ضَلَالُ النَّصَارَى وَخَطَرُ مُشَارَكَةِ أَعْيَادِهِمْ - خطبة مشكولة

              ضَلَالُ النَّصَارَى وَخَطَرُ مُشَارَكَةِ أَعْيَادِهِمْ

 

خُطْبَةٌ أُلْقِيَتْ فِي مَسْجِدِ سَمَاحَةِ الشَّيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بِالْجَامِعَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ 3 / 5 / 1442

 عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّحَيْلِيُّ

 

عناصر الخطبة:

1-فضل دين الإسلام.

2- تبديل النصارى لدين نبيهم.

3- ضلال النصارى في الاعتقاد.

4- ضلالهم في العبادة.

5- منزلة نبي الله عيسى عليه السلام كما بينها القرآن.

6-خطر القول بنسبة الولد لله تعالى.

7-تحريم مشاركة النصارى في أعيادهم.

 

 

الخطبة الأولى:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًاً، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، شَهَادَةَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ أَحَدًاً، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا دَائِمًا أَبَدًاً.

 

أَمَّا بَعْدُ.. فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَكُونُوا أَوْلِيَاءَهُ، وَانْصُرُوا دِينَهُ وَشِرْعَتَهُ وَأَنْبِيَاءَهُ، وَتَمَسَّكُوا بِدِينِ الْحَقِّ وَعَادُوا أَعْدَاءَهُ.

 

عِبَادَ اللَّهِ .. لَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالشَّرِيعَةِ السَّمْحَةِ وَالْمِلَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ الْوَاضِحَةِ، بُشِّرَتْ بِهِ الْكُتُبُ السَّالِفَةُ، وَنَسَخَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ كُلَّ شَرِيعَةٍ مَاضِيَةٍ، فَنَسِخَ كُتُبَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ بِكِتَابِهِ، وَأَمْرَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ جَمِيعًا بِالْإِيمَانِ بِهِ.

 

جَاءَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ؛ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ، وَرَضِيَهُ لِأَنْبِيَائِهِ وَمَلَائِكَةِ قُدْسِهِ؛ بِهِ اهْتَدَى الْمُهْتَدُونَ، وَإِلَيْهِ دَعَا الْأَنْبِيَاءُ وَالْمُرْسَلُونَ، (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجِعُونَ) [آل عمران: 83] .

 

فَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْ أَحَدٍ دِينًا سِوَاهُ مِنْ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ ، (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ). [آل عمران: 85]

 

وَلَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ مَا بَدَّلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ وَكَتَمُوهُ، وَأَظْهَرَ فِيهِ مَا حَرَّفُوهُ وَغَيَّرُوهُ، وَقَصَّ فِيهِ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ؛ فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ.

 

عِبَادَ اللَّهِ.. أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ عِيسَى إِنْجِيلًا وَاحِدًا؛ فَبَدَّلَ النَّصَارَى رِسَالَةَ نَبِيِّهِمْ، وَافْتَرَوا الْكَذِبَ وَكَثُرَتْ أَنَاجِيلُهُمْ.

 

إِنَّهُمْ النَّصَارَى أُمَّةُ الضَّلَالِ، وَعُبَادُ الصَّلِيبِ، إِنَّهُمْ الَّذِينَ سَبُّوا اللَّهَ الْخَالِقَ مَسَبّةً مَا سَبّهُ إِيَّاهَا أَحَدٌ، وَلَمْ يُقِرُّوا بِأَنَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الْفَرْدُ الصَّمَدُ، الَّذِي (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) [الإخلاص: 3-4]

 

إِنَّهُمْ مَنْ لَمْ يَجْعَلُوا اللَّهَ أَكْبَرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ قَالُوا فِيهِ مَا (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا) [مريم: 90]

 

إِنَّهُمْ النَّصَارَى الْقَائِلُونَ: إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ، وَإِنَّ مَرْيَمَ صَاحِبَتُهُ، وَإِنَّ الْمَسِيحَ ابْنُهُ، وَإِنَّهُ نَزَلَ عَنْ كُرْسِيِّ عَظَمَتِهِ وَالْتَحَمَ بِبَطْنِ الصَّاحِبَةِ، وَجَرَى لَهُ مَا جَرَى، إِلَى أَنْ قُتِلَ وَصُلِبَ وَدُفِنَ بِزَعْمِهِمْ، وَقَامَ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُتَغَلِّبًا عَلَى الْمَوْتِ لِيَرْتَفِعَ إِلَى السَّمَاءِ.

