ضوابط وآداب البيع والشراء للشيخ سعد الشهاوى
الدكتورسعد الشهاوى
1437/05/01 - 2016/02/10 19:23PM
[FONT="]ضوابط وآداب البيع والشراء للشيخ سعد الشهاوى[/FONT]
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع ، ويخفض ويرفع ويضر وينفع ، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع . يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يعلم الأسرار ، ويقبل الأعذار ، وكل شئ عنده بمقدار سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
من للعباد غيره يدبر الأمر ومن يعدل المائل من يشفى المريض ومن يرعى الجنين فى بطون الحوامل من يحمى العباد وهم نيام وهل لحمايته بدائل من يرزق العباد ولولا حلمه لأكلوا من المذابل من ينصر المظلوم ولولا عدله لسووا بين القتيل والقاتل ومن يظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاة للباطل من يجيب المضطر اذا دعاه وغيره استعصت على قدرته المسائل من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل من يشرح الصدور ولولا هداه لنعدم الكوامل من كسانا.من أطعمنا وسقانا..من كفانا وهدانا من خلق لنا الأبناء والحلائل من سخر لنا جوارحنا ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل هو الله,,,هو الله...هو الله الإله الحق وكل ما خلا الله باطل
يا أيها الماء المهين من الذي سواك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاكا
ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها نجاكا
ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بالعقل قد حلاكا
ومن الذي تعصي ويغفر دائما ومن الذي تنسى ولا ينساكا
)أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (
ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها نجاكا
ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بالعقل قد حلاكا
ومن الذي تعصي ويغفر دائما ومن الذي تنسى ولا ينساكا
)أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا وسيدنا وقدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن أهل بدر والعقبة، وسائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
يا أيها الراجون خير شفاعةٍ من أحمد صلُّوا عليه وسلِّموا
صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما لبَّى مُلبٍّ أو تحلَّل مُحرِمُ
أما بعد سوف نتحدث إن شاء الله تعالى مع حضراتكم فى موضوع ضوابط البيع والشراء وسوف ينتظم حديثنا إن شاء الله في العناصر التالية
أولا: مشروعية البيع والشراء في ديننا
ثانيا :من آداب البيع والشراء
1) أن يكون الكسب من حلال
2) التبكير في طلب الرزق
3) التحلي بخلق القناعة
4) الحث على السماحة واليسر
5) الحث على الإكثار من الصدقات
6) التحلي بالأمانة والصدق
7) عدم الحلف ولو كان صادقًا
8) النهى الغش والتدليس في البيــع
9) النهى عن تطفيف الكيل والميزان
10) النهى الاحتكار
11) النهى عن التبرج والسفور ووجوب الالتزام بالآداب الشرعية العامة
أولا: مشروعية البيع والشراء في ديننا
أيها الأخوة: البيع مشروع في ديننا العظيم ودليل ذلك قوله تعالى:﴿ 00وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا 0َ 00) سورة البقرة: 275
وقوله تعالى:﴿ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ﴾[ سورة البقرة: 282 ]ونحن يوجد عندنا بيع الشيء الثمين وبيع الشىء الخسيس، كشوب عصير القصب مثلا لا تحتاج إلى شهود تدفع ثمنها وتشرب لا يوجد بعتك وبعتني وأشهد وهكذا ، فالمناولة فقط للأشياء الخسيسة هي بيع وشراء، أما الأشياء الثمينة بيت، ومركبة، وأرض،يجب فيها الإشهاد وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ
وقال تعالى: (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9) فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (10) وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (11)سورة الجمعة
ولقد حظيت الأسواق بشأن كبير من النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان مراقب ومشرف عليها ووضع لها الضوابط وسن لها الآداب والأحكام وإذا ما نظرت نظرة سريعة وجدت أن التجارة والبيع والشراء من أكثر المهن التي تدر الأرباح على أصحابها كما جاء في الحديث [FONT="]عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، قَالَ : بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " تِسْعَةُ أَعْشَارِ الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ [/FONT])) [FONT="]قَالَ نَعَيْمٌ : الْعُشُرُ الْبَاقِي فِي السَّائِمَةِ ، يَعْنِي : الْغَنَمَ هَذَا إِسْنَادٌ ضَعِيفٌ ، لِجَهَالَةِ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ . [/FONT]( المطالب العالية 7/352، رقم1434، وقيل الحديث مرسل، انظر فيض القدير 3/245،المغني عن حمل الأسفار 1/419.)،
وما ذلك إلا لكثرة أنواع التجارة وتغير السعر في السوق من زمن لآخر ومن مكان إلى لآخر، هذه الأسباب جعلت مهنة التاجر من أهم المهن وأشدها خطورة على المجتمع، من هنا عنيت الشريعة بوضع القواعد والضوابط والشروط لهذا الجانب الاقتصادي، والتي من شأنها أن تكفل استقامة ذلك الركن الخطير من الأركان التي يتوقف عليها _إلى حد كبير_ استقرار المجتمع الإسلامي، فكان على التاجر أن يتعلم الأحكام المتعلقة بتجارته، متخلقاً بالأخلاق والخصال الحميدة النبيلة، فمن لم يتعلم الأحكام الفقهية التي تخص تجارته وقع في الحرام أو في الشبهات، ودليل ذلك ما رواه البخاري ومسلم [FONT="]عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِنَّ الْحَلالَ بَيِّنٌ ، وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ [/FONT][FONT="]فقد[/FONT] [FONT="]اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، أَلا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى ، أَلا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ ، ألا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلا وَهِيَ الْقَلْب[/FONT][FONT="]) رواه البخاري ومسلم.[/FONT]
