طاعة ولي الأمر من طاعة الله

الحمد لله ولي الصالحين، والصلاة والسلام على إمام المتقين، وقدوة الناس أجمعين، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره إلى يوم الدين.
( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون )
إخوة الإيمان والعقيدة ... إن من أُصول العقيدة الصحيحة السمع والطاعة لولاة أمر المسلمين في غير معصية الله، استجابة لأمر الله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) فأمر الله بطاعة ولي الأمر، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم ودنياهم، إلا بطاعتهم والانقياد لهم، طاعة لله، ورغبة فيما عنده. بشرط أن لا يأمروا بمعصية الله، فإن أمروا بمعصية الله، فلا طاعة لمخلوق، في معصية الخالق. قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( من أطاعني فقد أطاع الله، ومن يعصني فقد عصا الله. ومن يطع أميري فقد أطاعني، ومن يعص أميري فقد عصاني ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ).
فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد , وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم.
أيها المتقون الأبرار .. إن الناظر في أخبار المصطفى صلى الله عليه وسلم وما ذكره مِن تتابع الفتن، لَيَعلم صدقَ نبوته، وحرصَه على الخير لأمته، فما ترك خيرًا إلا دلَّنا عليه، ولا شرًّا إلا حذَّرنا منه. ويدل على هذا أحاديث ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
جاء الأمر بالطاعة لولي الأمر وإن ظهر منهم معصية: ففي آخر الزمان وعند تغير الأحوال أمرنا بالتمسكُ بكتاب الله وسنته صلى الله عليه وسلم، وطاعةُ مَن ولاه الله عليكم في المعروف، وإنْ حصل منهم تقصير أو ظلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أَلَا مَنْ وَلِيَ عَلَيْهِ وَالٍ فَرَآهُ يَأْتِي شَيْئًا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ فَلْيَكْرَهْ مَا يَأْتِي مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ وَلَا يَنْزِعَنَّ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ ).
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم التحذير من خطر الخروج على الحاكم: فإن مما يجدر التنبيه إلى أنه يجب أن يعتقد المسلم أن له إمامًا، وأن له أميرًا يدين الله له بالطاعة في غير معصية الله. فإنه مَن مات وليس له إمام، فإنه يموت ميتةً جاهلية والعياذ بالله. وقال عليه الصلاة والسلام ( مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ) وفي رواية ( من فارق الجماعة واستبدل الإمارة لقي الله ولا حجة له عنده ).
وكان السلف الصالح لا يخرجون على حكامهم ولو كانوا على مذهب مخالف لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد اجتمع فقهاء بغداد في عهد الواثق إلى الإمام أحمد بن حنبل وقالوا له: إن الأمر قد تفاقم وفشا -يعنون إظهار القول بخلق القرآن وغير ذلك- ولا نرضى بإمرته ولا سلطانه، فمنعهم الإمام أحمد من ذلك وقال: عليكم بالإنكار بقلوبكم ولا تخلعوا يدا من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين ولا تسفكوا دماءكم ودماء المسلمين معكم وانظروا في عاقبة أمركم واصبروا حتى يستريح برٌّ أو يستراح من فاجر.
نعم – يا عباد الله – لا يجوز الخروج على أئمتنا وولاة أمورنا وإن جاروا ولا ندعو عليهم ولا ننزع يدا من طاعتهم، فإن طاعتهم من طاعة الله عز وجل، فهي فريضة، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة.
وجاء عن النبي صلى الله عليه وسلم الأمر بأداء الواجبات نحوهم وإن ظلموا ومنعوا الناس حقوقهم: فليست طاعة الأمير مقصورة على العادل منهم فحسب، بل حتى ولو كان فيه شيء من الجور والظلم وبخس شيء من الحقوق فتجب له السمع والطاعة ولو كان الأمير الفاجر، قال صلى الله عليه وسلم ( سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ) قالوا: يا رسول الله، كيف تأمر مَن أدرك منا ذلك؟ قال ( تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ ) والذي عليكم السمع والطاعة وإن كان المتولي ظالما عسوفا فيعطى حقه من الطاعة ولا يخرج عليه ولا يخلع، بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه ودفع شره وإصلاحه. وما ذاك إلا لأن الخروج على الولاة يسبب فسادًا كبيرًا، وشرًّا عظيمًا، فيختلّ به الأمن، وتضيع به الحقوق.
جاء رجل يسأل النبي صلى الله عليه وسلم، قال : يا نبي الله !! أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعوننا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه، ثم سأله في الثالثة فجذبه الأشعث بن قيس، فقال صلى الله عليه وسلم ( اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ) يعني : أن الله تعالى كلف الولاة العدل وحسن الرعاية، وكلف الله الرعية عليهم الطاعة وحسن النصيحة. فإن عصى الأمراء الله فيكم ولم يقوموا بحقوقكم , فلا تعصوا الله انتم فيهم وقوموا بحقوقهم، فإن الله مجاز كل واحد من الفريقين بما عمل.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين

في جثمان إنس ) قال حذيفة : كيف أصنع يا رسول الله ؟ إن أدركت ذلك ؟ قال ( تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك , فاسمع وأطع ) وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( من كره من أميره شيئاً فليصبر عليه, فإنه ليس من أحد من الناس يخرج من السلطان شبراً فمات عليه , إلا مات ميتة جاهلية ).
فاتقوا الله – عباد الله – وأطيعوا من أمركم الله بطاعته، يؤتكم الله أجورًا عظيمًا في الدنيا والآخرة.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
معاشر المؤمنين ... وإن مما جاء عن بينا محمد صلى الله عليه وسلم النهي عن سب الحكام، فلا يجوز سب ولاة الأمر وشتمهم والتشهير بهم، فإن هذا خلاف النصوص وما كان عليه السلف الصالح، فقد صحَّ عن أنس قال: نهانا كبراؤنا من أصحاب محمد قالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تسبوا أُمراءكم ولا تغشوهم ولا تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب ) وعن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَنْ أَكْرَمَ سُلْطَانَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا أَكْرَمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الدُّنْيَا أَهَانَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).
جاء في حديث عوف بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم، ويصلون عليكم وتصلون عليهم. وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم , وتلعنونهم ويلعنونكم ) قيل : يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟ فقال ( لا, ما أقاموا فيكم الصلاة , وإذا رأيتم من ولاتكم شيئاً تكرهونه فاكرهوا عمله، ولا تنزعوا يداً من طاعة ) وفي رواية قال ( لا، ما أقاموا فيكم الصلاة . لا، ما أقاموا فيكم الصلاة. ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئاً من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يداً من طاعة ).
عباد الله .. إن من المؤسف ما نراه هذه الأيام من بعض الناس في كتابات ومقالاتهم وتسجيل مقاطع فيديو، في التشكي عن أحوالهم المعيشية، والاعتداء على حاكم هذه البلاد من السب والشتم وسيء الألفاظ، والتوجه بالتهم لولاة الأمر، نتيجتها تأليب العامة على ولاة الأمر، وتشويه سمعتهم، وكفى بالمرء إثماً أن يرسل وينشر كل ما يصله دون تثبت.
وهذا المنهج هو منهج مخالف لما عليه السلف، الذين يرون مناصحة الحاكم في أخطاءه فإن استجاب فالحمد لله، وإن لم يستجب فلنا أجر النصيحة، وعليه وزر الفعل.
اقرؤوا في سيرة السلف الصالح يظهر لكم ذلك جلياً، فأحمد بن حنبل إمام أهل السنة سُجن وجُلد وعُذب، ومع ذلك كان يدعو للحاكم، ولم يشوه سمعته، أو يدعو للخروج عليه. والمسلم الناصح لدينه وأمته، يدعو للحاكم بالصلاح والهداية. ويبدأ بإصلاح نفسه ومن هو تحت ولايته، بل نجد من الصحابة والتابعين من صلى خلف ولاة فساق كانوا يشربون الخمر، ولم يدعوا الناس للخروج عليهم، لعلمهم أن في الخروج على الحكام فتن ودماء ومفاسد أكبر من المفاسد الحاصلة بولايتهم.
الذين خرجوا على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقتلوه، اتهموه بأنه يولي المناصب العليا لأقاربه، وأنه يعطيهم الاقطاعات من الأراضي والأموال ولم يُحسن التصرف بأموال الدولة. وبمقتله رضي الله عنه بدأت الفتنة التي لم يستطع كبار الصحابة رضي الله عنهم حلها، وحارت عقولهم فيها، مما دعا بعضهم لاعتزال الفتنة. واليوم نفس التهم توجه لولاة الأمر، بصور في غالبها مفبركة، وخطابات في غالبها مزورة.
ولو حصلت الفتنة لما استطاع أحدنا أن يصلي مع الجماعة، ولما استطاع أن يخرج من بيته خوفاً على أهله.
فاتقوا الله تعالى، وأطيعوا من أمركم الله بطاعته ، ولا تنساقوا خلف كل ناعق. ونسأل الله أن يكفينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.
المرفقات

432.doc

المشاهدات 5822 | التعليقات 2

جزى الله خيرا من كتب هذه الكلمات الطيبة الشيخ إبراهيم ونفع به نفسه وأهله ودينه والمسلمين !


جزاك الله خيرا