ضاحك في اليوم المخيف
سامي بن محمد العمر
ضاحك في اليوم المخيف
إنه يشتاق للبِشر في يوم عظيمٍ أمره، كثيرٍ هوله.
إنه يشتاق للضحك في يومٍ رهيب مخيف مفزع مرعب.
إنه اليوم الذي فيه تنفطر السماء وتمور، وتنسف الجبال وتسير، وتدك الأرض وتزلزل، وتفجر البحار وتسجر، وتحشر الوحوش وتتناثر الكواكب وتنكدر النجوم وتدنو الشمس ويزداد العرق، وتشخص الأبصار وتذهل المرضع وتلد الحامل ويشيب المولود، وتجثو الأمم وتنصب الموازين وتتطاير الصحف، وتبلغ القلوب الحناجر {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48]
{أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (4) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (5) يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين: 4- 6]
وبعد هذا؛ أأحد يشتاق لهذا اليوم؟؟
والجواب: نعم
إنه كلُّ شخص في قبره (تعاد له روحه في جسده فيأتيه ملكان، فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول: ديني الإسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله، فآمنت به وصدقت، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة ". قال: " فيأتيه من روحها، وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: ربِّ أقم الساعة ربِّ أقم الساعة ....)([1]).
هذا هو المشتاق ليوم القيامة لأن له في ذلك اليوم مواضعَ فرح كثيرة، ولحظاتِ سعادة عديدة.
ولمَ لا يشتاق لهذا اليوم من وُعِد فيه بالأمن والاطمئنان، والسلامة والأمان، وتَلْقاه الملائكة بالبشر والسرور والكرامة والحبور، فهو آمن والناس خائفون، ومطمئن والناس قلقون {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [الأنبياء: 101- 103]
وقال تعالى {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ} [النمل: 89]
لم لا يشتاق لهذا اليوم من علم أنه يُنادى فيه {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ} [الزخرف: 68].
لم لا يشتاق لذلك اليوم من حقق الخوف منه في دنياه فاجتهد في الصالحات وقال مع الصالحين {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا (10) فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا (11) وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} [الإنسان: 10 - 12]
عباد الله:
إن وعد الله حقٌ، فمن خافه في الدنيا أمَّنه يوم القيامة، وأسعده وأكرمه، وأبهجه وأفرحه.
ألا يكون سعيداً من ينادى حين تدنو الشمس من الخلائق إلى ظل الله الذي لا ظل يومئذ إلا ظله؟
قل لي بربك: ما فرحة من يأخذ كتابه بيمينه وهو يقول {هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ (19) إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ (20) فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ (21) فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ (22) قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ (23) كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 19 - 24]
قل لي بربك: ما سعادة من يُناقش مناقشة يسيرة (أتعرف ذنب كذا؟ فيقول: نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك، قال: سترتها عليك في الدنيا، وأنا أغفرها لك اليوم)([2]).
قل لي بربك: أيُّ سعادة لظامئ يرد حوض النبي صلى الله عليه وسلم فيجده هناك، ليملأ عينيه من رؤية حبيبه، ويشرب من حوضه شربة لا يظمأ بعدها أبداً؟
اللهم لا تحرمنا مواضع السعادة في يوم البعث والنشور، وأكرمنا بالفرحة فيه والسرور
بارك الله لي ولكم ..
الخطبة الثانية
أما بعد:
ومن لحظات السعادة في أرض المحشر: ذلك النور الذي يسعى بين أيدي المؤمنين وبأيمانهم وهو يعبرون ظلام الصراط {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التحريم: 8]
ومنها: الزحام العظيم على أبواب الجنة الثمانية، ولك باب مصراعين، و(إنَّ مَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَيْهَا يَوْمٌ وَهُوَ كَظِيظٌ مِنَ الزِّحَامِ)([3]).
وأما ما بعد دخولهم فيها فشأن آخر من السعادة والحبور لا يحيط به كتْب بنان ولا وصف بيان.
وأخيراً إن شئت خلاصة الحالة التي سيكون عليها أولياء الله المتقون، وموجزَ الشأن الذي به سيشعرون؛ فاقرأ قوله تعالى {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (38) ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ} [عبس: 38، 39]
ها هي إذاً قمة السعادة يومئذٍ للضاحكين المستبشرين؛ الذين أحسنوا وأخلصوا وصبروا واجتهدوا وتابوا وأنابوا وخافوا وصلوا وصاموا وأنفقوا وتصدقوا وسارَعوا إلى مغفرة من ربهم وجنة
جعلنا الله منهم
([1]) مسند الإمام أحمد (18534) (30/499) وصححه محققو المسند.
([2]) البخاري (2441) ومسلم (2768).
([3]) رواه مسلم (2967).
المرفقات
1729801735_ضاحك في اليوم المخيف.docx
1729801735_ضاحك في اليوم المخيف.pdf