و[FONT="] قوله[/FONT] [FONT="]صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[/FONT][FONT="]: "إنَّ الحلالَ بيِّن، وإنَّ الحرامَ بيِّن، وبينهما أمورٌ مشتبهات لا يعلمهنَّ كثيرٌ من الناس"، فيه تقسيم الأشياء إلى ثلاثة أقسام:الأول: الحلالُ البيِّن، كالحبوب والثمار وبهيمة الأنعام، إذا لم تصل إلى الإنسان بطريق الحرام.[/FONT]
[FONT="]الثاني: الحرامُ البيِّن، كشرب الخمر وأكل الميتة ونكاح ذوات المحارم، وهذان يعلمهما الخاصُ والعام.[/FONT]
[FONT="]الثالث: المشتبهات المتردِّدة بين الحلِّ والحرمة، فليست من الحلال البيِّن ولا من الحرام البيِّن، وهذه لا يعلمها كثير من الناس، ويعلمها بعضُهم.[/FONT]
و[FONT="] قوله[/FONT] [FONT="]صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[/FONT][FONT="]: "فمَن اتَّقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومَن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحِمَى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإنَّ لكلِّ ملِك حِمى، ألا وإنَّ حِمى الله محارمه"، هذا يرجع إلى القسم الثالث، وهو المشتبهات، فيتجنَّبها الإنسانُ، وفي ذلك السلامة لدينه فيما بينه وبين الله، والسلامة لعرضه فيما بينه وبين الناس، فلا يكون لهم سبيل إلى النَّيل من عرضه بسبب ذلك، وإذا تساهل في الوقوع في المشتبهات قد يجرُّه ذلك إلى الوقوع في المحرَّمات الواضحات، وقد ضرب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لذلك المثل بالراعي يرعى حول الحِمى، فإنَّه إذا كان بعيداً من الحمى سلم من وقوع ماشيته في الحمى، وإذا كان قريباً منه أوشك أن تقع ماشيته فيه وهو لا يشعر.[/FONT]
[FONT="]والمراد بالحمى ما يحميه الملوك وغيرُهم من الأراضي المخصبة، ويَمنعون غيرَهم من قربها، فالذي يرعى حولها يوشك أن يقع فيها، فيعرض نفسه للعقوبة، وحِمى الله عزَّ وجلَّ المحارم التي حرَّمها، فيجب على المرء الابتعاد عنها، وعليه أن يبتعد عن المشتبهات التي قد تؤدِّي إليها.[/FONT]
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا بيع في سوقنا إلا من تفقه في الدين.ومن هنا يجب على التجار أن يتعلموا الأحكام الفقهية والآداب الشرعية التي تخص تجارتهم وبيعهم وشرائهم حتى لا يقعوا في الحرام أو في الشبهات و ينبغي للبائع أن يتحلى ببعض الآداب والصفات التي أمرنا بها ديننا الحنيف ونجملها في النقاط المختصرة التالية:
من آداب البيع والشراء
1) أن يكون الكسب من حلال أيها المسلمون إنَّ طلب الحلال وتحريه أمر واجب وحتم لازم ومن آداب العمل والكسب في الإسلام أن يكون من حلال والمؤمن بطلبه للحلال هو في طاعة الله :يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه مالك بن أنس:(( طلب الحلال واجب على كل مسلم ))[ الجامع الصغير عن مالك بن أنس]
وأنت في طلب الحلال في عبادة، تخيل شاباً يعمل ثماني ساعات ليكسب قوت أولاده، ليكسب لهم طعامهم وشرابهم وثيابهم وثمن أقساط مدارسهم، وليكسب لهم مبلغاً يعالجهم فيه عند الطبيب عند الضرورة، هذا كله أعمال بطولية، لذلك المؤمن عاداته عبادات، طلبه للحلال عبادة، والمؤمن بطلبه للحلال هو في طاعة الله دائماً.(عن رافع بن خديج قال: قيل: يا رسول الله أي الكسب أطيب؟ قال: "كسب الرجل بيده، وكل بيع مبرور))[الإمام جلال الدين السيوطي عن رافع بن خديج]
وكل البشر مأمورين بالأكل من الحلال حتى الأنبياء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) وَقَالَ ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ")) مسلم
أيها المسلمون: أرأيتم ذلك الرجل ذكره النبي صلى الله عليه وسلم وقال عنه يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلى السَّمَاءِ ويقول يا رَبِّ يا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ) لقد استجمع هذا الرجل من صفات الذلة والمسكنة والحاجة والفاقة ما يدعوا إلى رثاء حاله ويؤكد شدة افتقاره ويؤهله لاستجابة دعوته فقد تقطعت به السبل وطال عليه السفر وتغربت به الديار وتربت يداه وأشعثَّ رأسه واغبرَّت قدماه ولكنَّه قطع صلته بالله وحرم نفسه من مدد خالقه ومولاه فحيل بين دعائه وبين القبول لأنَّه أكل الحرام وشرب الحرام واكتسى من الحرام ونبت لحمه من الحرام فردت يداه خائبتين وأيُّ لحم نبت من سحت ـ أي حرام ـ فالنار أولى به .
أيها المسلمون : قولوا لي بربكم ماذا يبقى للعبد إذا انقطعت صلته بربه وحجب دعائه وحيل بينه وبين القبول والرحمة ؟
فعلى الإنسان أن يكون طعامه طيباً بعد أداء العبادات :الآن مع ضيق الأرزاق ومع الشدة العامة على الناس تجد أماكن اللهو لها أرباح كبيرة جداً، أحياناً تجد خمسين سيارة تقف أمام ملهى، ماذا يوجد بداخل هذا الملهى؟ امرأة ترقص، ومغنٍ يغني، وخمر تدار، وأرباحهم فلكية، مع أشد الأوقات ضيقاً! لذلك لا تطمع بمال كثير حرام، ابحث عن الحلال ولو كان قليلاً، الحلال فيه بركة من الله عز وجل، الله عز وجل يحفظ لك صحتك، وأهلك، ومالك من خلال المال الحلال، ولكن المال الحرام يذهب ويذهب أهله معه، والحلال يتلف، لكن الحرام يُتلِف أهله، لذلك قال صلى الله عليه وسلم:(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))[أخرجه الطبراني عن عبد الله بن عباس أى اجعل طعامك طيباً من خلال شرائك له بمال حلال، كسبته بكد يمينك وعرق جبينك.
