ظنيّات في نهاية العام -- بداية العام الهجري
عبدالإله بن سعود الجدوع
1443/12/30 - 2022/07/29 01:04AM
الحمد لله المحمود بجميع المحامد تعظيمًا وتشريفًا وثناءً، الحمد لله المتصف بصفات الكمال عزة وقوة وكبرياءً، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، أفضل هذه الأمة جهادًا وفداءً، وأعظمهم قدوة واصطفاءً، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه الذين ضربوا أروع الأمثلة صفاءً ووفاءً، وطهرًا ونقاءً، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان وسار على نهجهم اهتداءً واقتفاءً. أما بعد أيها الإخوة الكرام: أوصيكم بتقوى الله -عز وجل- فهي وصية الله تعالى للأولين والآخرين: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللَّهَ) فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واعتبروا بمرور الليالي والأيام؛ فإنها تذهب عمركم ، وتضعف قوتكم، وتأخذ من صحتكم، وتقرّب آجالكم، ولابقاء لمخلوق في الدنيا مهما علت منزلته، وعظمت قوته، واتسعت مملكته، فليعتبر باقٍ براحل، وليتعظْ ممهَـل بهالك؛ فإن السعيد من وُعظ بغيره أرأيت يا أخي إلى هذا التقويم الذي نضعه في المكاتب ، المليء بالأوراق بداية العام ، وفي كل يوم نقلب منه ورقة واحدة ، وفي نهاية العام نصل إلى النهاية ولا يبقى منه إلا الجلدة فقط .
وهكذا عمري و عمرك يا أخي : مجموعة أيام ، كلما مضي يوم نقصت أعمارنا ، وكلما نقص رصيد أيامنا حتى ينتهي ذلك الرصيد ، ثم نغادر هذه الدنيا . فهل أنت مستعد لهذه المغادرة ؟ وهل أنت متهيء لهذه النهاية؟ ربما يكره بعض منـّا ذكر الموت ، لكنه وصية الحبيب الشفوق علينا الرحيم بنا، فقد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) . رواه الترمذي، والنَّسائي، وصحَّحه ابن حبَّان. تزود من الدنيـا فإنك لا تدري إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر فكم من فتى يمسي ويصبح لاهياً وقد نسجت أكفانه وهو لا يــدري وكم ساكن عند الصبـاح ببيته وعند المساء قد كان من ساكني القبر أيها الكرام : بعضَنا قد يكون عمره ثلاثون سنة ، أو أربعون سنة ، أو خمسون سنة أو أكثر من ذلك ، وفي الحقيقة أن عمره سنة واحدة مكررة ثلاثين مرة ، أو أربعين مرة ، أو خمسين مرة ! لاجديد فيها ، لذا كان لزاماً على الإنسان أن يحاول بين فينة وأخرى أن يطوّر نفسه وأن يكتسب مزيدا من المحمود ، وأن يبتعد عن المذموم ، ويكون هذا ديدنه طوال العام . وقد قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ) قِيلَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ) . -إن المسلم الموفق – يا أيها الفضلاء - لايمحي من ذاكرته عام مضى حتى يتأمل الدروس والحوادث التي مرت عليه ، فما كان من خير فليزيد منه ولايكتفي به ، وماكان من شر فليحجم ، وماكان من تجارب طيبة وقد فشلت فليجعلها مستشارة له ، لاحاكمة عليه . ومن أعظم الدروس والعبر من تصرم الأيام والأعوام هو انصرامها سريعا ، وكل عام يدني من الأجل ، بعضنا قد يفرح بوصول عمره إلى كذا وكذا ، وسنوات خبرته الوظيفية إلى كذا وكذا ، لكن لو تأملنا ! كلُ مايصبو إليه سيذهب ويتركه ، إلا ما عمل من صالحات ، والموفق هو من أخلص نيته ومقصده لله تعالى في كل عمله حتى يلقى الله عز وجل . أيها الكرام : في نهاية العام يكثر انتشار كثير من المفاهيم والمغلوطات ، من ذلك مثلاً -:: أن يظن الظان في نهاية العام أن صحيفة الإنسان تُطوى في آخر العام !! وهذا غير صحيح ، إنما تطوى صحيفة الإنسان مرة واحدة في العمر وهي عند موته . وربما خلط بعضهم بين طوي صحيفة الإنسان وبين رفع الأعمال سنوياً ، إذ ترفع الأعمال سنوياً في شهر شعبان لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ( ذلك شهر يغفل عنه الناس وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم . - ::أيضاً ربما يظن الظان في نهاية العام أنه يشرع ختمه باستغفار أو صلاة أو صيام ، أو أن لآخر جمعة فيه مزية ونحو ذلك ، فنقول أن من فعل أيّ من العبادات لأجل أنها في نهاية العام فهذا غير مشروع ، أما من فعله بعد محاسبته لنفسه ولرغبته بمزيد طاعة دون أن يكون السبب نهاية العام فهذا هو المشروع . - ::أيضاً من المفاهيم أنه ربما يظن الظان أن محاسبة النفس لاتشرع إلا نهاية العام ، بل المطلوب أن يحاسب المرءِ نفسه دورياً وبعد كل خطأ ، ونهاية كلَّ يوم ! ولاينتظر نهاية العام حتى يحاسب نفسه ، فقد يفجئه الأجل قبل حلول الأمل . ومن لم يعتبر بطلوع الشمس وغروبها فلن يعتبر ببداية العام ونهايته ، وأكثر الآيات ذكرا في القرآن الليل والنهار والشمس والقمر - ::أيضا أن يظن ظان حينما يسمع أحدا من المتحدثين يتحدث عن الهجرة النبوية هذه الأيام ، يظن أن الهجرة النبوية قد وقعت في هذه الأيام ، والصحيح أنها وقعت في شهر ربيع الأول . - وقد يظن ظان أن كثرة الحديث عن الهجرة هذه الأيام فيه مزية أو سنة في ذلك وليس في ذلك شيء . - ::وقد يظن ظان في نهاية العام أن من حدد نهايته وبدايته هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحيح أنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعدما جمع الصحابة واستشارهم من أين يبدأ التاريخ ؟ فقال بعضهم : يبدأ من مولد النبي وقال بعضهم: يبدأ من بعثته وقال بعضهم: يبدأ من هجرته وقال بعضهم: يبدأ من وفاته، ولكن عمر بن الخطاب خليفة المسلمين آنذاك ، رجّح أن يبدأ من الهجرة لأن الله فرق بها بين الحق والباطل فجعلوه مبتدأ تاريخ السنين في الإسلام ، سنةَ الهجرة لأنها هي السنةُ التي كان فيها قيام كَيان مستقل للمسلمين، وفيها تكوين أول مكان إسلامي يتولى عليه المسلمون، فاتفق فيه ابتداء الزمان والمكان. *****
وهكذا عمري و عمرك يا أخي : مجموعة أيام ، كلما مضي يوم نقصت أعمارنا ، وكلما نقص رصيد أيامنا حتى ينتهي ذلك الرصيد ، ثم نغادر هذه الدنيا . فهل أنت مستعد لهذه المغادرة ؟ وهل أنت متهيء لهذه النهاية؟ ربما يكره بعض منـّا ذكر الموت ، لكنه وصية الحبيب الشفوق علينا الرحيم بنا، فقد صح عنه صلى الله عليه و سلم أنه قال: ( أكثروا من ذكر هادم اللذات ) . رواه الترمذي، والنَّسائي، وصحَّحه ابن حبَّان. تزود من الدنيـا فإنك لا تدري إذا جن عليك الليل هل تعيش إلى الفجر فكم من فتى يمسي ويصبح لاهياً وقد نسجت أكفانه وهو لا يــدري وكم ساكن عند الصبـاح ببيته وعند المساء قد كان من ساكني القبر أيها الكرام : بعضَنا قد يكون عمره ثلاثون سنة ، أو أربعون سنة ، أو خمسون