طيب الكسب

﴿الخُطْبَةُ الأُوْلَى﴾

الحمد لله عالم الغيب والشهادة ، أحل الحلال وحرم الحرام ، أحمده سبحانه ، قسم العباد بعدله إلى شقي اجتاز حدود ربه وانتهك الحرمات ، وسعيدٍ جرى على النهج السديد واتقى الشبهات ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، غافر الذنب ومقيل العثرات ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ، حث على طلب الرزق الحلال ، وحذر من الكسب الحرام ؛ نصحًا للأمة وشفقة عليهم ومما يضرهم ، صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحابته ومن سار على نهجه وتمسك بسنته إلى يوم الدين .

أما بعد:

فاتقوا الله أيها الناس ، اتقوه في أنفسكم وأهليكم ، اتقوه في أعمالكم وأموالكم ، اتقوه فيما تأكلون وما تدخرون:  يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِى ٱلأرْضِ حَلَـٰلاً طَيّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوٰتِ ٱلشَّيْطَـٰنِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ  .

عبادَ الله ، يقول الله جلَّ جلاله  وَمَا خَلَقْتُ ٱلْجِنَّ وَٱلإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ   مَا أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ   إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلرَّزَّاقُ ذُو ٱلْقُوَّةِ ٱلْمَتِينُ  . فأخبرَنا تعالى أنّه الرزّاق لعباده ، المتكفِّل                برزقهم ، فرزقُ العبادِ جميعًا بيد ربِّهم تعالى وتقدّس ، لا بحولهم ولا بقوّتهم ، فهو جلّ وعلا خلق الخلقَ وتكفَّل بأرزاقهم:  وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي ٱلأرْضِ إِلاَّ عَلَى ٱللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِى كِتَابٍ مُّبِينٍ  ،  وَكَأَيّن مّن دَابَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ  .

وقد أمَرَنا تعالى أن نطلبَ الرزقَ منه:  فَٱبْتَغُواْ عِندَ ٱللَّهِ ٱلرّزْقَ وَٱعْبُدُوهُ وَٱشْكُرُواْ لَهُ  .

والعبدُ يعلّق بالله أملَه ، وثقتُه فيما عند الله أعظمُ من ثقتِه فيما بيده ، فهو لا يؤمِّل في المخلوق ، مهما علت منزلته وعظُمت قدرته ، لا يعلِّق أملَه بأحدٍ من الخلق , وإنما يعلِّق أملَه بربّه ، ويعلم أنّه لا مانعَ لما أعطى الله ، ولا معطيَ لما منع الله، ولِذا في الأثرِ عن ابن عباس رضي الله عنهما [ إنّ من ضعفِ اليقين أن تُرضيَ الناسَ بسخطِ الله ، وأن تحمَدَهم على رزقِ الله ، وأن تذمَّهم على ما لم يؤتك الله ، إنّ رزقَ الله لا يجرّه حرصُ حريص ، ولا يردّه كراهيةُ كاره ] .

فما قدّر الله لك من الرّزق فإنّه حاصلٌ لك ، وما صرفه عنك فلن تنالَه ، والخلقُ لو اجتمَعوا على أن يوصِلوا إليك نفعًا ما أراد الله حصولَه لك لم يمكِن ذلك ، ولو أرادوا أن يضرّوك بشيء ما قدّر الله ذلك فلن يستطيعوا لذلك سبيلاً .

أيّها المسلم

 تفكّر في حِكمة الله أن جعَل البعضَ أغنياء والبعضَ فقراء وما بين ذلك   وَٱللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ في ٱلْرّزْقِ  ,  قُلْ إِنَّ رَبّى يَبْسُطُ ٱلرّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ  .

وهذا مِن كمالِ حكمتِه جلّ وعلا ، فهو العليمُ بمصالح عبادِه ، المقدِّر لهم كيفَما شاء بكمال حكمته وكمال رحمتِه وكمال عدله ، فأيّ أمرٍ صرِف عنك فاعلم أنّ لله حكمةً في ذلك ، وأيّ شيء قدِّر لك فاعلم أنّ لله حكمة في ذلك .

أيّها المسلم

 فكن راضيًا بما قسَم الله لك ، ولا تكن جزِعًا ، ولا تكن طامعًا فيما بأيدي الناس ، وإنما تكون ثقتُك بربّك جلّ وعلا ، وقناعتك بما أعطاكَ الله .

 

أيّها المسلم

 والله حكيمٌ عليم في توسيع الرّزق وتضييقِه على بعض العباد ، وفي الأثر [ إنّ من عبادي من لو أغنيتُه لأفسدتُ عليه دينَه ، وإنّ من عبادي من لو أفقرتُه لأفسدتُ عليه دينَه ]، قال جلّ وعلا:  وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ في ٱلأَرْضِ وَلَـٰكِن يُنَزّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء  .

أيّها المسلم

 ليسَ المهمّ أن يكثرَ المال ويتّسِع الغنى ، المهمّ أن يجعلَ الله في قلبك قناعةً ورضًا بِقَسْم الله , وأن تطمئنَّ نفسك بذلك ، فكم من مالٍ أشغل أهلَه عمّا يجِب عليهم، وصدَّهم حتى عن مصالحِ أنفسهم ومصالح أولادهم ، وكم من مالٍ أشقى أهلَه ، فحملهم على الطغيان والأشَر والبطر ، وأفقدهم قوّة               الإيمان , وجعلهم يشتغلون بالحطام الفاني عمّا فيه خيرُهم وصلاحهم في دينهم ودنياهم .

أيّها المسلم

 تأمّل قولَ النبيّ r (( ليسَ الغِنى عن كثرةِ العَرَض، إنما الغِنى غِنى  النّفس )) متفق عليه من حديث أبي هريرة t ، فمن أغنى الله قلبَه , ورزقه الطمأنينةَ والرضا بما قسَم الله له , وبذل الأسبابَ النافعة ، فإنّه يعيش مطمئنًّا قريرَ العين مرتاحَ البال , ومن فقَد ذلك عاشَ في همّ وغمّ ولو اجتمعَت له الدنيا بأسرها .

أيّها المسلم

 لا تلهيَنَّك الدنيا بزخارفها ، ولا تشغلنَّك ملذّاتها. وكن متبصّرًا في أمرك ، ناظرًا إلى من هو دونك في الرّزق والعافية ، فإنّ نظرَك إلى من هو دونك يعطيك قناعةً بقسْم الله ، وإن نظرتَ إلى مَن هو أعلى مِنك ازدريتَ نعمةَ الله عليك ، كما أخبر بذلك النبيّ r  متفق عليه من حديث أبي هريرة t .

أيّها المسلم

 ليكن عندَك ميزانُ صدقٍ تعرف به الحلالَ من الحرام ، وتميّز به الخبيثَ من الطيّب ، فلا يهولنَّك الحرام وإن كثر ،  قُل لاَّ يستوي ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ  .

أيّها المسلم

 الله جلّ وعلا أمرك بطلبِ الرّزق , وأمرك بالأخذ بالأسبابِ التي تحصِّل لك المقصود:  فَٱمْشُواْ فِى مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ وَإِلَيْهِ ٱلنُّشُورُ  

 

 فطلبُ الرزق وابتغاؤه والأخذ بالأسباب أمرٌ مطلوب شرعًا ، ولكنّ المسلم أسبابُ طلب الرزق عنده بالطّرق التي أباحها الشرع له ، أمّا الأسباب المحرّمة فإنّه يبتعِد كلَّ البعد عنها.

المسلم يطلب الرزقَ لكن بالطّرق المأذونة شرعًا ، ويبتعِد عن الطرق المحرّمة شرعًا .

عباد الله

 كسب الرزق وطلب العيش شيء مأمور به شرعاً ، مندفعة إليه النفوس طبعاً ، فالله قد جعل النهار معاشاً ، وجعل للناس فيه سبحاً طويلاً . أمرهم بالمشي في مناكب الأرض ليأكلوا من رزقه . وقَرَنَ في كتابه بين المجاهدين في سبيله والذين يضربون في الأرض يبتغون من فضله،  يَضْرِبُونَ فِى ٱلأرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَءاخَرُونَ يُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ فَٱقْرَءواْ مَا تَيَسَّرَ    مِنْهُ  . وأخبر r أنه (( ما أكل أحد طعاماً خيراً من أن يأكل من عمل يده ، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده)) رواه      البخاري .

 ولقد قال بعض السلف: إن من الذنوب ذنوباً لا يكفرها إلا الهمُّ في طلب المعيشة .

وفي أخبار عيسى u أنه رأى رجلاً فقال: ما تصنع ؟ قال: أتعبد . قال: ومن يعولك ؟ قال: أخي . قال: وأين أخوك ؟ قال: في مزرعة . قال: أخوك أعبد لله منك .

وعندنا – أهلَ الإسلام - ليست العبادة أن تَصُفَّ قدميك ، وغيرك يسعى في قوتك ؛ ولكن ابدأ برغيفيك فأحرزهما ثم تعبد .

والاستغناء عن الناس بالكسب الحلال شرفٌ عالٍ وعزٌّ منيفٌ.

حتى قال الخليفة عمر بن الخطاب t [ ما من موضع يأتيني الموت فيه أحب إلي من موطن أتسوق فيه لأهلي ؛ أبيع وأشتري ].

ومن مأثور حكم لقمان [ يا بنيَّ ، استغن بالكسب الحلال عن الفقر ، فإنه ما افتقر أحدٌ قط إلا أصابه ثلاث خصال : رقةٌ في دينه ، وضعفٌ في عقله ، وذهاب مروءته ] .

إن في طيب المكاسب وصلاح الأموال سلامة الدين ، وصون العرض ، وجمال الوجه ، ومقام العز .

ومن المعلوم أيها المسلمون أن المقصود من كل ذلك الكسب الطيب ، فالله طيبٌ لا يقبل إلا طيباً ، وقد أمر الله به المؤمنين كما أمر به المرسلين ؛ فقال عزَّ من قائل:  يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيّبَـٰتِ وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً وقال عزَّ شأنه:  يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَـٰكُمْ وَٱشْكُرُواْ للَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ  .

ومن أعظم ثمار الإيمان طيب القلب ، ونزاهة اليد ، وسلامة اللسان . والطيبون للطيبات ، والطيبات للطيبين . ومن أسمى غايات رسالة محمد   أنه يُحلُّ الطيبات ، ويحرم الخبائث .

وفي القيامة يكون حسن العاقبة للطيبين  ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـٰئِكَةُ طَيّبِينَ يَقُولُونَ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ  .

إن طلب الحلال وتحريه أمرٌ واجبٌ وحتمٌ لازمٌ ، فلن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه.

 إن حقاً على كل مسلم ومسلمة أن يتحرى الطيب من الكسب ، والنزيه من العمل ؛ ليأكل حلالاً وينفق في حلال .

·    وهذا  أبو بكر الصديق t يجيئه غلامه بشيء فيأكله فيقول الغلام : أتدري ما هو؟ تكهنت في الجاهلية لإنسان وما أُحسن الكهانة:  ولكني                 خدعته ، فلقيني فأعطاني بذلك ، فهذا الذي أكلت . فأدخل أبو بكر يده في فمه فقاء كل شيء في بطنه ، أخرجه البخاري .

 وفي رواية أنه قال[ لو لم تخرج إلا مع نفسي لأخرجتها . اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالطه الأمعاء ] .

·  وشرب عمر لبناً فأعجبه ، فقال للذي سقاه: من أين لك هذا؟ قال: مررت بإبل الصدقة وهم على ماء، فأخذت من ألبانها ، فأدخل عمر يده فاستقاء.

·  وتوصي بعض الصالحات زوجها وتقول : يا هذا اتق الله في رزقنا فإننا نصبر على الجوع ، ولا نصبر على النار .

أولئك هم الصالحون يُخرجون الحرام والمشتبه من أجوافهم ، وقد دخل عليهم من غير علمهم . وخَلَفَت من بعدهم خلوف يعمدون إلى الحرام ليملأوا به بطونهم وبطون أهليهم . نعوذ بالله من ذلك .

أيها المسلمون

 أرأيتم الرجل الذي ذكره النبي r ((يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ؛ يا رب يا رب ، ومطعمه حرامٌ ، وملبسه حرامٌ ، وغُذي بالحرام ، فأنى يستجاب لذلك))  أخرجه مسلم .

لقد استجمع هذا الرجل من صفات الذل والمسكنة والحاجة والفاقة ما يدعو إلى رثاء حاله ، ويؤكد شدة افتقاره ، تقطعت به السبل ، وطال عليه               المسير ، وتغربت به الديار ، وتربت يداه ، واشْعَثَّ رأسه ، واغبرَّت قدماه ، ولكنه قد قطع صلته بربه ، وحرم نفسه من مدد مولاه ، فحيل بين دعائه والقبول. أكل من حرام ، واكتسى من حرام ، ونبت لحمه من          حرام ، فردَّت يداه خائبتين.

بربكم ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه ، وحُجب دعاؤه ، وحيل بينه وبين الرحمة؟! لمثل هذا قال بعض السلف: لو قُمت في العبادة قيام السارية ما نفعك حتى تنظر ما يدخل بطنك.

وإن العجب كل العجب أيها المسلمون ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض ولا يحتمي من الحرام مخافة النار.

 

 

 

عباد الله

 إن أكل الحرام يُعمي البصيرة ، ويوهن الدين ، ويقسي القلب ، ويُظلم الفكر ، ويُقعد الجوارح عن الطاعات ، ويوقع في حبائل الدنيا وغوائلها ، ويحجب الدعاء، ولا يتقبل الله إلا من المتقين.

إن للمكاسب المحرمة آثاراً سيئة على الفرد والجماعة ؛ تُنزع البركات ، وتفشو العاهات ، وتحل الكوارث . أزمات مالية مستحكمة ، وبطالة متفشية ، وتظالم وشحناء .

أيها المسلمون

 ويل للذين يتغذون بالحرام ، ويُربون أولادهم وأهليهم على الحرام ، إنهم كشارب ماء البحر كلَّما ازدادوا شرباً ازدادوا عطشاً ، شاربون شرب الهيم ، لا يقنعون بقليل ، ولا يغنيهم كثير. يستمرئون الحرام ، ويسلكون المسالك المعوجة ؛ رباً وقمارٌ ، وغصبٌ وسرقةٌ ، تطفيفٌ في الكيل والوزن والذرع ، كتمٌ للعيوب ، سحرٌ وتنجيمٌ وشعوذة ، أكلٌ لأموال اليتامى والقاصرين ، أيمان فاجرة ، لهو وملاه ، مكرٌ وخديعة ، زور وخيانة ، مسالك معوجة ، وطرق مظلمة ، وفي الحديث ((يأتي على الناس زمان لا يبالي المرء ما أخذ منه، أمن الحلال أم من الحرام)) أخرجه مسلم . زاد رزين: (( فإن ذلك لا تجاب لهم دعوة )) .

اللهم اغننا بحلالك عن حرامك ، وبطاعتك عن معصيتك ، وبفضلك عمن سواك ، اللهم ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا إلى النار     مصيرنا ، ونسألك اللهم الغنيمة من كل بر ، والسلامة من كل إثم ، وبارك لنا فيما رزقتنا، وقنا عذاب النار ، استجب اللهم يا ربنا دعاءنا .

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .

 

 

 

 

 

 

﴿الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ﴾

الحمد لله الذي سهل لعباده المتقين إلى مرضاته سبيلاً ، وأوضح لهم طريق الهداية وجعل اتباع الرسول عليه دليلاً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، الحلال ما أحله والحرام ما حرمه والدين ما شرعه ، وأشهد أن نبينا محمداً عبده المصطفى ونبيه المرتضى ورسوله المجتبى ، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين ، صلاةً وسلاماً دائمين بدوام السموات والأرضين وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . أما  بعد :

فإن بركةُ الرزق ليست بكثرتِه ، ولكن بركةُ الرزق أمرٌ يجعله الله في قلبِ العبد، فيرضَى بما قسَم الله له، (( قد أفلح من أسلم , ورزِق كفافاً وقنّعه الله بما آتاه )) رواه مسلم من حديث ابن عمرو رضي الله عنهما .

أيّها المسلم

 جاء في الكتابِ والسنّة بيانُ أسبابِ بركةِ الرزق ، فالرّزق قد يبارك للعبد فيه ، وقد لا يبارَك للعبد فيه ، قد يعطَى مالاً كثيرًا ، ولكن ينزع الله البركةَ منه ، فلا ينفعه ولا يفيده،  يَمْحَقُ ٱللَّهُ ٱلْرّبَوٰاْ وَيُرْبِى ٱلصَّدَقَـٰتِ   .

 

أيّها المسلم

 إنّ من أسباب بركةِ الرّزق تقوَى الله جلّ وعلا في كلّ الأحوال،  وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا   وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَحْتَسِبُ  ،  وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ  .

 

 يقول موسى عليه السلام في دعائه:  رَبّ إني لِمَا أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ  .

ومِن أسبابِ بركة الرزق صلةُ الرحم ، ففي الحديث: (( من أحبَّ أن يُنسَأ في أثره ويبسَط له في رزقه فليصِل ذا رحمِه)) متفق عليه من حديث أنس t .

ومن أسباب بركة الرزق الإنفاق في وجوه الخير والصدقةُ على المساكين والمُعوِزين ، قال تعالى:  وَمَا أَنفَقْتُمْ مّن شَىْء فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ                  ٱلرَّازِقِينَ  .

وأحسِن إلى عبادِ الله يحسِن الله إليك ، قال تعالى:  وَأَحْسِنُواْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ ، وقال r (( ومن فرّج عن مسلم كربةً من كرَب الدنيا فرّج الله عنه كربة من كرَب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة ))  أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة t.

فبركة الرزق في الدنيا أن يخلفَ الله عليك عوضَه ، وبركته في الآخر ما ينالك من الثواب العظيم ، في يومٍ أنت أحوج فيه إلى مثقال ذرّة من خير.

 

(فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير t .

ولقد قال الحسن البصري رحمه الله [ مازالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحلال مخافة الحرام ] .

 

وقال أبو الدرداء t [ تمام التقوى أن يتقي العبد ربه ؛ حتى يتقيه من مثقال ذرة ، وحتى يترك بعض ما يرى أنه حلال خشية أن يكون                حراماً ؛ حجاباً بينه وبين الحرام ] .

 

ولتعلموا رحمكم الله أن المشتبهات يحصل للقلوب عندها القلق والاضطراب الموجب للشك ، والورِع هو الوقَّاف عند المشتبهات يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه .

فاتقوا الله رحمكم الله وأطيبوا مطاعمكم ومشاربكم ، واتقوا الله في أنفسكم وأهليكم ، اتقوا ناراً وقودها الناس والحجارة ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون .

هَذَا صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى إِمَامِ المُرْسَلِينَ ، وَقَائِدِ الغُرِّ المُحَجَّلِينَ ، فَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ تَعَالَى بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ فِي مُحْكَمِ كِتَابِهِ حَيْثُ قَالَ عَزَّ قَائِلاً                    عَلِيمًا إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا      تَسْلِيمًا   .

 اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ، كَمَا صَلَّيْتَ وسَلَّمْتَ عَلَى سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ ، وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ سَيِّدِنا إِبْرَاهِيمَ ، فِي العَالَمِينَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ .

 

وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ، وَعَنْ أَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ، وَعَنْ سَائِرِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ، وَعَنْ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين. اللهم من أراد الإسلام وأراد المسلمين بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميره يا سميع الدعاء.

 

اللهم عليك بالمفسدين في الأرض فإنهم لا يعجزونك، اللهم اكشف أمرهم واهتك سرهم وانشر خبرهم واجعلهم عبرة للمعتبرين يا رب العالمين.

 اللهم إن زرع الشر والفساد قد نما فقيض له يدا من الحق حاصده تقتلع جذوره وتنزع عنا وعن بلادنا شروره يا ذا الجلال والإكرام .

اللهم تول أمرنا وأحسن خلاصنا واحفظ أمننا وبلادنا وقرانا ومساكننا يا ذا الجلال والإكرام.

 اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل اللهم ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا أرحم الراحمين.

اللهم أصلح شباب المسلمين ونور قلوبهم واهدهم إلى معالي الأمور وقهم شر الشيطان وشركه يا أرحم الراحمين.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار.

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى ، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون ، فاذكروا الله                    يذكركم ، واشكروه على آلائه يزدكم ، ولذكر الله أكبر ، والله يعلم ما تصنعون .

 

المرفقات

1730477547_طيب الكسب ملتقى الخطباء.doc

1730477551_طيب الكسب ملتقى الخطباء.pdf

المشاهدات 139 | التعليقات 0