ظاهرة القتل العمد في ديار المسلمين

د. منال محمد أبو العزائم
1445/08/21 - 2024/03/02 16:33PM

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

          فقد زادت جرائم القتل العمد بشكل كبير، وأصبحنا نسمع عنها في مواقع التواصل الاجتماعي بشكل شبه يومي. وكثيرا ما تكون هذه الجرائم بين أفراد العائلة الواحدة. كقتل الزوج لزوجته أو العكس. أو حتى قتل الأب أو الأم لأبنائهما. وأحياناً تكون بين غير الأقارب مثل قتل الصديق لصديقه أو الزميل لزميله. وهذا من الأشياء العجيبة التي يستغرب الإنسان من حصولها في بلاد المسلمين. حيث أن القتل العمد من كبائر الذنوب المهلكة والتي توجب الحد. قال تعالى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)[1]. وقال صلى الله عليه وسلم: (لن يزال المؤمن في فسحة من دينه، ما لم يصب دما حراما)[2]. والقتل موجود في الناس منذ زمن هابيل وقابيل. ولكن زيادة انتشاره مؤخراً بشكل كبير لاسيما في ديار المسلمين أمر يحتاج إلى بحث أسبابه ومسبباته. وسنحاول هنا تحليل ماهية هذه الأسباب.

عوامل تساعد على وقوع جرائم القتل العمد
-      عدم تطبيق الحدود ومن بينها حد القتل العمد، مما يجعل الناس أكثر استهانة بارتكاب الجرائم. فدخول السجن أقل تخويفاً من القصاص بالقتل. وليس هناك أفضل من تطبيق الحدود لكبح حبال الجريمة. قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[3]. وقال: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ)[4].

-      شرب الخمر والمشروبات الكحولية. فالخمر أم الكبائر. وبها يفقد الإنسان إدراكه مما يجعله يقع في جرائم لم يخطط لها. ومن بينها القتل العمد. قال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن)[5]. وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم شاربها، حيث قال: (لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وبائعها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه)[6].

-      إدمان المخدرات: وهي مثل الخمر غير أن بها أنواع. فمنها ما هو مخدر ومنها ما هو منوم وغيرها. وهي أيضاً تجعل المدمنين يقعون في الجرائم مثل القتل العمد.

-      مشاهدة أفلام ومسلسلات عن الجريمة والعنف. فما يشاهده الإنسان يخزن جزء منه في عقله الباطن. وبتكرار تلك المشاهدة يترسخ مبدأه في عقل المشاهد الباطن. ثم يأتي لسبب من الأسباب خروجه في شكل ارتكاب فعل مماثل لما شاهده. كما أن تكرار عرض هذه الأفلام يعود المجتمع على فكرة القتل وتصبح كالشيء العادي فيه.

-      الغضب لأنه يسبب بفقدان الإنسان صوابه مما يجعله يقدم على فعل ما لا يفعله عادة في هدوءه.

-      الجوع والفقر: رغم أنهما ليسا بعذر من للقاتل ولا ينجياه من الحد والعقوبة، إلا أنه من الملاحظ صلتهما بالقتل أحياناً. حيث يقوم القاتل بقتل ضحيته ليسرق ما يمكنه لإطعام نفسه وصغاره.

-      الضغوط النفسية الناتجة من العمل المتراكم والإرهاق يمكن أن تساعد في أن تجعل الإنسان يقع في مثل هذه الجرائم.

دوافع القتل العمد
-      الطمع في أموال الغير مما يؤدي في كثير من الأحيان إلى قتل الطامع ضحيته لسرقة مالها.

-      القتل بغرض الاغتصاب. وهذا كثيرا ما يحدث مع الفتيات القُصَّر. حيث يستدرجهن القاتل عادة لمكان معزول ويقوم باغتصابهن ثم يقتلهن لإخفاء آثار جريمته.

-      الانتقام وتجد هذا بين المعارف من أهل وأصدقاء وجيران. فربما فعل ظالم قام به المقتول في الماضي دفع القاتل لقتل ضحيته بغرض الانتقام منها.

-      الثأر وهي عادة قديمة بين الفلاحين. حيث يقوم شخص بقتل شخص، فيقوم القاتل بدوره بقتل ذلك الشخص الأول للثأر منه ثم ربما تستمر سلسة من القتل العمد بسبب شخص واحد. وهي عادة في غاية الجهل وتعالج الخطأ بخطأ أكبر منه. فبدل فقد نفس واحدة تزهق عدة أنفس وأروح.

