ظاهرة النوم عن الصلاة!
أسامة بن سعود عبد الله التميمي
1445/12/20 - 2024/06/26 14:45PM
ظاهرة النوم عن الصلاة!
خطبة جمعة.
الخطبة الأولى.
الحَمْدُ للهِ الَّذِي تَعَبَّدَنا بِأَداءِ الصَّلَواتِ الخَمْسِ وجَعَلَ لِمَنْ أَدّاها عَلى ما أُمِرَ ثَوابَ خَمْسِينَ صَلاةً فَضْلاً مِنْهُ وكَرَمًا وجَعَلَهُنَّ كَفّاراتٍ لِما بَيْنَهُنَّ رَحْمَةً مِنْهُ ولُطْفًا وأَفاضَ فِيها عَلى قُلُوبِ أَوْلِياءِهِ لَذَّةً وسَكَناً وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدِنا محمَّدًا رَسُولُ الله. اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلى سَيِّدِنا محمَّدٍ وعَلى آلِهِ وصَحْبِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بِصِدْقٍ وإِحْسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فأوصيكم أيها الناس ونفسي بتقوى الله عز وجل فهي خير الزاد ليوم المعاد.
عباد الله! هذه وقفةٌ مع فريضة من فرائض الله ليست مرتبطة بموسم، ولا موقوفة على مناسبة، فريضة ليست في العمر مرة ولا في العام مرة، بل ولا في اليوم مرة ولكنها في اليوم والليلة خمس مرات.
مفروضة على كل مسلم مكلف الغني والفقير، والصحيح والمريض، والذكر والأنثى، والمسافر والمقيم في الأمن والخوف لا يستثنى منها مسلم مكلف ما عدا الحائض والنفساء.
إنها قرة عيون المؤمنين، ومعراج المتقين، بل إنها قبل ذلك قرة عين سيد المرسلين نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
إنها الصلاة يا عباد الله. الصلاة الصلاة.
أيها المسلمون!! ركن الدين وعموده، " لا دين لمن لا صلاة له"، "ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة" ، "وليس بين الرجل والكفر والشرك إلا ترك الصلاة" ، "ومن ترك صلاة مكتوبة متعمداً برئت منه ذمة الله".
الصلاة ـ حفظك الله ـ أول ما فرض على نبيك محمد صلى الله عليه وسلم من الأحكام. فرضت في أشرف مقام وأرفع مكان، لما أراد الله أن يتم نعمته على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ويظهر فضله عليه أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله، ثم رفعه إليه وقربه فأوحى إليه ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى. أعطاه من الخير حتى رضي، ثم فرض عليه وعلى أمته الصلوات الخمس.
هي أول ما فرض وهي آخر ما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم أمته وهو على فراش الموت منادياً: "الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم".
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) هذه كلها أخبار وزواجر وآثار صحت عن نبيكم عليه الصلاة والسلام وصحابته الكرام.
من أراد أن يحاسب نفسه صادقاً فليتفقد نفسه في صلاته وصلته مع ربه.
ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، إنها آخر ما يفقد العبد من دينه فليس بعد ضياعها والتفريط فيها إسلام. ومن أجل هذا فإنها أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة فإن قبلت قبل سائر العمل، وإن ردت رد سائر العمل.
فما أعظمَ عطايا الربّ لخلقه، وأعظمُ العطايا التي ألزمنا فيها.. تحمل الخيرَ والنفعَ العظيمَ، ولكن للأسف أن كثيرا منّا هداهم الله قد قصروا فيها ولم يعرفوا قيمتها، بل أصبحوا يتثاقلونها، فهم لم يذوقوا حلاوتها ولم يتنعموا بها؛ إن النوم عن الصلاة معصيةٌ عظيمة وكبيرة من كبائر الذنوب.
