ظلم العمال والأجراء ..

عبدالله محمد الطوالة
1435/05/20 - 2014/03/21 20:04PM
أحبتي في الله : وهذه خطبة عن ظلم العمال والأجراء ، للشيخ المبدع والخطيب الممتع ، فضيلة الشيخ توفيق الصايغ حفظه الله ، مع شيء من التصرف ..
ظلم العمال والأجراء ..
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونؤمن به ونتوكل عليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه ومختاره من خلقه وخليله، أشهد أنه بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح للأمة، وجاهد لله حق الجهاد حتى أتاه اليقين.
بلغ العلا بكماله *** كشف الدجي بجماله
حسُنت جميع خصاله *** صَلُّوا عليه وآله
اللهم صَلِّ وسلِّمْ ..
أما بعد: فاتقوا الله عباد الله: واعلموا أنكم غدًا بين يدي ربكم موقفون، وعن أعمالكم محاسبون، وعلى تفريطكم نادمون، وإن خير ما تعدوه لذاك اليوم هو التقوى أخبر بذلكم ربكم إذ يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} ..
أحبتي في الله : في أوليات القرن الماضي كانت هذه البلاد وعموم الجزيرة العربية أرضاً قاحلة، بالكاد تجد فيها زرعا أو ضرعا ، وكان غالب سكان هذه البلاد يتضورون فقراً ومرضاً وجوعا .. وكان أهل الشمال منها والوسط ينزعون إلى تخوم الشام وإلى عراق الرافدين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله، وكان أهل الجنوب يعبرون البحر إلى شرق إفريقيا، إلى السودان، وإلى الصومال، وإلى إريتريا وغيرها .. يتكففون لقمة العيش يتغرب منهم الواحد سنوات ليعود بشيء لا يكاد يذكر .. وكان أهل الحجاز ينتظرون بفارغ الصبر قدوم الحاج حتى يبيعوا منه ويبتاعوا .. هكذا كان حال الجزيرة إلى خمسينيات القرن الماضي حين أذن الله بفضله جل وعلا أن يخرج من بين حجر الأرض ورملها ذهب أسود يحيل الماء الأجاج عذبا فراتا، ويقلب وجه الحياة الكالح إلى ألوان زاهية براقة .. ليظهر في حياة الناس ما عُبر عنه بالطفرة ، وكانت إحدى إفرازات هذه الطفرة أن يُفتح باب الاستقدام .. ليدخل على أثرها إلى البلاد أعداد هائلة من العمالة رجالاً ونساءً .. وكان من إفرازات هذه الطفرة أيضاً ظهور مصطلحات جديدة ، منها مصطلح "الكفيل"، و "المكفول" ..
والكفيل ببساطة وباختصار هو شخص ولاه الله عز وجل أمر شخص آخر .. أي أنها مسؤولية وأمانة عظيمة ، لو عرضت على السموات الفسيحة ، أو على الأرض الممتدة، أو على مشمخرات الجبال لَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا .. وَلأَشْفَقْنَ مِنْهَا .. لكن الظلوم الجهول .. حَمَلَهَا ..
الكفيل والكفالة مسؤولية وأمانة عظيمة أمام مكفول لا يملك من نفسه حولًا ولا طولا .. ولا يملك أمراً ولا نهيا! .. محتاج مضطر مخر لُجاج البحار ، وشق عنان السماء ، وخبّ السير خبّاً، ترك وطنه وبيته وأهله وولده ، ليبقى في القيد الاختياري بضع سنين .. يضرب في جنبات الأرض ويسعى في مناكبها يقتات لأهله ولنفسه ما يعفهم ويسد رمقهم .. واختار هذه البلاد المباركة ليجمع بين فضيلتين، وليحوز الحُسْنَيَيْن، بين العمل في بلاد مباركة أفاض الله عليها الخيرات وسمع عن أهلها أنهم أكثر الناس حظاً من الدين والأخلاق .. وليقترب من أطهر بقاع المعمورة .. من الحرمين الشريفين .. هذا حال الأغلب .. ولكل قاعدة شواذ ، والشاذُّ لا حكم له ..
أما إذا أدرنا أن نتحدث عن العلاقة بين الكفيل والمكفول .. فدعونا نتأمل ونتفكر جيداً في هذا النص النبوي الكريم .. إنه حديث عظيم يرويه الصحابي الجليل معقل بن يسار رضي الله عنه يقول : قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت يوم يموت وهو غاشّ لرعيّته إلا حرّم الله عليه الجنة!" ..
وابتداءً لو سألتكم عن منزلة الحارس في الناس لما رفعتم شأنها ، ولما تطلع إليها أحد .. وكذلك هو حال أصحاب كثير من المهن .. كالنجار والخياط والحداد والراعي والفلاح ونحوهم .. ولأستنكف كثير من أصحاب المناصب العالية من هذه الأعمال التي لا تناسب قدرهم ولا تحقق طموحهم .. فكيف إذا علمت أن هذه الأعمال كانت هي مهن خير خلق الله وأزكاهم على الله .. ووالله إن في هذا لدرساً بليغاً أن الحياة الشريفة لا تستكمل شرفها إلا بمثل هذه الأعمال .. ففي صحيح الإمام مسلم، قال ابن عباس: "كان آدمُ حرَّاثاً، وكان إدريس خيّاطاً، وكان نوح نجاراً، وكان إبراهيم ولوط زرّاعين، وكان صالح تاجرا، وكان داود حدادا وكان زكريا نجاراً وكان موسى وشعيب ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعاً رعاة " .. وفي الحديث الصيحيح : "ما أكل أحد طعاما خيراً من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".. فالمكفولون يا سادة، يمتهنون مهنة الأنبياء الرسل الكرام عليهم جميعاً الصلاة والسلام ..
والمكفولون هم ممن يجاهد في سبيل الله تعالى، فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث أنس أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مَرّوا على رجلٌ فرأوا من جلَده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله! قال صلى الله عليه وسلم: "إن كان خرج يسعى على أولادٍ صغار فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله" صححه الألباني.
فهل نظرتنا إلى العمالة هي النظرة للخارجين في سبيل الله الذين تحسب لهم الدقائق والثواني رباطاً في سبيل الله .. ما داموا كما ذكر الحديث قد خرجوا واغتربوا يسعون على أولاد صغار وأبوين شيخين ويعفون أنفسهم عن الحرام ..
المكفولون -يا سادة- إخوة لا عبيد، أجراء لا أرقاء، عمال لا مملوكون، قال -عليه الصلاة والسلام- "إخوانكم خوَلكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فلْيطعِمْه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق".
هؤلاء المكفولون ضعفاء، فقراء، أخرجهم الفقر والعوز والحاجة، وإلا .. ألا نتسائل ماهي ضريبة تركهم لأوطانهم وأهليهم وأبنائهم؟ لماذا يضطرون لأن يمكثوا بين ظهرانينا سنوات طويلة غرباء بعداء .. من أجل ماذا ؟. من أجل أن يعودوا بخفي حنين ..
ألا يكفيهم فقدهم للأحبة وبعد الديار .. ألا يكفيهم شعور الغربة .. يا أهل الأخلاق ألا يستحق هؤلاء أن نتعامل معهم بقمة الرحمة .. لا بقمة القسوة .. فأين وصية الحبيب صلى الله عليه وسلم : "أبغوني ضعفاءكم، هل تُرْحَمُون أو تنصرون إلا بضعفائكم؟"، بدعوتهم ..
ولمن يستغرب هذا الكلام مني اليوم .. أعلم بارك الله فيك أن ظلم المكفولين قد تفشى وزاد وتنوعت صورة .. كم نرى ونسمع البكاء والنحيب .. تظلم وتوجع وأنات وزفرات .. ودعوات تزلزل الجبال .. حقوق اغتصبت .. معاملات تعطلت .. تعامل قاس فض .. قسوة وغلظة لا داع لها .. ظلم والله تعالى حرّم الظلم على ذاته المقدسة، حرم الظلم على نفسه وجعله بين العباد محرما: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا"، و{إِنَّ اللّهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} .. ظلم بالقول وبالفعل .. ازدراء واحتقار وانتقاص .. نظرة دونية .. صارح نفسك أخي الكريم .. هل تحب أن تنادى يما ينادى به بعضهم .. يا رفيق ، يا صديق! يا هيه .. أترضاها لنفسك؟ لأبنك .. لأخيك .. وحتى لو كانت مفردات جميلة .. ومعناها سليم .. لكنها للأسف تساق في مساق الازدراء والاحتقار .. جاء في الحديث الصحيح "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر" .. أوليس مما شاع بيننا وأوشك أن يكون ثقافة عامة أن نستكثر على المغترب أن يظهر عليه آثار الخير والنعمة .. أنظر .. أنظر .. رفيق وراكب لكزس!" رفيق ولابس كشخة .. ولا خطأ أن تتعجب , لكن أن تستكثر نعمة الله عليه أو أن تزدريه هذا هو العجب .. عن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذر بالربذة وعليه حلة وعلى غلامه حلة مثلها ، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذر، أعيّرتَه بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية".
يا هندي يا تكروني ، يا رفيق، يا صديق، يا هيه ..! لما كل هذا الاحتقار؟! أليست هذه جاهلية بنص حديث أبي ذر رضي الله .. "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوه تحت يده فلْيُطْعِمْهُ مما يأكل، ولْيُلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم"..
أما أشنع وأفظع صور ظلم الأجراء فهو الاستطالة عليهم بالضرب، جاء في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على أبي مسعود البدري، وهو يضرب غلاماً له بالسوط .. قال أبو مسعود فسمعت صوتا من خلفي: "اِعْلَمْ أبا مسعود، اعلم أبا مسعود"، قال: فلم أعِ الصوت مِن الغضب، فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فسقط السوط هيبة لرسول الله صلوات ربي وسلامه عليه، فقلت: "يا رسول الله، لا أضرب مملوكا بعده أبداً"، وهو حُرٌّ لوجه الله"، قال فقال النبي عليه الصلاة والسلام: "والله! لو لم تفعل؛ للفحتك النار"، أو "لمسَّتْك النار" ..
ولن أعلق على الضرب أكثر من ذلك ..
من صور الظلم الفعلي: إخلاف بنود العقد، فيأتى به من بلاده بوظيفة معينة ذات مواصفات محددة .. ثم يغيرها .. يستقدمه محاسبا على سبيل المثال فيجد نفسه سائقا أو بائعا أو حارسا .. أو يأتي به على راتب معين .. فإذا به يتغير إلى النصف حين يصل ، فأين قول الله تعالى : (وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) ..
من صور ظلم العمال والأجراء تأخير الرواتب أو الانتقاص منها بغير حق ، والله تعالى يقول: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) .. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره ..
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".
كم عدد الذين يؤخرون رواتب العمال والأجراء الشهرين والثلاثة؟ كم عدد العاملات اللاتي ينتحرن مما يجدنه من الضيق والمشقة والعنت ؟!.
من صور ظلم العمال والأجراء .. إسكانهم في مكان لا يستطيع هو أن يدخله فضلا عن أن يسكنه ، وليت كل منا يتفقد بيت أو غرفة مكفوله ويقيّمها .. لعله أن ينصف من نفسه ..
من صور ظلم العمال والأجراء .. حجز الجواز ومنعه من السفر في وقت أجازته .. فأين مثل هذا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم: "دخلت امرأة النار في هِرّةٍ حبستها، لا هي أطعمتها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
هذه يا عباد الله حقوق .. ولا بد من تأدية الحقوق وإلا فاسمعوا لتحذير نبيكم صلى الله عيه وسلم إذ يقول: "لَتُؤَدُّنَ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، والله بأبلغ من ذلك يقول: (الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ..
ومن صور الظلم: الظلم النفسي، كالتهديد بالسجن والترحيل، ونحو ذلك والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم؟".
وفي القرآن الكريم نهي شديد عن أذية أي مؤمن ولو لم تعرفه، أو تخالطه، أو كان من غير بلدك، أو يتكلم بغير لغتك، ما دام يحمل وصف الإيمان، وكم يستهين كثير من الناس بأذية الضعفة والمساكين، من الخدم والعمال، ونحوهم، ويستحل شتمهم، والسخرية بهم، وتسلية نفسه ورفقته بأي أذى يلحقه بهم، وإثم ذلك عظيم، وخطره كبير؛ لأن الله -تعالى- يقول: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) ..
وخطب النبي -صلى الله عليه وسلم- على الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فقال: "يا مَعْشَرَ من قد أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، ولم يُفْضِ الْإِيمَانُ إلى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ... رواه الترمذي، وقال: حسن غريب .. بارك الله ..

الحمد لله وكفى ..
أما بعد : فلئن كنتُ قد ذكرت صورا مأسوية موجودة في المجتمع فليس معنى ذلك أنه لا يوجد في المجتمع كفلاء وأرباب عمل يمثلون نموذجا إسلاميا راقياً ومشرفا ، في روعة التعامل مع عمالهم وأجرائهم .. وهذه هي الصور التي نريد أن نشيعها، هذه هي الصور التي ينبغي أن تكون بارزة وظاهرة ، لا صور الظلم والتعدي بغير وجه حق ، انظروا إلى مثلكم الأعلى صلوات الله وسلامه عليه : واسمعوا لأنس -رضي الله عنه- ماذا يقول .. خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي لشيء فعلته لما فعلته، ولا لشيء لم أفعله لما لم تفعله". رضي الله عن أنس وصلى الله وسلم على رسوله .. إنها يا عباد الله تجربة تروي حكاية عقد كامل من الزمان، مر فيه ما مر .. من حرب وسلم، حل وترحال، جوع وشبع، فرح وترح، إقبال وإدبار، وغنى وافتقار، عشر سنين .. لم ينهره ولم يتلفظ عليه بأي كلمة جارحة قط .. لم يعاتبه بأي نوع من العتاب .. هذا الخادم العامل .. فماذا عن العبد المملوك .. ألم يواصل زيد بن حارثة خدمة الرسول صلى الله سنوات طويلة كعبد مملوك وحين أراد عمه وأبوه أن يحرروه خيره الرسول صلى الله عليه وسلم بين البقاء عنده وبين الذهاب لأهله معززا مخدوما .. فرفض زيد لأنه ببساطة لن يجد من يقدره ويحترم انسانيته كمحمد صلى الله عليه وسلم .. فأبى وقال: "لحياة الخدمة مع محمد صلى الله عليه وسلم أحب إلي من حياة الحرية مع غيره" .. يدخل النبي صلى الله عليه وسلم على بريرة، وبريرة مملوكة أعتقها أهلها، وساعدتها أمنا عائشة على العتق فأصبح ولاؤها لعائشة، وصارت تخدمها، دخل عليها وعندها لحم في البرمة، قال: "ما هذا؟" قالت: " صدقة تُصُدِّقَ بها علينا"، قال: "يا بريرة، هو لك صدقة، ولنا منك هدية" فأكل منها .. أنظر كيف يلاطف خدمه -صلى الله عليه وسلم-، ويعاملهم المعاملة الحسنة .. أليس لنا فيه أسوة حسنة ..
زين العابدين بن علي بن الحسين رضي الله عنه وأرضاه من بيت النبوة، من بيت الطهر والنقاء ، كان عنده جارية مملوكة .. وبينما كانت تحمل طعاماً حارً، تعثرت فسقط الطعام على ابنٍ صغير لزين العابدين، ، سقط على رأسه فمات الصبي ، غضب رضي الله وظهر الغضب على وجهه ؛ ولأن الجارية تعرف أخلاق سيدها فقد قالت : "يا مولاي، والكاظمين الغيظ!" قال: "كظمت غيظي"، قالت: "يا مولاي، والعافين عن الناس"، قال: "عفوت عنكِ"، قالت: يا مولاي "والله يحب المحسنين"، قال: "اذهبي فأنتِ حُرَّةٌ لوجه الله"..
بالله عليكم ألا تستحق هذه القصة أن نعلقها على أروقة شركاتنا ومؤسساتنا ، وأنْ نصدّر بها خطاباتنا الرسمية ، وأن تكون وأمثالها حديث مجالسنا !!.
أولئك أبائي فجئنا بمثلهم ** إذا جمعتنا يا مخالف المجامع
وأكرر القول أيها الإخوة الكرام: فإننا بحديثنا هذا لا نطعن في سائر الكفلاء، ففيهم صالحون وأخيار يخشون الله ويخافون يومًا كان شره مستطيرًا، وإننا أيضًا لا نقلل من أخطاء طوائف من العمال قلّت أمانتهم وفسدت أخلاقهم ودأبوا على السرقة والغش والاحتيال، لكننا ندعو إلى العدل واجتناب الظلم والحرص على مراقبة الله في هؤلاء الضعفة، فإنهم يأتون إلى هذه البلاد مع ضعف في الدين وقلة في الثقافة والتربية، ويفاجئون بغفلة الكفيل وصاحب العمل عن دعوتهم وتعليمهم ورعايتهم والإحسان إليهم.
وإننا لنوصي إخواننا العمال بتقوى الله في مصالح كفلائهم، وأن لا يخونوهم ولا يغشوهم ولا يغدروا بهم، وأن يقوموا بإتقان العمل في وقته وشروطه وحدوده،
ابن آدم عش ما شئت فإنك ميت .. وأحبب من شئت فإنك مفارقة .. واعمل ما شئت فإنك مجزي به .. البر لا يبلى .. والذنب لا ينسى .. والديان لا يموت .. وكما تدين تدان .. صلوا ..
المشاهدات 2616 | التعليقات 0