-      الشجار: فكثراً ما يقع شجار مفاجئ ينتج عنه تعارك ينتهي بقتل أحد المتعاركين من قبل الآخر. ولذل نهى الإسلام عن اللمز والتنابز والسخرية وكل ما يؤدي إلى الشجار. قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[7].

-      الغيرة: وقد حدثت حوادث كثيرة بسبب الغيرة. ومن أمثلتها أن تكون بسبب غيرة شاب على فتاة كان يحبها وتزوجت. فقام الجاني بقتل زوجها.

-      الحسد: فسمعنا بمواقع التواصل عن جريمة الطبيب الذي قتل زميله وشريكه بسبب الغيرة. وكذلك بسبب الحسد حدثت جريمة القتل الأولى، حيث قتل قابيل هابيل. والقصة مذكورة في سورة المائد. قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ ۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ)[8].

-      جرائم الشرف: وهو القتل العمد فما يعرف بما يسميه الناس جرائم الشرف. وهي تسمية ليست سليمة. فليس من الشرف قتل إنسان حتى ولو كان زاني أو به ما به. ومن أمثلتها أن يقوم والد البنت بقتلها عندما تحمل من الزنا. فهذا الأب بقتله لبنته قد أردف جريمة بأخرى أسوأ منها. وإن كان هناك قصاص أو حد يقوم به الوالي أو القاضي ومن ينوب عنه دون الأفراد. وكثيرا ما تكون الفتاة مغتصبة ولكنها بالخوف تخفي عن أهلها. أو قد تكون صغيرة لا تدرك الأمور بعد. وحتى وإن كان حملها برضاها فهي عاصية نعم بكبيرة الزنا؛ ولكن ما قام به الوالد فهو جريمة أشد من الزنا لأنه قتل متعمد.

القتل العمد من منظور مقاصد القرآن الكريم
-      القتل العمد كبيرة من كبائر الذنوب وتوجب الحد، وتتعارض مع مقصد التشريع. قال صلى الله عليه وسلم: (من قتل متعمدا دفع إلى أولياء القتيل، فإن شاؤوا قتلوه، وإن شاؤوا أخذوا الدية، وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وذلك عقل العمد، وما صالحوا عليه فهو لهم، وذلك تشديد العقل)[9].

-      القتل العمد لا يتماشى مع الأخلاق والآداب الإسلامية ويتعارض مع مقصد تهذيب الأخلاق. قال صل الله عليه وسلم: (لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخوانا. المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى هاهنا. ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه، وماله، وعرضه)[10].

-      القتل العمد ينشر الجريمة ويزعزع أمن البلاد ويتعارض مع مقصد أمن الدولة وسياسة الأمة.

-      القتل العمد يفسد أحوال القاتل والمقتول ويتعارض مع مقصد صلاح الأحوال الفردية والجماعية.

-      القتل العمد فيه إزهاق للأرواح ويتعارض مع المقصد العام للشريعة من حفظ النفس.

-      القتل العمل فيه عدم اتعاظ بالعقوبة التي تترتب عليه ويتعارض مع مقصد المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير.

-       القتل العمد يولد النزاعات القبلية وينشر الهرج والمرج ويتعارض ذلك أيضاً مع صلاح الأحوال الفردية والجماعية.

-      القتل العمد يفسد دين المرء وآخرته ويتعارض مع المقصد العام للشريعة من باب حفظ الدين.

-      القتل العمد قد يعطل مسيرة التعليم، كما حدث في إحدى الدول عندما قُتل طالب في الجامعة لنزاعات سياسية مما أدي إلى إغلاق الجامعات لمدة عام.

النصائح والتوجيهات
-      البعد نهائياً عن شرب الخمر وتعاطي المخدرات. فإدمانهما من أكبر الأسباب التي زادت من إنتشار هذه الظاهرة في ديار الإسلام.

