صواريخهم لا تخيفنا
محمد بن سليمان المهوس
الْخُطْبَةُ الْأُولَى
الحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَعَزَّ مَنْ أَطَاعَهُ وَاتّقَاهُ, وَأَذَلَّ مَنْ خَالَفَ أَمْرَهُ فَعَصَاهُ, النَّاصِرُ لِدِينِهِ وَأَوْلِيائِهِ, القَائِلُ فِي مُحْكَمِ آيَاتهِ: ((إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ، وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ )) وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلُهُ ومُصْطَفَاهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ, وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
أمّا بعْدُ: أَيُّهَا النَّاسُ / أُوصِيِكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِرِّ وَالعَلَنِ وَبِالرَّخَاءِ وَالمِحَنِ ((وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ))
إذا اشْتَملتْ على الْيأسِ القلوبُ وَضَاْقَ بِمَا بِهِ الصَّدْرُ الرَّحِيْبُ
وَ أوْطَنتِ الْمَكارِهُ واسْتَقَرّتْ وَأَرْسَتْ فِي أَمَاكِنِهَا الخُطُوبُ
وَ لَمْ ترَ لِانْكِشَافِ الضُّرِّ وَجْهاً وَلَا أَغْنَى بِحيلتِهِ الْأَريبُ
أتاكَ عَلَى قُنُوطٍ مِنْكَ غَوْثٌ يَمُنُّ بِهِ اللّطيفُ الْمُسْتَجِيبُ
وَ كُلُّ الْحَادِثَاتِ اذَا تَنَاهَتْ فَمَوْصُولٌ بِهَا فَرَجٌ قَرْيَبُ
أَيُّهَاْ الْمُـسْلِمُونَ / المُتَأَمِّلُ لِحَالِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةِ اليَوْمَ يَرَى وَاقِعًا مَرِيرًا بَعْدَمَا تَكَالَبَ عَلَيْهِ أَعْدَاءُ المِلَّةِ وَالِدِينِ, وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ((يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ .. )) رَوَاهُ أَحْمَدُ, وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ.
نَعَمْ - عِبَادَ اللهِ - لَقَدْ دَارَ الزَّمَانُ, وَاِخْتَلَتْ مَوَازِينُ القِوَى, بَعْدَمَا سَطَّرَ أَصْحَابُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المَلَاحِمَ تِلْوَى المَلَاحِمِ, وَالاِنْتِصَارَاتِ تِلْوَى الاِنْتِصَارَاتِ ; وَمِنْ تِلْكَ المَلَاحِم: اِنْتِصَارُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الرَّوْمِ فِي مَعْرَكَةِ الْيَرْمُوكِ المَشْهُورَةِ, وَحِينُهَا وَقَفَ مَلِكُ الرُّوُمِ يَسْئَلُ فُلُولَ جَيْشِهِ الْمُنْهَزِمِ, وَالمَرَارَةُ تَعْصِرُ قَلْبَهُ, وَالغَيْظُ يَمْلَأُ صَدْرَهُ: وَيْلَكُمْ! أَخْبَرُونِي عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ؟ أَلَيْسُوا بَشَرًا مِثْلُكُمْ?! قَالُوا: بَلَى أَيُّهَا الْمَلِكُ! قَالَ: فَأَنْتُمْ أَكْثَرُ أَمْ هُمْ? قَالُوا: بَلْ نَحْنُ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ, قَالَ: فَمَا بَالَكُمْ إِذًا تَنْهَزِمُونَ?! فَأُجَابَهُ عَظِيمٌ مِنْ عُظَمَاءِ قَوْمِهِ: إِنَّهُمْ يَهْزِمُونَنَا لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ اللَّيْلَ, وَيَصُومُونَ النَّهَارَ, وَيُوفُونَ بِالعَهْدِ, وَيَتَنَاصَحُونَ بَيْنَهُمْ.
اللّهُ أَكْبَرُ ، نَصَرُوا اللهَ كَمَا أَمْرَهُمْ فَنَصْرَهُمْ كَمَا وَعَدَهُمْ (( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ )) وَقَالَ تَعَالَى ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَىٰ قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ ))
فَإِذَا نَصَرَ الْمُؤْمِنُونَ رَبَّهُمْ بِإِقَامَةِ دِينِهِ وَطَاعَتِهِ, وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاِمْتِثَالِ أَمْرِهِ, وَاِجْتِنَابِ نَهْيِهِ, وَالبُعْدِ عَنِ الشِّرَكِ وَالبِدَعِ وَالمَعَاصِي, وَنَبْذِ الفُرْقَةِ وَالاِخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ, مَعَ الصَّبْرِ والثَّباتِ, وَالتَّوَكُّلِ عَلَى اللّهِ تَعَالَى; نَصَرَهُمُ اللهُ, وَأَعَادَ لَهُمْ مَجْدَهُمْ, وَسُؤْدَدَهُمْ, وَهَيْبَةَ أَعْدَائِهِمْ مِنْهُمْ, كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ )) وَقَالَ تَعَالَى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))
فَعَلَى أَهْلِ التَّوْحِيِدِ وَالسُّنَّةِ اليَوْمَ, اليَقِينُ بِصِدْقِ مَوْعُودِ اللهِ لَهُمْ, بِقُرَبِ نَصْرِ اللهِ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ تَمْضِيَ فِيهِمْ سُنَّةُ الاِبْتِلَاءِ بِالتَّمْحِيصِ, كَمَا مَضَتْ فِيمَنْ سَبْقَهُمْ مِنَ الأُمَمِ, كَمَا قَالَ تَعَالَى (( أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ))
بَاْرَكَ اَللهُ لِيْ وَلَكُمْ بِاَلْقُرَّآنِ اَلْعَظِيْمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاْكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ اَلْآيَاتِ وَاَلذِّكْرِ اَلْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اَللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ اَلْغَفُوْرُ اَلْرَّحِيْمِ .
الخُطْبـــَةُ الثّانِيَــــةُ
اَلْحَمْدُ لِلهِ عَلَىْ إِحْسَاْنَهُ ، وَاَلْشُّكْرُ لَهُ عَلَىْ تَوْفِيْقِهِ وَاَمْتِنَاْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَاْ إِلَهَ إِلَّاْ اَللهُ وَحْدَهُ لَاْشَرِيْكَ لَهُ تَعْظِيْمَاً لِشَأْنِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ اَلْدَّاْعِيْ إِلَىْ رِضْوَاْنِهِ ، صَلَّىْ اَللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَىْ آلِهِ وَأَصْحَاْبِهِ ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْمَاً كَثِيْرَاً .
أَمَّاْ بَعْدُ : أَيُّهَاْ الْمُـسْلِمُونَ / قَبْلَ أَيَّامٍ قَلَائِلَ شَاهَدْتُمْ وَسَمِعْتُمْ مَا قَامَ بِهِ الحُوثِيُّونَ أَبْنَاءُ إِيرَانَ المُدَلَّلُونَ بِإِطْلَاقِ سَبْعَةِ صَوَارِيخَ بَالَسْتِيَّةٍ عَلَى بِلَادِنَا ، وَبِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى تَمَّ اعْتِرَاضُهَا وَتَفْجِيرُهَا لِتَتَفَجَّرَ قُلُوبَ الْمَجُوُسِ الْحَاقِدَةِ ، وَتَمُوتُ غَيْظًا وَيَمُوتُ حُزْناً مِنْ فَرِحَ بِإِطْلَاقِ هَذِهِ الصَّوَارِيخِ عَلَى بِلَادِنَا, مِنْ أَذْنَابِ وَعُمَلَاءِ الْمَجوسِ، فَالبِدَعُ وَأَهْلُهَا وَإِنِ اِخْتَلَفْتْ تَوَجُّهَاتُهُمْ فَقُلُوبُهُمْ وَأَهْدَافُهُمْ تَجْتَمِعُ عَلَى أَهْلِ التَّوْحِيدِ وَالسُّنَّةَ, وَهُنَا يَنْبَغِي العَمَلُ عَلَى فِعْلِ أَسْبَابِ النَّصْرِ عَلَى الأَعْدَاءِ عُمُومًا ، وَعَلَى الحُوثِيِّ وَأَعْوَانِهِ خُصُوصًا ، وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الأَسْبَابِ:
تَقْوَى اللَّهِ بِالسِّرِّ وَالْعَلَنِ ، وَالْعَمَلُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ ،وَالْبُعْدُ عَنْ مَعْصِيَتِهِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى ((وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ )) وَكَذلِكَ صِدْقُ التَّوَكُّلِ وَتَفْوِيضُ الْأَمْرِ عَلَى اللهِ بَعْدَ بَذْلِ الْأَسْبَابِ الْمَشْرُوعَةِ ، فَمَنْ تُوَكِّلَ عَلَى اللَّهِ حَقَّ التَّوَكُّلِ سَكَنَ قَلْبُهُ ، وَاطْمَأَنَّتْ نَفْسُهُ ، وَلَذَّ عَيْشُهُ ((وَمَنْ يَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ )) وكذلك اللُّجُوءُ إِلَى اللَّهِ ، وَرَفَعُ أَكُفِّ الضَّرَاعَةِ لَهُ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يَنْصُرَ دِينَهُ وَكِتَابَهُ ، وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالْعَمَلِ عَلَى تَحْقِيقِ الْوِحْدَةِ وَالِاجْتِمَاعِ بَيْنَ أَفْرَادِ هَذَا الْمُجْتَمَعِ وَبَيْنَ قَادَةِ هَذِهِ الْبِلَادِ وَعُلَمَائِهَا ، وَتَرْكِ الْفُرْقَةِ وَالِاخْتِلَافِ وَالتَّنَازُعِ ، قَالَ تَعَالَى ((وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ))
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا على مَنْ أَمَرَ اللهُ باِلصّلاةِ والسّلامِ عَلَيْهِ ، فَقَال (( إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا )) وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(( مَنْ صَلّى عَلَيَّ صَلاةً وَاحِدَةً صَلّى الله ُعَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا)) رَوَاهُ مُسْلِم .
المرفقات
لاتخيفنا
لاتخيفنا
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق