صلة الرحم

فهد عبدالله الصالح
1434/05/26 - 2013/04/07 08:21AM

الحمد لله (الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسباً وصهراً وكان ربك قديراً ), أحمده سبحانه وأشكره , وأشهد أن لا اله إلاَ الله وحده لا شريك له ولا معبود بحق سواه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأشرف الناس قدراً صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين . أمَـا بعـد : فاتقوا الله أيها المسلمون { يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منها رجالاً كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً} عباد الله : خلق الله هذه البشرية من نفسٍ واحدة فالرب واحد والأصل واحد أسرة واحدة انبث منها الرجال والنساء يجمعهم رحم واحد وعلى هذا يكون واجب التواصل والتراحم , إن أسرة الإنسان وقرابته ـ يا عباد الله ـ هم عدته وقوته يقول فيهم على رضى الله عنه : أولئك هم عشيرتك بهم تصول وتطول , هم العدة عند الشدة أكرم كريمهم , وعٌد سقيمهم , ويسر على معسرهم , ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك . أيها الأخوة : لقد قرن الله تعالى الأمر بتوحيده والنهى عن الإشراك به بالإحسان إلى الوالدين والأقربين { واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى } بل إنً صلة الرحم مرتبطة بالإيمان بالله تعالى ففي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليقل خيراً أو ليصمت } .

والرحم سميت بذلك لأن الرحم هو الذي جمع بين الناس فالأخوة خرجوا من رحم واحدة وأبناء العمومة هم ذوو رحم لأن آباءهم خرجوا من رحم واحدة وهكذا والإنسان في هذه الحياة لا يمكن له أن يعيش بمفرده فهو بحاجة إلى إخوان له يأنس بهم ويأنسون به ويشاركهم ويشاركونه الأفراح والأحزان ويحتاج إليهم أو يحتاجون إليه في أي أمرٍ من أمور الدنيا وهو في الجملة شعور بالراحة النفسية لأن للإنسان من يسأل عنه وقت الرخاء ويقف معه وقت الشدة . إن صلة الرحم ـ يا عباد الله ـ بركة في الأرزاق وتوفيق في الحياة وسبب في زيادة الأعمار أخرج الإمام أحمد وغيره عن عائشة رضى الله عنها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال { صلة الأرحام وحسن الجوار وحسن الخلق تعمر بها الديار وتزداد بها الأعمار } وروى الإمام البزار بإسناد جيد عن على رضى الله عنه قال { من سره أن يٌمَد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه } وفي الصحيحين يقول صلى الله عليه وسلم { من أحبً أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه } هذا الخير الكثير في الدنيا وهو جزاء موفور ولكن فضل الله تعالى أوسع من هذا وعطاؤه أكثر فالجزاء الأخروي في دخول الجنة بإذن الله حيث جعل سبحانه صلة الرحم طريقاً من طرق الجنة عن أبي أيوب رضى الله عنه : أن أعرابياً عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في سفر , فأخذ بخطام ناقته أو بزمامها ثم قال : يا رسول الله أو يا محمد أخبرني بما يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال : فكفَ النبيُ صلى الله عليه وسلم ثم نظر إلى أصحابه ثم قال : لقد وفق أو هدي قال : كيف قلت ؟ قال : فأعادها قال النبي صلى الله عليه وسلم: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم } رواه البخاري ومسلم .

وإذا كان لصلة الرحم كلً هذا الخير في الدنيا والآخرة فإن لقاطع الرحم عقوبة تعدل في شدتها شدة جريمتها لما يترتب على قطع الرحم من تقطيع لأواصر المجتمع المسلم وتفكيك لعراه وخلخلة لبنيانه وانفراط لعقده

أمَـا عقوبة الدنيا فهي عاجلة عن أبي بكرة رضى الله عنه قال قال رسول صلى الله عليه وسلم { ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم } رواه الترمذي وابن ماجه والحاكم وقال : صحيح الإسناد .. وتتمثل هذه العقوبة العاجلة في عدم قبول الأعمال الصالحة أن تردُ على صاحبها وهى خسارةُ فادحةُ بلا شك للمسلم فعن أبى هريرة رضى الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن أعمال بنى آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عملُ قاطع رحم } رواه الإمام أحمد ورواته ثقات

ونقل عن ابن مسعود رضى الله عنه أنه كان جالساً بعد الصبح في حلقة فقال : أنشد الله قاطع الرحم لمَا قام عنا فإنا نريد أن ندعو ربنا وإن أبواب السماء مرتجة ـ أى مغلقة ـ دون قاطع الرحم }

أيها الأخوة : بصلة الأرحام تقوى المودة وتزيد المحبة وتتواثق عرى القرابة وتزول العداوة والشحناء وتصبح القلوب متآلفة قريبة من بعضها فتسهل مخاطبتها ويسهل كسبها وتترفع عن تصيد الهفوات وانتظار الزلات ومعرفة الخطيئات

بصلة الأرحام تقوى الروابط الاجتماعية وتقلُ المشكلات العائلية وتتحقق الأخوة الإسلامية , إن الذي يصل رحمه إنسان محبوب في مجتمعه مقبول داخل عائلته إنه إنسان يسعى للم الشمل وجمع الكلمة ووحدة الأمة إنه إنسان يتصف بمكارم الأخلاق والرجولة إنه إنسان مستقيم على شرع الله معظم لحرمات الله وشعائره { ومن يعظم حرمات الله فهو خير له عند ربه } { ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب } , وفي المقابل فقاطع الرحم إنسان قلُ نصيبه في الخير لا يريد الخير لنفسه ولا لغيره إنه إنسان حاقد لا يسعى لجمع الكلمة أو وحدة الأمة إن قاطع الرحم قلبه قاسي وتفكيره محدود ونظره قاصر , إنه إنسان ضعيف الإيمان ضعيف الشخصية { والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار }

ولقد أوصى زين العبدين على بن الحسين ابنه رضى الله عنهم فقال : لا تصاحب قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواضع . ألا فاتقوا الله يا عباد الله وصلوا أرحامكم

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تكرون }

نفعني الله وإياكم بهدى كتابه .....




الخطبة الثانية : من وسائل صلة الرحم إجابة الدعوة وعدم الاعتذار لمن يدعو الإنسان وإجابة الدعوة من الآداب التي يرعاها الإسلام ففي صحيح البخاري وغيره يقول صلى الله عليه وسلم لو دعيت إلى كراع لأجبت } وفي الصحيحين مرفوعاً { من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله } ومما يقوى الصلات بين الأقارب كثرة المناسبات العائلية فالإنسان يغتنم كل مناسبة عنده لدعوة أقاربه والتسبب في اجتماعهم وخاصةً إذا كان وقت الوليمة مناسباً وأخبر الناس بوقتٍ كاف . ومن أسباب صلة الأرحام كثرة الزيارات والاتصالات الهاتفية ومثل ذلك تفقد الأحوال والتهنئة بالعيد والمولود وسكنى البيت الجديد, ومما يقرب بين قلوب المسلمين التهادي بينهم فالهدية مشروعةٌ في الإسلام وكان من هديهِ صلى الله عليه وسلم قبول الهدية وكان يقول { تهادوا تحابوا } وفي الحديث الأخر { لو أهدى إلىَ ذراع أو كراع لقبلت } .وكذا دفع المال تبرعا أو زكاة وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلاَمُ: «الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَالصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ اثْنَتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ»؛ رَوَاهُ أبو داود وغيره وَمِنَ الصِّلَةِ الوُقُوفُ مَعَهُ فِي مُصَابِهِ، وَتَخْفِيفُ آلامِهِ،وَرُبَّ كَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ يَقُولُهَا شَخْصٌ لِذِي رَحِمٍ مُصَابٍ، فَيُخَفِّفُ بِهَا مُصَابَهُ، وَيُزِيلُ هَمَّهُ، وَيَكُونُ خَيْرَ مُعِينٍ لَهُ فِي شِدَّتِهِ.
وعلى المرء المسلم العاقل إن لا يقطع صلاته بأقاربه لأدنى سبب إمَا لكلمةٍ سمعها أو شيئاً صغيراً رآه فالعفو عند المقدرة من شيم الكرماء والتماس الأعذار من تصرف العقلاء . أيها الأخوة في الله : بعض الآباء هداهم الله لا يكونون قدوةً لأبنائهم في صلة الأرحام فهم إمَا لا يصطحبون أولادهم معهم للزيارات وإمَا أن يتهربوا من المناسبات فهو يعتذر دائماً من الحضور أو دعوة الآخرين لبيته مما يسبب حرجاً لأبنائه أمام أقاربهم وكان الأولى به أن يكون قدوةً لهم في الخير بأن يكون سباقاً لصلة الرحم بالزيارات وإجابة الدعوات وبالمسارعة إلى دعوة الآخرين وإكرامهم لتتربي نفسه على ذلك ويتربى معه أولاده وأهل بيته فيزرع فيهم هذه الخصلة الحميدة والشعيرة العظيمة وفي الحديث النبوي { من سن سنةً حسنة ً في الإسلام فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة }


وقد يكون في الأقارب ـأيها الأخوة ـ من لا يقومون بالصلة لكونهم لا يقابلون الإحسان بالإحسان ولا يردون الزيارة فماذا يكون موقف المسلم منهم ؟ والجواب هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم { ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها } رواه البخاري.فالمسلم عندما يصل أرحامه يقوم بأمرٍ أوجبه الله تعالى عليه يطلب به الأجر والمثوبة من ربه لا من أرحامه .. فالصلة الحقيقية هي التي تبتدئ بالإحسان دون انتظار المكافأة , جاء في صحيح مسلم أن رجلاً قال : يا رسول الله : إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلىَ وأحلم عليهم ويجهلون علىَ فقال صلى الله عليه وسلم { إن كنت كما قلت فكأنما تٌسفُهم الملً ولا يزال معك ظهيرٌ عليهم مادمت على ذلك } ومعنى تٌسِفٌهم المل : أى تطعمهم الرماد الحار .وخلاصة القول ـ أيها الأخوة ـ فصلة الرحم شعيرة من شعائر الإسلام وواجب من واجبات الدين وضرورة من ضرورات الحياة .فاتقوا الله ـ يا عباد الله ـ وصلوا أرحامكم فأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله .

المشاهدات 3146 | التعليقات 0