عاشوراء

أحمد علي أحمد
1434/01/09 - 2012/11/23 05:10AM
الحمدلله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير، والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً. أما بعد:

فأوَّلُ ما يوصَى به وأَولى, تقوَى الله في السرّ والنجوى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) .

عباد الله: أنزل الله تعالى القرآن العظيم, لحكمة عظيمة وغاية جليلة، ألا وهي التدبر, وذلك بالوقوف عند آياته وعظاته ( كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ ) ولنا وقفة مع أسلوب حكيم من أساليب القرآن العظيم, هو أسلوب القصة, وهو فن أصيل، وأسلوب جميل، تطرب لها النفوس، وتهفو لها القلوب، ويتسلى ويعتبر بها المؤمنون ( نحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ ) قص الله تعالى علينا أخبار الأمم السابقة, وأحوال الأمم الماضية, للعظة والعبرة والانتفاع ( لقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .

وممن ذكر الله تعالى قصته في كتابه, قصة نبيِّ الله موسَى u, والتي تكرر ذكرها في كتاب الله, في أربع وثلاثين سورة من القران الكريم, قصة مثيرة, مليئة بالمواقِف والأحداث والعبَر ( نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) كان فرعون الذي بطر وتكبر, وغره ملكه وجاهه, وقوته وماله, قد استعبد بني إسرائيل, وصيرهم خدما له ( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) ولم يكتف بذلك, بل تطاول على رب البشر, وصاح في قومه وملئه, قائلا لهم ( أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلَى ) قال ذلك بكل وقاحة وكبر, وجبروت وطغيان ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ ) وكان بنو إسرائيل يتدارسون فيما بينهم, أنه سيولد غلام يكون هلاك فرعون مصر على يديه، فوصل الخبر إلى فرعون، فأمر بقتل أبناء بني إسرائيل, حذرًا من وجود هذا الغلام، فلا تلد امرأة ذكرًا إلا ذبح من ساعته ( وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ ) .
وفي تلك الظروفِ القاسيَة, وُلد موسى u, والموتُ يحيط به, وأمّه خائفة عليه، تخشى أن يصِلَ نبؤُه للجلاّدين، وهي عاجزةً عن حمايته، وهنا يلقِي الله في روعِها الإيمانَ والأمانَ, واستجابت أم موسى لهذا الإلهام، وصنعت لابنها الرضيع صندوقًا تضعه فيه, ثم تلقيه في نهر النيل ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ ) .

ولكنها إرادة الله تعالى وعنايته, شاء سبحانه أن يتحرك ذلك الصندوق, تجره الأمواج وتدفعه المياه, ليأتي بنفسِه مجرَّدًا من كلِّ حيلةٍ أو قوّة، فيقتَحِم على الطاغيةِ حِصنَه، ويستقرّ في قلبِ قصر فرعون ( فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا ) فحمل الطفل الرضيع إلى فرعون, فلما رآه أمر بقتله وذبحه, فعطَّف الله عليه قلبَ امرأةِ فرعون، فأحبّته وآوته ( وَقَالَتِ ٱمْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لّى وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَىٰ أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ) ثم مَنع الله موسَى من قَبول المراضِع واستِساغةِ اللبن، فأصبح فِرعونُ الذي يبحَث عنه ليقتلَه, صارَ يلهَث لحياته, ويلتمِس له مرضعة خوفًا عليه مِنَ الموتِ، فتَدُلُّهم أختُه على أمِّه، فيلتَقِم ثديَها ويقبَل لبَنَها، ويعود الطفلُ الغائِب إلى أمِّه، ويتحقَّق وعدُ الله ( فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ) .