-      يجب على المرء التحكم في مشاعره وكظم الغيظ. وإن لم يستطع العفو فليتذكر أن القتل العمد يدمر حياته هو وآخرته. فلا يضيع نفسه لأجل شخص آخر مهما كان السبب. ويتعلم كيف يكظم غيظه حتى لا تفلت منه زمام الأمور ويهلك نفسه بارتكاب جريمة القتل العمد. وحتى إن عرف وتأكد من شر خصمه وظلمه له فليذهب عنه الغضب ويهرب بدينه ودنياه ... ليس لأنه يستأهل بل حتى ينقذ نفسه من غضب الله. وليبشر بالأجر لصبره وكظم غيظه. قال تعالى: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)[11]. وقال: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ)[12]. وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)[13]. ومن الوسائل التي تعين على التغلب على الغضب:

-      الاستعاذة من الشيطان، لما جاء في الحديث الشريف: (كنت جالسا مع النبي صلى الله عليه وسلم ورجلان يستبان، فأحدهما احمر وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إني لأعلم كلمة لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد فقالوا له: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: تعوذ بالله من الشيطان، فقال: وهل بي جنون)[14].

-      إذا غضب المرء فعليه بالجلوس إن كان قائماً، وإن لم يذهب عنه الغضب فعليه بالإضجاع إن كان جالساً. قال صلى الله عليه وسلم: (كان يسقي على حوض له، فجاء قوم فقال: أيكم يورد على أبي ذر ويحتسب شعرات من رأسه؟ فقال رجل: أنا، فجاء الرجل فأورد عليه الحوض فدقه، وكان أبو ذر قائما فجلس، ثم اضطجع، فقيل له: يا أبا ذر، لم جلست، ثم اضطجعت؟ قال: فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع)[15].

-      قوله صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن الغضب جمرة في قلب ابن آدم أما رأيتم إلى حمرة عينيه وانتفاخ أوداجه فمن أحس بشيء من ذلك فليلصق بالأرض)[16].

-      تطبيق الحدود يردع الناس من ارتكاب الجرائم.

-      غض البصر والصوم لكبح جماح الشهوات التي كثيرا ما تكون الدافع في القتل العمد.

-      تطهير القلب من الغيرة والحسد.

-      التعفف عما في أيدي الناس والرضى بما قسم الله وبالقليل.

-      البعد عن مشاهدة أفلام العنف والجريمة.

-      النوم والراحة بعد العمل.

-      قراءة القرآن.

-      الترويح عن النفس بالهوايات المباحة لتقليل ضغوط الحياة.

-      الحفاظ على صلاة الجماعة والصلاة في أوقاتها.

-      الصحبة الصالحة والبعد عن أصدقاء السوء.

-      شغل أوقات الفراغ بالرياضة وبما ينفع.

-      قراءة أذكار الصباح والمساء والتحصين.

-      أن يدعو الإنسان الله بأن يحفظه من شر نفسه ومن شر الشيطان وإغوائه وشره. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو الله قائلا: (اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه، ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم)[17].

-      قضاء وقت مع الأسرة والأطفال والخروج للتنزه والترفيه يرخي الأعصاب ويخفف على الإنسان من ضغوط الحياة والهموم. ويساعد على راحة البال والاسترخاء. قال سلمان لأبي الدرداء: (إن لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعط كل ذي حق حقه، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق سلمان)[18].

هذا والله تعالى أعلم. نسأل الله أن يحفظ ديار المسلمين ويذهب عنها كل الجرائم. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصبحه وسلم.

 

المصادر:
-      القرآن الكريم.

-      الموسوعة الحديثية، الدرر السنية لتخريج الأحاديث.

 

 



[1] النساء 93.
[2] مسلم 6862.
[3] البقرة 179.
[4] المائدة 45.
[5] أخرجه البخاري (2475)، ومسلم (57).
[6] أخرجه أبو داود (3674)، وابن ماجه (3380)، وأحمد (4787) باختلاف يسير.
[7] الحجرات 11.
[8] المائدة 27.
[9] ذكره شعيب الأرناؤوط بإسناد حسن في تخريج المسند لشعيب (6717). وأخرجه أبو داود (4564)، والنسائي (4801)، وابن ماجه (2630)، وأحمد (6717) واللفظ له.
[10] أخرجه البخاري (6064) مختصرا، ومسلم (2564).
[11] آل عمران 134.
[12] البقرة 155.
[13] أخرجه البخاري (6114)، ومسلم (2609).
[14] أخرجه البخاري (3282).
[15] أخرجه أبو داود (4782)، وأحمد (21348) واللفظ له.
[16] ذكره المنذري في الترغيب والترهيب (3/385)، وخلاصة حكمه إسناده صحيح أو حسن أو ما قاربهما.
[17] صححه الفيروز آبادي في سفر السعادة (310).
[18] أخرجه البخاري (6139).

المشاهدات 440 | التعليقات 0