فأول شيء بعد أداء العبادات أن يكون طعامك طيباً، معنى الطعام الطيب أي طعام أُشتُري بمال حلال، والمال الحلال كُسِب كسباً مشروعاً، أي لا كذب فيه، ولا غش، ولا تدليس، ولا احتكار، ولا تجاوز.
إن تحري الحلال له تأثير على نفسك وجميع جوارحك، قال سهل رضي الله عنه: من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى، علم أو لم يعلم؛ ومن كانت طعمته حلالاً أطاعته جوارحه ووفقت للخيرات. وقال بعض السلف: إن أول لقمة يأكلها العبد من حلال يغفر له ما سلف من ذنوبه، ومن أقام نفسه مقام ذل في طلب الحلال تساقطت عنه ذنوبه كتساقط ورق الشجر.
إنَّ حقاً على كل مسلم ومسلمة أن يتحرى الطيب من الكسب والنزيه من العمل ليأكل حلالاً وينفق في حلال, وتأملوا رحمكم الله في حال الصديق رضي الله عنه فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت كان لِأَبِي بَكْرٍ غُلَامٌ يُخْرِجُ له الْخَرَاجَ وكان أبو بَكْرٍ يَأْكُلُ من خَرَاجِهِ فَجَاءَ يَوْمًا بِشَيْءٍ فَأَكَلَ منه أبو بَكْرٍ فقال له الْغُلَامُ تدري ما هذا فقال أبو بَكْرٍ وما هو قال كنت تَكَهَّنْتُ لِإِنْسَانٍ في الْجَاهِلِيَّةِ وما أُحْسِنُ الْكِهَانَةَ إلا أَنِّي خَدَعْتُهُ فَلَقِيَنِي فَأَعْطَانِي بِذَلِكَ فَهَذَا الذي أَكَلْتَ منه فَأَدْخَلَ أبو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ في بَطْنِهِ " البخاري (3629) وفي رواية قال" إن كدت أن تهلكني فأدخل يده في حلقه فجعل يتقيأ وجعلت لا تخرج فقيل له إن هذه لا تخرج إلا بالماء فدعا بطست من ماء فجعل يشرب ويتقيأ حتى رمى بها فقيل له يرحمك الله أكلَّ هذا من أجل هذه اللقمة ؟ قال لو لم تخرج إلَّا مع نفسي لأخرجتها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به " فخشيت أن ينبت شيء من جسدي من هذه اللقمة .حلية الأولياء (ج1 ص31
وقيل أدخل أصابعه في فيه وجعل يقيء حتى ظنَّ أن نفسه ستخرج، ثم قال: اللهم إني أعتذر إليك مما حملت العروق وخالط الأمعاء.
ومن ذلك -أيضاً- ما رواه عبد الرحمن بن نجيح قال: نزلت على عمر ، فكانت له ناقة يحلبها، فانطلق غلامه ذات يوم فسقاه لبناً أنكره، فقال: ويحك من أين هذا اللبن لك؟ قال: يا أمير المؤمنين إن الناقة انفلت عليها ولدها فشربها، فخليت لك ناقة من مال الله، فقال: ويحك تسقينى نارًا فهذا مثل من ورع أمير المؤمنين عمر ، حيث خشي من عذاب الله جل وعلا لما شرب ذلك اللبن مع أنه لم يتعمد ذلك، ولم تطمئن نفسه إلا بعد أن استحل ذلك من بعض كبار الصحابة الذين يمثلون المسلمين في ذلك الأمر، بل انظر كيف فرَّق- بحلاوة إيمانه ومذاقه- بين طعم الحلال وبين ما فيه شبهة. أولئك هم الصالحون يخرجون الحرام والمشتبه من أجوافهم وقد دخل عليهم من غير علمهم , ثمَّ خلف من بعدهم خلوف يعمدون إلى الحرام ليملئوا به بطونهم وبطون أهليهم وأولادهم لا يبالون بما اخذوا من الحرام فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ، أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنْ الْحَرَامِ" البخاري (1954)
عباد الله: حق عليكم تحري الحلال واتقوا الله جميعاً في أنفسكم وفي أولادكم لا تطعموهم الحرام فإنهم يصبرون على الجوع ولا يصبرون على حر النار وكانت بعض الصالحات توصي زوجها فتقول: " يا هذا اتقي الله في رزقنا فإنَّنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار "
إنَّ العجب كلَّ العجب ممن يحتمي من الحلال مخافة المرض لنصح طبيب فيترك بعض ما يشتهى من ألذ المأكولات والمشروبات الحلال خوفا على صحته ولا يحتمي من الحرام مخافة النار وقد نصحه أرحم الراحمين ونصحه بعده أصدق الخلق أجمعين صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[FONT="]ولكن هناك أقواماً يأبون إلا عبادة الدرهم والدينار، يستمرئون أكل أموال الناس بالباطل[/FONT][FONT="]، من غير ورعٍ ولا حياء، ولا مروءة ولا كرامة، فويلٌ لهم مما يكسبون، [/FONT]ف[FONT="]الرزق مكتوب، والأجل محتوم، ومصير هذه الدنيا إلى الزوال، والمآل إلى الحساب، إذا استغنى العبد بالحلال عن الحرام، فالله يكلؤه برعايته، ويحفظه بعنايته، يحفظه في نفسه، ويحفظه في عقبه وذريته، ويحفظه في ماله، ويبارك له في سعيه، يقول ابن المنكدر : إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده والدويرات التي حوله، فما يزالون في حفظٍ من الله وستر .[/FONT]و[FONT="]جاء عن بعض السلف : خمس خصال بها تمام العمل: "الإيمان بالله، ومعرفة الحق، وإخلاص العمل، والعمل على السنة، وأكل الحلال، فإن فقدت واحدة؛ لم يرتفع العمل".ومن تعفف عن الحرام والمشتبه؛ أمده الله بتوفيق من عنده، وجعل غناه في قلبه، وأصلح له شأنه، أما من ركبه الشيطان وساقه الهوى، وقادته النفس الأمارة بالسوء، فاقترف المحرمات، وخاض في الشبهات، ودخل مواطن الريب؛ فقد فتح على نفسه أبواب الشر والهلكة، ولا يلومنَّ من أساء الظن به، ومن وقع في الشبهات؛ وقع في الحرام، ومن تهاون بالمحقرات؛ اجترأ على الكبائر.[/FONT]
[FONT="] [/FONT]