ولما بلَغ موسى أشُدَّه واستَوى, آتَاه الله النبوة, وهيَّأه للرّسالةِ, وأيده بالمعجزة, ودعا فرعون وملأه إلى عبادة الله, فقابلوا رسالتَه بالتكذيبِ، واتهموه بالسّحرِ والفساد والجنون, قال فرعون ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ ) فخرج موسى u بقومه, مهاجرين بدينهم, تارِكين ديارَهم، يبحثون عن مكانٍ آخَر يعبدون الله فيه، فخرج فرعون بجنوده, يريد القضاء على موسى وقومه, ووقفَ البحرُ أمامَهم ( فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ - قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ - فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ ) أمر الله تعالى البحرَ فانفَلق إلى طُرُق يابِسةً, ثم عبروا بحِفظ الله، فأتبعهم فرعونُ بجنوده، وأمر الله البحرَ فانطَبق على فرعون وجنوده، وأغرقَه ومن معه, في عاقبةٍ مُهينة للكبر والطغيان ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ - فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ - وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ ) إنها هزيمةُ الدنيا والآخرة, جَزاءَ البغي والاستطالة، وأنجى الله تعالى موسى وقومَه ( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ) .
عباد الله: وكان إهلاكُ الله تعالى لفرعونَ وجنودِه, ونجاةُ موسى وقومه, في اليوم العاشر من هذا الشهر, فصام موسى u هذا اليوم, شكرًا لله تعالى، وصامه نبيُّنا محمّدrوأمر بصيامه وقال لليهود " نحن أولى بموسى منكم " وفيهما أيضا عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال " ما علمتُ أنَّ رسولَ الله r صام يومًا يطلب فضلَه على الأيام إلاّ هذا اليوم يوم عاشوراء " وعند الترمذي بسنَد صحيح أنَّ النبي r قال " صيام يومِ عاشوراء أحتسِب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله "وعند مسلم سئل r عن صيام يوم عاشوراء فقال " أحتسبُ على الله أن يكفّر السنة التي قبله " .

فيستحبُّ صيام اليومَ العاشر من محرم, وهو يوافق يوم غد السبت, فاحرص أن تكون غدا مع قوافل الصائمين, اقتداءً بسنّة المصطفى r, وطلباً لثوابِ الله عز وجل، كما يستحب أن يصام يوماً قبلَه أو يوما بعده, مخالفةً لليهود، وعملاً بما استقرّت عليه السنة" لئن بقيتُ إلى قابل لأصومنَّ التاسعَ " .

وفقنا الله وإياكم لطاعته, واتباع مرضاته, وجنبنا وإياكم أسباب سخطه وعقابه, أقولُ ما تسمعون،















الحمد لله ... أما بعد :

أما بعد، فاتقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروةالوثقى .

أيها المسلمون: ومما حصل في اليوم العاشر من محرم, قتل واستشهاد سيد شباب أهل الجنة, سِبط رسول الله r, الحسين بن علي رضي الله عنه وأرضاه, حيث قتل مظلوما في فتنة عظيمةٍ بين فئتين من المسلمين، وهي فتنةٌ طهر الله منها أيديَنا فلا نخوض فيها بألسنتنا، ولكن الذي ينبغي التنبيهُ إليه, وخاصة مع انتشار قنوات أهل البدع، ما يفعله الرافضة في هذا اليوم, من البكاء والنُّواحِ ولطمِ الخدودِ ونتفِ الشعور، وتعذيب أنفسهم, وضرب وجوههم وصدورهم وظهورهم بالسلاسل والسكاكين، وإسالةِ الدماء من أجسادهم, ظانين أنهم بذلك, ينصرون الحسين رضوان الله عليه, وهم في الحقيقة مبتدعون ضالون، مرتكبون لكبائر تبرأ r مِنها, حيث قال " لَيسَ مِنَّا مَن ضَرَبَالخُدُودَ وَشَقَّ الجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعوَى الجَاهِلِيَّةِ " متفق عليه وبرئ r من الصالقة والحالقة والشاقة, والصالقة: هي التي ترفع صوتها بالنياحة, والحالقة: هي التي تحلق رأسها عند المصيبة, والشاقة: هي التي تشق ثوبها عند المصيبة .

ثم اعلموا أن خير الهدي, هدي محمد r, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة, وأن يد الله مع الجماعة ومن شذ شذ في النار .

ثمّ صلّوا وسلِّموا على خير البريّة وأزكى البشرية محمد بن عبد الله ....
المشاهدات 2080 | التعليقات 0