ضرورتنا لهداية الله
حسام بن عبدالعزيز الجبرين
27 / 7 / 1439هـ
ضرورتنا لهداية الله !
الحمد لله الكريم المجيب لكل سائل ، الخالق المحيط بالآخرين والأوائل ، نعوذ بنور وجهه الكريم من الفتن في حاضر أمرنا والآجل وأشهد ألا إله إلا الله هو الإله الحق، وكل ما خلا الله باطل وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الهادي البشير، والسراج المنير صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه عدد قطْر الندى و عدد ما في الأرض والسماء أما بعد : فأوصيكم ونفسي بتقوى الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }المائدة35
معشر الكرام : أعظم سورة في القرآن الكريم هي الفاتحة ، وهذه السورة نصفها الأول حمد وتمجيد وثناء ، ونصفها الباقي دعاء ! فلذا شُرع لنا بعد قراءتها قول ( آمين ) طلبا لاستجابة هذا الدعاء العظيم !
فهل نحن نستشعر هذا الدعاء أثناء قراءتنا وتأميننا ؟! أم نتلوها ونؤمّن وقلوبنا ساهية غافلة ؟! وهذا من الأمور التي تفقد الدعاء أثره وتحجب إجابته ! وهل نحن نستشعر منزلة الهداية ودوام حاجتنا لله للهداية ؟!
بل ضرورتنا لهداية الله لنا ! فتعالوا معشر الكرام نتأمل بعض النصوص التي تبين أهمية منزلة الهداية وضرورتنا إليها ! فالهداية مراتب ودرجات !
إخوة الإيمان : لقد كان طلب الهداية حاضر في أدعية النبي صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول : " اللهمَّ ! إني أسألُك الهدى والتقى ، والعفافَ والغنى " رواه مسلم .
أيه الأحبة : وإليكم حديثا تأملوا فيه التمجيد لله ثم الدعاء بعده ففي صحيح مسلم عن أبي سلمةَ بن عبدِ الرحمنِ بنِ عوفٍ قال سألتُ عائشةَ أمَّ المؤمنين : بأيِّ شيءٍ كان نبيُّ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يفتتحُ صلاتَه إذا قام من الليلِ ؟ قالت : كان إذا قام من الليلِ افتتح صلاتَه : " اللهمَّ ! ربَّ جبرائيلَ وميكائيلَ وإسرافيلَ . فاطرَ السماواتِ والأرضِ . عالمَ الغيبِ والشهادةِ . أنت تحكم بين عبادِك فيما كانوا فيه يختلفون . اهدِني لما اختُلفَ فيه من الحقِّ بإذنِك إنك تهدي من تشاءُ إلى صراطٍ مستقيمٍ "
عباد الرحمن : وتأملوا . هذا الدعاء في أعظم سور القرآن والذي شُرع في أعظم فريضة بعد التوحيد نؤمّن عليه كل ركعة، فالصلاة هداية وقراءة القرآن هداية ومع ذلك اختار الله لنا أن نسأل الهداية !
إننا لا نعلم جميع تفاصيل الصراط المستقيم ! فنحن نحتاج إلى أن نعلمها ، فما نجهله ويُشكل مما اختُلف فيه كثير !
ثم أن ما علمناه من تفاصيل الصراط المستقيم لا نستطيع فعله كله ! فنحتاج بعد أن نعلمه أن يُقدرنا الله ويهيئ لنا فعله !
ثم إن ما نعلمه ونستطيع فعله لا نوفق لتطبيقه والعمل به كله فقد نتركه كسلا فنحتاج أن يوفقنا الله لفعله ! وما علمناه وقدرنا على فعله ووفقنا للعمل به نحتاج إلى أن يكون عملنا به صوابا طيبا لله خالصا ، ثم إن ما علمناه وقدرنا عليه وعملنا به خالصا صوابا نحتاج إلى حفظه مما يبطله أو ينقص أجره ، { لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى }البقرة 264 {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ }محمد33 والعجب قد يحبط العمل والتألي على الله قد يحبط العمل ! كما نحتاج إلى الثبات على الحق !
فالهداية درجات كثيرة وكأن العبد كلما ترقى في العبودية أقترب من قمم أعلى !
