صيامُ الستِّ مختصر مفيد 1442/10/2هـ
يوسف العوض
1442/09/30 - 2021/05/12 11:27AM
الخطبة الأولى :
أَيٌّهَا الْمُسْلِمُونَ :جاءَ عن أبي هريرةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: إِنَّ اللَّه تَعَالَى قَالَ: " منْ عادى لي وَلِيّاً فقدْ آذنتهُ بالْحرْب وَمَا تقرَّبَ إِلَيَ عبْدِي بِشْيءٍ أَحبَّ إِلَيَ مِمَّا افْتَرَضْت عليْهِ: وَمَا يَزالُ عَبْدِي يتقرَّبُ إِلى بالنَّوافِل حَتَّى أُحِبَّه، فَإِذا أَحبَبْتُه كُنْتُ سمعهُ الَّذي يسْمعُ بِهِ، وبَصره الَّذِي يُبصِرُ بِهِ، ويدَهُ الَّتي يَبْطِش بِهَا، ورِجلَهُ الَّتِي يمْشِي بِهَا، وَإِنْ سأَلنِي أَعْطيْتَه، ولَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَّنه " رواه البُخاريُّ فمَحَبَّةُ اللَّهِ تُستجلبُ بِالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ بِالنَّوَافِلِ بَعْدَ الْفَرَائِضِ ، ونحنُ وَدَّعنَا بِالْأَمْس شَهْرَ الصِّيَامِ وَالْقِيَامِ ، وَالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعِتْقِ مِنْ النِّيرَانِ ، وَمِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ أنَّ أَبْوَابَ الْخَيْرِ وَالطَّاعَاتِ مَفْتُوحَةٌ لِعِبَادِهِ فِي كُلِّ حِينٍ ، فَلَا يَنْقَضِي مَوْسِمٌ حَتَّى يَعْقُبَه مَوْسِمٌ آخَرَ ، وَصِيَامُ سِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ رَمَضَانَ مِنْ مَوَاسِمِ الْخَيْرِ الْعَظِيمَةِ تِلْكَ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : يُسْتَحَبُّ صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ رَمَضَانَ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أدلةٌ عَدِيدَةٌ ، مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ صِيَامُ رَمَضَانَ وَاتْبَاعُه بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ يَعْدِلُ صِيَامَ الدَّهْرِ ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مفسراً بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله فِي "لطائف الْمَعَارِف" : وفي مُعَاوَدَةِ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ :
مِنْهَا : أَنَّ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ رَمَضَانَ يُسْتَكْمَلُ بِهَا أَجْرُ صِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ كَمَا سَبَقَ .
وَمِنْهَا : أَنَّ صِيَامَ شَوَّالٍ وَشَعْبَانَ كَصَلَاةِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَبَعْدَهَا فَيُكْمِّلُ بِذَلِكَ مَا حَصَلَ فِي الْفَرْضِ مِنْ خَلَلٍ .
وَمِنْهَا : أَنَّ مُعَاوَدَةَ الصِّيَامِ بَعْدَ صِيَامِ رَمَضَانَ عَلَامَةٌ عَلَى قَبُولِ صَوْمِ رَمَضَانَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إذَا تَقَبَّلَ عَمَلَ عَبْدٍ وَفَّقَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ بَعْدَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : ثَوَابُ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةُ بَعْدَهَا ، فَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا بَعْدُ بِحَسَنَةٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةٌ عَلَى قَبُولِ الْحَسَنَةِ الْأُولَى ، كَمَا أَنَّ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِسَيِّئَةٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةُ رَدِّ الْحَسَنَةِ وَعَدَمِ قَبُولِهَا .
وَمِنْهَا : أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الذُّنُوبِ ، وَأنَّ الصَّائِمِينَ لِرَمَضَانَ يُوفُّونَ أُجُورَهُمْ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْجَوَائِزِ ، فَيَكُون مُعَاوَدَةُ الصِّيَامِ بَعْدَ الْفِطْرِ شكرًا لِهَذِهِ النِّعْمَةِ ، فَلَا نِعْمَةَ أَعْظَمَ مِنْ مَغْفِرَة الذُّنُوبِ ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ حَتَّى تتورم قَدَمَاه فَيُقَالُ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَيَقُول : "أفلا أَكُونُ عَبْدًا شكورا" فَمِنْ جُمْلَةِ شُكْرِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ عَلَى تَوْفيقُه لصِيامِ رَمَضَانَ ، وَإِعَانَتُه عَلَيْه وَمَغْفَرُةُ ذُنُوبِهِ أَنْ يَصُومَ لَهُ شُكْرًا عَقِبَ ذَلِكَ ، كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إذَا وُفِّقَ لِقِيَامِ لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي أَصْبَحَ فِي نَهَارِهِ صَائِمًا وَيَجْعَل صِيَامَه شُكْرًا لِلتَّوْفِيق لِلْقِيَام ، وَكَان وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ يَسْأَلُ عَنْ ثَوَابِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ ؟ فَيَقُول : لَا تَسْأَلُوا عَنْ ثَوَابِهِ وَلَكِن اسألوا مَا الَّذِي عَلَى مَنْ وُفِّقَ لِهَذَا الْعَمَلِ مِنْ الشُّكْرِ لِلتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ .
وَمِنْهَا : أَنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانَ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا تَنْقَطِعُ بِانْقِضَاءِ رَمَضَانَ ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ انْقِضَائِهِ مَا دَامَ الْعَبْدُ حَيًّا ، فَالْعَائِدُ إلَى الصِّيَامِ بَعْدَ فِطْرِهِ يَوْمَ الْفِطْرِ يَدُلُّ عَوْدُهُ عَلَى رَغْبَتِهِ فِي الصِّيَامِ وَأَنَّهُ لَمْ يَمَلُّه وَلَم يَسْتَثْقِلُه وَلَا تّكَّرَه به" (باختصار) .
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي "المنارِ المنيفِ" : وَفِي كَوْنِهَا (مِنْ شَوَالَ) سِرٌّ لَطِيفٌ ، وَهُوَ أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْجُبْرَانِ لِرَمَضَانَ ، وَتَقْضِي مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الصَّوْمِ ، فَتَجْرِي مَجْرَى سُنَّةِ الصَّلاةِ بَعْدَهَا وَمَجْرَى سَجْدَتَيِّ السَّهْوِ وَلِهَذَا قَالَ : (وَأَتْبَعَهُ) أَيْ : أَلْحَقَهَا بِهِ) .
الخطبة الثانية :
ثانياً: يَجُوزُ البدءُ بِصِيَامِ السِّتِّ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ ؛ لِأَنَّ عِيدَ الْفِطْرِ الشَّرْعِيِّ يَوْمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ .
ثالثاً: يَجُوز صِيَامُ هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتِّ مُتَتَابِعَةً ، أَوْ مُتَفَرِّقَةً ، دُونَ كَرَاهَةٍ .
رابعاً: يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِصِيَامِ السِّتِّ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمِ السَّبْتِ ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ لَا يَقْصَدُ تَخْصِيصَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَام .
خامساً: الافضلُ والاحوطُ صِيَامُ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ بعدَ قَضَاءِ مَا أَفْطَرَهُ الشَّخْصُ مِنْ رَمَضَانَ بِسَبَبِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
سادساً: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ صِيَامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْبِيضِ (13-14-15) ، أَوْ صِيَامِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ، ولَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالسِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ أَيِّ تَطَوَّعٍ آخَرَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ . سابعاً: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالسِّتّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ أَيُّ تَطَوَّع آخَر بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : يُسْتَحَبُّ صِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ رَمَضَانَ ، وَقَدْ وَرَدَ فِي ذَلِكَ أدلةٌ عَدِيدَةٌ ، مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ ، كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا كَانَ صِيَامُ رَمَضَانَ وَاتْبَاعُه بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ يَعْدِلُ صِيَامَ الدَّهْرِ ؛ لِأَنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَقَدْ جَاءَ ذَلِكَ مفسراً بِحَدِيثِ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَقَدْ أَخْرَجَ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : (مَنْ صَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ كَانَ تَمَامَ السَّنَةِ ، مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا) .
وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ فَشَهْرٌ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ ، وَصِيَامُ سِتَّةِ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ فَذَلِكَ تَمَامُ صِيَامِ السَّنَةِ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله فِي "لطائف الْمَعَارِف" : وفي مُعَاوَدَةِ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ فَوَائِدُ عَدِيدَةٌ :
مِنْهَا : أَنَّ صِيَامَ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ بَعْدَ رَمَضَانَ يُسْتَكْمَلُ بِهَا أَجْرُ صِيَامِ الدَّهْرِ كُلِّهِ كَمَا سَبَقَ .
وَمِنْهَا : أَنَّ صِيَامَ شَوَّالٍ وَشَعْبَانَ كَصَلَاةِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الصَّلَاةِ الْمَفْرُوضَةِ وَبَعْدَهَا فَيُكْمِّلُ بِذَلِكَ مَا حَصَلَ فِي الْفَرْضِ مِنْ خَلَلٍ .
وَمِنْهَا : أَنَّ مُعَاوَدَةَ الصِّيَامِ بَعْدَ صِيَامِ رَمَضَانَ عَلَامَةٌ عَلَى قَبُولِ صَوْمِ رَمَضَانَ ؛ فَإِنَّ اللَّهَ إذَا تَقَبَّلَ عَمَلَ عَبْدٍ وَفَّقَهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ بَعْدَهُ كَمَا قَالَ بَعْضُهُمْ : ثَوَابُ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةُ بَعْدَهَا ، فَمَنْ عَمِلَ حَسَنَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا بَعْدُ بِحَسَنَةٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةٌ عَلَى قَبُولِ الْحَسَنَةِ الْأُولَى ، كَمَا أَنَّ مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِسَيِّئَةٍ كَانَ ذَلِكَ عَلَامَةُ رَدِّ الْحَسَنَةِ وَعَدَمِ قَبُولِهَا .
وَمِنْهَا : أَنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ يُوجِبُ مَغْفِرَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الذُّنُوبِ ، وَأنَّ الصَّائِمِينَ لِرَمَضَانَ يُوفُّونَ أُجُورَهُمْ فِي يَوْمِ الْفِطْرِ وَهُوَ يَوْمُ الْجَوَائِزِ ، فَيَكُون مُعَاوَدَةُ الصِّيَامِ بَعْدَ الْفِطْرِ شكرًا لِهَذِهِ النِّعْمَةِ ، فَلَا نِعْمَةَ أَعْظَمَ مِنْ مَغْفِرَة الذُّنُوبِ ، كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ حَتَّى تتورم قَدَمَاه فَيُقَالُ لَهُ : أَتَفْعَلُ هَذَا وَقَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَك مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَيَقُول : "أفلا أَكُونُ عَبْدًا شكورا" فَمِنْ جُمْلَةِ شُكْرِ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ عَلَى تَوْفيقُه لصِيامِ رَمَضَانَ ، وَإِعَانَتُه عَلَيْه وَمَغْفَرُةُ ذُنُوبِهِ أَنْ يَصُومَ لَهُ شُكْرًا عَقِبَ ذَلِكَ ، كَانَ بَعْضُ السَّلَفِ إذَا وُفِّقَ لِقِيَامِ لَيْلَةٍ مِنْ اللَّيَالِي أَصْبَحَ فِي نَهَارِهِ صَائِمًا وَيَجْعَل صِيَامَه شُكْرًا لِلتَّوْفِيق لِلْقِيَام ، وَكَان وَهْبُ بْنُ الْوَرْدِ يَسْأَلُ عَنْ ثَوَابِ شَيْءٍ مِنْ الْأَعْمَالِ كَالطَّوَافِ وَنَحْوِهِ ؟ فَيَقُول : لَا تَسْأَلُوا عَنْ ثَوَابِهِ وَلَكِن اسألوا مَا الَّذِي عَلَى مَنْ وُفِّقَ لِهَذَا الْعَمَلِ مِنْ الشُّكْرِ لِلتَّوْفِيقِ وَالْإِعَانَةِ عَلَيْهِ .