 

دِينَهُمْ عِبَادَةُ الصُّلْبَانِ، وَدُعَاءُ الصُّوَرِ الْمَنْقُوشَةِ فِي الْحِيطَانِ، يَقُولُونَ فِي دُعَائِهِمْ: يَا وَالِدَةَ الْإِلَهِ ارْزُقِينَا، وَاغْفِرِي لَنَا وَارْحَمِينَا!.

 

إِنَّهُمْ مَنْ كَذّبَ اللَّهَ تَعَالَى فِى كَوْنِهِ تَابَ عَلَى آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَغَفِرَ لَهُ خَطِيئَتَهُ.

إِنَّهُمْ مَنْ نَسَبَ اللَّهَ إِلَى أَقْبَحِ الظُّلْمِ، حَيْثُ زَعَمُوا أَنَّهُ سَجَنَ أَنْبِيَاءَهُ وَأَوْلِيَاءَهُ فِى الْجَحِيمِ، بِسَبَبِ خَطِيئَةِ أَبِيهِمْ.

 

إِنَّهُمْ مَنْ ضَلَّ فِي الْعِبَادَةِ كَمَا ضَلَّ فِي الِاعْتِقَادِ: دِينُهُمْ شُرْبُ الْخُمُورِ، وَأَكْلُ الْخِنْزِيرِ، عِبَادَتُهُمْ: التَّعَبُّدُ بِالنَّجَاسَاتِ، وَاسْتِبَاحَةُ كُلِّ خَبِيثٍ، وَصَلَاتُهُمْ مِفْتَاحُهَا النَّجَاسَةُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّصْلِيبُ عَلَى الْوَجْهِ ، وَقِبْلَتْهَا الشَّرْقُ، وَشِعَارُهَا الشِّرْكُ، طَوَائِفُ مِنْهُمْ لَا يَرَوْنَ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ، يَقُومُونَ إِلَى صَلَاتِهِمْ بِرَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ .

 

الْحَلَالِ عِنْدَهُمْ مَا حَلَّلَهُ الْقَسُّ وَالْحَرَامُ مَا حَرَّمَهُ، وَالدِّينُ مَا شَرَعَهُ، وَهُوَ الَّذِي يُغْفَرُ لَهُمْ الذُّنُوبَ، وَيُنْجِّيهِمْ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ.

يَزْعُمونَ أَنَّ التَّثْلِيثَ وَالتَّوْحِيدَ لَا يَخْتَلِفَانِ، فَيَقُولُونَ: الْأَبُ وَالِابْنُ وَرُوحُ الْقُدُسِ إِلَهٌ وَاحِدٌ، فَكَيْفَ يَكُونُ الثَّلَاثَةُ وَاحِدًا؟ وَالْوَاحِدُ ثَلَاثَةٌ؟؟

 

زَعْمٌ بَاطِلٌ وَقَوْلٌ مُتَنَاقِضٍ، صَعُبَ عَلَيْهِمْ فَهْمُهُ، حَتَّى قَالَ فِيهِمْ بَعْضُ الْعُقَلَاءِ: لَوْ اجْتَمَعَ عَشَرَةٌ مِنْ النَّصَارَى يَتَكَلَّمُونَ فِي حَقِيقَةِ مَا هُمْ عَلَيْهِ لِتَفَرَّقُوا عَنْ أَحَدَ عَشَرَ مَذْهَبًاً.

 

فَلَوْ سَأَلْتَ أَهْلَ الْبَيْتِ الْوَاحِدِ عَنْ دِينِهِمْ وَمُعْتَقَدِهِمْ فِي رَبِّهِمْ وَنَبِيِّهِمْ لَأَجَابَكَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِغَيْرِ جَوَابِ الْآخَرِ.

 

إِنَّهُمُ الْحَيَارَى التَّائِهُونَ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ (قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ) [المائدة: 77]

 

إِنَّهُمْ مَنْ حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِكُفْرِهِمْ جَمِيعًا إِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ، (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة: 73]

 

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللَّهُ مُبَيِّنًا تَنَاقُضَهُمْ فِي مُعَانَدَةِ الْعُقُولِ وَالشَّرَائِعِ، وَرَمْيِ إِلَهِ الْعَالَمِينَ بِالْعَظَائِمِ:

1. أَعُبَّادَ المَسِيحِ لَنَا سُؤَالٌ...نُرِيدُ جَوَابَهُ مِمَّنْ وَعَاهُ

2. إذا ماتَ الإِلهُ بِصُنْع قومٍ...أمَاتُوهُ فَما هذَا الإِلهُ؟

3. وَهَلْ أرضاه ما نَالُوهُ مِنْهُ؟...فبُشْرَاهمْ إذا نالُوا رِضَاهُ

4. وَإِنْ سَخِطَ الذِي فَعَلُوهُ فيه...فَقُوَّتُهُمْ إِذًا أوْهَتْ قُوَاهُ

5. وَهَلْ بَقِيَ الوُجُودُ بِلَا إِلهٍ...سَمِيعٍ يَسْتَجِيبُ لِمَنْ دَعَاهُ؟

6.وَهَلْ خَلَتِ الطِّبَاقُ السَّبْعُ لَمَّا...ثَوَى تَحتَ التُّرَابِ، وَقَدْ عَلاَهُ؟

7. وَهَلْ عَادَ المَسِيحُ إِلَى حَيَاةٍ ... أَمِ المُحْيي لَهُ رَبٌّ سِوَاهُ؟

 

8. وَيَا عَجَباً لِقَبْرٍ ضَمَّ رَبًّا ... وَأَعْجَبُ مِنْهُ بَطْنٌ قَدْ حَوَاهُ

9.أَقَامَ هُنَاكَ تِسْعًا مِنْ شُهُورٍ ... لَدَى الظُّلُمَاتِ مِنْ حَيْضٍ غِذَاهُ

10. وَشَقَّ الْفَرْجَ مَوْلُودًا صَغِيرًا ... ضَعِيفاً، فَاتِحًا لِلثَّدْي فَاهُ

11. وَيَأْكُلُ، ثمَّ يَشْرَبُ، ثمَّ يَأْتِي ... بِلَازِمِ ذَاكَ، هَلْ هذَا إِلهُ؟

12. تَعَالَى اللهُ عَنْ إِفْكِ النَّصَارَى ... سَيُسأَلُ كُلُّهُمْ عَمَّا افْتَراهُ

 

عِبَادَ اللَّهِ.. إِنَّ الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ لِلَّهِ لَا يُعْبَدُ، وَرَسُولٌ لِلَّهِ، لَا يُكْذَّبُ.

 

خَلَقَهُ مِنْ غَيْرِ أَبٍ كَمَا خَلَقَ آدَمَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ وَلَا أُمٍّ، خَلَقَهُ تَعَالَى بِكَلِمَةِ وَجَّهَهَا إِلَى مَرْيَمَ وَهِيَ قَوْلُهُ: كُنْ ، وَاَللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.

 

أَرْسَلَهُ اللَّهُ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ مُصَدِّقًاً بِرِسَالَةِ مُوسَى وَمُبَشِّرًاً بِرِسَالَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ- ، عَلَّمَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَكَانَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنْ الْمُقَرَّبِينَ، وَمُبَارَكًا أَيْنَمَا كَانَ ، وَكَانَ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنْ اللَّهِ.

 

هَذِهِ حَقِيقَةُ نَبِيِّ اللَّهِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ كَمَا بَيَّنَهَا الْقُرْآنُ.

 

إِنَّ الْمَسِيحَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بَرِيءٌ مِنْ عَقِيدَةِ التَّثْلِيثِ الْكُفْرِيَّةِ، وَلَمْ يَعْبُدْ أَيُ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ الصَّلِيبَ، بَلْ كُلُهُمْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة: 140]

 

وقال سبحانه: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا) [مريم: 88-93]

 

وَقَالَ تَعَالَى مُبَيِّنًا حَقِيقَةَ مَا ادُّعِيَ مِنْ قَتْلِ الْمَسِيحِ وَصَلْبِهِ: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًاً * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًاً حَكِيمًاً). [النساء: 157-158]

 

ويَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى الْمَسِيحَ عَلَى رُؤُوسِ الْأَشْهَادِ: (يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ)؟

 

 فَيَقُولُ الْمَسِيحُ مُكَذِّبًا لَهُمْ وَمُتَبَرِّئًا مِنْهُمْ: (سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إنك أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا الله رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة: 116-117].

 

عِبَادَ اللَّهِ.. قَالَ رَسُولُ الْهُدَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ "وَاَلَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِاَلَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ".

فَالْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ، وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ.

اللَّهُمَّ كَمَا هَدَيْتَنَا لِلْإِسْلَامِ نَسْأَلُكَ أَنْ لَا تَنْزِعَهُ عَنَّا، حَتَّى تَتَوَفَّانَا عَلَيْهِ.

 

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِى هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَصَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّهِ وَعَبْدِهِ وَمُصْطَفَاهُ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ وَالَاهُ.

