صور من التخبيب الماضي والمعاصر

عبد لله
1438/05/05 - 2017/02/02 19:18PM
الحمد لله؛ شرح قلوب من شاء من عباده بالإسلام، وألف بينهم بالإيمان؛ فأصبحوا بنعمة الله إخوانا، أحمده وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ امتن على رسوله ‘ بإزالة الشحناء من قلوب أصحابه، وملأها محبة ومودة ووئاما؛ {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ نهى عن الإفساد بين الناس، وكان للمتقين إماما، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أَمَّا بَعْدُ: أيها الناس: اتقوا الله وامتثلوا أمر ربكم {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ}، وكونوا لبعضكم أولياء وإخوة كما يحب ربكم {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ف ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) بهذا أخبر نبيكم ‘ وشبّك بين أصابعه.
أيها المسلمون: إن الأخوّةَ التي هي أعظمُ من أخوةِ النسبِ: الأخوةُ بين المسلمين وإن تباعدت أقطارهم ونأت ديارهم، أخوةٌ توجبُ التناصحَ والتناصرَ والتواصيَ بالحق والصبرِ عليه، أخوةٌ تمنع المسلم أنْ يغُش أخاه المسلم أو يخدعه أو يخذله أو يؤذيه بأي أذى في دمه وماله وعرضه، فقد قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً}. إن اللهَ سبحانه قد رسم لهذه الأخوةِ طريقاً تسير عليه، يُثبتُ قواعدَها وينمِّي ثمراتِها، ويدفعُ كلَّ ما يتنافى معها أو يقف في طريقها.
فأمر سبحانه بالتثبت حينما ينقل إلينا خبر سيّئ عن فرد أو جماعة من المسلمين، فلا نتعجل بقبوله حتى نعلم مدى صحته. بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} ونهى المسلمَ أنْ يسخرَ أو يحطَّ من قدر أخيهِ المسلم، وقدر المسلم عند الله عظيم، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ}.
ونهى الله سبحانه عن تلمسِ العيوبِ للمسلم وإعلانها على الناس. ونهى سبحانه عن تعيير المسلم بلقب يكرهه؛ لأن ذلك مما يسيء إليه ويورث العداوة، وربما يسبب الرد بالمثل، فيكون الإنسان قد جنى على أخيه وجنى على نفسه، قال تعالى: {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ} واعتبر ذلك فسوقاً وظلماً ممن لم يتب منه فقال: {بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
ثم نهى سبحانه عن سوء الظن بالمسلم ما لم يتبين منه ما يوجب ذلك. فإن الأصل في المسلم العدالةُ والخيرية. وسوءُ الظنِّ به يسبب الابتعاد عنه، وعداوته وبغضه، وهذا يتنافى مع الأخوة الإيمانية، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}.
ونهى -سبحانه- البحث عن عورات المسلم وتطلب عثراته التي قد سترها الله عليه؛ لأن في البحث عن عورات المسلم وتطلب عثراته التي قد سترها الله عليه إشاعةً للمنكر، وتشويهًا للمجتمع المسلم، وزعزعة للثقة بين المسلمين فقال تعالى: {وَلا تَجَسَّسُوا}.
كما نهى سبحانه عن الغيبة؛ لأن فيه انتهاكاً لحرمته، وتدنيساً لعرضه، وخيانة له في غيبته {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} فكيف يكره أكل لحمه ميتاً، ويأكل لحمه حياً.
عباد الله: كيف إذا اجتمعت تلك الصفات السيئة التي ذكرها الله وحذر منها، إذا اجتمع سوء الظن والسخرية والحط من أقدار الآخرين والهمز واللمز والغيبة والنميمة؟ إذا اجتمعت في امرئ أصبح شيطانا يمشي على الأرض. ثم قلَّ من كانت هذه خصاله إلا وله من الشر والإفساد نصيب, فتراه لا يهنأ بعيش إلا أن ينغص حياةَ غيره، ويحملُه غلُّه على إفساد غيره، وتفكيك الروابط بين المسلمين بعد أن كانت معقودة بعقد وميثاق، ذلكم عباد الله هو التخبيب: الذي هو الإفساد بمكر وخديعة للإيقاع بين طرفين متفقين.
فمن التخبيب ما يكون تحريشا ظاهرا مباشرا؛ بأن يذكر علل من يريد إسقاطه تصريحا وتحريضا وسبا، وهذا الأسلوب غالبا ما يستخدمه العدو الظاهر في العداوة، والذي لا يستخفي في عداوته، ويسعى جهده في إلحاق الضرر بمن يريد إساءته.
ومن أخطر الأساليب إلباس التخبيب ثوبَ النصيحة، وتظاهُرِ المخبِّبِ الشفقة على من يريد تخبيبه، وهو باب يتسلل منه إلى قلب من يريده، فالمفسد في هذه الحال لا يصرح بالتحريش، ولكن يلبس ثوب الناصح المشفق المتعاطف مع الضحية؛ بأن يقول له: أنت تستحق أكثر من هذا ومقامك أرفع، ولو كنت عندي لأعطيتك وأكرمتك، ويحتقر ما يقدَّم للضحية من خير، فيبدأ قلب المخبَّبِ وهو الضحية بالغليان، ثم الغيظ على صاحبه أو زوجه أو كفيله أو رئيسه، فينقلب عليه بغضا وذما، بعدما كان يُكْبره ويعظمه ويكنُّ له الاحترام والتقدير, وهكذا ينجح شيطان الإنس في فك العلاقة بين الطرفين وزعزعتها، وإزالة خيوط الترابط والمحبة وسلامة الصدر، وتنتهي مهمته بعد ذلك إذ شحن قلب ضحيته ووسوس له، وقام بدور الشيطان من الجن، وبما يحبه إبليس الرجيم من عمل، فمن أجل الأعمال عند إبليس ذلكم الإفساد وخصوصا بين الزوجين، فقد ثبت في صحيح مسلم عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ)) قَالَ الْأَعْمَشُ: أُرَاهُ قَالَ: «فَيَلْتَزِمُهُ».
فمن أعظم صور التخبيب: التخبيب بين الزوجين وإفساد ما بينهما لأي غرض كان، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا، أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ» أبو داود، وفي رواية لأحمد: ((وَمَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا)).
وصور التخبيب بين الزوجين كثيرة منها: أن يُوقعَ أحدٌ عداوةَ زوجِ امرأةٍ في قلبها، بأن يَذكرَ مساوئَه عندها، وهي تستحق أكثر من واقعها الذي تعيشه، ويَحملَها على أن تنفر منه وتُؤذيَه، وتطلبَ الطلاقَ منه، أو يقوم رجل أو امرأة بذكر مساوئ الزوجة عند زوجها وتحقيرها في عينه، سواء بشكلها وهيئتها أو خدمتها له وعشرتها معه، ثم إما أن يحمله ذلك على سوء عشرتها، أو طلاقها، أو الزواج عليها وتعليقها.
وقد يهدف المخببُ بين الزوجين إلى الإفساد بين الزوجين لأجل الزواج، فيطلق الزوجة من زوجها ليتزوجها، أو تطلق الرجل من زوجته لتتزوجه، وكل ذلك من الإثم العظيم.
وإذا كان الإسلام يحرم الخِطبة على خِبطة المسلم؛ فإذا خطب امرأة فلا يجوز آخر أن يخطِب تلك المرأة حتى يتركها الخاطب الأول أو يُردُّ خشية الإفساد، فكيف بمن يأخذ زوجا من زوجه؟
ومن صور التخبيب: تخبيب القنوات الفضائيّةِ والمجلاّتِ التي تعرِض صوَرَ النساءِ والرّجالِ في أكمَلِ زينةٍ، فأصبحَت المواصَفاتُ للزّواج فضائيّة، فلا تُرضِي الرجلَ امرأةٌ، وكذلك يقال للمرأةِ التي تَبني أحلامًا ورديّة للحياةِ على ضوءِ ما تربّت عليه من أفلامٍ ومسلسَلات، ثم تُصدَم بواقعِ الحياة جاهلةً أنَّ ما تربّت عليه أو تربَّى عليه الزوجُ ما هو إلاَّ مجرَّد تمثيليّات وصوَرٍ وخيالات وعُصارة أفكارِ فاسقة.
إنَّ الأفلامَ والمسلسَلاتِ وما تبثُّه القنواتُ من حِواراتٍ لم يقتصِر شرُّها على إثارةِ الشَّهوات، بل أفسدَت أخلاقَ الناس وتعاملاتِهم في بيوتهم، وقرَّرت في نفوسِ مشاهديها مبادئَ خاطئةً عن الحياةِ الزوجيّة والتعاملِ الأسريّ، وقلبَت المفاهيمَ، وحسَّنت المنكرَ، وقبَّحت المعروفَ، وفتحَت على البيوتِ أنواعًا من المشكِلات لم تكن موجودةً من قبل. إنَّ ما تقومُ به هذه الوسائلُ الإعلاميّة هو منَ التخبيب الذي حرَّمه النبيّ ‘ وهو إفساد المرأة على زوجِها وإثارتها عليه.
ومنَ التخبيبِ ومن إفسادِ البيوت مناداةُ المغرضين بخروجِ المرأةِ عن ولايةِ الرجل، وإقناعُها بأنها مهضومةَ الحقوق مسلوبةَ الحرية.
ومن صور التخبيب الحديثة: تخبيب برامج التواصل الاجتماعي، وخاصة تلك البرامج التي تنقل اليوميات، فترى الواحدة منهن تعرض أكلها وشربها ومسكنها وسفراتها وهداياها مما يوغر صدور الزوجات على أزواجهن فيطالبن بما يعجز عنه الزوج من النفقة الباهظة لأجل مماثلة تلك ومجاراة أخرى، فيقع بين الزوجين خصومة وجدال قد تؤدي إلى الطلاق أو النفرة، ولو أن كل امرأة ورجل احتفظ بخاصة أمره ولم ينشره لتوقفت مظاهر المفاخرة والتقليد الذي سبب ديونا ومشاكل أسرية، وعدم رضا بما قسم الله، وحسدا لمن أنعم الله عليهم.
عباد الله: ومن صور التخبيب: التخبيب بين العامل وكفيله، بإفساده عليه، وجعلته يتمرد على كفيله ويعامله معاملة سيئة، ويقع هذا في الناس في مجال العمال والخدم؛ لأجل انتقال المكفول لديه وإغرائه حتى يحصل له ما يريد، والنبي ‘ يقول: ((مَنْ خَبَّبَ خَادِمًا عَلَى أَهْلِهَا فَلَيْسَ مِنَّا)) أحمد.
ودين الإسلام يحرم المضارة بالمسلم والتعدي على حقوقه؛ ففي مجال بيعه وشرائه حرم النَّجَشَ عليه، وحرم البيع على بيعه؛ فكيف بمن يأخذ حقا من بين يديه؟
ومن صور التخبيب: التخبيب في العمل بين الموظف ورئيسه، بسحب الموظف الكفء من شركة أو مؤسسة كان صاحبها يعتمد عليه، فيعمَد ذلك المخبب إلى إغراء الموظف وذكر الامتيازات له إن انتقل إليه، دون اتفاق بين صاحبه، فينتُجُ من ذلك خسارة وخلل في الشركة والعمل.
ومن صور التخبيب: التخبيب بين الحاكم والمحكوم، وتخبيبُ الشعوبِ على حكوماتها من أخطر أنواع الإفساد؛ ذلك لأن ضرره أعم، وشره أطم، وكم أغريت شعوب بالخروج على ولاتها ووعدت بالديموقراطية والحرية والعيش الكريم فما أنتج ذلك إلا فسادا وقتلا وشظفا في العيش، والله المستعان، وصور هذا النوع من التخبيب متنوعة؛ منها ما يظهر التعاطف مع حاجة الناس، أو نصرة مظلومهم، أو الدفاع عن حقوقهم، وغالب أولئك من الأعداء والطامعين والمتربصين، وإن لامسوا المشاعر أو عملوا على العواطف فهم شر وكيد، يقع في حبائلهم أناس من ضعاف القلوب ومن لا يدرك ما وراء الأمور فيتابع حساباتهم ومقاطعهم ويتردد على مواقعهم الشبكية.
تلك صور من التخبيب منتشرة وقد يحمل الزمن ألوانا أخرى، مما يستجد نسأل الله أن يكفينا الشرور.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بكتابه وبسنة سيد المرسلين، أقول قولي هذا.




الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحمد لله الذي جعل المؤمنين إخوة. وشرع بموجب هذه الأخوة لبعضهم على بعض حقوقاً واجبة ومستحبة. أحمده على نعمه التي لا تعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الإخوة الأحبة، وسلم تسليماً كثيراً.
أَمَّا بَعْدُ: عباد الله: اتقوا الله, فإن تقوى الله خير زاد, وأفضل وسيلة إلى إرضاء رب العباد {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: نداء إلى المخبِّبِ: اعلم أي شر أصبت به، وأي دور تقوم به، إنه دور الشيطانِ ومُغْضِبُ الرحمن، وكفاك به سوءا ومغبة، إنه «لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ» البخاري ومسلم، وإن رسول الله ‘ قد تبرأ ممن هذا عمله، فإياك أن تغلبك شهوة نفسكَ وهوى قلبِكَ وغيرةً تجدها في جوانحك، فتطفئَ نارَ قلبِك بإشعالِ قلوبِ الناس على بعضهم، فتفرقَ بين المرء وزوجه، والأخ وأخيه، وتسعى جهدك في الفتنة، ألا فلتنتبه ولتحذر، وليتوقف لسانك وقلمك وأصابع يدك عما تقوم به، وسل ربك العفو، وأصلح ما أفسدت فهو والله خير لك.
وأنت أيها الزوج: احذر قبول من يريد التخبيب بينك وبين زوجك، ولو كان من يثير ذلك أُمًّا أو أبًا أو أخًا أو أختًا أو قريبًا أو فتاة مخادعة، ولتحذر الزوجة ممن يريد الإفساد بينها وبين زوجها ولو كانت أمها أو اختها أو خالتها أو عمتها أو صديقتها أو شابا معاكسًا مبتزا، وإذا أردت أن تفرق بين الناصح والمفسد، فعلامة المصلح محبةُ الألفةِ والحرصُ على الاجتماعِ والترابُط، وعلامةُ المفسدِ التخريبُ وإفسادُ العلاقة والانفرادُ بمن يحبه وإسقاطُ الآخرين من عينه.
وإذا سمعت مزيداً من ذلك فتحل بصفات الأولياء الأصفياء {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}.
وأنت أيها المكفول: احذر أن يقع أحد بينك وبين كفيلك، فقد تجد من يسألك عن حالك؟ وكم مرتبا تستلم؟ وكم ساعة تعمل؟ ثم يعرض عليك زيادة في المرتب أو إغراء غيره، أو قد يسبُّ كفيلك ويمضي، مع أنك في صفاء مع الكفيل ولم تر منه ريبة أو سوءا ..
أيها المسلم: يا لا تكن أذنا تسمع وتستجيب، فالعاقل يحلل وينظر ويفكر ويقيس الأمور والمصالح، ويحفظ الود، ويبقي على العلاقة، ويتجنب سبل الشيطان، ويسعى للتلاحم والترابط وتقوية الأخوة والمحبة والصداقة والعشرة، ويعلم علم اليقين أن لا صفاء في هذه الدنيا ولا سلامة من الأخطاء والتقصير ولا كمال في أحد، ولا غنية عن الزوج والصديق والكفيل والمدير والرئيس، والله تعالى جعل بعض العباد على بعض قيمًا وحاكمًا ومرتفعًا عليه في المنصب والمال والقدرة {لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا} فيقوم هذا بسلطته وذاك بعمله، يسخر بعضهم لبعض؛ فيكون به بعضهم سببًا لمعاش بعض، هذه سنة الله وهذا حكمه، وبه صلاح الحياة، ولا يمكن صلاحها بأن يكون الناس على درجة واحدة في الغنى والمسؤولية والصَّنعة والمرتبة، {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ}، إذا علمنا ذلك تمام العلم ووعيناه تمام الوعي، أدركنا ما هي الحياةُ وتقبلْناها بحلوها ومرها، وحاولنا التكيف مع ظروفها، وأصلحنا ما يمكنُ إصلاحه، ودافعنا الفساد بكل أشكاله، والأهم أنْ لا نفتح لمخببٍ ومفسدٍ بابًا، ولا نصغي لهم أذنا، وأن لا يستهوينا حب الاستطلاع وما يقوله الناس عنا، فنسقطَ في حبائل المخببين والمفسدين من حيث لا نشعر، وأن ندرك تطور وسائل التخبيب والإفساد التي لم تعد همسة في أذن أو رسالة في جوال، فالوعي بهذه الأمور عاصم بإذن الله من شرورها، مع الاستعانة بالله تعالى أولًا وآخرًا، واتخاذ سلامة الصدر أصلا في المعاملة والتعامل، فبه يرتاح القلب ويسلم البدن، وتأملوا هدي نبيكم ‘ إذ يقول: ((لا يُبَلِّغُنِي أحدٌ من أصحابي عن أحدٍ شيئًا، فإنِّي أحبُّ أن أخرج إليكم وأنا سَلِيم الصَّدر)) أحمد وأبو داود والترمذي وحسن إسناده أحمد شاكر. والمعنى: أنَّه ‘ يتمنَّى أن يخرج من الدُّنيا وقلبه راض عن أصحابه، من غير سخط على أحد منهم.
والقلب السليم: هو الصحيح في الدين، وهو السالم من الآفات والأمراض في الدنيا، فما شقي عبد بأكثر من وغَر الصدر وسوء الظن وغلِّ القلب.
أحسن الله أحوالنا، وسلم قلوبنا، وحفظ أسماعنا وأبصارنا وألسنتنا وجوارحنا عن التخبيب وأهله، وجعلنا أخوة متحابين، وأعاذنا من الشيطان الرجيم وشر كل ذي شر، إن ربي لسميع الدعاء.
المرفقات

صور من التخبيب الماضي والمعاصر.doc

صور من التخبيب الماضي والمعاصر.doc

المشاهدات 6218 | التعليقات 0