ظاهرة الإسراف في المناسبات والأفراح وما يسبقها وما يعقبها

سعود المغيص
1436/10/14 - 2015/07/30 15:28PM
الخطبة الأولى

أما بعد عباد الله :
( اتقوا الله واخشوا يومًا ترجعون فيه إلى الله ، ثم توفى كل نفسٍ بما كسبت وهم لا يظلمون ) .
عباد الله :
حديثي إليكم اليوم عن ظاهرة نشترك جميعًا في بقائها ، نعترف فيه بخطئنا ، وتغلبنا عليها عوائدنا وشهواتنا ، يمارَس الخطأ فيها من قبل الرجال والنساء ، والفقراء والأغنياء ، نزاولها ونحن لها كارهون ، وننتقدها ونحن لها فاعلون !! ينهى عنها ديننا ، وتعجُّ بها دنيانا ، نحمل أثقالها على كواهلنا ، ونظل بعدها في حيرة وقلق مما صنعنا!!
إنه ظاهرة الإسراف في المناسبات والأفراح وما يسبقها وما يعقبها ، والتي يقع فيها المتعلم والأمي ، ولا يكاد ينجو منها العالم ، وغيره من باب أولى ، فلا بد أن نصارح أنفسنا بها ، ولا بد أن نتعاون جميعًا في تشخيصها وعلاجها ، ونرفع أكفَّ الضراعة لمولانا للعفو عن أخطائنا وإعانتنا على إصلاح أحوالنا: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا),( رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا (
عباد الله :
المتأمل في نصوص شريعتنا الغرَّاء يجدها ناصعة البيان في النهي عن الإسراف والتبذير والأمر بالتوسط والاعتدال ، فلا تُغلُّ الأيدي إلى الأعناق بخُلاً وتقتيرًا ، ولا تُبسط كلَّ البسط إسرافًا وتبذيرًا: ( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً)، ( وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً( .

عباد الله :
كم يفرح المسلم بإعلان الزواج وكم يُسرُّ المسلم لوليمة النكاح تُحقق بها السنة ، ويتقارب بها الأرحام ، ويطعم فيها الطعام ولكن المأساة حين يدخل الإسراف أفراحنا ، ويعكر علينا صفو حياتنا .
عباد الله :
لنعد قليلاً إلى أيامنا الماضية ، وإلى عصورنا الخالية ، ولا أقول ارجعوا إلى قرونٍ طويلة أو أجيالٍ غابرة ، أو انتقلوا إلى أماكن بعيدة ، ولكن ارجعوا إلى سنوات مضت ، وعودوا إلى أربعة عقود خلت ، وانظروا كيف عاش آباؤنا وأجدادنا في هذه البلاد ، وتفكروا كيف كانت زيجاتهم وحفلاتهم ، ماذا ذبحوا ، وماذا أكلوا ، وبأي طعام أكرموا ضيوفهم وتبلّغوا.
إنه اليسر وعدم التكلف ، تقديم لما يسّر الله وهيّأه ، في تواضع جمّ , وراحة بال ، وطيب قلوب , وسعة صدور ، ومع ذلك كله كانت المحبة والألفة في أبهى صورها وأعلى معانيها ، الجميع راضٍ بما قسم الله وأعطى ، يبدؤون باسم الله ، ويختمون بحمده ، ويدعون للعروسين بالبركة والذرية ، لا شيء من النعمة يمتَهن أو يستهان به ، بل كله يؤكل .

فاتّقوا الله في أنفسكم، وقوموا بما أوجب الله عليكم، وابتعِدوا عن مظاهر الإسراف والتبذير أسأل الله أن يعينَنا جميعًا على كلّ خير، وأن يهديَنا سبلَ السلام، وأن يرزقَ الجميعَ التعاون على البرّ والتقوى، إنّه على كلّ شيء قدير.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولك ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم ..

الخطبة الثانية

عباد الله :
لقد غدا الزواج عند الشاب مطلبًا عزيزًا ، بل أصبح شبحًا مخيفًا ، يهابه ولا يجرؤ على القرب منه ، يتمناه ولا يكاد يصله ، حتى إذا طال عليه الأمد وعبثت به الشهوة ورأى الأقران يستسلمون لهذا الواقع المرّ واحدًا واحدًا عقد العزم على اللحاق بهم والاستمتاع بما أحلّه الله ، فلا يجد مناصًا من الوقوع في الديون الباهظة ، ولا مهرباً عن مسالك الإسراف المفتعلة ، يتجرّع مرارة الإسراف ويتحمل مؤونة التبذير دَينًا على عاتقه ، يستمر به سنوات وسنوات ، ينغّص عليه عيشه وحياته ، وربما يكره معه الزوجة وأهل الزوجة والمجتمع من حوله ؛ حيث كانوا سببًا في إذلاله وإهانته وضياع حاضره ومستقبله.
فمن الذي اضطره إلى ذلك وأجبره عليه ؟! من الذي أرغمه على الإسراف ودعاه إليه ؟! إنه أنا وأنت والمجتمع بأسره حين جعلنا الزواج مجالاً للمفاخرة وميدانًا للمكاثرة .
فاتقوا الله عباد الله واحرصوا – رحمكم الله – على تيسير أموركم والبعد عن الإسراف والتبذير، واحرصوا على ما ُترضون به ربكم وتسعدون به أنفسكم.
اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه، واجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه ..
الا وصلوا ..



المشاهدات 1644 | التعليقات 0