صنائع المعروف - والإعانة على الحج 11/26
altamimi altamimi
الخطبة بعنوان: ( صنائع المعروف والإعانة على قضاء الحج )
إن الحمد لله نحمده ونشكره، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصبحه، وسلم تسليما كثيرا.
أمّا بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله حق التقوى، واعرفوا ما دلت عليه هذه الكلمة من الحقيقة والمعنى، وتفطنوا لتفاصيل ذلك على القلوب والأعضاء، واعلموا بأن تقوى الله سبيل النجاة في الآخرة والأولى: (فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).
عباد الله: إن الله إذا أحب عبداً من عباده شرح صدره لطاعته، فإذا أراد أن يتمم عليه نعمته، وأن يكمل عليه منته، تممها وكملها بمكارم الأخلاق، فجعله مفتاحاً من مفاتح الخيرات، وسبباً من أسباب الرحمات، يفرج الله به هموم المسلمين وغمومهم، ويجري على يديه قضاء شؤونهم وحوائجهم، ويغني به الفقراء والبائسين، فيكون رحمة من رحمات الله على الناس، حين يملأ قلبه عطفاً على إخوانه، ورحمةً على أقرابه وأقرانه.
إنها صنائع المعروف التي اصطفى الله لها رجالاً واختار لها على مر العصور والدهور أجيالاً.
روى أحمد والترمذي بسند صحيح عن أبي يوسف عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فجئت فيهم لأنظر، فلما تبينت وجهه عرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: (أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلُوا الأرحام، وصلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام).
فهذه أربع وصايا تحدث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول مقدمه إلى المدينة، ثلاث منها من صنائع المعروف العامة، التي يبذلها الناس تجاه بعضهم البعض، إفشاء السلام، وإطعام الطعام، وصلة الأرحام، صنائع معروف تغرس المحبة بين الناس، وتؤلف بين قلوبهم، وذلك ما كان يحتاجه مجتمع المدينة عند مقدمه صلى الله عليه وسلم، حاصله: (وألف بين قلوبهم).
عباد الله: إن صناعة المعروف والإحسان إلى الناس بقضاء حوائجهم، مما رغب الشارع فيه، وحث عليه، لما فيه من المصالح المعجلة والمؤجلة، فمن مصالحه؛ أنه يقي صاحبه مصارع السوء فيختم له بخاتمة حسنة، ففي صحيح الجامع، يقول صلى الله عليه وسلم: «إن صنائع المعروف تقي مصارع السوء».
ومن مصالحه أنه يورث محبة الناس والقبول لديهم، فخدمة الناس مغناطيس قلوبهم، وكم من عداوة تحولت إلى محبة وصداقة، بسبب صنيعة معروف وافقت موضعا حسنا:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم ... فطالما استعبد الإنسان إحسان
وصناعة المعروف وبذله إلى الناس، من صميم خصال الأنبياء والرسل، فهذا الكريم يوسفُ عليه السلام - مع ما فعله إخوته به - جهزهم بجهازهم.
وموسى عليه السلام لما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين مستضعفتين، فرفع الحجر عن البئر وسقى لهما حتى رويت أغنامهما.
وهذه خديجة رضي الله عنها تقول في وصف نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - "والله لا يخيبك الله، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".
وكان صلى الله عليه وسلم إذا سئل حاجة لم يرد السائل عن حاجته، ففي الصحيحين، عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: "ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط فقال لا".
ما قال لا قط إلا في تشهده ... لولا التشهد كانت لامه نعمٌ
وعلى هذا النهج القويم سار الصحابة رضوان الله عليهم والصالحون من بعدهم، فقد كان عمر - رضي الله عنه – يحسن إلى أصحابه ويتعاهد الأرامل يسقي لهن الماء، وكان أبو وائل يطوف على نساء الحي وعجائزهن كل يوم فيشتري لهن حوائجهن وما يصلحهن.
وقد سئل أحد السلف وقد بلغ من الكبر عتيا، عن ما بقي عنده من لذائذ العمر ؟ فقال: صنيعة معروف أضعها في موضعها.
إذَا هَبَّتْ رِيَــــاحُك فَاغْتَنِمْهَا ... فَــإِنَّ لِــكُـلِّ خَــافِــقَــةٍ سُـــكُــونُ
وَلَا تَغْفُلْ عَنْ الْإِحْسَانِ فِيهَا ... فَمَا تَدْرِي السُّكُونُ مَتَى يَكُونُ
عباد الله: إن من أولى صور المعروف وأجلها قدراً وأعظمها أجراً، الإعانةُ على قضاء الفرائض الواجبة، ومن تلك الفرائض التي تحتاج إلى المساعفة والإعانة، فرضة الحج، فإن المؤمن إذا أراد الحجَّ يحتاجُ غالباً إلى من يخلُفه في أهله وماله، ومن يرافقه ليؤنِسه ويعينه على حمل متاعه، وأشد الناس حاجة إلى ذلك النساء، فإن كثيراً من النساء على تشوفهن لبيت الله الحرام وقضاء فرضهن، لا يجدن مبادرة من محرمهن، فتضطر إلى بذل المال لمن يقوم على محرميتها، فتتضاعف النفقات وتعظم التبعات، وربما يحول ذلك بين قضاء كثير من النساء لحجهن، فاتقوا الله وارعوا من ولاكم اللهُ أمرهن من النساء، فالموفق من بادر إلى قضاء فرض من يليهن من النساء، وعند الله في ذاك الأجر العظيم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد فيا أيها المؤمنون:
َاعْلَموا أَنَّ لِلْمَعْرُوفِ شُرُوطًا لا يَتِمُّ إلاّ بِهَا، وَلَا يَكْمُلُ إلاّ مَعَهَا. فَمِنْ ذَلِكَ سَتْرُهُ عَنْ إذَاعَةٍ يَسْتَطِيلُ لَهَا، وَإِخْفَاؤُهُ عَنْ إشَاعَةٍ يَسْتَدِلُّ بِهَا. قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: إذَا اصْطَنَعَتْ الْمَعْرُوفَ فَاسْتُرْهُ، وَإِذَا صُنِعَ إلَيْك فَانْشُرْهُ.
عَلَى أَنَّ سَتْرَ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ ظُهُورِهِ، وَأَبْلَغِ دَوَاعِي نَشْرِهِ؛ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النُّفُوسُ مِنْ إظْهَارِ مَا خَفِي وَإِعْلانِ مَا كُتِمَ. قَالَ أحدهم يثني على أخٍ له:
خِـلٌّ إذَا جِـئْـتَـهُ يَـوْمًـا لِـتَـسْـأَلَهُ ... أَعْطَاك مَا مَلَكَتْ كَفَّاهُ وَاعْتَذَرَا
يُخْفِي صَنائِعَهُ وَاَللَّهُ يُظْهِرُهَا ... إنَّ الْــجَــمِــيــلَ إذَا أَخْــفَــيْــتَـهُ ظَـهَـرَا
وَمِنْ شُرُوطِ الْمَعْرُوفِ: مُجَانَبَةُ الامْتِنَانِ بِهِ وَتَرْكُ الإِعْجَابِ بِفِعْلِهِ؛ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (إيَّاكُمْ وَالِامْتِنَانَ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنَّهُ يُبْطِلُ الشُّكْرَ، وَيَمْحَقُ الْأَجْرَ. ثُمَّ تَلا: (لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى).
عباد الله: لقد جاءت نصوص الشريعة بالثناء والإطراء على من كف يده ولسانه عن إيذاء الناس والوقوع فيهم، فقال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده). فكيف إذن بمن جمع مع كفه الأذى عن المسلمين، الإحسان إليهم، وبذل المعروف تجاههم، والقيام بحوائجهم، لا شك أن ذلك عمل رابح موفق.
وهذا حديث جامع نافع، في بيان فضل المعروف وإسدائه إلى الناس، فيه يقول صلى الله عليه وسلم: (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهراً). اللهم إنا نسألك فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين، ونسألك اللهم الدرجات العلا من الجنة.
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا رحمكم الله عَلَى مَنْ أمَرَكُمْ رَبُّكُمْ بِالصَّلاةِ وَالسَّلامِ عَلَيْهِ, فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) اللَّهُمَّ صَلِّ.... اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلامَ والمُسْلِمِين, وَأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِينَ, وَاجْعَلْ هَذَا البَلَدَ آمِنًا, مُطْمَئِنًا, وسَائِرَ بلادِ المُسْلِمِينَ. يا رب العالمين.
عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ). فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
1438/11/26هـ
أخوكم علي بن محمد التميمي