ضوابط خطبة الجمعة فؤاد أبو الغيث (بمناسبة خطبة العريفي التي شن فيها على العلمانيين)
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
1432/05/21 - 2011/04/25 10:07AM
ضوابط خطبة الجمعة
فؤاد أبو الغيث
فؤاد أبو الغيث
سأل أخونا الفاضل : نادر الحذيفي – وفقه الله - :
- هل من اللائق وضع منبر الجمعة ساحة للشد والجذب والإختلافات الفكرية والتصريح بأسماء المخالفين وصحفهم أم لا ؟
- أليس من المنهج الشرعي أن يكون منبر الجمعة كما هو اسمه منبر للإجتماع والدعاء بالهداية للمخالفين؟
- هل توجيه العوام وأصحاب المعاصي إلى الأمور العقلية والخلافات الحزبية والإصطفاف وراء التيارات منهج نبوي أم تربيتهم ونصحهم ووعظهم وتوجيههم إلى آخرتهم هو المناسب لهم في ذلك ؟
- أليست البرامج الكثيرة والمتنوعة وعلى مختلف القنوات تكفي و تغني عن الحديث عن مثل هذه المواضيع بمنبر الجمعة أم أنها حرب على جبهتين ؟
- هل حب الظهور و محاولة لفت الأنظار واردة على كل أو بعض من يعتلي المنابر وقد تسيرهم أحياناً أو لنقل نادراً ، أم أن الهم الأكبر هو انتصار الدين وأهله والغيره عليهم هي الدافع وراء كل ذلك ؟
- هل وضع المجتمع اليوم يحتاج إلى مزيد من التأزيم والتوتر ، أم هو بحاجة إلى نزع فتيل الأزمات ورأب الصدوع والشروخ وتقريب وجهات النظر ؟
قال : أسئلة كثيرة تحاورت حولها أنا ومجموعة من الإخوة ، وأنا بدوري أحيلها لكم أيها النخب فلعلنا نستفيد منكم ونعي ونتنور، وليت الشيخ فؤاد أبو الغيث والدكتور سعيد صيني وغيرهما من باحثي المجموعة يتحفوننا بآرائهم .. والله يحفظكم ويرعاكم ...
واستجابة لذلك كتبت ما يلي :
عقد النسائي بابًا في كتابه السنن بعنوان : كيف الخطبة ؟ وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: يحمد الله ، ويثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول : من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلله فلا هادي له .
إن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم يقول : بعثت أنا والساعة كهاتين ، وكان إذا ذكر الساعة ؛ احمرت وجنتاه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ؛ كأنه نذير جيش ؛ يقول : صبحكم مساكم ، ثم قال : من ترك مالاً فلأهله ، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ أو عليّ ، وأنا أولى بالمؤمنين ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (22/394) : ( لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبته بغير الحمد ؛ لا خطبة عيد ، ولا استسقاء ، ولا غير ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم ). وقد كان يخطب خطب الحج ، وغير خطب الحج؛ خطبًا عارضة، ولم ينقل أحد عنه أنه افتتح خطبة بغير الحمد ؛ فالذي لا بد منه في الخطبة : الحمد لله ، والتشهد ... ) .
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم صحابته التشهد في الحاجة كما علمهم التشهد في الصلاة ، فقال في التشهد للحاجة : ( إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله ؛ فلا مضل له ، ومن يضلل؛ فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ...) .
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ) .
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالتشهد في الخطبة واجب لدلالة هذا الحديث .
وقد وردت قراءة آية في الخطبة في حديث مسلم : ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان ؛ يجلس بينهما ؛ يقرأ القرآن ، ويذكر الناس ، ويحذر ...).
قال الصنعاني في سبل السلام : ( وظاهره محافظته صلى الله عليه وسلم على ما ذكر في الخطبة ، ووجوب ذلك ؛ لأن فعله بيان لما أجمل في آية الجمعة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي) .
ومما داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه : الوصية بتقوى الله وطاعته .
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد ، في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه (1/188) : ( وكان مدارُ خُطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصافِ كماله ومحامده، وتعليمِ قواعدِ الإِسلام، وذكرِ الجنَّة والنَّار والمعاد، والأمرِ بتقوى الله، وتبيينِ موارد غضبه، ومواقعِ رضاه ؛ فعلى هذا كان مدار خطبه.
وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم،ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله، ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة، ويذكر فيها نفسه باسمه العلم، وثبت عنه أنه قال: ( كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء ) ...
وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام، وشرائعه، ويأمرهم، وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر، أو نهى، كما أمر الداخل - وهو يخطب -: أن يصلي ركعتين.
وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة، أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها ) .
كما في الحديث الذي رواه النسائي عن عياض بن عبد الله ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : جاء رجل يوم الجمعة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بهيئة بذة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصليت ؟! قال : لا ، قال : صل ركعتين ، وحث الناس على الصدقة فألقوا ثيابًا ، فأعطاه منها ثوبين ، فلما كانت الجمعة الثانية ؛ جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فحث الناس على الصدقة ، قال : فألقى أحد ثوبيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاء هذا يوم الجمعة بهيئة بذة ؛ فأمرت الناس بالصدقة ؛ فألقوا ثيابًا ؛ فأمرت له منها بثوبين ، ثم جاء الآن ، فأمرت الناس بالصدقة ؛ فألقى أحدهما فانتهره ، وقال : خذ ثوبك .
