صُناعُ التفاهة ومشاهير السفه والسخافة

عبدالرحمن اللهيبي
1443/11/25 - 2022/06/24 03:20AM
هذه خطبة رائعة.. تفضل بها إلي أحد المشايخ الفضلاء وتصرفت فيها بما يناسب
أسأل الله أن ينفع بها

أيها المسلمون.. العُمرُ.. أنفاسٌ معدودة، وأوقاتٌ محدودة

وإن مِن الخِذلان: أنْ يُضيعَ المرءُ عُمُرَه في مسالِكَ الإثم والردى، ويسيرَ في دُروبِ الشرِّ والهوى، ويلهَث وراءَ مشاهير السخف والتفاهة، ويُضيِّعُ الأيامَ في متابعة الساقطين من أهل الغواية والسفاهة ، وباتوا مشاهيرا في الحقارة والدناءة

وإن هذا الضياع لدى شبابنا وفتياتنا في إدمان متابعة صناع التفاهة، ومشاهدة ما يبثه مشاهير السفه والسخافة.. مما يفعلونه في مآكلهم وأسفارهم، ولهوهم وترحالهم، وحديثهم وخبالهم، ولعبهم واستخفافهم ، وتصرفاتهم وإسفافهم ، لينعكِسُ على أبنائنا وبناتنا، أمراضًا في النفس، وضجَرًا في الحياة، وفقدانا للقناعة، واهتزازا في الهوية، واضطِرابًا في الشخصية، وسُوءًا في الأخلاقِ السوية، وضَعفًا في التحصيل وضَياعًا للمسؤولية.

قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: (سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتُ، يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ) قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: (الرَّجُلُ التَّافِهُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ).

عندما تسمع هذا الحديث.. تشعر بالقلقِ النبوي منْ أنْ يتسيّدَ التافهون المشهدَ في المجتمعات المسلمة ، أولئك الذين وصفهم النبيُّ صلى الله عليه وسلم بالرويبضة، وجعل حديثَهم في شأنِ العامة مِن علاماتِ الساعةِ ونهايةِ الزمان، لأنَّ التافهَ إذا تسيَّد يكون قدوة في المجتمع ، فإذا ارتفع شأن السفهاء التافهون انخفض في المقابل العقلاء والصالحون والناجحون  

وإنَّ الناظرَ في أحوالِ مجتمعنا اليوم.. يعلم بلا شكٍ ولا ريبٍ، أنَّنا نعيشُ مرحلةً غيرَ مسبوقةٍ في تاريخنا بعدما قذفَ التافهون سوءاتهم السلوكية، وأظهروا إعاقتهم الفكريةَ ، وسيطروا على عقولِ الناشئة وأفسدوا أذواقهم ولوثوا أخلاقهم ، فهُمِّشتْ المبادئ والقيم، وغاب الحياء والعقل والمروءة ، وضاعة الشيم والرجولة ، والأزمات تتوالى، والنذرُ تترى، وسنةُ الله جاريةٌ لا محالة.

عباد الله: إن الإعلامَ الجديد وتطبيقاتِ التواصلِ الاجتماعي.. هم مَنْ يَصنعون مِن الحمقى والمغفلين والسفهاء نجوماً ، ومن التافهين والمغنين والراقصين رموزا .. يَقتدي بهم صِغارُ السن والعقل. وهنا يكون الخطرُ كبيراً..

لأنَّ هؤلاء الصغار.. لا يميّزون بين الغثِّ والمفيد. وبالتالي يبنون ثقافتَهم وقيَمَهم وفق ثقافة هؤلاء التافهين، وحينها لا تسل عنْ غُربةِ الأخلاق والدين..

ألا وإنَّ مِنْ أعظم الرزايا والمصائب.. أنْ يثقُبَ التافهون سفينةَ المجتمع ، وهي في لـُجَّةِ البحر والمخاطر، دون وعيٍ ولا انتباهٍ من العقلاء والآباء والمربين ، فالخطر محدق بالناشئة والجيل الجديد ، فأين المنكرون والناصحون

فَلَوْلَا كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍۢ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِى ٱلْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ ۗ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ

عباد الله... إنَّ مِن واجبِ المجتمع: الأخذُ على أيدي صُنَّاعَ التفاهةِ والتافهين، فلا يكونُ لهم حضورٌ ولا شهود

وأنتم أيها الناس، توقّفوا رحمكم الله..عن جعلِ الأغبياءِ مشهورين، والسفهاء موجِّهين، والرويبضة مرشدين، ألغوا متابعتَهم.. احظروا حساباتهم.. لا تجعلوا لهم حضورا في بيوتكم وعند أولادكم.

فأولادنا.. مع هذه البرامج والتطبيقات والهواتف المحمولة الذكية.. في خطرٍ عظيم.. وفتنةٍ عظيمة.. ليس لها من دون الله كاشفة..

ألا فاعلم أيها الأب أنك مسؤولٌ.. عن تربيتهم على الصلاة والصلاح والحياء والعفافِ ورجاحة العقل والديانةِ.

وعليك أيها الأب: أن تراقب استخدام أولادك لهذه الوسائل التقنية والجوالات الذكية وأن تضع لها وقتا محددا. فلا يصح أن يكون الوقتُ كلُّه لهذه الوسائل. وأن لا تترك لهم الحبل على الغارب مما يؤدي إلى خطر التأثر بما يعرض فيها دينا وأخلاقا ، بالإضافة إلى إهمال الواجبات الدينية والمسئوليات الدنيوية

وكذلك ألا يُعطى الجوال للأبناء والبنات إلا بعد سن الرشد والنضوج، وبعد تحصينهم وإرشادهم ثم متابعتهم ومراقبتهم.. فلا يصح أن يكون الجوال في أيدي الأطفال الصغار فهم لا يدركون ما فيها من المصائب والأخطار

ألا فاتقوا الله عبادَ الله، وهبوا من رقدتكم، وأفيقوا من سُباتكم، وأدركوا فلذات أكبادكم، فإنكم مسؤولون عنهم أمام الله: (واللهُ تعالى سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيّع)، و(مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلاَّ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ).

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ

أقول ما تسمعون.. وأستغفر الله لي ولكم..

 

 

 

 

 

 

أما بعد:

يا معشر الشباب والأبناء.. هذه صرخةُ محبٍ لكم.. حريصٍ عليكم..

اعلموا أن الله لم يخلقنا عبثاً.. ولم يتركنا هملاً.. واعلم بأنك ستُسأل عن هذه الأوقات التي تضيع هدراً في التنقل بين الصفحات والتطبيقات والشاشات.. نعم.. أنت مسؤول عنها أمام الله.

كلُّ كلمةٍ كتبتَها.. أو حروفٍ سطّرتها.. أو أصواتٍ سمعتَها.. أو مشاهدَ رأيتَها.. أنتَ مسؤولٌ عنها أمام الله

وليكن لكم دورٌ في البناء والخير.. زاحموا أهل الشر والباطل.. وانشروا الخير والمعروف.. انشروا التلاواتِ المؤثرة الندية، والأحاديثَ الصحيحةَ النبوية ، ومواعظ الدعاةَ الموثوقين ، وفتاوى علمائنا الأكابر المعروفين

نسأل الله أن يحفظ أولادنا من الفتن والشرور، وأن يهديَهم لأرشد طريق. وأفضلِ صديق.. إنه سميعٌ مُجيب.

 
المشاهدات 4340 | التعليقات 0