ضعف الطالب والمطلوب + سرُّ الخوف من الموت

سامي بن محمد العمر
1441/10/26 - 2020/06/18 04:24AM

ضعف الطالب والمطلوب + سرُّ الخوف من الموت

أما بعد:

ضعف الطالب والمطلوب..

جملة قرآنية جرت مثلاً على عجز العباد أمام قدرة علام الغيوب

ضعف الطالب والمطلوب.. فلا حيلة في بأس الله لناكب ولا منكوب

ضعف الطالب والمطلوب.. وعند بلاء الله يستوي الغالب والمغلوب

{قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)} [المؤمنون: 84 - 89]

 

وإنه لإعلان للناس جميعاً، في كل الآفاق، وعلى أوسع نطاق..

يُعلن فيه ضعفُ المخلوقات كلِّها عظيمها وحقيرها، كبيرها وصغيرها، غنيها وفقيرها، آلهةٍ وعُباد، متبوعين وتُبَّاع، كفرةٍ وفجرة، متكبرين وظلمة، أن القدرة لله وحده ..

{يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ} [الحج: 73]

فعجبا للعاجزين عن خلق ذباب أو استرجاع ما يسلبه الذباب، كيف عُبدوا من دون الله؟ وكيف خيف منهم أشد من الله؟

ذباب أذل الله به أنوف الجبابرة، ورقاب القياصرة، ضُرب مثلاً لضعف الطالب والمطلوب، فما أكثر من أعجبته قوته وعنفوانه وجبروته وجنده وجيوشه فأراد الله أن يعرفه من ضعفه ما كان مستوراً، ويريه من هوانه ما كان مطموراً.

ولا حدَّ لقدرة الله وبأسه {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} [البقرة: 26] أي في الكبر أو في الصغر.

فما الشأن إذا تناهي هذا المخلوق في الصغر حتى خفي عن الأنظار، ودق عن الأبصار، فأرعب الأمم، وأكثر الألم، وأضعف الهمم، وعطل الأعمال، وقطع الصلة والوصال، وأضر بالاقتصاد والأموال؟

وهم في دأب حثيث لاستجلاب دوائه، واكتشاف علاجه وقد ضعف الطالب والمطلوب.

فكيف لا يجهر العقلاء في أذهان أهل الأهواء، والجبروت والكبرياء، بقول الله المعجز الوجيز:

{ما قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ}

ما قدروا اللّه حق قدره، وهم يرون آثار قدرته، وبدائع مخلوقاته، ثم يخافون من غيره الأمرَ الحريز، ويرجون منهم التكريمَ والتعزيز!

ما قدَّر اللّه حق قدره، من تجرأ على أوامره بالتهوين والتعجيز، وعلى نواهيه بالتحليل والتجويز!

ما قدَّر الله "حق قدره من هان عليه أمره فعصاه، ونهيُه فارتكبه، وحقُه فضيعه، وذكرُه فأهمله، وغفل قلبه عنه، وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه، وطاعة المخلوق أهمَّ من طاعته، ...، يستخف بنظر الله إليه، واطلاعه عليه بكل قلبه وجوارحه، ويستحي من الناس ولا يستحي من الله، ويخشى الناس ولا يخشى الله، ويعامل الخلق بأفضل ما يقدر عليه، وإن عامل الله عامله بأهونِ ما عنده وأحقرِه، وإن قام في خدمة من يحبه من البشر قام بالجد والاجتهاد وبذل النصيحة، وقد أفرغ له قلبه وجوارحه، وقدمه على الكثير من مصالحه، حتى إذا قام في حق ربه ... قام قياما لا يرضاه مخلوق من مخلوق مثله، وبذل له من ماله ما يستحي أن يواجه به مخلوقا مثله، فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه؟"([1])

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 107]

{قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعًا بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [الفتح: 11]

 

بارك الله لي ولكم في القرآن..

 

الخطبة الثانية:

أما بعد:

فحين تطول مدد البلاء وآماد الوباء...  يدب اليأس، ويضعف التوكل، ويزداد القلق، وتكثر الشكاية، وتقل السكينة، وتُضيعُ الأذهان دروب الحكمة، وتَضلُّ طرق الاتعاظ والعبرة.

وعندها يُنمي الشيطان في النفوس الضعيفة نابتة الخوف الزائد من الموت، ويذكرها به في كل أحيانها حتى ينسيها التوكل على باريها، والالتجاء إلى خالق الحياة ومسديها.

فيا من تجاوز الخوف من الموت عنده حدّ الطبيعة، نحن لا نخاف من الموت على الحقيقة..

نحن نخاف من مصير جهلناه لسوء فعالنا، وعاقبة موحشة لقبيح أعمالنا.

نحن نخاف في الحقيقة ذنوبا اقترفناها، وجرائم ارتكبناها... غرنا فيها حلم الحليم، وكرم الكريم .. حتى إذا ما رفع عنا بعض حلمه، وأنقصنا بعض لطفه وكرمه .. زاغت أبصارنا إذ قرب القدوم على سيء أعمالنا؛ فما كان الخوف من الموت لأنه انقطاع عن الدنيا وإنما كان الخوف من الموت لأنه قدوم على الفضائح، وإعلان القبائح.

وعلاج الخوف من الموت سهل يسير، ودواؤه قريب غير عسير..

قال بعض السلف رحمه الله: " كل ما تكره الموت من أجله فاتركه، لا يضرك - بعد ذلك متى تموت"([2]).

وما أحسن ما قال أبو حازم وقد سئل: ما لنا نكره الموت؟ فقال: لأنكم أخربتم آخرتكُم وعمَرتُم دنياكم، فأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب"([3]).

اللهم احفظنا بحفظك واكلأنا بعنايتك...

([1]) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي  (ص: 142)

([2]) الآداب الشرعية والمنح المرعية (1/ 177) بتصرف يسير

([3]) صفة الصفوة (1/ 387)

المشاهدات 1547 | التعليقات 0