ففي هذا الحديث دلالة على أن الخطيب ينبغي أن يكون عارفًا بأحوال الناس ؛ فيذكر كل ما يصلح أحوالهم الدينية والدنيوية ، ويحذرهم مما فيه فسادهم . ( ينظر أحاديث الجمعة : دراسة نقدية وفقهية ، لعبد القدوس محمد نذير ص 360) .
كما أن مفهوم الوعظ والتذكير الذي هو مقصود الخطبة وغرضها يشمل كل ما أوصل إلى التذكر أو تصحيح الخطأ في كل شأن من شؤون الناس الدينية أو الدنيوية ، ولذلك جاء الوعظ حتى في الأمر والنهي ...(الشامل في فقه الخطيب والخطبة (1 / 146) .
وقال الإمام ابن القيم في الهدي النبوي أيضاً (1 / 423) : كانت خطبته صلى الله عليه وسلم، إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائه، وذكر الجنة، والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانًا وتوحيدًا، ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورًا مشتركة بين الخلائق، وهي النوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله، ولا توحيدًا له، ولا معرفة خاصة به، ولا تذكيرا بأيامه، ولا بعثًا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ، ولم يستفيدوا فائدة، غير أنهم يموتون، وتقسم أموالهم، ويبلي التراب أجسامهم، فيا ليت شعري أي إيمان حصل بهذا؟! وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به ؟!
ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه، ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره، وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون ، وقد أحبوه وأحبهم ...
ثم طال العهد، وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسومًا تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها، وزينوها بما زينوها به ، فجعلوا الرسوم والأوضاع سننًا لا ينبغي الإخلال بها، وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر، وعلم البديع، فنقص بل عدم حظ القلوب منها، وفات المقصود بها ) .
وقال العلامة ابن العطار (ت724هـ) في كتاب "أدب الخطيب" ص 125 : ( وينبغي أن تكون الموعظة في كل وقت وزمان ، على حسب حاجة الناس إليها مما يجهلونه من الأحكام الشرعية ، والتنزيهات الربانية ...
ويذكر فضل الأزمنة والشهور والأعوام ، ويحث على الصلاة والصيام ، وإقامة الشعائر والمناسك والقيام ...
فهذا هو السنة ، وما عداه هو البدعة ، وليحذر كل الحذر من إيراد الأحاديث الموضوعة والضعيفة لقصد الترغيب – خصوصًا في البدع – والترهيب ، وذكر الأمور المشتبهة ؛ لقصد ترك الاختلاف والتشبيب ، وليكن جل مقصوده بموعظته الائتلاف على طاعة الله ، وعدم الخلاف ، والاجتماع على البر والتقوى والإنصاف ) .
وقال عبد العزيز الحجيلان في كتاب "خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية" ص 290 : المقصود الشرعي من خطبة الجمعة هو الثناء على الله - تعالى - وتمجيده ، وتعليم الناس قواعد الإسلام ، ووعظهم وتذكيرهم ، وحثهم على طاعة الله ، وتحذيرهم من موارد غضبه وعقابه ، وبيان جزاء المطيع وعقوبة العاصي ، وبيان الأخطاء المنتشرة في المجتمع وسبل معالجتها ، والبدع والتحذير منها ، ونحو ذلك .
وإذا كان الأمر كذلك فلا يشرع للخطيب أن يخرج بخطبته عن هذا المنهج النبوي ، والمقصود الشرعي ، بل عليه أن يلتزم به ، فلا يخرج عنه إلى مقاصد أخرى كالموضوعات التي تخالف منهج السلف الصالح ، أو التي تثير الفتنة والخلاف والعداوة بين المسلمين ، أو الدخول في قضايا لا علاقة لعامة الناس بها ، أو ليس فيها فائدة تذكر، أو نحو ذلك.
كما يدخل في إخراج الخطبة عن مقصودها الشرعي الاهتمام بالمحسنات الشكلية والبلاغية مع إهمال المضمون ) .
أما ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر يوم الجمعة فإنما فعل تعويضًا عمن يسبهم ، ويقدح فيهم ، وكان ذلك فيه من الفساد في الإسلام ما لا يخفى ؛ فأعلنوا بذكرهم ، والثناء عليهم ، والدعاء لهم ؛ ليكون ذلك حفظًا للإسلام بإظهار موالاتهم والثناء عليهم ، ومنعًا ممن يريد عوراتهم ، والطعن عليهم.
ويجوز الدعاء في الخطبة للمسلمين بالأمور المهمة من النصر، والكبت للأعداء ، ولاسيما إذا حدث لهم أمر أو نزلت بهم نازلة ... ويتحرى فيما يدعو به ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من ذلك.
ويجوز الدعاء لولاة أمور المسلمين بالصلاح ، والإعانة على الحق ، والقيام بالعدل ، ونحو ذلك ؛ لأن في ذلك صلاح للمسلمين ...
- هل من اللائق وضع منبر الجمعة ساحة للشد والجذب والإختلافات الفكرية والتصريح بأسماء المخالفين وصحفهم أم لا ؟
- أليس من المنهج الشرعي أن يكون منبر الجمعة كما هو اسمه منبر للإجتماع والدعاء بالهداية للمخالفين؟
- هل توجيه العوام وأصحاب المعاصي إلى الأمور العقلية والخلافات الحزبية والإصطفاف وراء التيارات منهج نبوي أم تربيتهم ونصحهم ووعظهم وتوجيههم إلى آخرتهم هو المناسب لهم في ذلك ؟
- أليست البرامج الكثيرة والمتنوعة وعلى مختلف القنوات تكفي و تغني عن الحديث عن مثل هذه المواضيع بمنبر الجمعة أم أنها حرب على جبهتين ؟
- هل حب الظهور و محاولة لفت الأنظار واردة على كل أو بعض من يعتلي المنابر وقد تسيرهم أحياناً أو لنقل نادراً ، أم أن الهم الأكبر هو انتصار الدين وأهله والغيره عليهم هي الدافع وراء كل ذلك ؟
- هل وضع المجتمع اليوم يحتاج إلى مزيد من التأزيم والتوتر ، أم هو بحاجة إلى نزع فتيل الأزمات ورأب الصدوع والشروخ وتقريب وجهات النظر ؟
قال : أسئلة كثيرة تحاورت حولها أنا ومجموعة من الإخوة ، وأنا بدوري أحيلها لكم أيها النخب فلعلنا نستفيد منكم ونعي ونتنور، وليت الشيخ فؤاد أبو الغيث والدكتور سعيد صيني وغيرهما من باحثي المجموعة يتحفوننا بآرائهم .. والله يحفظكم ويرعاكم ...
واستجابة لذلك كتبت ما يلي :
عقد النسائي بابًا في كتابه السنن بعنوان : كيف الخطبة ؟ وأورد فيه حديث جابر بن عبد الله – رضي الله عنه – قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته: يحمد الله ، ويثني عليه بما هو أهله ، ثم يقول : من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلله فلا هادي له .
إن أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .
ثم يقول : بعثت أنا والساعة كهاتين ، وكان إذا ذكر الساعة ؛ احمرت وجنتاه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ؛ كأنه نذير جيش ؛ يقول : صبحكم مساكم ، ثم قال : من ترك مالاً فلأهله ، ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإليّ أو عليّ ، وأنا أولى بالمؤمنين ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى (22/394) : ( لم ينقل أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه افتتح خطبته بغير الحمد ؛ لا خطبة عيد ، ولا استسقاء ، ولا غير ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بالحمد فهو أجذم ). وقد كان يخطب خطب الحج ، وغير خطب الحج؛ خطبًا عارضة، ولم ينقل أحد عنه أنه افتتح خطبة بغير الحمد ؛ فالذي لا بد منه في الخطبة : الحمد لله ، والتشهد ... ) .
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم صحابته التشهد في الحاجة كما علمهم التشهد في الصلاة ، فقال في التشهد للحاجة : ( إن الحمد لله ، نحمده ، ونستعينه ، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله ؛ فلا مضل له ، ومن يضلل؛ فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ...) .
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء ) .
فذكر النبي صلى الله عليه وسلم بالتشهد في الخطبة واجب لدلالة هذا الحديث .
وقد وردت قراءة آية في الخطبة في حديث مسلم : ( كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خطبتان ؛ يجلس بينهما ؛ يقرأ القرآن ، ويذكر الناس ، ويحذر ...).
قال الصنعاني في سبل السلام : ( وظاهره محافظته صلى الله عليه وسلم على ما ذكر في الخطبة ، ووجوب ذلك ؛ لأن فعله بيان لما أجمل في آية الجمعة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( صلوا كما رأيتموني أصلي) .
ومما داوم عليه النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه : الوصية بتقوى الله وطاعته .
قال الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هدي خير العباد ، في هدي النبي صلى الله عليه وسلم في خطبه (1/188) : ( وكان مدارُ خُطبه على حمد الله، والثناء عليه بآلائه، وأوصافِ كماله ومحامده، وتعليمِ قواعدِ الإِسلام، وذكرِ الجنَّة والنَّار والمعاد، والأمرِ بتقوى الله، وتبيينِ موارد غضبه، ومواقعِ رضاه ؛ فعلى هذا كان مدار خطبه.
وكان يخطب في كل وقت بما تقتضيه حاجة المخاطبين ومصلحتهم،ولم يكن يخطب خطبة إلا افتتحها بحمد الله، ويتشهد فيها بكلمتي الشهادة، ويذكر فيها نفسه باسمه العلم، وثبت عنه أنه قال: ( كل خطبة ليس فيها تشهد، فهي كاليد الجذماء ) ...
وكان يعلم أصحابه في خطبته قواعد الإسلام، وشرائعه، ويأمرهم، وينهاهم في خطبته إذا عرض له أمر، أو نهى، كما أمر الداخل - وهو يخطب -: أن يصلي ركعتين.
وكان يأمرهم بمقتضى الحال في خطبته، فإذا رأى منهم ذا فاقة وحاجة، أمرهم بالصدقة، وحضهم عليها ) .
كما في الحديث الذي رواه النسائي عن عياض بن عبد الله ، قال : سمعت أبا سعيد الخدري يقول : جاء رجل يوم الجمعة ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب بهيئة بذة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أصليت ؟! قال : لا ، قال : صل ركعتين ، وحث الناس على الصدقة فألقوا ثيابًا ، فأعطاه منها ثوبين ، فلما كانت الجمعة الثانية ؛ جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب ، فحث الناس على الصدقة ، قال : فألقى أحد ثوبيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاء هذا يوم الجمعة بهيئة بذة ؛ فأمرت الناس بالصدقة ؛ فألقوا ثيابًا ؛ فأمرت له منها بثوبين ، ثم جاء الآن ، فأمرت الناس بالصدقة ؛ فألقى أحدهما فانتهره ، وقال : خذ ثوبك .
ففي هذا الحديث دلالة على أن الخطيب ينبغي أن يكون عارفًا بأحوال الناس ؛ فيذكر كل ما يصلح أحوالهم الدينية والدنيوية ، ويحذرهم مما فيه فسادهم . ( ينظر أحاديث الجمعة : دراسة نقدية وفقهية ، لعبد القدوس محمد نذير ص 360) .
كما أن مفهوم الوعظ والتذكير الذي هو مقصود الخطبة وغرضها يشمل كل ما أوصل إلى التذكر أو تصحيح الخطأ في كل شأن من شؤون الناس الدينية أو الدنيوية ، ولذلك جاء الوعظ حتى في الأمر والنهي ...(الشامل في فقه الخطيب والخطبة (1 / 146) .
وقال الإمام ابن القيم في الهدي النبوي أيضاً (1 / 423) : كانت خطبته صلى الله عليه وسلم، إنما هي تقرير لأصول الإيمان من الإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، ولقائه، وذكر الجنة، والنار، وما أعد الله لأوليائه وأهل طاعته، وما أعد لأعدائه وأهل معصيته، فيملأ القلوب من خطبته إيمانًا وتوحيدًا، ومعرفة بالله وأيامه، لا كخطب غيره التي إنما تفيد أمورًا مشتركة بين الخلائق، وهي النوح على الحياة، والتخويف بالموت، فإن هذا أمر لا يحصل في القلب إيمانا بالله، ولا توحيدًا له، ولا معرفة خاصة به، ولا تذكيرا بأيامه، ولا بعثًا للنفوس على محبته والشوق إلى لقائه، فيخرج السامعون ، ولم يستفيدوا فائدة، غير أنهم يموتون، وتقسم أموالهم، ويبلي التراب أجسامهم، فيا ليت شعري أي إيمان حصل بهذا؟! وأي توحيد ومعرفة وعلم نافع حصل به ؟!
ومن تأمل خطب النبي صلى الله عليه وسلم، وخطب أصحابه، وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد، وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية، والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه، ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره، وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون ، وقد أحبوه وأحبهم ...
ثم طال العهد، وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسومًا تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها، وزينوها بما زينوها به ، فجعلوا الرسوم والأوضاع سننًا لا ينبغي الإخلال بها، وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر، وعلم البديع، فنقص بل عدم حظ القلوب منها، وفات المقصود بها ) .
وقال العلامة ابن العطار (ت724هـ) في كتاب "أدب الخطيب" ص 125 : ( وينبغي أن تكون الموعظة في كل وقت وزمان ، على حسب حاجة الناس إليها مما يجهلونه من الأحكام الشرعية ، والتنزيهات الربانية ...
ويذكر فضل الأزمنة والشهور والأعوام ، ويحث على الصلاة والصيام ، وإقامة الشعائر والمناسك والقيام ...
فهذا هو السنة ، وما عداه هو البدعة ، وليحذر كل الحذر من إيراد الأحاديث الموضوعة والضعيفة لقصد الترغيب – خصوصًا في البدع – والترهيب ، وذكر الأمور المشتبهة ؛ لقصد ترك الاختلاف والتشبيب ، وليكن جل مقصوده بموعظته الائتلاف على طاعة الله ، وعدم الخلاف ، والاجتماع على البر والتقوى والإنصاف ) .
وقال عبد العزيز الحجيلان في كتاب "خطبة الجمعة وأحكامها الفقهية" ص 290 : المقصود الشرعي من خطبة الجمعة هو الثناء على الله - تعالى - وتمجيده ، وتعليم الناس قواعد الإسلام ، ووعظهم وتذكيرهم ، وحثهم على طاعة الله ، وتحذيرهم من موارد غضبه وعقابه ، وبيان جزاء المطيع وعقوبة العاصي ، وبيان الأخطاء المنتشرة في المجتمع وسبل معالجتها ، والبدع والتحذير منها ، ونحو ذلك .
وإذا كان الأمر كذلك فلا يشرع للخطيب أن يخرج بخطبته عن هذا المنهج النبوي ، والمقصود الشرعي ، بل عليه أن يلتزم به ، فلا يخرج عنه إلى مقاصد أخرى كالموضوعات التي تخالف منهج السلف الصالح ، أو التي تثير الفتنة والخلاف والعداوة بين المسلمين ، أو الدخول في قضايا لا علاقة لعامة الناس بها ، أو ليس فيها فائدة تذكر، أو نحو ذلك.
كما يدخل في إخراج الخطبة عن مقصودها الشرعي الاهتمام بالمحسنات الشكلية والبلاغية مع إهمال المضمون ) .
أما ذكر الخلفاء الراشدين على المنبر يوم الجمعة فإنما فعل تعويضًا عمن يسبهم ، ويقدح فيهم ، وكان ذلك فيه من الفساد في الإسلام ما لا يخفى ؛ فأعلنوا بذكرهم ، والثناء عليهم ، والدعاء لهم ؛ ليكون ذلك حفظًا للإسلام بإظهار موالاتهم والثناء عليهم ، ومنعًا ممن يريد عوراتهم ، والطعن عليهم.