قال شيخ الإسلام ابن تيمية " وإنما فرض عليه من الدعاء الراتب الذي يتكرر بتكرر الصلوات، بل الركعات فرضها ونفلها هو الدعاء الذي تتضمنه أم القرآن، وهو قوله تعالى: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ} [الفاتحة6، 7]؛ لأن كل عبد فهو مضطر دائما إلى مقصود هذا الدعاء، وهو هداية الصراط المستقيم " اهـ الفتاوى 22/399
أيه الأحبة : وقد مما يبين أهمية الهداية أن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد عليا إلى سؤالها ؛ فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال لي رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " قل : اللهمَّ ! اهدِني وسدِّدْني . واذكر ، بالهدى ، هدايتَك الطريقَ . والسَّدادَ ، سدادَ السَّهمِ " . أخرجه مسلم .
عباد الرحمن : وكان من أكثر أدعية النبي صلى الله عليه وسلم " يا مقلِّبَ القلوبِ ثبِّت قلبي علَى دينِكَ " كما في ثبت السنن ، واستعاذ عليه الصلاة والسلام من الحور بعد الكور ، وأخبرنا سبحانه عن دعاء الراسخين في العلم {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ }آل عمران8 فإذا كان هذا دعاء الراسخين في العلم فغيرهم أولى ! وانظروا إلى خليل الله إبراهيم عليه السلام كيف دعا الله أن يجنبه شركا أكبر ! {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ }إبراهيم35
فاللهم يا ذا الجلال والإكرام نسألك في هذه الساعة المباركة الهدى والتقى والعفاف والغنى ، يا ذا الجلال والإكرام {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ .صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ} ، واستغفروا الله إنه كان غفارا
الحمد لله القدير الهادي القريب الكافي وأشهد ألا إله إلا الله وحده السميع الشافي وأشهد أن محمدا عبده ورسوله شرح الله صدره ورفع ذكره وجعله للمؤمنين قدوة {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }الأحزاب21 صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا أما بعد عباد الرحمن : فإن الله هو الهادي وقد جعلها سبحانه للهداية طرقا توصل إليها :
منها : الدعاء والاعتصام بالله وقد مرت بنا عدة أدعية نبوية وفي الحديث القدسي " يا عبادي ! كلكم ضالٌّ إلا من هديتُه . فاستهدوني أَهْدِكم " ( أخرجه مسلم ) { وَمَن يَعْتَصِم بِاللّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }آل عمران101
ومن طرق الهداية الموصلة إليها : كلام الله عز وجل بتلاوته وتدبره واستماعه والعمل به {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ }البقرة2 { قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ .يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }المائدة15،16
ومن طرقها الموصلة المؤدية إليها :خشية الله و إقامة الصلوات في بيوت الله مع جماعة المسلمين وإيتاء الزكاة {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ }التوبة18 قال ابن مسعود رضي الله عنه : " من سرَّه أن يلقَى اللهَ غدًا مسلمًا فلْيحافظْ على هؤلاءِ الصلواتِ حيثُ يُنادَى بهنَّ . فإنَّ اللهَ شرع لنبيِّكم صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ سَننَ الهُدى وإنهن من سَننِ الهُدى ." ( رواه مسلم )
ومن طرقها الموصلة إليها : مجاهدة النفس على ما يرضي الله سبحانه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ }العنكبوت69 والمجاهدة تحتاج صبرا ومحاولة وتضحية أحيانا !
ومنها: تحقيق التوحيد بالله سبحانه {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ }الأنعام82
ومن أبواب الهداية : الاستجابة لله ورسوله فالحسنة تدعو أختها { فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }الأعراف158 وقال عز وجل {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ }محمد17
ومن طرق الهداية الموصلة إليها : الإنابة بالرجوع والانكسار لله سبحانه { اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ }الشورى13 وقال سبحانه {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ .الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ }الزمر17 ، 18
وختاما عباد الله : فإن في زماننا الذي احتوى كثيرا من الشبهات والشهوات تزداد ضرورتنا لهداية الله لنا والتماس أسبابها في الحديث : " بادروا بالأعمالِ فتنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ . يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا . أو يمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا . يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا" ( صحيح مسلم )
ثم صلوا وسلموا ...
المرفقات
لهداية-الله
لهداية-الله
لهداية-الله-1