واعلموا أن أمر المال عظيم, والسؤال عنه شديد وأعلموا أنه لن تنفعكم أموالكم ولا أملاككم فتمنع عنكم عقاب الله، واعلموا أنكم موقوفون بين يدي خالقكم فيسألكم عن كل ما جمعتموه، أهو من حلال أم من حرام ، ولا تزول قدم عبد يوم القيامة حتى يسأل عن ماله مرتين، من أين حصله وفيم أنفقه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعٍ : عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ جَسَدِهِ فِيمَا أَبْلَاهُ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ، وَفِيمَا وَضَعَهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ " ( قال الهيثمي: «رواه الطبراني في الكبير [20/60] والبزار [رقم 3437] بنحوه، ورجال الطبراني رجال الصحيح غير صامت بن معاذ وعدي بن عدي الكندي، وهما ثقتان». مجمع الزوائد كتاب البعث، باب ما جاء في الحساب، 10/627، رقم (18373). والحديث أخرجه بنحوه الترمذي عن أبي برزة الأسلمي رضي الله عنه، ثم قال: «هذا حديث حسن صحيح» سنن الترمذي، كتاب صفة القيامة، باب في القيامة 4/612، رقم (2417).)..
بل ستسأل حتى عن شربة الماء قال تعالى: ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) سورة التكاثر .
قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم :إِنَّ أَوَّلَ مَا يُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِى الْعَبْدَ مِنَ النَّعِيمِ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَلَمْ نُصِحَّ لَكَ جِسْمَكَ وَنُرْوِيكَ مِنَ الْمَاءِ الْبَارِدِ .) سنن الترمذي وصحيح ابن حبان
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الصمد، حدثنا حماد، حدثنا عمار، سمعت جابر بن عبد الله يقول: أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر رطبا، وشربوا ماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا من النعيم الذي تسألون عنه".
ورواه النسائي، من حديث حماد بن سلمة [عن عمار بن أبي عمار عن جابر به (المسند (3/351) وسنن النسائي (6/246).)
وقال الإمام أحمد: حدثنا أحمد: حدثنا يزيد، حدثنا محمد بن عمرو، عن صفوان بن سليم، عن محمود بن الربيع قال: لما نزلت: { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } فقرأ حتى بلغ: { لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قالوا: يا رسول الله، عن أي نعيم نُسأل؟ وإنما هما الأسودان الماء والتمر، وسيوفنا على رقابنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل؟ قال أما إن ذلك سيكون" (المسند (5/429).) .
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو عبد الله الظهراني، حدثنا حفص بن عمر العدني، عن الحكم ابن أبان، عن عكرمة قال: لما نزلت هذه الآية: { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } قالت الصحابة: يا رسول الله، وأي نعيم نحن فيه، وإنما نأكل في أنصاف بطوننا خبز الشعير؟ فأوحى الله إلى نبيه صلى الله عليه وسلم: قل لهم: أليس تحتذون النعال، وتشربون الماء البارد؟ فهذا من النعيم.
كم من إنسانٍ جمَع الأموال من طرقٍ شتَّى، لا يبالي من حلالٍ أتته أو من حرام، يرحَل عنها ويندَم ولا ينفعه النّدم، يندم حينما يعايِن ملكَ الموت، وحينما يدنو رحيله من هذه الدنيا، فيتذكّر تلك الأموال التي جمعها وكدّسها من طرقٍ شتّى ملتويَة لا خيرَ فيها، فيندم ويتمنّى أن يعودَ ليصحِّح وضعَه ولا ينفعه ذلك. دنيًا جمعَها، عليه غرمُها، ولغيره غُنمها، عليه إثمها، ولغيره مصلحتُها ومنفعتها ولذلك[FONT="] قال أبو هريرة رضي الله عنه قال : لأن يجعل أحدكم في فيه ترابا خير من أن يجعل في فيه حراما[/FONT]
لا ترغبـنْ في كثيرِ المـالِ تكنـزهُ *** من الحرامِ فلا ينمى وإِن كَثــُرا
واطلبْ حـلالاً وإِن قلَّتْ فواضلهُ *** إِن الحلالَ زكيٌ حيثما ذُكِـــــرا
المـالُ ينفدُ حِلّـهُ وحرامــــــــــهُ *** يومـا ويبقى بعد ذاكَ آثامُــــــهُ
ليـسَ التقـيُّ بمتّقٍ لإِلـهـــــــــــهِ *** حتى يطيـبَ شرابُهُ وطعامُــهُ
ويطيب ما يجني ويكسبُ أهلــهُ *** ويَطيب من لفظِ الحديثِ كلامُهُ
2) التبكير في طلب الرزق
والتبكير في طلب الرزق له أثار مهمة في طلب الرزق فقد وضع الله عز وجل البركة في أول ساعات النهارفالبركة في البكور، في الساعات الأولى في الصباح بعد صلاة الفجر فهي أبرك ساعات اليوم كله، روى الترمذي وغيره عَنْ صَخْرٍ الْغَامِدِيِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا وَكَانَ إِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُمْ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ وَكَانَ صَخْرٌ راوى الحديث رَجُلًا تَاجِرًا وَكَانَ يَبْعَثُ تِجَارَتَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فَأَثْرَى وَكَثُرَ مَالُهُ ))[ أخرجه الترمذي وأبو داود]
هذه المباركة يا إخواني في كل شيء، في كل الأعمال: في التجارة، في الزراعة، في القراءة، في السفر، في الجهاد في سبيل الله، في أي شيء، وصخر رضي الله عنه الذي روى هذا الحديث استفاد من هذه النصيحة، فقد كان رجلاً تاجراً، وكان إذا بعث تجارته بعثها في أول النهار، فأثرى رضي الله عنه وكثر ماله، حتى إنه في رواية غير أحمد : (أن صخراً كثر ماله حتى كان لا يدري أين يضعه).إذاً: الرسول صلى الله عليه وسلم يريدك أن تستيقظ لصلاة الصبح في جماعة، وتقعد تذكر ربك سبحانه وتعالى في الوقت الذي ما بين الصبح حتى الشروق، ثم بعد ذلك تذهب للعمل ولا تذهب للنوم، وتأخذ بركة أول اليوم.فإذا كنت تريد أن يكثر مالك فاستيقظ وصل الفجر وربنا سيبارك لك في مالك إن شاء الله، والرسول صلى الله عليه وسلم لما كان يبعث جيشاً كان يبعثه في أول النهار، يقول النعمان بن مقرن رضي الله عنه وأرضاه (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس -يعني: أمسك عن القتال- فإذا طلعت قاتل)، يعني: كان يقاتل بعد طلوع الشمس في وقت البركة، وكان يقول: (عند ذلك تهيج رياح النصر، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم).إذاً: كان ينتظر بعد صلاة الصبح الوقت المبارك.