ويجوز الدعاء في الخطبة للمسلمين بالأمور المهمة من النصر، والكبت للأعداء ، ولاسيما إذا حدث لهم أمر أو نزلت بهم نازلة ... ويتحرى فيما يدعو به ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من ذلك.
ويجوز الدعاء لولاة أمور المسلمين بالصلاح ، والإعانة على الحق ، والقيام بالعدل ، ونحو ذلك ؛ لأن في ذلك صلاح للمسلمين ...
وقد بين الشيخ سعود الشريم – إمام وخطيب المسجد الحرام في كتابه " الشامل في فقه الخطيب والخطبة كثيرًا من الأمور التي ينبغي مراعاتها في الخطبة ، فقال (1 / 65): ( فعلى الخطيب أن يتقي الله فلا يخوض في نصوص الوحيين بغير حق ، وألا يقول على الله ورسوله ما لا يعلم ، وألا يكون طرحه للقضايا المهمة مبنياً على وجهة نظر شخصية عرية عن التنقيح أو التحقيق أو إصابة الصواب أو القرب منه بعد الاجتهاد في تحصيله . وألا يكون منبع خطبته وما يقرره فيها مصادر مغشوشة ؛ كحماس طائش أو إعلام مضلل أو ضغوط نفسية متعددة الجوانب ) .
وقال (1 / 222) : ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرِّض في خطبه ولا يصرح ... [فإن] التعريض أبلغ من التصريح وأعظم تأثيراً في القلب ، وأدعى إلى التنبيه للخطأ مع ما فيه من مراعاة حرمة المخاطب بترك المجاهرة بالتوبيخ ، بخلاف التصريح فإنه قد يورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ، ويهيج الحرص على الإصرار، والبقاء على ما لام عليه الموبخ، لاسيما إذا كانت نفس المعرض به منطوية على الكبر، وعدم قبول النصيحة .
[وليس من شرط التعريض ] أن لا يكون إلا بصورة لا يعرفها إلا نفس المقصود ) .
وقال (1 / 59) : ( على الخطيب أن يحرص جاهداً حينما يشعر أن هناك ثمة أموراً يخشى من وقوعها في المجتمع ، أو من زيادة خطرها بعد الوقوع ، أن يطرحها في خطبة قبل تفاقمها ، وأن يحذر من مغبة الوقوع فيها، وهذه المبادرة تعد أمراً مهماً مبنياً على قاعدة فقهية مشهورة وهي " أن الدافع أولى من الرفع " ؛ لأن مدافعة الشيء قبل وقوعه تكون من حيث السهولة وقلة المؤنة وضآلة المفسدة ما لا تكون بعد وقوع الشيء ورجحان مفسدته ، ولقد أحسن الشاعر حين قال :
إذا لم يغبر حائط في وقوعه
فليس له بعد الوقوع غبار
وهكذا هي الأشياء تكون في بداية الأمر صغيرة الحجم يقل الاكتراث بها ، فلا تزال تزداد وتتفاقم حتى تعظم على الناس ؛ فيصعب التخلص منها ) .
وقال (1 / 222) : ( وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعرِّض في خطبه ولا يصرح ... [فإن] التعريض أبلغ من التصريح وأعظم تأثيراً في القلب ، وأدعى إلى التنبيه للخطأ مع ما فيه من مراعاة حرمة المخاطب بترك المجاهرة بالتوبيخ ، بخلاف التصريح فإنه قد يورث الجرأة على الهجوم بالخلاف ، ويهيج الحرص على الإصرار، والبقاء على ما لام عليه الموبخ، لاسيما إذا كانت نفس المعرض به منطوية على الكبر، وعدم قبول النصيحة .
[وليس من شرط التعريض ] أن لا يكون إلا بصورة لا يعرفها إلا نفس المقصود ) .
وقال (1 / 59) : ( على الخطيب أن يحرص جاهداً حينما يشعر أن هناك ثمة أموراً يخشى من وقوعها في المجتمع ، أو من زيادة خطرها بعد الوقوع ، أن يطرحها في خطبة قبل تفاقمها ، وأن يحذر من مغبة الوقوع فيها، وهذه المبادرة تعد أمراً مهماً مبنياً على قاعدة فقهية مشهورة وهي " أن الدافع أولى من الرفع " ؛ لأن مدافعة الشيء قبل وقوعه تكون من حيث السهولة وقلة المؤنة وضآلة المفسدة ما لا تكون بعد وقوع الشيء ورجحان مفسدته ، ولقد أحسن الشاعر حين قال :
إذا لم يغبر حائط في وقوعه
فليس له بعد الوقوع غبار
وهكذا هي الأشياء تكون في بداية الأمر صغيرة الحجم يقل الاكتراث بها ، فلا تزال تزداد وتتفاقم حتى تعظم على الناس ؛ فيصعب التخلص منها ) .
والله أعلم .
المصدر: مجموعة عبدالعزيز قاسم
المشاهدات 4030 | التعليقات 4
عجيب أمر هؤلاء الصحفيين !!
