ) نعم إنه يوصيهم بالصبر ويعدهم بالنصر إذا اتقوا ربهم لكنهم يتململون تحت وطأة العذاب الأليم، فيجأرون بالشكوى قائلين: (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (الأعراف : 129 ) فيجيبهم موسى (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ) (الأعراف : 129 ) وفي هذه الإجابة تجرد واضح من التثبت بالنصر العاجل، لأن هلاك العدو بيد الله إن شاء قدمه وإن شاء أخره، الله هو الذي يحدد ومتى سيكون النصر وهذا الأمر بيده وحده، وليس بيد أحد من خلقه. وسينصر الله المؤمنين عاجلاً أم أجلا ليرى ما يصدر منهم من عمل كما تقول بذلك نفس الآية (عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) وقد عمل المؤمنون بوصية موسى فصبروا وصمدوا رغم استمرار فرعون في اضطهاده وبطشه لكن الباطل مهما استعلى ووجد له أنصارا وأعوانا فلابد من هزيمته أخيرا أمام الحق. وهذا ما حدث فقد أمر الله موسى أن يخرج بمن معه م المؤمنين إلى بلاد الشام، فخرج بهم ليلا (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ) (الشعراء : 52 ) لكن فرعون عندما علم بالخبر، جن جنونه وفزع أشد الفزع واستصرخ قومه، وبعث في مدائن ملكه من يحشرون الناس ويجمعونهم أي أنه أعلن حالة الاستنفار العامة، معلنا أن السبب هو ثلاثة قضايا تتعلق بموسى ومن تبعه من المؤمنين. الأولى: أن (إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)، والثانية (وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ) والثالثة (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ)، وكان فرعون يقصد بإثارة هذه القضايا الثلاث أمرين، الأمر الأول: إرهاب الناس وتخويفهم من تأييد موسى أو الانضمام إليه وأن هذا سيعرضهم للهلاك والمطاردة. والثاني: إيهام الناس بأن تصرفه ضد المؤمنين إنما هو تصرف مستند إلى رغبة الشعب نفسه وليس تصرفا خاصا به، والغريب أن فرعون كان يفضح نفسه بنفسه أمام الناس فتارة يقول (إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)، فئة قليلة العدد والأهمية. ومرة يقول (وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ) أي هم مع قلتهم فهم مصدر قلق وغيظ لنا ،حسنا إذا كانوا شرذمة وقلة فلم كل هذه الضجة حولهم والبطش بهم، إن هذا يبين لنا أن أنصار الحق على قلتهم هم مصدر رعب وقلق لأنصار الشيطان على كثرتهم لذلك فلن يهدأ لهم بال مع وجودهم بينهم ولا يستريح لهم ضمير ما داموا فيهم.
وهي آية كبرى من آيات الله في الحق والباطل ستبقى ببقاء السنين. ثم يواصل فرعون حديثه فيقول (وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ) أي يعلن أنه قد أتخذ كافة الخطط والاحتياطات اللازمة ضد العدو المشترك موسى ومن معه حتى لا ينجحوا في تنفيذ مخططاتهم المتطرفة في إخراج العباد من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد هل سمعتم بأعجب من هذا؟ وتم لفرعون ما أراد فجمع جيشه ولحق بموسى وقومه، فأدركهم وهم على وشك الوصول إلى ساحل البحر الأحمر على خليج السويس، ولما رأى بنو إسرائيل فرعون وجيشه أُسقِط في أيديهم ووقفوا على الشاطئ حائرين لا يدرون ما يفعلون، وقالوا كما حكى الله عنهم (فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) (الشعراء : 61 ) لقد أدركنا العدو لكن وفي تلك اللحظة، وإذا كان بعض الناس قد شكوا في وعد الله ونصره، فإن موسى عليه السلام كان أوثق الناس بنصر الله ووعده، ويتضح هذا من إجابته لقومه عندما قالوا له إِنَّا لَمُدْرَكُون فأجابهم سريعا (قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) (الشعراء : 62 ) مع أنه إلى تلك اللحظة وموسى عليه السلام، لا يعلم شيئاً عن كيفية نجاته ومن معه من المؤمنين. لكن المهم أنه كان مؤمنا بأن الله لن يخذله أبدا، ألم يقل له الله في بداية الدعوة عندما أرسله هو وأخاه هارون إلى فرعون ألم يقل لهما الله عندما قالا له (قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى) (طه : 45 ) ألم يقل الله لهما عندما (قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) (طه : 46 ) وفعلا فقد صدر الأمر الإلهي العظيم بالإنقاذ (فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ) (الشعراء : 63 ) فلما ضربه انفلق وصار أثنى عشر طريقا بعدد قبائل بني إسرائيل وصار البحر يابساً في طريقهم والماء واقفا كأنه جدار صلب عن إيمانهم وشمائلهم فعبروه مسرعين فرحين مذهولين من قدرة الرب العظيم القادر على كل شيء سبحانه وتعالى. ولما جاوزوا البحر وخرج آخرهم منه كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون كما قال تعالى (وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ) أي قربنا فرعون وجنوده من البحر وأدنيناهم إليه ليقع ما أراد الله ولا راد لما يريده الله (وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ) (الشعراء: 65) أي أنجينا موسى والمؤمنين فلهم يهلك منهم أحد، وأغرقنا فرعون وجنوده فلم يبقى منهم أحد. وهكذا كانت نتيجة الطغيان والظلم وحرب دين الله، ففرعون الذي تفرعن وتفرعن كانت نهايته الغرق. وكان يصيح كما أخبر الله عنه (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) (يونس : 90 ) ولكن الله يرد عليه قائلا (آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (يونس : 91 ) لا لأن إدعاء الإيمان عند الغرغرة أو حصول العذاب لا ينفع لأن الله يقول (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ) (الأنعام: 158).
وقد نجى الله بدن فرعون فقط، ليعتبر من أراد الاعتبار (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ) (يونس : 92 ).
أما ثروات فرعون وقومه وجنوده من الحدائق ومنابع المياه ومصادر الثروة والإقامة الطيبة في المساكن الفخمة والأموال فكل ذلك ذهب إلى المؤمنين من بني إسرائيل مكافأة لهم على صبرهم على فرعون وظلمه، ولنشرهم لدين الله (فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ* كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) (75-59) أما قوم فرعون الذين هلكوا معه فقد قال الله عنهم (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى) (طه : 79 ) لقد بين سبحانه أنهم ضلوا في الدنيا والآخرة، بسبب أنهم أطاعوا فرعون فيما يغضب الله وفي مقابل الحصول على الامتيازات الدنيوية حتى ولو كان ذلك على حساب دينهم وكرامتهم إنهم بدلا من أن يطيعوا الله فقد حاربوا دينه وأطاعوا فرعون، والذي بدوره وجد فيهم استعدادا للشر واستسهالاً للعبودية، فاستخف بهم وتسلط عليهم فأطاعوه ولبوا رغباته الشريرة بسبب فسقهم ورغبتهم في الفجور، حتى غضب الله عليهم، فأنتقم منهم ومن فرعونهم (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ* فَلَمَّا آسَفُونَا(فلما أغضبونا) انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ) (الزخرف : 54-55 )) عباد الله أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم.