 أَمَّا بَعْدُ:

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الْكَافِرِينَ مِنْ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ هُمْ أَعْدَاءُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ أُمِرْنَا بِبُغْضِهِمْ وَالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ وَمِنْ دِينِهِمْ: قَالَ سُبْحَانَهُ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُوْنَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) [الممتحنة: 1]

 وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ) [المائدة: 51]

 

وَ فِي قَابلِ الْأَيَّامِ يَحْتَفِلُ النَّصَارَى بِعِيدٍ يُسَمُّونَهُ بِالْكِرِيسِمَسِ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ الْيَوْمُ الَّذِي وُلِدَ فِيهِ عِيسَى -عَلَيْهِ السَّلَامُ-، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَحْتَفِلُونَ بِعِيدَ رَأْسِ السَّنَةِ.

أَعْيَادُ الْكُفَّارِ – عِبادَ اللهِ - يَحْرُمُ حُضُورُهَا وَالتَّهْنِئَةُ بِهَا بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ.

 

إِنَّ التَّهْنِئَةَ بِشَعَائِرِ الْكُفْرِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ بِمَنْزِلَةِ التَّهْنِئَةِ بِسُجُودِ الْكَافِرِ لِلصَّلِيبِ، وَهَذَا أَعْظَمُ إِثْمًا عِنْدَ اللَّهِ مِنْ التَّهْنِئَةِ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَقَتْلِ النَّفْسِ وَالزِّنَا.

 

إِنَّ كَثِيرًا مِمَّنْ لَا قَدْرَ لِلدِّينِ عِنْدَهُ يَتَبَادَلُ التَّهْنِئَةَ بِهَذِهِ الْأَعْيَادِ وَلَا يَدْرِي قُبْحَ مَا فَعَلَ، لَا يَدْرِي أَنَّهُ يُهَنّئُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ وَالْكُفْرِ بِهِ، فَمَا أَضْعَفَ اعْتِزَازَهُ بِالدِّينِ، وَمَا أَشَدَّ مَا تَعَرَّضَ لَهُ مِنْ سُخْطِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

 

أَلَمْ يَسْمَعْ مَا وَصَفَ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ: (وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ) [الفرقان: 72]

 جَاءَ تَفْسِيرُ الزُّورِ بِأَنَّهُ أَعْيَادُ الْمُشْرِكِينَ ، وَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ مَدَحَ تَرْكَ شُهُودِهَا الَّذِي هُوَ مُجَرَّدُ الْحُضُورِ وَالْمُشَاهَدَةِ، فَكَيْفَ بِالْمُشَارَكَةِ فِي الِاحْتِفَالِ؟

 

أَلَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْمُهَنَّئُ أَنَّ فِي تَهْنِئَتِهِ وَمُشَارَكَتِهِ تَشَبُّهًا بِهِمْ، وَالنَّبِيُّ ﷺ يَقُولُ :" مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ"

 

كَيْفَ يُشَارِكُهُمْ الْمُسْلِمُ فِي عِيدِهِمْ، أَوْ يُهَنِّئُهُمْ عَلَيْهِ، أَوْ يُتَابِعَ احْتِفَالَهُمْ مُحْتَفِيًا بِمَا هُمْ فِيهِ، وَهُمْ يَحْتَفِلُونَ بِمَسَبَّةِ اللَّهِ، وَيَزْعُمُونَ أَنَّ هَذَا يَوْمُ مِيلَادِ ابْنِ اللَّهِ - تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا - ؟!

 

وَيَا عَجَبًا؛ رَبٌّ يُحْتَفِلُ بِمَوْلِدِهِ! مَا أَصْدَقَ ابْنَ الْقَيِّمِ حِينَ قَالَ وَاصِفًاً النَّصَارَى: "أَضَلُّ مِنَ الْأَنْعَامِ، وَهُمْ عَارٌ عَلَى جَمِيعِ الْأَنَامِ".

 

ثُمَّ صَلَّوْا وَسَلَّمُوا عِبَادَ اللَّهِ عَلَى سَيِّدِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ، الَّذِي أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ تَكُونُوا أَعْزَّاءَ بهذا الدِّينِ، فَقَالَ (لَا تُشَبِّهُوا بِالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى) وَقَالَ (خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ) .

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتُ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتُ عَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ.

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.

اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمْ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.

 

اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا وَوَالِدَينَا عَذَابُ الْقَبْرِ وَالنَّارِ.

 

المرفقات

1639650743_ضلال النصارى - مشكولة.docx

1639650743_ضلال النصارى - مشكولة.pdf

المشاهدات 1237 | التعليقات 0