صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ اقتَداءً بالنَّبِيُّﷺ
محمد البدر
الْخُطْبَةُ الأُولَى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَاقَالَ:«قَدِمَ النَّبِيُّﷺالمَدِينَة،فَرَأَى الْيَهُودَ تصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، فَقَالَ:مَا هذَا قَالُوا:هذَا يَوْمٌ صَالِحٌ، هذَا يَوْمُ نَجَّى اللهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسى،قَالَ:فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.إِنَّ يَومَ عَاشُورَاءَ مُنَاسَبَةٌ لِلذِّكرِ وَالشُّكرِ وَالعِبَادَةِ،وَصِيَامُ عَاشُورَاءَ كَانَ معروفاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ،فَعَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِﷺصَامَهُ وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ،قَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺ«إِنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِنْ أَيَّامِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:أَنَّ النَّبِيَّﷺ:«بَعَثَ رَجُلاً يُنَادِي فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ:أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ أَوْ فَلْيَصُمْ،وَمَنْ لَمْ يأْكُلْ فَلاَ يَأْكُلْ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.وَقَالَﷺ:«صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وهذا من فضل الله أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة.قَالَتْ اللَّجْنَةُ الدَّائِمَةُ لِلْبُحُوثِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْإِفْتَاءِ:يَجُوزُ صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ يَوْمًا وَاحِدًا فَقَطْ،لكنَّ الأَفْضَلَ صِيَامُ يَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ يَوْمٍ بَعْدَهُ ،وهي السُّنَّةُ الثَابِتَةُ عَنْ النَّبِيُّﷺ.إلخ.وَقَالَ شَيْخُ الإِسْلاَم ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ:وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ.إلخ.
عِبَادَ اللَّهِ:وَيُسَتحب صِيَامُ اليَوْمِ التَّاسِعَ والعَاشِر مُخَالَفَةً للْيَهُودُ وَالنَّصَارَى،فَعَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ تَعُدُّهُ الْيَهُودُ عِيدًا قَالَ النَّبِيُّﷺ:«فَصُومُوهُ أَنْتُمْ»مُتّفَقٌ عَلَيْهِ.وَعَنْ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ:«حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِﷺيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِﷺفَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِع قَالَ:فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِﷺ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَﷺ:«لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ.وَقَالَ ابْنِ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللهُ:وَقَدْ دَلَّ الْكِتَابُ،وَجَاءَتْ سُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِﷺوَسُنَّةُ خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَيْهَا بِمُخَالَفَتِهِمْ وَتَرْكِ التَّشَبُّهِ بِهِمْ.إلخ.وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ-رَحِمَهُ اللهُ:فَصَارَتْ طَائِفَة جَاهِلَةٌ ظَالِمَةٌ:إمَّا مُلْحِدَةً مُنَافِقَةً وَإِمَّا ضَالَّةً غَاوِيَةً تُظْهِرُ مُوَالَاتَهُ وَمُوَالَاةَ أَهْلِ بَيْتِهِ تَتَّخِذُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ وَتُظْهِرُ فِيهِ شِعَارَ الْجَاهِلِيَّةِ مَنْ لَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ وَالتَّعَزِّي بِعَزَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ ،وَاَلَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ وَرَسُولُهُ فِي الْمُصِيبَةِ-إذَا كَانَتْ جَدِيدَةً-إنَّمَا هُوَ الصَّبْرُ وَالِاحْتِسَابُ وَالِاسْتِرْجَاعُ.اهـ. فَاقتَدُوا بِنَبِيِّكُم وَصُومُوا عَاشُورَاءَ ،وَخَالِفُوا اليَهُودَ بِصِيَامِ التَّاسِعِ ،أَو الحَادِيَ عَشَرَ ،أَو بِصِيَامِهِمَا كِلَيهِمَا مَعَ عَاشُورَاءَ، وَاحذَرُوا مِنْ التَّشَبُّهِ بالرَّوافِضِ الذين يَتَّخِذُن يَوْمَ عَاشُورَاءَ يَوْمَ مَأْتَمٍ وَحُزْنٍ وَنِيَاحَةٍ وَ لَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الْجُيُوبِ فهم يعذبون أنفسهم في الدينا بأيديهم جزاء سبهم للصحابة وقذفهم أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الصِّدِّيقَةَ بِنتَ الصِّدِّيقَ زَوْجَ النَّبِيُّﷺالْمُبَرَّأَةُ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ حَبِيبَةُ حَبِيبِ اللَّهِ النَّبِيُّﷺ.أَقُولُ قَوْلِي هَذَا...
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍﷺوَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
عِبَادَ اللَّهِ:وَمِنَ أخطَاء يَوْمَ الْجُمُعَةِ مُتَابَعَةَ الْمُؤَذِّنِ أَثْنَاءَ سَمَاعِ الأَذَانِ:فَالبَعْضُ فِي يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالْمُؤَذِّنُ يُؤَذِّنُ،يَقِفُ يَنْتَظِرُ وَيُتَابِعُ الْآذَانَ ، حَتَّى إِذَا انْتَهَى الْمُؤَذِّنُ شَرَعَ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، وَهَذَا خَطَأٌ ، وَالصَّوَابُ هُوَ أَنْ يَبْدَأَ بِتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِيَتَفَرَّغَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ،لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْمُؤَذِّنِ سُنَّةٌ، وَاسْتِمَاعَ الْخُطْبَةِ وَاجِبٌ،وَالْوَاجِبُ مُقَدَّمٌ عَلَى السَّنَةِ.قَالَﷺ:«إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ؛فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ،وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا»رَوَاهُ مُسْلِمٌ. قَالَ الشَّوْكَانِيّ-رَحِمَهُ اللهُ:(وَلْيَتَجَوَّزْ فِيهِمَا)فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ التَّخْفِيفِ لِتِلْكَ الصَّلَاةِ لِيَتَفَرَّغَ لِسَمَاعِ الْخُطْبَةِ.إلخ
عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.
المرفقات
1720669612_صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ اقتَداءً بالنَّبِيُّﷺ.pdf
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق