صلوا كما رأيتموني أصلي

أيها المسلمون:

المساجد بيوت الله عزوجل ، يجد المؤمن فيها الأمن والأمان، والراحة والاطمئنان، يقول الحسن بن علي رضي الله عنه : (من أدام الاختلاف إلى المسجد أصاب ثماني خصال: آية محكمة، وأخاً مستفادًا، وعلمًا مستطرفًا، ورحمة منتظرة، وكلمة تدل على هدى، أو تردعه عن ردى، وترك الذنوب حياءً أو خشية). إن بيوت الله شُيدت لإقامة العبادة فيها، وعلى رأس العبادة الصلاة فهي آكد الفروض، وأعظم الواجبات، فالتذكير بها من الأمور المهمة، وإن كانت منزلتها ومكانتها معروفة لدى المسلمين، ولكن التذكير بكيفية أدائها مهم، فإن الصلاة لا تكون مقبولة ما لم تكن على الكيفية التي أمر الرسول  ﷺ بها حيث يقول: (صلوا كما رأيتموني أصلي)، فلابد إذن من الوقوف على ذلك، والتنبيه على بعض المخالفات التي يقع فيها بعض المصلين عن غير قصد، وطالما أن الصلاة بهذه المكانة الرفيعة، والمنزلة العالية فإن المسلم العاقل يحرص أشد الحرص، على أن تكون صلاته صحيحة مقبولة، كي تقبل أعماله كلها لأن الله -تعالى- لا يقبل أي عمل ما لم تقبل الصلاة، فالله المستعان.

أيها المسلمون:

الوضوء مفتاح الصلاة فلا تقبل إلا بطهارة، وهناك مخالفات يقع فيها بعض الناس عند الوضوء منها: الجهر بالنية عند الوضوء، يقول الإمام ابن القيم ‘: لم يكن النبي ﷺ يقول في أول الوضوء نويت رفع الحدث، ولا استباحة الصلاة، لا هو ولا أحد من أصحابه)، ولم يرد الدعاء عند غسل الأعضاء، يقول ابن القيم: ولم يحفظ عنه ﷺ أنه كان يقول على وضوئه شيئاً غير التسمية، ولم تثبت عنه غير التسمية في أوله، وقوله: ((أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين)).

·  ومن المخالفات في الوضوء: الإسراف في الماء قال الإمام أحمد - رحمه الله تعالى -: من فقه الرجل قلة ولوعه بالماء. وفي الحديث: (إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطُّهور والدعاء) رواه أبو داوود، أي: يتجاوزون عن الحد بالزيادة على ثلاث غسلات، والمبالغة في الغسل إلى حد الوسواس.

·  ومن المخالفات: عدم إسباغ الوضوء يقول أبو هريرة ﭬ: (أسبغوا الوضوء فإن أبا القاسم قال: ويل للأعقاب من النار) رواه البخاري، فليتق الله أناس لا يكملون غسل أعضاء الوضوء، وفي الحديث قال ﷺ: (من توضأ للصلاة فأسبغ الوضوء ثم مشى إلى الصلاة المكتوبة، فصلاها مع الناس، غفر الله له ذنوبه) رواه مسلم.

·  ومن المخالفات: عدم التنزه من البول فقد: مرَّ النبي ﷺ بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان.... ثم قال: وأما الآخر فكان لا يستنزه من البول) رواه البخاري ومسلم.

·  ومن المخالفات التي يقع فيها بعض المصلين: الجهر بالنية عند ابتداء الصلاة، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك في مخالفات الوضوء، وأنه لم يرد عن الرسول المصطفى ﷺ الجهر بالنية ولو مكث الإنسان عمر نوح ڠ، يفتش هل فعل ذلك رسول الله أو أحد من أصحابه لما وجد ذلك.

·  ومن المخالفات: الجهر بالقرآن والأذكار، أثناء الصلاة ففي الحديث قال ﷺ: (ألا إن كلكم مناجٍ ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً) رواه أبو داود؛ ولقد سئل الشيخ العلامة عبد العزيز بن باز‘عن حكم رفع الصوت بالقراءة أثناء الصلاة للمأموم بحيث يخلف من بجانبه من المأمومين فأجاب: (السنة للمأموم الإنصات لقراءته وسائر أذكاره ودعواته، لعدم الدليل على جواز الجهر، ولأن في جهره تشويشًا على من حوله من المصلين).

·  ومن المخالفات: قول بعض المأمومين عند قراءة الإمام: (إياك نعبد وإياك نستعين): استعنا بالله. قال الإمام النووي ‘: لقد اعتاد كثير من العوام أنهم إذا سمعوا قراءة الإمام: (إياك نعبد وإياك نستعين) قالوا: إياك نعبد وإياك نستعين، وهذا بدعة منهيٌ عنها.