إن النائم عن الصلاة مهمل ومفرط في أداء ركن من أركان الإسلام، ولهذا استحق العقوبة في البرزخ وبعد قيام الساعة، بل إن المفرط في الصلاة ينبئ عن قلة الإيمان المنغرس في قلبه، حتى عُدّ في ميزان الشرع من المنافقين، قال تعالى: ﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾، والنائم عن الصلاة ممن أضاع الصلاة، ومعنى (غَيًّا): قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "خسرانا"، وقال قتادة: "شرًّا"، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "وَادٍ فِي جَهَنَّمَ، بَعِيدُ الْقَعْرِ، خَبِيثُ الطَّعْمِ"
وقال سبحانه متوعدًا أهل التفريط والإهمال، ﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾؛ قال ابن مسعود: "ذلك أي: ذلك الوعيد على مواقيتها؛ يعنى عن تأخيرها عن وقتها قالوا: ما كنا نرى يا أبا عبد الرحمن ذلك إلا على تركها
وإن من العقوبات التي تُوعِّد بها الذي ينام عن الصلاة ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث سمرة بن جندب قال -صلى الله عليه وسلم-: في رؤياه التي رآها في المنام ومروره على المعذبين في البرزخ حتى قال: "وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى» قَالَ: " قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ " قَالَ: " قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ"،
وقد فسرها في نهاية الرؤيا بقوله: "أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ، أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ"
وهذا الوعيد لمن ديدنه النوم ُعن الصلاة أو لمن يتكرر ذلك منه ويفرط ويهمل ولا يعمل الأسباب، أمّا من فاتته مرة واحدة ولم يسيطر على نفسه وقد فعل أسباب الاستيقاظ فذلك معذور لقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام: "مَنْ نَسِيَ صَلَاةً فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا، لَا كَفَّارَةَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ". رواه مسلم
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم عن تقصيرنا في حق الصلاة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل الصلاة عمود الدين ورتب عليها الفوز المبين وجعلها نورا نهتدي به نحو الصراط المستقيم
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده خالقنا ومولانا، وأشهد أن نبينا محمدا عبد الله ورسوله جعل الله قرة عينه في الصلاة فضلا ورضوانا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد :
هناك أمرٌ مخيفٌ ومنذرٌ بشرٍ عظيمٍ ..
ألا وهو :-
( ظاهرة النوم عن الصلوات هذه الأيام من الأبناء والبنات والرجال والنساء ) ..
وهي ظاهرة مخيفة وخطيرة ..
والأخطر عدم إنكارها ، وعدم الشعور بالذنب ممّن تعود عليها ..
فتجد أحدهم لا يصلي أو يؤخر الصلاة عن وقتها ، ثم يستيقظ لدنياه وكأن شيئا لم يكن ، بل المصيبة أن نومه عن الصلاة أصبح عادة ثابتة عنده كل يوم!!
يا حسرتاه عليه كم فوت على نفسه الأجور والخيرات، وبقي في فراشه قد تبول الشيطان في رأسه ويستيقظ خبيث النفس كسلان، يا حسرتاه عليه، وقد بدأ يومه بذنب عظيم!
لقد فقد حصنه وحرزه الذي يصد عنه الفحشاء والمنكر، نسي أو تناسى أن أداء الصلاة في وقتها شرط لصحتها ، وأن نومه عن الصلاة قد يكون سببًا في تعثر أموره ، وموت قلبه ، واستحواذ الشيطان عليه ، وقد يجره ذلك لتركها ، وقد يموت أحدهم في نومته هذه وهو مُفرِّط في الصلاة وما أسوأها من خاتمة مع ما ينتظره من عذاب القبر ومن عذاب جهنم ..
نسأل الله السلامة والعافية .
والله الله أبنائنا وبناتنا ..
تفقدوهم في صلواتهم..
فهم أمانة في أعناقكم..
عنهم ستسألون، وعليه ستجزون..
والله المستعان ،،، وعليه التكلان
عباد الله!
حافظوا على هؤلاءِ الصلواتِ في المساجدِ حيثُ ينادَى بهن.
مُروا أبناءَكم بالصلاةِ معكم وحُثُّوهم عليها، وتعاهدوهم عليها، فإن اللهَ تعالى قد أمرَكم بذلك، قال تعالى:﴿وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).
ربُّوهم على ارتيادِ المساجدِ من صِغَرِهم، وإياكم والتفريطَ والتهاونَ في ذلك، فإن عواقبَه وخيمةٌ، فإذا أَهملتَ اليومَ صعب عليك الإصلاح غداً، ولا ينفعُ عندها الندم.
ربنا اجعلنا مقيمي الصلاة، ومن ذرياتنا، ربنا وتقبل دعاء.
اللهم صل وسلم على نبينا محمد
وعلى آله وأصحابه
اللهم أعز الإسلام والمسلمين
وأذل الشرك والمشركين
وانصر عبادك الموحدين
اللهم أدم على بلادنا نعمة الأمان
وعم بها جميع أوطان المسلمين
اللهم وفق ولي أمرنا وولي عهده
لما فيه صلاح العباد والبلاد.
اللهم أعنهم وقوهم وسددهم.
عباد الله! أذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1719402344_ظاهرة النوم عن الصلاة!.docx