وَمِنْهَا : أَنَّ الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانَ الْعَبْدُ يَتَقَرَّبُ بِهَا إلَى رَبِّهِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ لَا تَنْقَطِعُ بِانْقِضَاءِ رَمَضَانَ ، بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ بَعْدَ انْقِضَائِهِ مَا دَامَ الْعَبْدُ حَيًّا ، فَالْعَائِدُ إلَى الصِّيَامِ بَعْدَ فِطْرِهِ يَوْمَ الْفِطْرِ يَدُلُّ عَوْدُهُ عَلَى رَغْبَتِهِ فِي الصِّيَامِ وَأَنَّهُ لَمْ يَمَلُّه وَلَم يَسْتَثْقِلُه وَلَا تّكَّرَه به" (باختصار) .
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله فِي "المنارِ المنيفِ" : وَفِي كَوْنِهَا (مِنْ شَوَالَ) سِرٌّ لَطِيفٌ ، وَهُوَ أَنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْجُبْرَانِ لِرَمَضَانَ ، وَتَقْضِي مَا وَقَعَ فِيهِ مِنَ التَّقْصِيرِ فِي الصَّوْمِ ، فَتَجْرِي مَجْرَى سُنَّةِ الصَّلاةِ بَعْدَهَا وَمَجْرَى سَجْدَتَيِّ السَّهْوِ وَلِهَذَا قَالَ : (وَأَتْبَعَهُ) أَيْ : أَلْحَقَهَا بِهِ) .
الخطبة الثانية :
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : مِنْ المَسَائِلِ المُتَعَلِّقَةِ بِصِيَامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ ما يلي : أولاً: يَحْرُمُ صَوْمُ يَوْمِ الْعِيدِ (الأول مِن شوال) ، فعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ ، قَالَ : شَهِدْتُ الْعِيدَ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ ، فَقَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (نَهَى عَنْ صِيَامِ هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ ، يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ الْأَضْحَى ، أَمَّا يَوْمُ الْفِطْرِ ، فَيَوْمُ فِطْرِكُمْ مِنْ صِيَامِكُمْ ، وَيَوْمُ الْأَضْحَى تَأْكُلُونَ فِيهِ مِنْ لَحْمِ نُسُكِكُمْ) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد ، وَأَحْمَد .
ثانياً: يَجُوزُ البدءُ بِصِيَامِ السِّتِّ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي مِنْ شَوَّالٍ ؛ لِأَنَّ عِيدَ الْفِطْرِ الشَّرْعِيِّ يَوْمٌ وَاحِدٌ فَقَطْ .
ثالثاً: يَجُوز صِيَامُ هَذِهِ الْأَيَّامِ السِّتِّ مُتَتَابِعَةً ، أَوْ مُتَفَرِّقَةً ، دُونَ كَرَاهَةٍ .
رابعاً: يَجُوزُ أَنْ يَبْدَأَ بِصِيَامِ السِّتِّ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمِ السَّبْتِ ، وَلَا كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ لَا يَقْصَدُ تَخْصِيصَ يَوْمِ الْجُمُعَةِ أَوْ يَوْمَ السَّبْتِ بِصِيَام .
خامساً: الافضلُ والاحوطُ صِيَامُ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ بعدَ قَضَاءِ مَا أَفْطَرَهُ الشَّخْصُ مِنْ رَمَضَانَ بِسَبَبِ السَّفَرِ أَوْ الْمَرَضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ .
سادساً: يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ صِيَامِ السِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ وَصِيَامِ الْأَيَّامِ الْبِيضِ (13-14-15) ، أَوْ صِيَامِ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ ، ولَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالسِّتِّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ أَيِّ تَطَوَّعٍ آخَرَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ . سابعاً: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ بَيْنَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَالسِّتّ مِنْ شَوَّالٍ أَوْ أَيُّ تَطَوَّع آخَر بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ .
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق