صورمشرقة من الثبات لن ينساها التاريخ
صالح العويد
فأوصيكم ـ عباد الله ـ ونفسي بتقوى الله جل وعلا،فإنها أوثق العرى، وبها تتحقق السعادة في الدنيا والفوز في الأخرى، والعاقبةللمتقين
أعوذبالله من الشيطان الرجيم بسم ا لله الرحمن الرحيم والسماء ذات البروج واليومالموعود ٭ وشاهد ومشهود ٭ قتل أصحاب الأخدود ٭ النار ذات الوقود ٭ إذ هم عليها قعود٭ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود ٭ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيزالحميد ٭ الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد .. أيها الأخوة الكرام: إن هذه الآيات تحكي قصة أصحاب الأخدود، هؤلاءالذين فتنوا في دينهم، هؤلاء الذين أحرقوا في خنادق النار مع نسائهم وأطفالهم ومانقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد وكان نكالا دنيويا بالغ القسوةوجريمة نكراء.. عندما يقاد أولئك المؤمنون الأطهار إلى خنادق وحفر أضرمت فيها النارهم ونساؤهم وأطفالهم ليلقوا فيها لا لشيء إلا لأنهم آمنوا بالله العزيز الحميد، حتىتأتي المرأة معها طفلها الرضيع تحمله، حتى إذا وقفت على شفير الحفرة والنار تضطرمفيها تكعكعت لا خوفا من النار ولكن رحمة بالطفل فينطق الله الطفل الرضيع ليقول لهامؤيدا مثبتا: يا أماه ! اصبري فإنك على الحق، فتقتحم المرأة الضعيفة والطفل في هذهالنار. قتل أصحاب الأخدود ٭ النار ذات الوقود ٭ إذ هم عليها قعود ٭ وهم على مايفعلون بالمؤمنين شهود ٭ وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد . أصحابالأخدود قوم آمنو بالله العظيم.. وذلو للجبار جل جلاله ثم لم يمض على إيمانهملحظات.. حتى حفرت الحفر في الطرقات وأضرمت فيها النيران.. ثم جمعوا وصرخ بهم الصارخمن لم يرجع عن دينه قذفناه فيها يا لله العجب فتنة في الدين وصد عن سبيل ربالعالمين... فماذا فعل هؤلاء والذين ما مضى على إيمانهم إلا لحظات.. هل ارتدوا.. هل تكعكعوا.. كلا.. بل جعلوا يتعادون فيها ويتدافعون.. ويتقحمون لظى هذه النيران.
فلو شهدت عيناك يوم حريقهم لسالت جفون بالدموع الهواطل
فكم عاتق غراء تبكي بشجوها وأرملة ثكلى وحبلى وحــائل وفرقت الأحباب في كل حفـرةوسار بهم حزب العدو المــزايل وتسقط من بطن الحوامل حملها وتذهل أخيار النساءالمطـــافل يسوقونهم سوقا عنيفا بشـدة يزجون أشياخا بتلك القوافـــل
ما الذيثبتهم؟.. ما الذي حثهم؟ وهم لم يؤمنوا إلا من لحظات.. إنه إن الذين آمنوا وعملواالصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير . هذا هو الثبات علىالدين، مع شدة الفتن وكثرة المغريات.. ماشطة بنت فرعون تلك المرأة الضعيفة المسكينةالتي كانت تقتات هي وأطفالها الثلاثة.. من مشط ابنة فرعون وتسريح شعرها.. إنه لعملمغر تشتاق إليه النساء أن تكون إحداهن من حاشية العائلة المالكة.. هذه المرأة خالطالإيمان بشاشة قلبها فعلمت أنه لا إله إلا الله الواحد القهار.. فكانت تمشط ابنةفرعون فسقط المشط من يدها فقالت: بسم الله.. فبدرت الصغيرة قائلة: تعنين الله: أبي؟!.. فقالت الماشطة بلسان المؤمنة الثابتة: بل الله ربي ورب أبيك.. فصاحت البنت: سأخبر أبي، فقالت: أخبريه.. فلما أخبرته استشاط غضبا، أن سمع أن إلها غيره يعبد.. فناداها وقال لها: من ربك؟ أنا؟! فقالت: بل ربي وربك الله.. فأمر بقدر عظيمة فطبخفيها زيت حتى غلى.. ثم أوقفها أمام القدر وأمر بأكبر أبنائها.. فألقي في القدر وهي تنظر فما هي إلا لحظات حتى طفحت عظامه بيضاءأمام ناظريها.. ثم جبذ الآخر وكان يصيح متمسكا بطرف ثوبها فألقي في القدر فما هيإلا لحظات حتى طفحت عظامه بيضاء في أعلى القدر.. ثم جبذ الثالث الرضيع وكانت تحملهعلى صدرها.. جبذ ثم ألقي في القدر لتختلط عظامه بعظام إخوته.. ثم ألحقت هي بهم فيهذه القدر المغلية.. وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد سبحان الله ! ما الذي ثبتها في هذا البلاء؟.. ما الذي صبرها على هذا العذاب؟.. إنه إن الذينآمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير .وعندما بزغت شمس الإسلام و بزغ نور النبوه في مكةكان عمار بن ياسر رضي الله عنه شابا في ربيع عمره ولما سمع ذات يوم بالنبي الجديد ،وبنزول الوحي على محمد بن عبد الله اتجه إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم حيث كان رسولالله هناك وعندما عاد عمار إلى بيته أنبأ والديه ياسر و سمية بنت خياط بأنه اعتنقالدين الذي جاء به محمد و أن الهدى و الرشاد في الإسلام وعرض عليهما الإسلام فأسلماوكتم الثلاثة إسلامهم تجنباً لبطش قريش
ولكن الأمر لم يدم طويلاً حتى علمت قريشباعتناق آل ياسر الدين الجديد فتصدت لهم ونقلوا مكبلين بالسلاسل إلى بطحاء مكة تحرقأشعة الشمس اللاهبة أجسادهم و تأكل السياط أبدانهم ومر بهم النبي عليه الصلاة والسلام فسمع ياسراً يئن من شدة التعذيب فقال النبي كلمته الخالده : صبراً آل ياسرفإن موعدكم الجنهولما لم يحتمل جسد ياسر العذاب قضى نحبه ولم يكتف المشركون بذلك بل أمسك الشقي المعاند أبو جهل حربه وضرب بهاسمية زوجة ياسر في قبلها فقتلها فكانت أول شهيدة في الإسلام .
معاشر المسلمين :وفي خلافة عمربن الخطاب رضي الله عنه وجه جيشاً إلى الروم وفيهم عبد الله بن حذافة رضي الله عنه من أصحاب النبيrفأسره الروم وذهبوا به إلى ملكهم فقالوا : إن هذا منأصحاب محمدrفقال له الطاغية : هل لك أن تتنصروأشركك في ملكي ؟ قال عبد الله : لو أعطيتني جميع ما تملك على أن أرجع عن دين محمدطرفة عين ما فعلت , قال : إذاً أقتلك ! قال : أنت وذاك , قال : فأمر به فصلب وقالللرماة : ارموا قريباً من رجليه وهو يعرض عليه وهو يأبى ثم أمر به فأنزل , ثم دعابقدر فصب فيها ماء حتى احترقت ثم دعا بأسيرين من المسلمين فأمر بأحدهما فألقي فيهاوهو يعرض عليه النصرانية ويأبى ثم أمر به أن يلقى فيها فلما ذُهب به بكى فقيل له : إنه قد بكى فظن أنه جزع فقال : ردوه فعرض عليه النصرانية فأبى قال : فما أبكاك إذاً؟ قال : أبكاني أني إن قتلت فهي نفس واحدة تلقى الساعة في هذا القدر فتذهب , فكنتأشتهي أن يكون بعدد كل شعرة في جسدي نفس تلقى هكذا في الله فقال له الطاغية : هل لكأن تقبل رأسي وأخلي عنك ؟ قال له عبد الله : وعن جميع أسارى المسلمين ؟ قال : وعنجميع أسارى المسلمين, فدنا منه فقبل رأسه فدفع إليه الأسارى فقدم بهم على عمر فأخبرعمر بخبره فقال : حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة , وأنا أبدأ فقامعمر فقبل رأسه .وقدقيل إن عبدالله بن حذافة رضي الله عنه لم يقبل رأس ملك الروم وإنما بصق على رأسه إنها صور من صور الثبات في سبيل الله كم نحنبحاجة لمثلها في زمن كثرت فيه الفتن وعظمت فيه المحن وتتابعت فيه الإحن وصار الثباتعلى الدين قليلاً في الناس إلا من فئة قليلة وهبت نفسها لله واستصغرت في جنبهسبحانه ما تلقاه فصارت تدعو إلى الدين الصحيح وتجتنب البدع والمعاصي الخفي منهاوالصريح ونادت بالرجوع إلى ما كان عليه الرسولrوالصحابةy, هذه الفئة قد ارتقت مرتقاً راسياً شامخاً لا يتزعزع , إنه جبل الثبات حتى الممات أعوذبالله من الشيطان الرجيم {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّإِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفاراً
الحمد لله الذي شرح صدور المسلمين , وثبتهم علىالحق المبين , وأعانهم فكان لهم خيرَ معين , والصلاة والسلام على خير الأنام رسول ذي الجلالوالإكرام المبعوث رحمة للعالمين ودلالة للحائرين دعا إلى دين الحق وثبت عليه حتى أتاه اليقين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خيرالقرون أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أمابعد :
أيهاالأحبة الثبات نعمة إلهية ومنحة ربانية يربط الله تعالىبها على قلوب أحبابه ويرسخ بها أقدام أولياءه وقد امتن الله تعالى على نبيه بنعمةالثبات والهداية قال تعالى {وَلَوْلاَ أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُإِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً} (74) سورة الإسراء , ولهذا لهج الأنبياء والصالحونوعباد الله المتقون بسؤال الله تثبيتهم لا سيما أيام الفتن والكروب فهؤلاء الربيونيدعون الله فيقولون {ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِيأَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (147) سورة آل عمران , وهذا سيد البشر يقول ( اللهم ثبت قلبي على دينك )أيهاالأحبة
لقداستمعتم في الخطبة الأولى عن صورمن صورالعداوة على دين الحق وصورمشرقة من صورالثبات على الدين وتلك العداوة للدين وأهله وصورالثبات وإن كانت في تاريخ مضى إلاأن التاريخ يعيدنفسه والجميع يسمع ويشاهدمايحصل لإخواننافي سوريامن التعذيب والتقتيل وغيرهامن البلدان ولعلي أحدثكم عن مشهدمن مشاهدالثبات رأيته بنفسي في مقطع مرئي ذلك الشاب المؤمن بربه يضربه الجلادويسأله من ربك ويكررعليه السؤال وهويضربه بكل ماأوتي من قوة فمايزيدذلك الشاب إلاقوة ويقينافيكررعليه السؤال من ربك ويزيدفي الضرب حتى أتى بصورة طاغيتهم الأعلى ووضعهاأمام الفتى ويقول له اركع لربك بشارويكررهاعليه اركع لربك بشار فماكان من الفتى النقي إلاأن بصق على الصورة وهوثابت ثبات الجبال الله أكبرولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لايعلمون
اللهم إنا نسألك الثبات في الأمر والعزيمة علىالرشد , اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على طاعتك , اللهم يا مصرفالقلوب والأبصار صرف قلوبنا على طاعتك , اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنابالصالحين غيرخزاياولامفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين ألا وصلوا وسلموا ـ رحمكم الله ـ على خيرالورى، كما أمركم بذلك المولى ووصى، فقال تعالى قولا كريما: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبدالله، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بكرمك ورحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين. اللهم وفّق ولىّ أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم ،اللهم ربنا عز جارك وجل ثناؤك وتقدست أسماؤك اللهم لا يرد أمرك ولا يهزم جندك سبحانك وبحمدك .. اللهم انصر جندك وأيدهم في كل مكان اللهم كن للمسلمين في كل مكان اللهم سدد رميهم وكن لهم ولا تكن عليهم واحفظ دينهم وعقيدتهم ودماءهم وأعراضهم، واستر عوراتهم وآمن روعاتهم اللهم عليك بمن عاداهم وحاربهم يارب العالمين اللهم عليك بطاغية سوريااللهم إنه عبدمن عبيدك ناصيته بيدك اللهم أرح العبادوالبلاد منه ياشديدالبطش والعقاب ربناظلمناانفسناوإن لم تغفرلناوترحمنالنكونن من الخاسرين ربناآتنافي الدنياحسنة وفي الآخرة حسنة وقناعذاب النار عباد الله : إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
المشاهدات 6207 | التعليقات 9
وشاكرلك مرورك ومشاركتك
ممكن يضاف للخطبة الثانية هذاالحديث العظيم في الثبات وهوما جاء في الصحيح عن خباب بن الأرت في الصحيحين رضي الله تعالى عنه قال: [ أتينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة في ظل الكعبة وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: يا رسول الله، ألا تستنصر لنا، ألا تدع لنا، فقال: إن من كان قبلكم كان يؤخذ فيحفر له حفرة فيوضع فيها، ويوضع المنشار على رأسه، قال: حتى يكون قسمين أو كما، قال: ويمشط من أمشاط الحديد من لحمه إلى عظمه ما يرده ذلك عن دينه ]
ماشاء الله تبارك الله الخطبة جميلة جدا ولكن لاحظة بعض الكلمات متداخلة مع بعضها البعض بارك الله فيك شيخنا الكريم
وبارك في مشاركتك
وفيمايخص تداخل الكلمات
فهذه المشكلة أعتقدمن
المنتدى لأني أقوم بنسخ
الخطبة من ملف الووردفاتفاجأ
بذلك فلاأدري مالحل وشاهدت
كذاموضوع بهذه الطريقة
أسأل الله التوفيق للجميع
الجمعة الماضية خطبة هذه الخطبة وكانت مؤثرة جزاك الله خير الجزاء أيها المبارك
بهاالجميع
بارك الله فيك يا شيخ صالح
(قتل أصحاب الأخدود) خطب مختارة
ملتقى الخطباء - الفريق العلمي
قصة الأخدود تحمل ميراثًا ضخمًا من الثبات في وجه الطغيان، بل إن الملمح الرئيس الذي يمكن ملاحظته لأول وهلة عند مطالعة هذه القصة هو مدى الثبات الذي تمتع به هؤلاء -وعلى رأسهم غلام الأخدود- في وجه طاغية حفر لهم في الأرض وأضرم فيهم النيران لتأكل أجسادهم، والأهم هو حالة الرضا القلبي والنفسي التي تمتعوا ..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فجزاكم الله خيرا.
وهذا تنسيق للخطبة مع شيء من التصرف، فإن كان صواب فمن الله وحده، وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان والله المستعان.
المرفقات
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/7/1/4/صور%20مشرقة%20من%20الثبات%20لن%20ينساها%20التاريخ%20-29-1-1433هـ-صالح%20العويد-الملتقى-بتصرف.doc
https://khutabaa.com/wp-content/uploads/attachment/7/1/4/صور%20مشرقة%20من%20الثبات%20لن%20ينساها%20التاريخ%20-29-1-1433هـ-صالح%20العويد-الملتقى-بتصرف.doc
مريزيق بن فليح السواط
بارك الله فيك وزادك فضلا وعلما وأجرا
تعديل التعليق