يريدون ألا يتركوا صغيرة ولا كبيرة ولا وارة ولا شاردة من أمر المجتمع إلا نقدوها ، ولا سائرًا فيما لا يرغبون فيه إلا شهروا به وجابهوه ، لا يخرج عن ذلك عندهم عالم لجلالة قدره ، ولا يسلم منهم فقيه لرسوخ قدمه ، ولا يراعون مسلمًا لإرادته الستر وتباعده عن الفضيحة والتشهير ، ثم تراهم يستنكرون بعد ذلك أن يذكرهم المفتون والعلماء أو يرميهم الدعاة والخطباء بما لا يسرهم من حقائق هي أوضح من عين الشمس لمن أنصف !!
يريدون ألا يتركوا صغيرة ولا كبيرة ولا وارة ولا شاردة من أمر المجتمع إلا نقدوها ، ولا سائرًا فيما لا يرغبون فيه إلا شهروا به وجابهوه ، لا يخرج عن ذلك عندهم عالم لجلالة قدره ، ولا يسلم منهم فقيه لرسوخ قدمه ، ولا يراعون مسلمًا لإرادته الستر وتباعده عن الفضيحة والتشهير ، ثم تراهم يستنكرون بعد ذلك أن يذكرهم المفتون والعلماء أو يرميهم الدعاة والخطباء بما لا يسرهم من حقائق هي أوضح من عين الشمس لمن أنصف !!
باختصار : نحن الصحفيين قد نصبنا أنفسنا ناقدين للمجتمع بكل أطيافه وفئاته ، من أكبر شخصية فيه إلى أصغر شخصية ، لا نلتزم في نقدنا دينًا يردع ، ولا خلقًا يمنع ، ولا أدبًا يقدع ، ومع هذا فلا نسمح لأحد منكم أن يتكلم فينا ولو على سبيل الدفاع عن نفسه وتبرئة ساحته !!!
نقول لهم : إذا لم تريدوا من الخطباء والعلماء أن يذكروكم على منابر الحق فاسكتوا أنتم عنهم في منابر الباطل ، فهذه هي أسهل طريق لحماية أنفسكم من ألسنة أهل الحق ، الذين وإن ألبستموهم بباطل قولكم كل ما يحدث في الدنيا من مصائب ، ولم تترفعوا عن وصمهم بما فيهم وبما ليس فيهم زورًا وبهتانًا ، فإنهم يترفعون عن أن يقولوا فيكم إلا بعض ما يعلمون مضطرين إلى ذلك اضطرارًا لإحقاق الحق الذي سرتم به عن وجهه ، وجعلتم تلبسونه بالباطل لإضلال الناس .
أنا شخصيًّا كنتُ وما زلتُ لا أحبذ الكلام المفصل عن هؤلاء على المنابر تنـزيهًا لها عن ذكرهم ، وتمشيًا مع ما يذكره بعض إخواننا من أن ذلك قد يكون إثارة للفتنة وإشغالاً للعوام بمعارك هم بعيدون عنها ، ولكن ... وجدت أن هذا قد يكون صحيحًا في وقت مضى ، أما الآن فقد صارت منكراتهم ظاهرة ، يعرفها الصغير قبل الكبير من عامة المجتمع ، فضلاً عن مثقفيه وقراء الصحف ومتابعي القنوات ، الذين نعرف منهم مَن تغير منهجه وتبلبلت أفكاره بل وشك في ثوابت دينه وأتى ببعض ما قد يكفر به بسبب متابعته لهذه القنوات وتسمره أمام هؤلاء الكذبة وهو الخلي الذهن من العلم الشرعي الذي يتحصن به ضد ما يلقيه أولئك الأفاكون من شبهات ، أفيسوغ أن نسكت نحن الخطباء ولا نبين سبيل هؤلاء المجرمين ونحن نرى تأثيرهم في إخواننا رجالاً ونساءً مثقفين وعامةً ؟!
لا أظن هذا من الفقه في شيء . غير أنه قد يقال إن من الأحسن أن يقتصر في الخطب على ما تدعو الضرورة والحاجة لبيانه ، وأن يسلك مسلك التعريض ما دام ينفع ويتضح به المقصود ، تنـزيهًا لمنابر الحق ، وصيانة لأسماع المسلمين ، وحفظًا لاجتماع الكلمة ، وتقوية لوحدة الصف ، التي يعمل هؤلاء ليلاً ونهارًا على تمزيقها وتقويض بنيانها بقصد أو غير قصد .
لا أظن هذا من الفقه في شيء . غير أنه قد يقال إن من الأحسن أن يقتصر في الخطب على ما تدعو الضرورة والحاجة لبيانه ، وأن يسلك مسلك التعريض ما دام ينفع ويتضح به المقصود ، تنـزيهًا لمنابر الحق ، وصيانة لأسماع المسلمين ، وحفظًا لاجتماع الكلمة ، وتقوية لوحدة الصف ، التي يعمل هؤلاء ليلاً ونهارًا على تمزيقها وتقويض بنيانها بقصد أو غير قصد .
وأما إذا لم يتبين المقصود إلا بالتصريح ولغة الأرقام والإتيان بالشواهد من كلامهم وكتاباتهم فأظن أنه من واجب البيان أن نأتي به ، ولكن مع الاحتراز الشديد في كل ذلك ، والترفع عن كل كلمة قد تحسب على الخطيب لا له ، والتثبت في كل ما يقال ، والتبين والعدل مع الخصوم ديانة لله ـ عز وجل ـ وعملاً بقوله ـ سبحانه ـ : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَومٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بما تَعمَلُونَ "
Quote:
نقول لهم : إذا لم تريدوا من الخطباء والعلماء أن يذكروكم على منابر الحق فاسكتوا أنتم عنهم في منابر الباطل ، فهذه هي أسهل طريق لحماية أنفسكم من ألسنة أهل الحق ، الذين وإن ألبستموهم بباطل قولكم كل ما يحدث في الدنيا من مصائب ، ولم تترفعوا عن وصمهم بما فيهم وبما ليس فيهم زورًا وبهتانًا ، فإنهم يترفعون عن أن يقولوا فيكم إلا بعض ما يعلمون مضطرين إلى ذلك اضطرارًا لإحقاق الحق الذي سرتم به عن وجهه ، وجعلتم تلبسونه بالباطل لإضلال الناس
لله درك يا شيخي الحبيب / عبدالله البصري
كم احبك في الله , واسال الله ان يرد كيد الكائدين في نحورهم...
بل لا بد من بيان سبيل المجرمين وتوضيح سبل الشر وإن استدعى الأمر أن يفصح عن أسماء كتاب أو جرائد أو قنوات أو مسلسلات مفسدة ولم يتمكن الخطيب من بيان شرها إلا بالإفصاح عنها مباشرة فأظن أن ذلك من باب تغيير المنكر باللسان والله أعلم
مازن النجاشي-عضو الفريق العلمي
د.سعيد صيني
أشكر الابن الكريم نادر الحذيفي على طرح هذه الأسئلة ذات الأهمية، فهي تنبئ عن اهتمام وعناية بشئون المسلمين. كما أتوقع أن من يطرح هذه الأسئلة على درجة من الثقافة تؤهله للنقاش في هذه المسائل ولطرح مثل هذه الأسئلة. ومن طريقة طرحه للأسئلة يمكنني الجزم بأن نيته خالصة في الوصول إلى رأي يرجحه، وقد تشابكت الأمور.
ولهذا أقول: وددت لو أن هذه الأسئلة نفسها تم توجيهها أولا إلى بعض القائمين على المنابر الإعلامية الأخرى الأوسع انتشارا بمئات المرات والأعظم أثرا في جميع أصناف المتلقين، سواء أكانوا مصلين أو غير مصلين، وسواء أكانوا من الحريصين على الالتزام بالشريعة الربانية، أو متهاونين بها، أو من المحاربين لها دون قصد ولكن انبهارا بالحضارة الغربية...
فحبنا للمسلمين وللوطن الذي يجعلنا ننقد أصحاب منابر الجُمع، يفرض علينا وبصورة أقوى نقد أصحاب المنابر الورقية والإلكترونية...؟ والإنصاف والعدالة التي تلزمنا بمحاكمة من يدافعون عن ديننا العظيم، إن أخطاوا في الأسلوب أو الاجتهاد تفرض علينا، بصورة ملزمة شرعا، محاكمة من يروجون ويدافعون عن الأفكار التي تخالف ديننا العظيم وتهدد أمن وطننا الغالي، وإن كان عن جهل.
وبشيء من التفصيل:
تقول: هل من اللائق وضع منبر الجمعة ساحة للشد والجذب والإختلافات الفكرية والتصريح بأسماء المخالفين وصحفهم أم لا ؟
لقد كنت دقيقا حيث قلت "الإختلافات الفكرية " ولم تقل "الاختلافات الفقهية" مثلا. فالأفكار المختلفة التي تتبادل الشد والجذب قد تمثل الشريعة الإسلامية وتنتصر لها بدرجات متفاوتة؛ وقد تحارب الشريعة الإسلامية وممثليها بدرجات متفاوتة. والأمر بالمعروف (مضمونا وأسلوبا) والنهي عن المنكر واجب للقادرين عليه ضد النوع الأخير من الاختلافات، كما تعلم.
وأما بخصوص التصريح بالأسماء، إن حدث، فالأولى اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم، إذ كان يقول: ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا. وأما تسمية الصحف، وهي شخصيات اعتباراية، فيجوز تسميتها من باب التحذير منها إذا قامت بأعمال سلبية تمس مواطنين محددين وسمعتهم بسوء (وخاصة إذا كانوا من العلماء...) أو تضر بالمصلحة العليا المرجحة للوطن، وتسهم في تضليل آلاف المتلقين من المسلمين وغيرهم ومن المواطنين وغيرهم. وفي المقابل يحق لها أن تتقدم بالشكوى إلى المحاكم، إذا كان في الخطبة قذفا، لا تسنده الأدلة، وعموما فإن الأمر يخضع لقرار القاضي في حضور المتخاصمين.
وأقترح أن تحال جميع قضايا التعدي على الآخرين، بما في ذلك قضايا القذف بالمنابر الإعلامية إلى المحاكم الشرعية المختصة في الفصل في القضايا، وذلك بدلا من اللجان الإدارية غير المتخصصة. وأضيف أيضا: هناك ضرورة مُلحّة لتوفير العدد الكافي من القضاة ليتناسب مع حجم المخالفات في عصرنا الحاضر. وهناك ضرورة لتأهيلهم بالدورات العامة المتعلقة بمهارات الاستماع إلى الخصوم والنظر في القضايا وإصدار الأحكام، وذلك إضافة إلى تأهيل المتخصصين منهم في صنف من أصناف القضايا بما يحتاجه ذلك التخصص، مثل قضايا التعدي على الأموال العامة، والقذف الشخصيي أو عبر المنابر الإعلامية، وقضايا الممتلكات العامة والممتلكات الخاصة...
وتسأل: أليس من المنهج الشرعي...الدعاء بالهداية للمخالفين؟ وهل توجيه العوام وأصحاب المعاصي إلى الأمور العقلية والخلافات الحزبية والإصطفاف وراء التيارات منهج نبوي أم تربيتهم ونصحهم ووعظهم وتوجيههم... ؟
وأقول: نعم تجب الدعوة بالهداية للمخالفين، حتى للكافرين، فكيف الأمر بالنسبة للمسلمين وللمواطنين. وهذا ما يفعله كثير من الناقدين والدعاة الملتزمين بتعاليم ديننا. ولكن الواجب لا يتم بالدعاء وحده في النهي عن المنكر، ولاسيما إذا كان حزب الشيطان لديه نفوذ وسلطة دنيوية لا يستهان بها، وعنده إصرار واضح على ترويج الأفكار التي تمس الإسلام وتمس المصلحة المرجحة للوطن.
أما بالنسبة للتحزب فيعتمد الأمر على التحزب مع من؟ التحزب مع الله وأنصاره أو التحزب مع الشيطان وأعوانه، ويعتمد أيضا على طريقة التحزب (بحكمة ووعي أو بتطرف أعمى). فالتحزب إذا كان للدفاع أو لتحقيق المصلحة المرجحة في الظروف المحددة للإسلام وللوطن فهو من الواجبات والنصر مصيره. يقول تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ}.(المائدة : 56) وقد يكون التحزب في أمور مباحة، تخضع للعقل والأهواء، ولا تمس بضرر المصالح العامة المرجحة أو الخاصة بالمسلمين وبالمواطنين، فأصله الإباحة فلكل مخلوق درجة من الحرية يحق له التمتع بها. وأما إذا كان التحزب للأفكار والأقوال أو الأفعال التي تتعارض مع دين البلاد أو مصالحها الوطنية العليا، مثل التعاون مع أعداء الوطن بطريقة ملتوية، وإن كان عن جهل وحسن نية، فالوعظ واجب. وطريقة الوعظ والنصح والردع وأساليبها متنوعة ومتدرجة من حيث القوة أو الشدة. ولكل نوع من المخالفات أو لكل درجة من درجات الإصرار على المخالفة نوع يناسبه، ويجب استعماله.
وتسأل: أليست البرامج الكثيرة والمتنوعة وعلى مختلف القنوات تكفي...؟
قضية هل يكفي محكومة بحجم المخالفات وقوة المخالفين وإصرارهم، وطريقة ونسبة استجابتهم للنصح... والسؤال: هل نحن راضين عما يجري في وطننا، سواء أكان بسبب انحراف الأفراد من غير ذوي السلطة والنفوذ أو من ذوي النفوذ والتأثير بدرجات متفاوتة؟ وبعبارة أخرى، هل الحالة العامة بخير (الفساد في المستوى الفردي والمستوى العام)، سواء بالمقياس الشرعي أو الواقع الدولي؟
وتسأل: هل حب الظهور و محاولة لفت الأنظار واردة على كل أو بعض من يعتلي المنابر... ، أم أن الهم الأكبرهو إنتصار الدين وأهله والغيره عليهم هي الدافع وراء كل ذلك ؟
وأتساءل: أليس الأصل إحسان الظن بالمسلمين؟ وأليس الأصل أن المخلوقين ليسوا معصومين، وإذا ثبت الخطأ بالأدلة الواضحة وجب على المسلمين التناصح، أي توجيه النصيحة للآخرين والترحيب بها إذا جاءته من الآخرين؟ وألا ينطبق هذا القول على الذين يعتلون المنابر الإعلامية واسعة الانتشار؟
وتقول: هل وضع المجتمع اليوم يحتاج إلى مزيد من التأزيم والتوتر ، أم هو بحاجة إلى نزع فتيل الأزمات ورأب الصدوع والشروخ وتقريب وجهات النظر ؟
وأقول: نعم تجنب التأزيم والتوتر، ورأب الصدع واجب، ولكن هل يمكن لأعداء الإنسانية وأعداء الحق أن يتوقفوا عن محاربة الحق، بصراحة أو بطرق ملتوية، وسواء عن قناعة بالباطل واغترارا به أو عن حسن نية؟ ومثال ذلك: التشنيع في المنابر الصحفية على العلماء الذين يغلب عليهم أنهم يخشون الله أكثر من غيرهم ويحرصون على تطبيق وصيانة شريعته أكثر من غيرهم. ومثاله أيضا: ترويج بعض الإعلاميين والمتنفذين في المنابر الإعلاية الأفكار وأنواع السلوك التي تتعارض مع الفطرة السليمة ومع مبادئ الشريعة الإسلامية، بين المواطنين والمقيمين المسلمين في البلد الإسلامي. ومثاله الحرص على السبق الصحفي، وإن كان بالاستعانة بالكذب على المسلمين والمسلمات أو بالتهاون في التحقق من التهم الموجهة لكبارنا أو لإخوتنا ولأخواتنا أو لأبنائنا وبناتنا.
والله الموفق لما يحقق السعادة في الدارين للجميع.
سعيد صيني
1432/5/19هـ
المصدر: مجموعة عبدالعزيز قاسم
تعديل التعليق