سنة أو أكثر من ذلك ، وفي الحقيقة أن عمره سنة واحدة مكررة ثلاثين مرة ، أو أربعين مرة ، أو خمسين مرة ! لاجديد فيها ، لذا كان لزاماً على الإنسان أن يحاول بين فينة وأخرى أن يطوّر نفسه وأن يكتسب مزيدا من المحمود ، وأن يبتعد عن المذموم ، ويكون هذا ديدنه طوال العام . وقد قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ) قِيلَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ) . -إن المسلم الموفق – يا أيها الفضلاء - لايمحي من ذاكرته عام مضى حتى يتأمل الدروس والحوادث التي مرت عليه ، فما كان من خير فليزيد منه ولايكتفي به ، وماكان من شر فليحجم ، وماكان من تجارب طيبة وقد فشلت فليجعلها مستشارة له ، لاحاكمة عليه . ومن أعظم الدروس والعبر من تصرم الأيام والأعوام هو انصرامها سريعا ، وكل عام يدني من الأجل ، بعضنا قد يفرح بوصول عمره إلى كذا وكذا ، وسنوات خبرته الوظيفية إلى كذا وكذا ، لكن لو تأملنا ! كلُ مايصبو إليه سيذهب ويتركه ، إلا ما عمل من صالحات ، والموفق هو من أخلص نيته ومقصده لله تعالى في كل عمله حتى يلقى الله عز وجل . أيها الكرام : في نهاية العام يكثر انتشار كثير من المفاهيم والمغلوطات ، من ذلك مثلاً -:: أن يظن الظان في نهاية العام أن صحيفة الإنسان تُطوى في آخر العام !! وهذا غير صحيح ، إنما تطوى صحيفة الإنسان مرة واحدة في العمر وهي عند موته . وربما خلط بعضهم بين طوي صحيفة الإنسان وبين رفع الأعمال سنوياً ، إذ ترفع الأعمال سنوياً في شهر شعبان لحديث النبي صلى الله عليه وسلم ( ذلك شهر يغفل عنه الناس وهو شهر ترفع الأعمال فيه إلى رب العالمين ، فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم . - ::أيضاً ربما يظن الظان في نهاية العام أنه يشرع ختمه باستغفار أو صلاة أو صيام ، أو أن لآخر جمعة فيه مزية ونحو ذلك ، فنقول أن من فعل أيّ من العبادات لأجل أنها في نهاية العام فهذا غير مشروع ، أما من فعله بعد محاسبته لنفسه ولرغبته بمزيد طاعة دون أن يكون السبب نهاية العام فهذا هو المشروع . - ::أيضاً من المفاهيم أنه ربما يظن الظان أن محاسبة النفس لاتشرع إلا نهاية العام ، بل المطلوب أن يحاسب المرءِ نفسه دورياً وبعد كل خطأ ، ونهاية كلَّ يوم ! ولاينتظر نهاية العام حتى يحاسب نفسه ، فقد يفجئه الأجل قبل حلول الأمل . ومن لم يعتبر بطلوع الشمس وغروبها فلن يعتبر ببداية العام ونهايته ، وأكثر الآيات ذكرا في القرآن الليل والنهار والشمس والقمر - ::أيضا أن يظن ظان حينما يسمع أحدا من المتحدثين يتحدث عن الهجرة النبوية هذه الأيام ، يظن أن الهجرة النبوية قد وقعت في هذه الأيام ، والصحيح أنها وقعت في شهر ربيع الأول . - وقد يظن ظان أن كثرة الحديث عن الهجرة هذه الأيام فيه مزية أو سنة في ذلك وليس في ذلك شيء . - ::وقد يظن ظان في نهاية العام أن من حدد نهايته وبدايته هو النبي صلى الله عليه وسلم ، والصحيح أنه عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعدما جمع الصحابة واستشارهم من أين يبدأ التاريخ ؟ فقال بعضهم : يبدأ من مولد النبي وقال بعضهم: يبدأ من بعثته وقال بعضهم: يبدأ من هجرته وقال بعضهم: يبدأ من وفاته، ولكن عمر بن الخطاب خليفة المسلمين آنذاك ، رجّح أن يبدأ من الهجرة لأن الله فرق بها بين الحق والباطل فجعلوه مبتدأ تاريخ السنين في الإسلام ، سنةَ الهجرة لأنها هي السنةُ التي كان فيها قيام كَيان مستقل للمسلمين، وفيها تكوين أول مكان إسلامي يتولى عليه المسلمون، فاتفق فيه ابتداء الزمان والمكان. *****
الخطبة الثانية : إنَّ من بديعِ حكمةِ اللهِ تعالى أن جعلَ طرفيِ العامينِ بين شهرينِ محرَّمينِ، فذو الحِجةِ خاتمةٌ، والمحرَّمُ فاتحةٌ، فكأنَّ في ذلكَ إشعارًا للمؤمنِ بأن يختِمَعملَه بالخيرِ ويفتتحَه بالخيرِ، فهما شهرانِ تُعظَّمُ فيهما أجورُ الطاعاتِ، كما تعظَّم فيهما الحُرماتُ. وربما ظن الظان أنه تشرع التهنئة في بداية العام ، وعن ذلك سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هل تجوز التهنئة للعام الهجري الجديد ؟ فقال الشيخ رحمه الله إن هنّأك أحد فَرُدَّ عليه ، ولا تبتديء أحداً ، فالتهنئة برأس العام الهجري الجديد ليست معروفة عند السلف, ولهذا تركها أولى , لكن لو أن الإنسان هنأ الإنسان بناءً على أنه في العام الذي مضى أفناه في طاعة الله عز وجل فيهنئه لطول عمره في طاعة الله فهذا لا بأس به, لأن خير الناس من طال عمره وحسن عمله كما في الحديث , لكن هذه التهنئة إنما تكون على رأس العام الهجري فقط , أما رأس العام الميلادي فإنه لا يجوز التهنئة به ؛ لأنه ليس عاماً شرعياً بل إن هنئ الكفار على أعيادهم، فهذا يكون الإنسان فيه على خطر عظيم . انتهى كلامه رحمه الله وكان مما قال رحمه الله "إذا ابتلينا وصار لا بد أن نذكر التاريخ الميلادي، فليكن أولاً بالعربي الهجري الشرعي، ثم نقول: الموافق كذا". اللهم اجعلنا فيما بقي من أعمارنا خير ممامضى ، ووفقنا للعمل الذي تحب وترضى وخذ بنواصينا للبر والتقوى ، إنك سبحانك تحب الدعاء والنجوى ، اللهم واغفر لنا ذنوبا حالت بيننا وبين ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ، اللهم واجعلنا ممن يؤمن بلقائك . ويرضى بقضائك .. ويقنع بعطائك . ويخشاك حق خشيتك اللهُـم اٍنا نسألك عـيشةً نقـيةً .. وميتةً سويةً .. ومـَرَداً غـير مخـزٍ ولا فـاضِـح. الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا, لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاقْمَعْ به الضلال ورَايَةَ البِدْعَةِ ، اللهم ارزقه بطانة صالحة ناصحة تدله على الخير وتعينيه عليه لمافيه خير البلاد والعباد اللهم انصر جنودنا المرابطين في جنوب بلادنا ، اللهم وسدد رأيهم ورميهم ،وأعنهم ياربنا وانصرهم ، واشف من أصيب منهم ، واغفر لمن مات منهم ، إنك أنت الغفور الرحيم الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ, وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللهم احفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كيد الكائدين ومن مخططات أعداء الدين يارب العالمين ربنا إنا ظلمنا أنفسنا ظلما كثيرا ولايغفر الذنوب إلا أنت فاغفر لنا وارحما إنك أنت الغفور الرحيم ، ربنا لاتؤخذنا إن نسينا أو أخطئنا ، ربنا ولاتحمل علينا اصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولاتحملنا ما الاطاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الأخرة حسنة وقنا عذاب النار