وإذا نظرنا إلى بعض الأمم المتقدمة اقتصادياً من الساعة الخامسة لا ترى مكاناً في الطريق، ينامون باكراً ليستيقظوا باكراً، فكأن الساعات الأولى من النهار لها مهمة كبيرة جداً عندهم ، أما المسلمون ولاسيما في مثل هذه الأيام يطلبون أرزاقهم في ساعات متأخرة من النهار، وبعضهم ربما فتح محله بعد العصر ومنهم من يفتح بعد المغرب إلى ساعات متأخرة من الليل فجعلوا ليلهم نهاراً، ونهارهم ليلاً، وهذه مشكلة كبيرة،ومع ذلك يقولون لا توجد عندنا بركة فمن أين تأتى البركة ؟
قال أحد العلماء يصف ما رآه عند الغرب من علمهم ببركة البكور يقول عشت في أمريكا فترة، وكنت أذهب لصلاة الفجر في المسجد وأرجع منه الساعة السادسة صباحاً، وكنت أجد الطريق السريع مليئاً بالسيارات عن آخره في الساعة السادسة صباحاً، وهؤلاء الناس كلهم من نصارى ويهود وملاحدة، وهؤلاء استيقظوا في ميعاد الفجر؛ لكي يذهبوا إلى دنياهم وإلى أعمالهم، كل هؤلاء الناس استطاعت أن تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة؛ لكي تخرج الساعة السادسة صباحاً إلى شغلها.وهناك أناس آخرون كنت أراهم في الشوارع وأنا في طريقي لصلاة الفجر، يعني: قبل الفجر، فهؤلاء هم أصحاب الرياضة، تجدهم يجرون في الشارع في الهواء النقي في ذلك الوقت، وهناك أناس قبل أن تذهب إلى العمل تخرج كلابها للفسحة؛ لأن الكلب يقعد محبوساً في البيت من الساعة السادسة صباحاً أو السابعة صباحاً إلى الساعة السادسة أو السابعة في الليل، فصاحب هذا الكلب يستيقظ قبل الفجر لكي يفسح الكلب، لكي يجعله يستنشق هواء لطيفاً ونظيفاً.فالأمريكي نصرانياً كان أو يهودياً أو ملحداً يستيقظ قبل الفجر لأجل الكلب، وبعض المسلمين، أو كثير من المسلمين، أو دعوني أقول بصراحة: معظم المسلمين لا يستيقظون لله عز وجل، هذه مأساة يا إخواني، ثم أنت شخصياً، يا ترى لو عندك موعد طائرة أو قطار الساعة السادسة صباحاً ستستطيع أن تستيقظ وتذهب في الموعد، أم ستقول: إن إمكانياتك البشرية لن تسمح؟!يا ترى لو ظروف عملك تضطرك أنك تستيقظ الساعة الرابعة أو الخامسة صباحاً ستستطيع أن تستيقظ، أم ستعتذر كل يوم لرئيسك في العمل وتقول له: والله ظروفي صعبة لا أستطيع؟ أقول لك بصراحة: يا ترى لو أن شخصاً سيعطيك ألف جنيه في ميعاد الفجر يومياً لمدة سنة هل ستستيقظ أم لا؟ ستستيقظ لتأخذ الألف جنيه؛ لأنك ستحصل خلال السنة على ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه، افرض أنك في آخر السنة مت وأنت تارك وراءك ثلاثمائة وخمسة وستين ألف جنيه وليس معك ولا صلاة فجر في قبرك، أو أنك مت وليس لديك ولا جنيه ومعك ثلاثمائة وخمسة وستون صلاة فجر في القبر معك أيهما أفضل لك؟ فكر بصدق وأجب بصدق، فهل يا ترى ستستيقظ للمال أم ستستيقظ للفجر؟
قال أحد أصاحب المعامل الكبيرة قال: والله منذ خمس وعشرين سنة أنا في المعمل من الساعة الخامسة صباحاً، ومعمله يعد الأول في اختصاصه، فبورك لأمتي في بكورها.
والناس [FONT="]في[/FONT] هذه الأيام ينظرون إلى الأموال بكثرتها، والشرع ينظر إلى الأموال ببركتها، فكم من إنسان ليس له مال، لكن الله تبارك وتعالى يبارك في القليل بين يديه لتقواه، وصدقه، وحرصه على مرضاة ربه، وكم من الناس معهم الأموال الطائلة أنفقوها في الملذات والشهوات والخمور والنساء والمخدارت.. وغير ذلك؛ لأن الله تعالى نزع البركة منها
3)التحلي بخلق القناعة
قال صلى الله عليه وسلم : " … وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس … " ( حسن : صحيح سنن الترمذي 1876 ) فالغنى في الحقيقة غنى النفس، والنبي صلى الله عليه وسلم أوصانا في أمور الدنيا أن ننظر إلى من هو دوننا وليس إلى من هو فوقنا، فقال" انظروا إلى مَن هو أسفلَ منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر ألا تزدروا نعمة الله" [رواه مسلم] وقد قال صلى الله عليه وسلم " قد أفلح من أسلم ورُزق كفافا وقنعه الله بما آتاه " [رواه مسلم]
هي القناعة فالزمها تعش ملكا * * لو لم يـكن منك إلا راحةُ البدن
وانظر إلى مالك الدنيا بأجمعها * * هل راح منها بغير القطن والكفن
قال الخليفة هشام بن عبد الملك لسالم بن عبد الله بن عمر عند الكعبة: سلني حاجتك، فقال: والله إني لأستحي أن أسأل في بيته غيره.فلما خرج من المسجد قال هشام الآن خرجت من بيت الله فاسألني، فقال: من حوائج الدنيا أم الآخرة؟ قال: من حوائج الدنيا، فقال سالم: ما سألتها من يملكها، فكيف أسالها من لا يملكها.( الصفدي : الوافي بالوفيات )
قال أبو العتاهية :
لا تخضعن لمخلوق على طمع * * فإن ذلك نقص منك في الدين
لا يستطيع العبد أن يعطيك خردلة * * إلا الذي سواك من طين
فلا تصاحب غنيا تستعز به* * وكن عفيفا وعظم حرمة الدين
واسترزق الله مما في خزائنه* * فإن رزقك بين الكاف والنون
واستغن بالله عن دنيا الملوك كما* * استغن الملوك بدنياهم عن الدين
كان مالك بن دينار يمشي في سوق البصرة فرأى التين فاشتهاه و لم يكن معه نقود فخلع نعله و أعطاه لبائع التين فقال : لا يساوي شيئا فأخذ مالك نعله و انصرف فقيل للرجل إنه مالك بن دينار فملأ الرجل طبقا من التين و أعطاه لغلامه ثم قال له : ألحق بمالك بن دينار فإن قبله منك فأنت حر.... فعدا الغلام وراءه فلما أدركه قال له اقبل مني فإن فيه تحريري . فقال مالك : إن كان فيه تحريرك فإن فيه تعذيبي . فألح الغلام عليه فقال مالك بن دينار: أنا لا أبيع الدين بالتين ولا آكل التين إلى يوم الدين.
جاء في بعض الآثار أن الله أوحى إلى موسى - عليه السلام - : يا موسى لا تخافنَّ غيري ما دام ليَ السُّلطان ، وسلطاني دائمٌ لا ينقطعُ ، يا موسى ، لا تهتمَّنَّ برزقي أبداً ما دامت خزائني مملوءةً ، وخزائني مملوءةٌ لا تفنَى أبداً ، يا موسى لا تأنس بغيري ما وجدتَني أنيساً لك ، ومتى طلبتني وجدتني ، يا موسى ، لا تأمن مكري ما لم تَجُزِ الصِّراطَ إلى الجنة .( ابن رجب : شرح جامع العلوم والحكم 28).
يقول الشاعر : دع المقادير تجري في أعنتها * ولا تبيتن إلا خالي البال ما بين طرفة عين وانتباهتها * يغير الله من حال إلى حال
فكن بين الناس كالميزان معتدلا * ولا تقولن ذا عمي وذا خالي لا يقطع الرأس إلا من يركبها * ولا يرد المنايا كثرة المال
وقال آخر :
دعِ الحرصَ على الدنيا * * * وفي العيش فلا تطمَع فلا تجمع من المال * * * فما تدري لمَن تجمع
فإن الرزق مقسوم * * * وسوءَ الظنِّ لا ينفع
4) الحث على السماحة واليسر
من آداب البيع والشراء وأحكامهما: السماحة واليسر في البيع والشراء معنى ذلك أن يتساهل البائع في الثمن والمشتري في المبيع، والتساهل في المعسر بالثمن فيؤجل إلى وقت يساره بحيث يكون كل من البائع والمشتري سهلاً سمحاً في بيعه وشرائه فلا يغش ولا يخدع ولا يحتال لا في بيعه ولا في شرائه والتاجر المسلم يجب أن يكون ذو شفَقَة وعَطف بإخوانه المسلمين، يتحلّى بحسن النية ، والرفق بالمسلمين ، وتوفير الجيد لهم بالثمن المناسب لهم لا يغالي في الرِّبح، ولا يبالغ في التكسُّب، ولا يرهق كواهل إخوانه ويجب أن يتصف التاجر بالمسامحة في البيع والشراء، ولين الجانب، وخفض الجناح، والمسامحة في الشيء الحقير التافه، فالبائع يرفض البيع لأجل خمسة قروش أو عشرة، وهذا بلاء عظيم، ونتن وعفن قلبي، وكذلك يتحرج المشتري أن يقدم على شراء حاجته من عنده لأن ماله غير مكتمل؛ لأنه لم يتأكد من أخلاق البائع، ويعلم أن البائع سيوقعه في الحرج والعنت والمشقة وربما تطاول عليه وسبه وشتمه أو ضربه 0
و أحيانا تجد البائع يعرض سلعته بأغلى الأثمان، يريد بذلك عند المساومة والفصال إنزال بعض هذا السعر، لكنه يتعنت أشد التعنت في أول الأمر، فإذا غلب على ظنه أن المشتري سوف يفلت منه نزل بالسعر نزولاً يوحي بأنه كاذب وغشاش وليس صادقاً في بيعه وشرائه، وهذا يتنافى مع السماحة التي دعا النبي عليه الصلاة والسلام لأهلها.
ولقد حثت الشريعة الإسلامية على السماحة واليسر وحسن المعاملة في البيع والشراء وجاءت شريعتنا العظيمة برحمة العباد، والراحمون يرحمهم الرحمن، والمحسنون جزاؤهم الإحسان. ورتبت الشريعة الإسلامية على ذلك الأجر العظيم والفضل الكبير ،فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى " أي طالب بدينه أ خرجه البخاريّ.
وفى رواية للترمذى عَنْ جَابِرٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ للَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " غَفَرَ اللَّهُ لِرَجُلٍ ، كَانَ قَبْلَكُمْ ، كَانَ سَهْلًا إِذَا بَاعَ سَهْلًا ، إِذَا اشْتَرَى سَهْلًا ، إِذَا اقْتَضَى " [ البخاري، ابن ماجه، الترمذي ]
و وفى رواية قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " حُوسِبَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَلَمْ يُوجَدْ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ شَيْءٌ ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يُخَالِطُ النَّاسَ وَكَانَ مُوسِرًا ، فَكَانَ يَأْمُرُ غِلْمَانَهُ أَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ ، قَالَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ ، تَجَاوَزُوا عَنْهُ " .
وعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ الْمَلائِكَةَ تَلَقَّتْ رُوحَ رَجُلٍ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ ، قَالَ : لا ، قَالُوا : تَذَكَّرْ . قَالَ : لا إِلا أَنِّي كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ ، فَكُنْتُ آمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُوسِرَ ، وَأَنْ يَتَجَاوَزُوا عَنِ الْمُعْسِرِ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : تَجَاوَزُوا عَنْهُ " .
ولقد ضرب لنا السلف الصالح أروع الأمثلة في التسامح في البيع والشراء؛ فقد روي أن أبا قتادة رضي الله عنه كان له دين على رجل ، وكان يأتيه يتقاضاه فيختبئ منه ، فجاء ذات يوم فخرج إليه فقال أبو قتادة: ما يغيبك عني ؟ فقال: إني معسر وليس عندي شيء ، قال : آلله إنك معسر؟ قال : نعم ، فبكي أبو قتادة ، ثم قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:" من نفس عن غريمه أو محا عنه ، كان في ظل العرش يوم القيامة."( أحمد والدرامي)
وروى أن قيس بن سعد بن عبادة لما مرض استبطأ إخوانه في العيادة، فسأل عنهم فقيل له: إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين. فقال: أخزى الله مالا يمنع عني الإخوان من الزيارة، ثم أمر منادياً ينادي من كان لقيس عنده مال، فهو منه في حل. فكسرت عتبة بابه بالعشي لكثرة العواد. وكان يقول: اللهم ارزقني مالا وفعالا، فإنه لا يصلح الفعال إلا بالمال."(المستطرف للأبشيهي)
5)الحث على الإكثار من الصدقات:
ينبغي أن يكون التاجر سخياً بالصدقات عسى أن يكون ذلك تكفيرًا لما قد يقع فيه التجار من غش أو غبن أو سوء خلق أو ما إلى ذلك، فلقد روى قيس بن أبي غرزة -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نسمى السماسرة، فقال: ((يا معشر التجار ، إن الشيطان والإثم يحضران البيع ، فشوبوا بيعكم بالصدقة)) -رواه الترمذي- (فشوبوا بيعكم بالصدقة)) يعني أخلطوا بيعكم بالصدقة.
وعن ابن عباس قال: قحط الناس في زمان أبي بكر، فقال أبو بكر: لا تمسون حتى يفرج الله عنكم فلما كان من الغد جاء البشير إليه قال: قدمت لعثمان رضي الله عنه قافلة من ألف راحلة من البر والطعام ، قال: فغدا التجار على عثمان فقرعوا عليه الباب فخرج إليهم وعليه ملاءة قد خالف بين طرفيهما على عاتقه فقال لهم: ما تريدون؟ قالوا: قد بلغنا أنه قد قدم لك ألف راحلة براً وطعاماً، بعنا حتى نوسع به على فقراء المدينة، فقال لهم عثمان: ادخلوا. فدخلوا فقال لهم: كم تربحوني على شرائي من الشام؟ قالوا العشرة اثني عشر، قال: قد زادوني، قالوا: العشرة أربعة عشر، قال: قد زادوني. قالوا: العشرة خمسة عشر، قال: قد زادوني، قالوا: من زادك ونحن تجار المدينة؟ قال: زادني بكل درهم عشرة، عندكم زيادة؟ قالوا: لا!! قال: فأشهدكم معشر التجار أنها صدقة على فقراء المدينة قال عبد الله بن عباس: فبت ليلتي فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم في منامي وهو على برذون أشهب يستعجل؛ وعليه حلة من نور؛ وبيده قضيب من نور؛ وعليه نعلان شراكهما من نور، فقلت له: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد طال شوقي إليك، فقال صلى الله عليه وسلم: إني مبادر لأن عثمان تصدق بألف راحلة، وإن الله تعالى قد قبلها منه وزوجه بها عروسا في الجنة، وأنا ذاهب إلى عرس عثمان."( الرياض النضرة في مناقب العشرة للمحب الطبري)
هكذا كان عثمان رضي الله عنه وابن عوف وغيرهم من فقراء ، وأغنياء التجار ، يجودون على فقراء المسلمين ، ولا يستغلّون مثل هذه الفرص لكي يرفعوا الأسعار ويحتكروا الأطعمة ليبيعوا على الناس بالغلاء . إن الرفق بالمسلمين أمرٌ جدّ طيب . وإن الحرص على مصلحتهم أمرٌ جد حسن .
