صلة الرحم أهميتها وكيف تكون ...
خالد خضران الدلبحي العتيبي
خطبة عن صلة الرحم كتبها : خالد بن خضران العتيبي الجمش – الدوادمي
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
عباد الله إن من الأعمال التي في فعلها أجورٌ عظيمة في الدنيا والآخرة صلةُ الرحم وفي المقابل في قطعها عقوباتٌ عظيمة في الدنيا والآخرة والعياذ بالله .
والرحم عباد الله هم كل من بينك وبنيهم قرابة وتتأكد الصلة كلما كانت الرحم أقرب كالوالدين والبنات والأبناء والإخوة والأخوات والعم والعمات والخال والخالات .
وصلة الرحم يُرجع في طريقتها إلى العرف ما لم يخالف الشرع فيدخل في صلة الرحم مشاركتهم في أفراحهم وفي أحزانهم وزيارتهم وعيادة مريضهم والإحسان إليهم بالكلام الطيب وتحمل ما يحصل منهم من خطأ وزلة ومساعدة فقيرهم والإحسان إليه بالمال ولذلك كانت الصدقة على القريب الفقير أفضل من الصدقة على البعيد ففي صحيح مسلم أن أبا طلحة رضي الله عنه لما أراد أن يتصدق ببستانه قال له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك مال رابح أرى أن تجعلها في الأقربين فقسمها أبو طلحة رضي الله عنه في أقاربه .
عباد الله إن مما يعين الإنسان على صلة رحمه :
تذكر النصوص التي جاءت في الأمر بصلة الرحم وهي نصوص كثيرة في كتاب الله وفي سنة نبيه عليه الصلاة والسلام قال تعالى ((وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذي الْقُرْبَى) (النساء : 36 ) أي أحسنوا لذوي القربى وقال تعالى ((إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى ) (النحل : 90 )
كذلك مما يعين على صلة الرحمة تذكر النصوص التي جاءت في الثمرات المترتبة على صلة الرحم:
صلة الرحم عباد الله سببٌ لدخول الجنة فقد جاء عند الإمام أحمد وغيره أنه عليه الصلاة والسلام قال «أَفْشُوا السَّلَامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الْأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلَامٍ»
وفي صحيح البخاري أن رجلاً سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال : أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال عليه الصلاة والسلام (تعبدُ الله لا تشركُ به شيئاً وتقيمُ الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم )
صلة الرحم عبادَ الله سببٌ لطول العمر والبركة في الرزق في فقد جاء في البخاري ومسلم من حديثِ أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ»
ومعنى (يُنسأَ له في أثره ) أي يُؤخر له في عمره .
صلة الرحم عباد الله سبب لوصل الله للعبد وإذا وصل الله عبده حصل له كل خير وإذا قطع عبده انقطع عنه كل خير والعياذ بالله ففي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلْقَ، حَتَّى إِذَ فَرَغَ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَتِ الرَّحِمُ: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بِكَ مِنَ القَطِيعَةِ [فالرحم تستعيذ بالله من قاطعها ] قَالَ الله تعالى : نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى يَا رَبِّ، قَالَ: فَهُوَ لَكِ .
عباد الله من فضائل صلة الرحم أنها سببٌ للتكاتف فيكون الأقارب المتواصلون كاليد الواحدة فيتعاونون بينهم في السراء والضراء ويعطي غنيهم فقيرهم ويحمل قويهم ضعيفهم ويكف حليمُهم جاهلهم.
ومن الأمور التي تعين على صلة الرحم تذكر العقوبات التي تصيب القاطع لرحمه :
ومن ذلك حرمان دخول الجنة والعياذ بالله ففي البخاري ومسلم من حديث أبي بكرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يدخل الجنة قاطع .
وقطيعة الرحم سببٌ للعنة الله وعدم التوفيق للحق فما ظنكم بمن لعنه الله وأصمه وأعمى بصره كيف يهتدي للحق ؟
يقول تعالى (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ ( 22 ) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ( 23 ) .
عباد الله إن أحق الذنوب بتعجيل العقوبات في الدنيا الظلم وقطيعة الرحم جاء عند الترمذي من حديث أبي بكرة رضي الله عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : مَا مِنْ ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لِصَاحِبِهِ العُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا يَدَّخِرُ لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنَ البَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ.
ألا فلنتقي الله سبحانه وتعالى ولنصل أرحامنا ونحتسب الأجر في ذلك فمن وصل الرحم وصله الله ومن قطعها قطعه الله .
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
عباد الله إن هناك أسباب كثيرة لقطيعة الرحم فمن هذه الأسباب الكبر والعياذ بالله فبعض الناس لا يصل بعض أرحامه لأنه يحتقرهم وقد يكون هذا الذي قطعه من أقرب الناس إليه وهذا جمع معصيتين كلاهما من كبائر الذنوب الأولى : قطيعة الرحم والثانية : الكبر .
ومن أسباب قطيعة الرحم طول البعد في الصلة ومع الأيام تصبح الصلة ثقيلة فعلى المسلم أن يكون مبادراً لصلة رحمه يشاركهم أفراحهم وأحزانهم ولا يطيل البعد عنهم .
ومن أسباب الصلة وهذا من أكثرها أن بعض الناس يقول قرابتي هؤلاء يخطئون علي ولا يصلوني وإذا دعوتهم لا يأتون إلي فأنا الذي يعاملني بهذه الطريقة لن أصله فهو الذي بدأ بالقطيعة فيقال لهذا يا أخي الأقارب الصلة معهم ليست كغيرهم فغيرهم لست ملزماً بصلته خاصة إذا وقع منه خطأ عليك.
القرابة لا بد من صلتهم ولو حصل منهم تقصير في حقك فالناس على أقسام ثلاثة :
القسم الأول : قاطع لرحمه .
والقسم الثاني : واصل لرحمه .
والقسم الثالث : مكافئ لرحمه يقول إذا وصلوني وصلتهم وإذا قطعوني قطعتهم وهذا في الحقيقة قاطع لرحمه وليس واصلاً ففي صحيح البخاري يقول عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ الوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنِ الوَاصِلُ الَّذِي إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا»
فعليك أيها المسلم أن تصل رحمك ولو قطعوك وأبشر بالخير والأجر والإعانة من الله وهم ينالهم إثم عظيم في قطيعتك واسمع هذا الحديث الذي في صحيح مسلم جاء رجلاٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ، فَقَالَ: «لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ، فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ» والمَل : هو الرماد الحار يعني ما يلحقهم من الإثم كم يأكل رماداً حاراً .
وبعض الناس بلغ به الأمر أنه يحرض على القطيعة فتجد بعض الآباء مثلاً يقطع بعض رحمه لسبب من الأسباب ويأمر أولاده أن لا يصلوا أرحامهم ويغضب عليهم لو ذهبوا لهذا القريب الذي قطعه وربما كان أخاً. ولا يجوز طاعته في ذلك بل يجب عليهم أن يصلوا أرحامهم ويناصحوا أباهم .
وفي تعاملنا مع أقاربنا حتى تدوم الصلة لا نكثر العتاب والتدقيق خلفهم بل نتغافل ونحتسب الأجر في صلتنا لهم فالرحم من وصلها وصله الله ومن قطعها قطعه الله .
المرفقات
1736422377_خطبة عن صلة الرحم.docx