الخطبة الثانية:
كان هذا الحدث العظيم والنصر المبين في اليوم العاشر من شهر الله المحرم وهو يوم عاشوراء ولما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وجد اليهود يصومونه فسألهم عن سبب صيامهم فقالوا هذا يوم نجى الله فيه موسى من فرعون فنحن نصومه شكرا فقال نحن أولى بموسى منكم، فصامه صلى الله عليه مسلم وأمر بصيامه، فانظروا إلى تضامنه صل الله عليه وسلم مع أخيه موسى عليه السلام ومشاركته له في هذه الفرحة وشكر الله على أن نجاه ونجى بني إسرائيل معه، وليت ذريتهم من اليهود الآن يقدرون هذا الموقف النبوي الإنساني النبيل من نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم يوم وقف مع المظلوم ضد الظالم، ويوم واسى المستضعفين ممن نجا من بطش فرعون ولكنهم الآن يذبحون أتباع محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم في فلسطين، في غزة ويحاصرونهم ويهدمون بيوتهم ويتلفون أموالهم ويقصفونهم بالطائرات والمدافع ليلاً ونهاراً كما فعل فرعون بأسلافهم فاليهود يقفون الآن في صف فرعون ويفعلون ما فعله أجدادهم، ويقاتلون أتباع محمد الذي صام شكرا لنجاتهم من الطغيان والاستبداد والقتل والتعذيب فأي موقف أشنع وأبشع وأقبح من هذا الموقف الدال على الخبث واللؤم ونكران الجميل وجحد المعروف؟.
ولكن يبدو أن اليهود الآن يسيرون إلى نهايتهم لأن كل من سار على طريقة فرعون لابد أن تكون نهايته كنهايته عاجلاً أم آجلاً.
لقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عن نهاية فرعون وكيف هلك ومعه جنده وأعوانه في لحظة واحدة قرأنا ذلك وفهمناه وفهمنا، أن الله على كل شيء قدير، وأدركنا بوضوح أن الظالمين لابد لهم من رحيل وأنه مهما طالت فترات حكمهم وطغيانهم فإنهم إلى زوال ويؤكد ذلك نبي الإسلام بقوله عن أبي موسى الأشعري (إن الله ليُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته ثم قرأ (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود : 102 ). لذلك ينبغي ألا يموت الأمل في قلوب المسلمين فمهما مر عليهم من أزمات فإنهم سيخرجون منها بفضل الله وقوته قال تعالى (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (الأعراف : 128 ) إن هذا هو المعنى الذي حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على إدخاله في عقولنا وهذا هو السبب الذي من أجله نصوم اليوم، وهكذا بقى حال يوم عاشوراء في حياة المسلمين في بقية حياة النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده وزمن خلافة الحسن ومعاوية وبداية خلافة يزيد وفي عهد يزيد كانت الفاجعة بمعركة غير متكافئة بين جيش يزيد الذي قاده بعض الخائنين للحسين رضي الله عنه وبين الحسين وأهله أسفرت عن مقتل الحسين رضي الله عنه ظلماً وعدواناً وقد تلقت الأمة الإسلامية هذه الحادثة بالاستعظام والبراءة من قتلة الحسين رضي الله عنه واستمرت عادة المسلمين في يوم عاشوراء على ما كان من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبقى الأمر كذلك حتى استولى البويهيون الشيعة على بغداد زمن الدولة العباسية فأظهروا البدع في عاشوراء كما ذكر ذلك الإمام ابن كثير في البداية والنهاية فكانت الدبادب تضرب وتعلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء موافقة للحسين لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن، حافيات في الأسواق، وبعد ذلك بدأت البدع تكبر وتتنوع فظهر تمثيل الواقعة زمن الصفويين وبعدها جاءت الطقوس الدموية من شج الرؤوس بالسيوف وجلد الظهور، وقد استمرت هذه البدع إلى يومنا هذا، لكن مع الاستفادة من التقنيات الحديثة لإتقان هذه البدع السيئة، فأصبحت تبث على الفضائيات والانترنت مع مراعاة تعقيم السيوف والسلاسل، واستخدام الملابس المسرحية لتمثيل الواقعة ومن المهم جدا ملاحظة أن هذه الطقوس البدعية نابعة من البيئات السابقة للبويهيين والصفويين وليست من الإسلام في شيء فكان هذا هو الضلال الرافضي تجاه يوم عاشوراء لذلك لا ينبغي أن نترك لهذه الطوائف المنحرفة والفرق ووسائل الإعلام المساندة لهم أن تأخذنا بعيدا عن العبرة والهدف الذي حدده لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم ولا ينبغي لنا أن نتركهم يعبثون بأذهاننا وينحرفون بغاياتنا وعباداتنا، كما أراده لنا رسولنا وقد وقدوتنا صلى الله عليه وسلم والذي حثنا على صيام يوم عاشوراء شكرا لله على نجاة موسى ومن معه من فرعون قائلا عندما سئل عن صيام يوم عاشوراء فقال نحن أحق بصيامه (وهذه إشارة ورسالة إلى الآخرين من غير ملتنا أنه لو كان في دينهم ما يوافق الحق فنحن أحق به منهم لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن أحق بموسى منهم. وقال هو يكفر السنة الماضية وقال صيام يوم عاشوراء إني احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والمراد تكفير الصغائر أما الكبائر فلا تكفر إلا بالتوبة (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53). وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه اللهم صلى على من بلغ البلاغ المبين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وارض اللهم عن الخلفاء الأربعة الأئمة البررة أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعنا معهم برحمتك يا ارحم الراحمين.
اللهم اغفر لنا وارحمنا، وعافنا واعف عنا، وعلى طاعتك أعنا، ومن شر خلق سَلِّمنَا ولغيرك لا تكلنا واغفر لنا ما قمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا وما أنت أعلمُ به منا أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا فإن مقصرون وارحمنا فإنا مذنبون، اللهم اجعل الإسلام منتهى رجاءنا وحبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين اللهم أحينا مسلمين وامتنا مسلمين غير خزايا ولا مفتونين مستمسكين بشريعة رسولنا الكريم.
اللهم أعن إخواننا المستضعفين المقهورين المستذلين اللهم ارحم ضعفهم واجبر كسرهم ووحد صفهم واجمع كلمتهم واشف مرضاهم وتقبل شهداءهم برحمتك يا ارحم الراحمين.
خطيب جامع أم الخير بجدة

صالح محمد الجبري
المشاهدات 2159 | التعليقات 1

عن طريق الورود

المرفقات

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/2/6/عاشوراء%20بين%20الحق%20والباطل.doc

https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/1/2/6/عاشوراء%20بين%20الحق%20والباطل.doc