وكان أبو حنيفة رحمه الله يبيع القماش وكان عنده ثوبٌ فيه عيب فجعله جانباً . فجاء خادمه في غيبته فباع الثوب المعيب بقيمته لو كان سليماً . فلما جاء الإمام إلى محله وسأل عن ذلك الثوب قال الغلام بعته قال أبو حنيفة بكم ؟ قال : بكذا ، أي بسعر السليم . قال أبو حنيفة : هل أطلعت المشتري على العيب الذي فيه ؟ قال : لا . فتصدق أبو حنيفة بقيمة الثوب كله
وكان حفص بن عبد الرحمن شريكاً لأبي حنيفة في بعض تجاراته، فكان أبو حنيفة يجهز له أمتعة الخز، ويبعث بها معه إلى بعض مدن العراق، فجهز له ذات مرة متاعاً كثيرا، وأعلمه أن في ثوب كذا وكذا عيوباً، وقال له: إن هممت ببيعها فبين للمشتري ما فيها من عيب، فباع حفص المتاع كله، ونسي أن يعلم المشترين بما في الأثواب من عيوب ولقد أجهد نفسه في تذكر الرجال الذين باع لهم الثياب المعيبة، فلم يفلح، نسي، فلما علم أبو حنيفة، ولم يتمكن من معرفة الذين أشتروا الثياب المعيبة لم يستقر قراره، ولم تطب نفسه حتى تصدق بأثمان المتاع كلها.هذا هو الحل، إذا وقعت في مشكلة، وبعت بيعة خطأ، وما عرفت صاحبها، ادفع ثمنها صدقة تسجل له عند الله صدقةً، ادفع هذا المبلغ صدقة لله عز وجل تسجل عند الله صدقة له هذا هو الحل.
6)التحلي بالأمانة والصدق
من أهم ضوابط وآداب البيع والشراء الصدق والأمانة فما من مسلم إلا وهو مطالب بهما في كل شؤونه، فهما للإنسان أغلى من كل مكسب ،فيجب أن يكون كل من البائع والمشترى أمينا وصادقا في وصف البضاعة، ونوعها، وجنسها، ومصدرها، وجودتها وكذلك المال أن يكون حلالا غير مسروقا ولا مزورا.
فالتاجر الأمين في جنَّة ربِّ العالمين مع النبيِّين والصِّديقين والشُّهَداء:أخرج الترمذي عن أبى سعيد رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "" التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ "الترمذي (إسناده جيد، وأشار الألباني إلى ضعفه في "جامع الترمذي"، ولكن له شواهد كثيرة يتقوَّى بها، قال الذهبي: هو حديثٌ جيِّد الإسناد صَحيح المعنى)
والأمانة سبب البركة والنماء:فقد أخرج البخاري ومسلمٌ أنَّ النبيَّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال: " الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ". البخاري ومسلمٌ
وها هو عبد الرحمن ابن عوف عليه رضوان الله يكشف لنا عن سر بركة ماله ويسر حاله في التجارة : فلما قيل له بما أيسرت؟ قال: " ما رددتُ ربحاً قط، وما كتمتُ عيباً قط "، فهذا مثل عظيم لحال الصالحين من التجار، يكشفون للمشترى عن عيوب سلعتهم حتى وان ضر بنفاذ بيعهم، وهذا جرير بن عبد الله كان إذا قام إلى سلعته يبيعها ، بصَّر المشتري بعيوبها ، ثم خيرَّه، وقال: إن شئت فخذ، وإن شئت فاترك، فقيل: إنك إذا فعلت هذا لم ينفذ لك بيع. فقال:" إنا بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم؛
ولِمَكارم الأخلاق وعلى رأسها الأمانةُ أسرَعَ كرامُ الناس إلى اعتناق الإسلام لدَعوته إليها وما أسلم صفوةُ الصحابة على يد أبي بكرٍ الصِّدِّيق إلاَّ لِمَا عَهِدوه فيه من خُلُقٍ وأمانة؛ فأسلَمَ على يديه عثمان بن عفَّان، والزبير بن العوَّام، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقَّاص، وطلحة بن عبيدالله - رضِي الله عنهم - وذلك لِمُخالطتهم الصِّدِّيقَ التاجرَ الأمين، وما لمسوه من أخلاقه الكريمة.
وبأمانة التُّجَّار المسلمين وصِدقهم دخَل الناس في دِين الله أفواجًا:إنَّ أثَر التُّجَّار الأمناء الصادقين في انتشار الإسلام لا يقلُّ عن أثَر الجيوش في الفتوحات الإسلاميَّة، بل إنَّه فاقَ أثَر هذه الجيوش، ووصَل إلى مناطق لم تدخُلها جيوش المسلمين، وإنما دخَلها التُّجَّار المسلمون بأمانتهم؛ كمناطق جنوب شرق آسيا، وغرب إفريقيا ووسطها.
وذات يوم خرج أحد التجار الأمناء في سفر له، وترك أحد العاملين عنده ليبيع في متجره، فجاء رجل يهودي واشتري ثوبًا كان به عيب. فلما حضر صاحب المتجر لم يجد ذلك الثوب، فسأل عنه، فقال له العامل: بعته لرجل يهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم يطلع علي عيبه. فغضب التاجر وقال له: وأين ذلك الرجل؟ فقال: لقد سافر. فأخذ التاجر المسلم المال، وخرج ليلحق بالقافلة التي سافر معها اليهودي، فلحقها بعد ثلاثة أيام، فسأل عن اليهودي، فلما وجده قال له: أيها الرجل! لقد اشتريت من متجري ثوبًا به عيب، فخذ دراهمك، وأعطني الثوب. فتعجب اليهودي وسأله: لماذا فعلت هذا؟ قال التاجر: إن
المرفقات
976.doc
977.pdf
ضوابط وآداب البيع والشراء للشيخ سعد الشهاوى.doc
ضوابط وآداب البيع والشراء للشيخ سعد الشهاوى.doc