·  ومن المخالفات: عدم إقامة الظهر في القيام والجلوس والركوع والسجود، ففي الحديث يقولﷺ: (لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود) رواه ابن ماجه، وفي الحديث الآخر: (أسوأ الناس سرقة الذي يسرق من صلاته. قالوا: یا رسول الله وكيف يسرق من صلاته؟ قال: لا يتم ركوعها وسجودها) رواه الإمام أحمد، والكيفية المطلوبة وردت في أحاديث منها: (كان ﷺ إذا ركع سوّى ظهره حتى لو صب عليه الماء لاستقر) رواه ابن ماجه، وقال - عليه الصلاة والسلام - للمسيء صلاته: (فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك وامدد ظهرك ومكّن لركوعك) رواه الإمام أحمد وغيره.

·  ومن المخالفات: انتظار الإمام إن كان ساجدًا حتى يرفع، أو جالسًا حتى يقوم، الأصل أن يدخل المصلي مع الإمام على أي هيئة وجده، ففي الحديث الصحيح قال ﷺ: (إذا أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) رواه البخاري، وأخرج الترمذي: (إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام).

·  ومن المخالفات: أن المأمومْ قد يفرغ من قراءة التشهد الأول، والإمام لا يزال جالسًا، فيسكت أو يكرر التشهد، والصواب أنه إذا أنهى التشهد يدعو بما أحب لقوله -عليه الصلاة والسلام-: (إذا قعدتم بين كل ركعتين فقولوا: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه) رواه الإمام أحمد وغيره.

·  ومن المخالفات: أن يقوم من فاته جزء من الصلاة لقضاء ما فاته قبل تسليم الإمام، ففي الحديث يقول ﷺ: (أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقعود ولا بالانصراف فإني أراكم أمامي ومن خلفي) رواه مسلم، وقد سئل الشيخ عبدالرحمن السعدي ‘ هل يجوز للمسبوق أن يقوم لقضاء ما فاته قبل أن يكمل الإمام التسليم؟ فأجاب: لا يحل له ذلك، وعليه أن يمكث جالسًا حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية، فإن قام قبل انتهاء سلام الإمام ولم يرجع انقلبت صلاته نفلًا وعليه إعادتها لأن الواجب على المأموم أن يبقى مع إمامه حتى تتم صلاة الإمام.

·  ومن المخالفات: مسابقة الإمام، وقد ورد النهي الشديد عنها فقد روى البخاري أن رسول الله ﷺ قال: (أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار)، وفي لفظ آخر: (أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل الإمام أن يحوّل الله رأسه رأس كلب).

·  ومن المخالفات: عدم تسوية الصفوف، وتساهل البعض في سد الفُرَجْ، التي تكون بين المصلين وقد وردت أحاديث كثيرة بالأمر بالتسوية والتراص وإكمال الصفوف يقول ﷺ: (لتسوُّن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) رواه البخاري، وفي الحديث: (أقيموا صفوفكم وتراصوا) رواه النسائي، وفي الحديث الآخر: (أقيموا الصف في الصلاة فإن إقامة الصف من حسن الصلاة، سووا صفوفكم فإن تسوية الصف من إقامة الصلاة).

·  ومن المخالفات: إتيان المسجد بعد أكل الثوم أو البصل أو نحوهما مما له رائحة كريهة يقول - عليه الصلاة والسلام -: (من أكل من هذه الشجرة، فلا يقربن مسجدنا، ولا يؤذينا بريح الثوم)، وفي رواية: (فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم) رواهما مسلم، وفي رواية للبخاري: (من أكل ثومًا أو بصلًا فليعتزلنا، أو قال فليعتزل مسجدنا وليقعد في بيته).

وألحق بعض أهل العلم، شارب الدخان بآكل الثوم والبصل، لاشتراك كل منهما في رائحته الخبيثة قال ﷺ: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم) رواه الطبراني. فإذا كان المؤذي للمسلمين في طريقهم مستحقًا للعن، فكيف بمن آذاهم في مساجدهم؟

قال بعض العلماء: انظر يا أخي -حماك الله- من كل ذي رائحة كريهة، كيف نهى النبي ﷺ عن قربان المساجد من أكل ثوماً أو بصلًا أو غيرهما، مما له رائحة كريهة، وهل لا يخطر على بالك أن شارب الدخان أشد أذىً منهما، على أن أكل الثوم والبصل لا ضرر في أكلهما، بل فيهما فوائد كثيرة، وشرب الدخان ضرره كثير ولا نفع فيه نسأل الله العافية.

·  ومن المخالفات: ترك التجافي في السجود، أو عدم تمكين الأعضاء السبعة من السجود روى البخاري أن رسول الله ﷺ قال: (أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه واليدين والركبتين وأطراف القدمين)، فمن رفع قدميه عن الأرض، أو جعل إحداهما على الأخرى، أو لم يمكن جبهته أو أنفه من الأرض، فقد خالف السنة؛ والتجافي  المطلوب في السجود صفته: أن يرفع بطنه عن فخذيه، ويبعد عضديه عن جنبيه بقدر الإمكان، ولا يضايق من يليه، وأن يرفع ذراعيه عن الأرض ولا يبالغ في التجافي كثيرًا حتى يكاد يصل رأسه إلى الصف الذي أمامه، تقبل الله من الجميع صلاتهم.

 

***

 

المرفقات

1730993379_صلوا كما رأيتموني أصلي.docx

المشاهدات 347 | التعليقات 0