عادات سيئة

الخطيب المفوه
1433/07/25 - 2012/06/15 07:51AM



عادات سيئة

خطبة ألقيت في جامع أبي عبيدة بحي الشفا
ألقاها : د / سعد بن عبد العزيز الدريهم .

بسم الله الرحمن الرحيم
إِنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا . من يهده الله؛ فَلا مُضلَّ له ، ومن يضلل؛ فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعدُ: فإنَّ أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ e، وشرَّ الأمور مُحـدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
أيها الأحبة في الله ، ها قد أطلت عليكم الإجازة بوجهها ، وها أنتم تتفيأون ظلالها ، وهي فرصة للراحة بعد التعب ، وللخلوة بعد الشُغُل . والإجازة لا تكون إلا من أمور الدنيا وشواغلها ؛ أما أمور الآخرة ، فلا إجازة منها إلا بعد الموت ) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ اليَقِيْنُ ( ، والراحة الكبرى عندما تضع إحدى قدميك في الجنة ؛ نسأل الله أن يبلغنا جنته بفضله ورحمته .
ومما لا مراء فيه ولا جدال أن الإجازة الحقة أيها الأحبة في الله ، هي التي تتماشى فيها النفس مع الفطرة ، فلا تخالفها ؛ فتعطي النفس مبتغاها في راحتها وفي شغُلها ؛ وفي نومها وفي يقظتها ؛ فإذا أدرك الإنسان ذلك كانت له الهناءةُ في إجازته ، وإلا كانت إجازته ثقلاً من المتاعب ، ومن ينظر في حياة الطلاب، أو حتى في سلوك الكبار أثناء إجازتهم يلحظ فيها نشازاً ؛ فتجد السهر حتى هزيع من الليل أو ربما حتى الصباح ، بل ربما تمادى بعضهم فامتد سهره موصولاً حتى قريباً من الظهر ، وهذا من الغلو والإفراط ومن الميل العريض عن فطرة الله في النوم واليقظة ، وهذا لا يأتي إلا بالشرور ، وأولها تحطيم الجسد ؛ ففي الإنسان كما قال أهل الطب : خلايا تنام بالليل حتى لو سهر الإنسان ، وتستيقظ بالنهار حتى ولو كان نائماً ؛ فإذا نمت بالنهار ولو ساعات متطاولة ؛ فإنك لا تحس بلذة النوم كما لو كان ليلاً ، ولا يحس الإنسان بالانسجام التام وراحة النفس والجسد إلا بعد أن يتوافق نومه مع نوم خلايا الجسد ، ) وَمِنْ أيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِالليْلِ( ، وهذا الانسجام له أثر بالغ على نفسيات الأبناء إيجاباً وسلباً .
أنعم النظر أيها المحب ، في نفسيات الأبناء في الإجازة ، وقارنها بنفسياتهم في أيام الدراسة مع ما يلاقونه في أيام الدراسة من تعب ، وما يجدونه في الإجازة من راحة ، لا ريب أنك ستقف على عجيب من الأمر ؛ فتجد سكينة هناك وهدوءاً ، وتجد هنا أيام الإجازة تقلباً ومزاجية ونشازاً في التصرفات ، ولا يغيب عنك وأنت تتصفح وجوه أبنائك وبناتك تلك الشحوبة في الوجوه وتلك الصفرةَ الظاهرة ، وكل ذلك من عوامل السهر ونتائجه المدمرة للفرد ، وقد أشار القدماء من علمائنا رحمهم الله إلى نتائج السهر المدمرة ، فقد أوضح ابن القيم أن السهر مما يهد جسد الآدمي ، وكل ما قيل أيها الجمع الكريم ، متوجه للسهر البريء ، الذي لا تخرم فيه مروءة ، ولاتهتك فيه حرمة . أما إذا زاوجه شيء من الموبقات فهذا سهر مشؤوم ومورد لصاحبه لدركات الوبال والخبال ، وهذا أمر تلبس به كثير من الناس ، بل حتى الصغار منهم .
عندما تخرج من بيتك فجراً ، أو عندما يُكتب عليك السهر يوماً ما ، ستجد في طريقك وفي حيك الكثيرَ من المظاهر النشاز للسهر وكذلك التصرفات غير المسؤولة؛ فثمة شباب يمارسون التفحيط وحتى هزيع من الليل ، كما تجد أولئك الذين يستعرضون بسياراتهم ويؤذون الناس خاصة تلك السيارات الملأى بالعوائل رغبة في لفت الأنظار إليها ألا ساء ما يصنعون ، كما أن من المناظر التي ربما تعرض لك وأنت في ذلك الهزيع من الليل وفي الوقت المبارك من الليل ، أولئك الشباب الذين صفوا سياراتهم في وسط الشوارع ، وبدأوا بتبادل أحاديث الخساسة ولا ريب ، وعندما تتقدم وتطلب منهم التنحي جانباً لكي تمر تلحظ منهم التفاتاً إليك وتبادل الابتسامات بينهم وعدم المبالاة ، إنك أيها المحب ، عندما تفكر لا تدري ما الذي يحس به أولئك السقط الشواذ ، لا أراهم وأنتم كذلك يضحكون إلا على خيباتهم وسوء تربية الأهل لهم ، فلا حول ولا قوة إلا بالله .
إنك أيها المحب ، عندما تقارن بين أولئك اللاهيين السادرين في غيهم ، وأولئك الذين حنوا الأصلاب على المفيد ، إنك لتقارن بين أرض وسماء ، وبين عز وكرامة وبين ذل ومهانة ، لا سواء أيها الجمع الكريم ، بين أصحاب المعالي وأصحاب المهاوي والردى ، قل ما شئت وحدث عن من تريد ؛ فإن الخطب سباق بين علو وسفل وارتقاء ونزول ، ولا يبلغ الإنسان ما يريد إلا بنفسه وهمته ، وكل ذلك بعد توفيق الله وتسديده سبحانه ، كما أن دعاء الوالدين ذو أثر في ذلك بالغ ، ولا تنسوا كذلك أيها الجمع الكريم ، القدوة الحسنة ؛ فإن النشء يتلقف عن والديه عاداته ؛ فإن كانت حسنة كان الغراس حسناً ، وإن كانت سيئة كان الزرع نكداً ؛ فكونوا أيها الجمع ، قدوات حسان للأبناء والبنات ، ولا تخش ولو ند ابنك في بدايات المراهقة ؛ فإن القدوة والدعوة ؛ ستأخذ به إلى بحبوحة الاستقامة والمسؤولية ، والله نسأل أن يجعلني وإياكم ممن تقر أعينهم بأبنائهم وبناتهم في الدنيا والآخرة إنك جواد كريم .
أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله على إحسانه ، ونشكره على توفيقه وامتنانه ، ونصلي ونسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه وإخوانه ، وسلم تسليماً .
أما بعدُ :
فيا أيها الأحبة في الله ، تبدأ العادات السيئة بسيطة وذات وجه حسن، ولكن بعد فترة تغير لبوسها ؛ لتستبدل الحسن بالسوء ، وتخرج من البساطة إلى التعقيد ، وخير مثال على ذلك حفلاتُ النجاح ؛ إذ كانت في بداياتها ذات توجه بسيط ساذج لا تتعدى تقديم هديا للناجحين والناجحات ، وربما بعض الحلوى ، ولكن وبمرور الزمان وتوفر وسائل الاتصال ، استبدلت تلك الحفلات وجهها البسيط البريء بآخر تكمن فيه السيئات ؛ فأضحى يستأجر لتلك الاحتفالات الاستراحات ، ويدعى لها المطربون والمطربات ، وتقدم فيها صنوف الأكل والمقبلات ، في إسراف ظاهر ، وتهدر بسبب من ذلك الدراهم ألوفاً مؤلفة .
لو تأملنا نجدنا نتأفف ونشكوا من غلاء المعيشة وعجزنا حتى عن الأساسيات ، بينما نصرف الأموال على مثل هذه التفاهات ، ولم تعد تلك الحفلات أيها الجمع ، قاصرة على من أخذوا الشهادات العليا بل أصبحت شاملة حتى لأصحاب الشهادات الدنيا ، وقد حدثني أحدهم أن هذه الحفلات الجماعية للتخرج ربما كلفت الواحد خمسة آلاف ريال وبعضهم أكثر، وقد يستأجرون لذلك قصور أفراح ويستدعون لذلك بعض المطربين المشهورين ، فكم في ذلك من معاناة لبعض الأولياء ، وإن قدر الولي فأينه عن الحرام في معاقرة المعازف والغناء ؛ إنك أيها الأب الحازم الحكيم ، بإيجابيتك وحزمك قادر على وأد مثل هذه المنكرات ، وذلك بمنعك ابنك وابنتك من مثل هذه المحافل التي لا تجلب إلا السوء ، وإذا كنت مقتدراً فخاطب ابنك خطاب الرجل العاقل ، وقل له ما منعتك هذه الدراهم بخلا بها عليك ، ولكن مصرف هذه الدراهم ليس فيه ما يرضي الله ، ولو أردتها في أمر حلال لجادت بها نفسي سخية طيبة ، لو فعلت ذلك لاجتثثت نابتة الحزن من قلب ابنك ، ولرسخت في قلبه قيمة النفقة في وجهها الصحيح ..
لا نريد أيها الجمع الكريم ، أن نحرم أبناءنا وبناتنا من أنسهم ، ولا أن ننزع الفرح من قلوبهم ، ولكن ليس كل ماتهواه النفس نسارع فيه ، خاصة ونحن نرى فيه غضب الله ، كما أن هذه الأموال التي تهدر تقوم على بعض منها أسر ، فلو بذلت في وجوهها لربما كانت بركة على صاحبها وسعادة له في الدنيا والآخرة ، ومن أحسن النية أحسن الله له العمل ، والله أسأل أن يجعل سعي أبنائنا مبروراً ، وأن يستخدمهم في طاعته ومراضيه إنه جواد كريم .
المشاهدات 2365 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا