صلاحُ المجتمعِ
عنان عنان
1436/01/22 - 2014/11/15 20:48PM
( صلاحُ المجتمع )
العناصر:
1- امتنان الله علينا بنعمة الاسلام بتاليف القلوب
2- الايثار على النفس
3- بناء المجتمع
4- الاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة
5- سبب الفشل والهزائم الفرقة
6- عدم إيذاء المسلمين وهجران الذنوب
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ. قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ( [الأحزاب:70-71].
عِبادَ اللهِ: مَنَّ اللهُ علينا بالاسلامِ، جمعنا على كَلمةِ سواءٍ، ووحَدَ قلوبَنا وأزالَ منها الضغينةَ، والَّفَ بينَ قلوبِنا، يقولُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران .
ولقدْ كانَ أصحابُ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كالبنيانِ المرصُوصِ، أيْ الحائطُ الذي يَلصِقْ بعضُهُ بعضاً، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: المؤمنُ لِلمؤمنِ كالبنيانِ يَشُدُّ بعضُهُ بعضاً ثُمَّ شبَّكَ بينَ أصابيعهِ. رواهُ البخاريُّ."
وللاسفِ الشديدِ في هذا الزمنِ، انقلبتْ حياةُ النَّاسِ مَعَ بعضِهم البعضِ،
وصدقَ عُمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ لمَّا قالَ: لوْ أطلعَ اللهُ قُلوبَ بعضِنا على بعضٍ، لتصافحنا بالسيوفِ، في هذا الزمنِ، إخوةٌ مِنْ أبٍ وأُمٍ مفترقونَ، جيرانٌ الحائطُ على الحائطِ لا يعرفونَ أسماءَ بعضٍ، والنبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: مَنْ هَجَرَ أخاهُ سنةً، فكأنَّما سَفَكَ دَمَهُ، أيْ تَهجُرُ أخاكَ المسلمَ، فكيفَ إذا هجرتَ أخاكَ الذي ولدتْهُ لكَ أُمِّكَ أوْ تَهجُرَ أبيكَ وأُمَّكَ، كيَفَ إذا هجرتَ جارَكَ، الذي قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بِحقِّهِ: لا يزالُ جبريلُ يُوصيني بالجارِ حتى ظننتُ أنَّهُ سوفَ يُورِّثهُ،
بِصراحةٍ نحنُ ضَحِكَ علينا الشيطانُ، لأنَّ مِنْ أعظمِ مُهماتِ الشيطانِ، الفِرقةُ بينَ الزوجينِ والفِرقةُ بينَ النَّاسِ، همُّهُ أنْ يَزرعَ البغضاءَ والشحناءَ والضغناءَ في قلوبِ العبادِ، لأنَّهُ يعلمُ إذا توحَّدَ النَّاسُ تُقوى عزائمُهم ويُقوى إيمانُهم ولا يكون لاعداءِ الله عليهم سبيلاً، يعلمُ أنَّ المحبةَ بينَ النَّاسِ سبيلٌ إلى الجنةِ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلمَّ جعلَ مِنْ بعضِ أسبابِ المحبةِ بينَ النَّاسِ، إيفشاءَ السلامِ فقالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: والذي نفسي بيده لنْ تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا ولنْ تؤمنوا حتى تحابُّوا أفلا أدلُكم على شيءٍ إذا فعلتُمُوه تحابتتم؟ أفشُوا السلامَ بينكم. رواهُ مُسلمٌ، ونحنُ أصبحنا لا نُسلِّمُ إلَّا على مَنْ نَعرفُ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلَّمَ أمَرَنَا أنْ نُلقيَ السلامَ على مَنْ نَعرفُ وعلى مَنْ لا نَعرفُ، لهذا قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ الشيطانَ قدْ يَئِسَ أنْ يَعبُدَهُ المصلونَ ولكنْ في التحريشِ بينَهم. رواهُ مسلمٌ. أيْ أنْ يُحَرِّضَ بينَ النَّاسِ مِنْ قَتلٍ وخُصومةٍ وبُغضٍ.
عِبادَ اللهِ: الايثارُ على النفسِ صِفةٌ عظيمةٌ، وخُلقُ النُّفوسِ الكبيرةِ، الايثارُ هو أنْ يُقدِّمَ الانسانُ حاجةَ غيرِهِ مِنَ النَّاسِ على حاجتِه، بمعنى أنْ يَجوعَ لِيُشبِعْ غيرَهُ، قالتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: ما شَبِعَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثلاثةَ أيامٍ متواليةٍ حتى فَارقَ الدنيا ولوْ شئنا لَشَبِعنا.
ولنسمعْ عبادَ اللهَ مِنْ بعضِ القصصِ الجميلةِ عَنْ الايثارِ بالنفسِ،
لمَّا هاجرَ المسلمونَ مِنْ مكةَ إلى المدينةِ، كانوا لا يَحملونَ سوى ثيابِهم الباليةِ، وأجسادِهم المنهكةِ، وثقتِهم بموعودِ اللهِ، فوقفَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُحدِّثاً الانصارَ قائلاً لهم: إنَّ إخوانَكم وأموالَكم تركوا الاموالَ والاولادَ فهلَّا قاسمتُموهم؟ قالوا: نعمْ يا رسولَ اللهِ نُقسِّمُ الاموالَ بيننا بالسويةِ فقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أوَ غيرَ ذلك؟ قالوا: ما غيرُ ذلكَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: تقاسمُوهم الثَّمرَ قالوا: نعمْ بمَ؟ قالَ: بإنَّ لكمُ الجنَّةُ. صححهُ الالبانيُّ."
قالَ حُذيفةُ العدويُّ: انطلقتُ يومَ معركةِ اليرموكِ ابحثُ عَنْ بنِ عمٍّ لي، ومعيَ شيءٌ مِنَ الماءِ فوجدتُهُ جريحاً، فقلتُ لهُ أُسقيَكَ؟ فأشارَ إليَ أنْ نعمْ، فإذا برجلٍ يقولُ: آآه، فأشارَ ابنُ عمِّ أنْ أذهبَ بهِ إليهِ، فَجئتُهُ فإذا هوَ هِشامُ بنُ العاصِ، فقلتُ لهُ أُسقيَكَ؟ فَسَمِعَ بهِ آخرَ يقولُ: آآه، فأشارَ هِشامٌ أنْ أذهبَ بهِ إليهِ، فجئتُهُ فإذا هوَ قدْ ماتَ، فرجعتُ إلى هِشامٍ فوجدتُهُ قدْ ماتَ، فرجعتُ إلى بنِ عمِّ فوجدتُهُ قدْ ماتَ." فلا إلهَ إلَّا اللهُ." انظرْ كيفَ يؤثرونَ على أنفسِهم، قالَ تعالى: ويؤثرون على أنفسِهم ولو كانَ بهم خَصَاصَةٌ. أيْ مَجاعةٌ." قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لاخيهِ ما يُحبُّ لِنفسهِ. متفقٌ عليهِ." أيْ لا يَكتمِلُ إيمانُ العبدِ حتى يُحبَّ لاخيهِ ما يُحبُّ لِنفسه.
عِبادَ اللهِ: بِناءُ المُجتمعِ شيءٌ عظيمٌ ويحتاجُ إلى جُهدٍ كبيرٍ، وعلى الجميعِ المُشاركةِ في تحقيقهِ، اللهُ عزَّ وجلَّ لا يُريدُ منكَ الصلاةَ والصيامَ وقرءاةَ القرءانِ فقطْ، فالصلاةُ والصيامُ وقرءاةُ القرءانِ والحجُّ والعُمرةُ هذا لك تنفُعُ نفسَك، اللهُ عزَّ وجلَّ يُريدُ منكَ أنْ تُبنيَ مُجتمعاً مُسلماً صالحاً، أنْ تكون متواضعاً أنْ تكونَ حَسُنَ الخُلقِ، أنْ توَّقِّرَ الكبيرَ وتَرحمَ الصغيرَ، أنْ تُبِرَّ والدِيكَ وتَصِلَ رَحِمَكَ، أنْ تتبسمَ في وجهِ أخيكَ المسلمِ، أنْ تتصدقَ على الفقراءِ والمساكينِ، أنْ تسعى على الارملةِ واليتيمِ، فعلى هذا الَّونِ يكونُ بناءُ المجتمعِ صالحاً، ذَهبَ احدُ عُلماءِ المسلمينَ إلى الغربِ، فقالَ: وجدتُ إسلاماً بلا مسلمينَ، ونحنُ مسلمونَ بلا إسلامٍ، فهم أخذوا منَّا أخلاقِ الاسلامِ بإستثناء الصبرِ على الشهواتِ، ونحنُ أخذنا منهم الفنَّ بالشهواتِ، وسَلخنا أخلاقَ الاسلامِ الذي جاءَ بها نبينا مُحمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، الذي قال: بُعِثتُ لأتَمِّمَ مكارِمَ الاخلاقِ.
عِبادَ اللهِ: أمَرَ اللهُ أُمةَ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، بالاعتصامِ باللهِ ونبذِ الفرقةِ،
فقالَ تعالى: واعتصموا بحبلِ اللهِ جمعياً ولا تفرقوا.
بلْ هدَّدَ اللهُ عبادَهُ بإنَّ مَنْ فَرَّقَ الدينَ وعَمِلَ أحزاباً وخالفَ الهديَ النبويِّ الذي جاءَ بهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلَّمَّ، بإنَّهُ ليسَ مِنْ هذهِ الامةِ،
قالَ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } (159) سورة الأنعام . ايْ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ برئٌ منهم، فهم أهلُ البدعِ والضلالةِ والشُبهاتِ،
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: مَنْ فارقَ الجماعةَ شِبراً فماتَ، إلَّا ماتَ ميتةَ جاهليةً. رواهُ البخاريُّ."
عبادَ اللهِ: إنَّ سببَ الفشلِ هوَ الفِرقةُ والتنازعُ، والانغماسُ في مادياتِ الحياةِ، فكَرهنا الموتَ وعَشَقنا الحياةَ،
سببُ الفشلِ هوَ الفِرقةُ، فتفرقنا في بُلدانٍ شتَّى وأصبحَ الواحدُ منَّا يتفاخرُ في بلدهِ، وفي مواهبِ بلدهِ، بلْ وصلَ بنا الامرُ أنْ نحتقِرَ صفاتَ ولغاتَ وأشكالَ البلادِ الاخرى،
قالَ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات(13) وقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيها الناس: إن ربكم واحد, و إن أباكم واحد, كلكم لآدم و آدم من تراب, إن أكرمكم عند الله اتقاكم, لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. رواهُ ابو داودٍ وصححهُ الالبانيُّ.
عِبادَ اللهِ: إننا بحاجةٍ ماسةٍ إلى الوحدةِ الاسلاميةِ، وجمعِ كلمةِ الخيرِ، اكثرُ مِنَ الطعامِ والشرابِ، لأنَّ في ذلكَ قوتَنا وعزتَنا،
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم: إنَّ الشيطانَ ذِئبُ الانسانِ ياخذُ القاصيةَ والنَّاحيةَ فإياكم والشِّعابِ وعليكم بالجماعةِ والعامةِ والمسجد. رواهُ احمد."
فالقضيةُ بدأتْ مِنْ فلسطينَ، ثُمَّ أفغانستانَ ثُمَّ العِراقَ ثُمَّ الشَّامِ، واللهُ اعلم بُكرا مَنْ؟ فلا تزالُ الذئابُ الكافرةُ، تُهدِدُ بلادَ الاسلامِ
سببُ الفشلِ هو التنازعُ والاختلافُ في الرأيِّ، قالَ تعالى: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46) سورة الأنفال.
قالَ مُجاهدٌ في قوله تعالى وتذهبَ ريحُكم: أي نُصرَتُكم.
سببُ الفشلِ هوَ الانغماسُ في شهواتِ الحياةِ ومزخارِفها وملذاتِها، يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ " . رواه ابو داود."
وقالَ تعالى: وما أصابكم منْ مُصيبةٍ فبما كسبتْ أيديِكم ويعفو عَنْ كثيرٍ."
سببُ الفشلِ هوَ كثرةُ المعاصي، قالَ تعالى: يايها الذينَ امنوا إنْ تَنصروا اللهَ يَنصرُكم ويُثبتْ أقدَامَكم." صلاتُكَ نصرةٌ لهذا الدينِ، صيامُكَ نُصرةٌ لهذا الدينِ، قراءتكَ للقرءانِ نُصرةٌ لهذا الدينِ، دعاءُكَ نُصرةٌ لِهذا الدينُ، الصبرُ على البلاءِ وعلى الشهواتِ نصرةٌ لِهذا الدينِ، حِجابُ المرأةِ نصرةٌ لِهذا الدينِ،
عِبادَ اللهِ: إذا أردنا الفلاحَ والنَّجاحَ والنَّصرَ والتَّمكينَ لِهذهِ الامةِ، علينا بتطبيقِ شرعِ اللهِ على أنفسنا وإن كانْ لمْ يُطبَّقْ بالارضِ، قالَ احدُ الحكماءِ: طبقْ شرعَ اللهِ على نفسِكَ يُقامُ في الارضِ، وعلينا أنْ نُطبقَ سنةَ نبيِّنا محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: تركتُ فيكم أمرينِ إنْ تَمسكتُم بهما لنْ تضلوا بعدي أبداً، كتابَ اللهِ وسنتي. وعلينا أنْ نقتديَ بإثارِ الصحابةِ والسلفِ الصالحِ في حياتِنا ومعاملتِنا مَعَ النَّاسِ، قالَ الامامُ مالكٌ: لا يَصلُحُ آخرُ هذه الامةِ، إلَّا ما صَلَحَ بهِ أولُها.
أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكمْ فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ، إنَّه هوَ التوابُ الرحيمُ."
أمَّا بعدُ: عِبادَ اللهِ: عَنْ عبدِ بنِ عمرٍو رضيَ اللهُ عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: المُسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ مِنْ لِسانهِ ويدهِ، والمُهاجرُ مَنْ هجرَ ما نهى اللهُ عنهُ. رواهُ البخاريُّ."
المُسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ مِنْ لِسانهِ ويدهِ، مِنْ صُورِ إيذاءِ المسلمينَ الغيبةُ والشتمُ والقذفُ بالباطلِ واستحلالُ عِرضهِ، قالَ تعالى: إنَّ الذينَ يؤذونَ المؤمنينَ والمؤمناتِ بغيرِ ما اكتسبوا فقدْ احتملوا بُهتاناً وإثماً مُبيناً."
وقالَ رسول اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ" قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". رواهُ مسلمٌ."
وقالَ احدُ السلف: فليكنْ حظُّ المسلمِ منكَ ثلاثٌ، إنْ لمْ تنفَعْهُ فلا تَضُرُّهُ، وإنْ لمْ تُفرحْهُ فلا تُغِمُّهُ، وإنْ لمْ تمدَحْهُ فلا تُذِمُّهُ، فأياكَ أنْ تؤذيَ أخاكَ المسلمَ بِذرةٍ مِنَ الشرِ، فحقوقُ اللهِ تُغفرُ، أمَّا حقوقُ العبادِ فإنَّها لا تُغفرُ، إلَّا إذا سامحَكَ أخوكَ أمامَ اللهِ يومَ القيامةِ."
والمُهاجرُ مَنْ هجرَ ما نهى اللهُ عنهُ
هلْ هجرنا كُلَّ مظهرٍ سيءٍ فينا؟ هلْ هجرنا الشهواتِ والملذاتِ؟ هلْ هجرنا سماعَ الاغاني والمُلهياتِ؟ هلْ هجرنا المسلسلاتِ الساقطةِ والافلامَ الخليعةَ؟ هلْ هجرنا النظرَ والسماعَ إلى الحرامِ؟ هلْ هجرنا رفقةَ السوءِ وتحلينا بِصُحبةِ الاخيارِ الابرارِ؟ هلْ هجرنا الفراغَ وانشغلنا بالعلمِ والعبادةِ والطاعةِ؟ هلْ هجرنا الكسلَ والتزمنا بالصلواتِ؟ هلْ هجرنا قطعَ الارحامِ واصبحنا نصِلُ أرحامَنَا؟ هلْ هجرنا عقوقَ الوالدينِ وأصبحنا نُبِرُهُما؟
الحقيقةُ إننا بحاجةٍ ماسةٍ لِنراجعْ حسابَتَنا معَ اللهِ، وأنْ نُحاسِبَ أنفسَنَا قبلَ أنْ يُحاسبَنا اللهُ.
اللهمَّ وفقنا لِطاعتِكَ وطاعةِ نبيِّكَ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وطاعةِ مَنْ أمرتَنا بِطاعتهِ عملاً بقولِكَ: يايها الذينَ امنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الامرِ منكم."
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعينَ."
العناصر:
1- امتنان الله علينا بنعمة الاسلام بتاليف القلوب
2- الايثار على النفس
3- بناء المجتمع
4- الاعتصام بحبل الله ونبذ الفرقة
5- سبب الفشل والهزائم الفرقة
6- عدم إيذاء المسلمين وهجران الذنوب
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ؛ فَإِنَّهُ مَنِ اتَّقَى اللهَ وَقَاهُ، وَمَنْ تَوَكَّلَ عَلَيْهِ كَفَاهُ، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِهِ أَذَلَّهُ وَأَخْزَاهُ. قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ( [الأحزاب:70-71].
عِبادَ اللهِ: مَنَّ اللهُ علينا بالاسلامِ، جمعنا على كَلمةِ سواءٍ، ووحَدَ قلوبَنا وأزالَ منها الضغينةَ، والَّفَ بينَ قلوبِنا، يقولُ اللهُ سبحانَهُ وتعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } (103) سورة آل عمران .
ولقدْ كانَ أصحابُ رسولِ الله صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كالبنيانِ المرصُوصِ، أيْ الحائطُ الذي يَلصِقْ بعضُهُ بعضاً، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: المؤمنُ لِلمؤمنِ كالبنيانِ يَشُدُّ بعضُهُ بعضاً ثُمَّ شبَّكَ بينَ أصابيعهِ. رواهُ البخاريُّ."
وللاسفِ الشديدِ في هذا الزمنِ، انقلبتْ حياةُ النَّاسِ مَعَ بعضِهم البعضِ،
وصدقَ عُمرُ بنُ الخطابِ رضيَ اللهُ عنهُ لمَّا قالَ: لوْ أطلعَ اللهُ قُلوبَ بعضِنا على بعضٍ، لتصافحنا بالسيوفِ، في هذا الزمنِ، إخوةٌ مِنْ أبٍ وأُمٍ مفترقونَ، جيرانٌ الحائطُ على الحائطِ لا يعرفونَ أسماءَ بعضٍ، والنبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ: مَنْ هَجَرَ أخاهُ سنةً، فكأنَّما سَفَكَ دَمَهُ، أيْ تَهجُرُ أخاكَ المسلمَ، فكيفَ إذا هجرتَ أخاكَ الذي ولدتْهُ لكَ أُمِّكَ أوْ تَهجُرَ أبيكَ وأُمَّكَ، كيَفَ إذا هجرتَ جارَكَ، الذي قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بِحقِّهِ: لا يزالُ جبريلُ يُوصيني بالجارِ حتى ظننتُ أنَّهُ سوفَ يُورِّثهُ،
بِصراحةٍ نحنُ ضَحِكَ علينا الشيطانُ، لأنَّ مِنْ أعظمِ مُهماتِ الشيطانِ، الفِرقةُ بينَ الزوجينِ والفِرقةُ بينَ النَّاسِ، همُّهُ أنْ يَزرعَ البغضاءَ والشحناءَ والضغناءَ في قلوبِ العبادِ، لأنَّهُ يعلمُ إذا توحَّدَ النَّاسُ تُقوى عزائمُهم ويُقوى إيمانُهم ولا يكون لاعداءِ الله عليهم سبيلاً، يعلمُ أنَّ المحبةَ بينَ النَّاسِ سبيلٌ إلى الجنةِ، فالنبيُّ صلى الله عليه وسلمَّ جعلَ مِنْ بعضِ أسبابِ المحبةِ بينَ النَّاسِ، إيفشاءَ السلامِ فقالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: والذي نفسي بيده لنْ تدخلوا الجنةَ حتى تؤمنوا ولنْ تؤمنوا حتى تحابُّوا أفلا أدلُكم على شيءٍ إذا فعلتُمُوه تحابتتم؟ أفشُوا السلامَ بينكم. رواهُ مُسلمٌ، ونحنُ أصبحنا لا نُسلِّمُ إلَّا على مَنْ نَعرفُ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلَّمَ أمَرَنَا أنْ نُلقيَ السلامَ على مَنْ نَعرفُ وعلى مَنْ لا نَعرفُ، لهذا قالَ النبيُّ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ الشيطانَ قدْ يَئِسَ أنْ يَعبُدَهُ المصلونَ ولكنْ في التحريشِ بينَهم. رواهُ مسلمٌ. أيْ أنْ يُحَرِّضَ بينَ النَّاسِ مِنْ قَتلٍ وخُصومةٍ وبُغضٍ.
عِبادَ اللهِ: الايثارُ على النفسِ صِفةٌ عظيمةٌ، وخُلقُ النُّفوسِ الكبيرةِ، الايثارُ هو أنْ يُقدِّمَ الانسانُ حاجةَ غيرِهِ مِنَ النَّاسِ على حاجتِه، بمعنى أنْ يَجوعَ لِيُشبِعْ غيرَهُ، قالتْ عائشةُ رضيَ اللهُ عنها: ما شَبِعَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ثلاثةَ أيامٍ متواليةٍ حتى فَارقَ الدنيا ولوْ شئنا لَشَبِعنا.
ولنسمعْ عبادَ اللهَ مِنْ بعضِ القصصِ الجميلةِ عَنْ الايثارِ بالنفسِ،
لمَّا هاجرَ المسلمونَ مِنْ مكةَ إلى المدينةِ، كانوا لا يَحملونَ سوى ثيابِهم الباليةِ، وأجسادِهم المنهكةِ، وثقتِهم بموعودِ اللهِ، فوقفَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُحدِّثاً الانصارَ قائلاً لهم: إنَّ إخوانَكم وأموالَكم تركوا الاموالَ والاولادَ فهلَّا قاسمتُموهم؟ قالوا: نعمْ يا رسولَ اللهِ نُقسِّمُ الاموالَ بيننا بالسويةِ فقال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أوَ غيرَ ذلك؟ قالوا: ما غيرُ ذلكَ يا رسولَ اللهِ؟ قالَ: تقاسمُوهم الثَّمرَ قالوا: نعمْ بمَ؟ قالَ: بإنَّ لكمُ الجنَّةُ. صححهُ الالبانيُّ."
قالَ حُذيفةُ العدويُّ: انطلقتُ يومَ معركةِ اليرموكِ ابحثُ عَنْ بنِ عمٍّ لي، ومعيَ شيءٌ مِنَ الماءِ فوجدتُهُ جريحاً، فقلتُ لهُ أُسقيَكَ؟ فأشارَ إليَ أنْ نعمْ، فإذا برجلٍ يقولُ: آآه، فأشارَ ابنُ عمِّ أنْ أذهبَ بهِ إليهِ، فَجئتُهُ فإذا هوَ هِشامُ بنُ العاصِ، فقلتُ لهُ أُسقيَكَ؟ فَسَمِعَ بهِ آخرَ يقولُ: آآه، فأشارَ هِشامٌ أنْ أذهبَ بهِ إليهِ، فجئتُهُ فإذا هوَ قدْ ماتَ، فرجعتُ إلى هِشامٍ فوجدتُهُ قدْ ماتَ، فرجعتُ إلى بنِ عمِّ فوجدتُهُ قدْ ماتَ." فلا إلهَ إلَّا اللهُ." انظرْ كيفَ يؤثرونَ على أنفسِهم، قالَ تعالى: ويؤثرون على أنفسِهم ولو كانَ بهم خَصَاصَةٌ. أيْ مَجاعةٌ." قال رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: لا يُؤمنُ أحدُكم حتى يُحبَّ لاخيهِ ما يُحبُّ لِنفسهِ. متفقٌ عليهِ." أيْ لا يَكتمِلُ إيمانُ العبدِ حتى يُحبَّ لاخيهِ ما يُحبُّ لِنفسه.
عِبادَ اللهِ: بِناءُ المُجتمعِ شيءٌ عظيمٌ ويحتاجُ إلى جُهدٍ كبيرٍ، وعلى الجميعِ المُشاركةِ في تحقيقهِ، اللهُ عزَّ وجلَّ لا يُريدُ منكَ الصلاةَ والصيامَ وقرءاةَ القرءانِ فقطْ، فالصلاةُ والصيامُ وقرءاةُ القرءانِ والحجُّ والعُمرةُ هذا لك تنفُعُ نفسَك، اللهُ عزَّ وجلَّ يُريدُ منكَ أنْ تُبنيَ مُجتمعاً مُسلماً صالحاً، أنْ تكون متواضعاً أنْ تكونَ حَسُنَ الخُلقِ، أنْ توَّقِّرَ الكبيرَ وتَرحمَ الصغيرَ، أنْ تُبِرَّ والدِيكَ وتَصِلَ رَحِمَكَ، أنْ تتبسمَ في وجهِ أخيكَ المسلمِ، أنْ تتصدقَ على الفقراءِ والمساكينِ، أنْ تسعى على الارملةِ واليتيمِ، فعلى هذا الَّونِ يكونُ بناءُ المجتمعِ صالحاً، ذَهبَ احدُ عُلماءِ المسلمينَ إلى الغربِ، فقالَ: وجدتُ إسلاماً بلا مسلمينَ، ونحنُ مسلمونَ بلا إسلامٍ، فهم أخذوا منَّا أخلاقِ الاسلامِ بإستثناء الصبرِ على الشهواتِ، ونحنُ أخذنا منهم الفنَّ بالشهواتِ، وسَلخنا أخلاقَ الاسلامِ الذي جاءَ بها نبينا مُحمدٌ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، الذي قال: بُعِثتُ لأتَمِّمَ مكارِمَ الاخلاقِ.
عِبادَ اللهِ: أمَرَ اللهُ أُمةَ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، بالاعتصامِ باللهِ ونبذِ الفرقةِ،
فقالَ تعالى: واعتصموا بحبلِ اللهِ جمعياً ولا تفرقوا.
بلْ هدَّدَ اللهُ عبادَهُ بإنَّ مَنْ فَرَّقَ الدينَ وعَمِلَ أحزاباً وخالفَ الهديَ النبويِّ الذي جاءَ بهِ محمدٌ صلى الله عليه وسلَّمَّ، بإنَّهُ ليسَ مِنْ هذهِ الامةِ،
قالَ تعالى: إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ } (159) سورة الأنعام . ايْ أنَّ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ برئٌ منهم، فهم أهلُ البدعِ والضلالةِ والشُبهاتِ،
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: مَنْ فارقَ الجماعةَ شِبراً فماتَ، إلَّا ماتَ ميتةَ جاهليةً. رواهُ البخاريُّ."
عبادَ اللهِ: إنَّ سببَ الفشلِ هوَ الفِرقةُ والتنازعُ، والانغماسُ في مادياتِ الحياةِ، فكَرهنا الموتَ وعَشَقنا الحياةَ،
سببُ الفشلِ هوَ الفِرقةُ، فتفرقنا في بُلدانٍ شتَّى وأصبحَ الواحدُ منَّا يتفاخرُ في بلدهِ، وفي مواهبِ بلدهِ، بلْ وصلَ بنا الامرُ أنْ نحتقِرَ صفاتَ ولغاتَ وأشكالَ البلادِ الاخرى،
قالَ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} سورة الحجرات(13) وقالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أيها الناس: إن ربكم واحد, و إن أباكم واحد, كلكم لآدم و آدم من تراب, إن أكرمكم عند الله اتقاكم, لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى. رواهُ ابو داودٍ وصححهُ الالبانيُّ.
عِبادَ اللهِ: إننا بحاجةٍ ماسةٍ إلى الوحدةِ الاسلاميةِ، وجمعِ كلمةِ الخيرِ، اكثرُ مِنَ الطعامِ والشرابِ، لأنَّ في ذلكَ قوتَنا وعزتَنا،
قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم: إنَّ الشيطانَ ذِئبُ الانسانِ ياخذُ القاصيةَ والنَّاحيةَ فإياكم والشِّعابِ وعليكم بالجماعةِ والعامةِ والمسجد. رواهُ احمد."
فالقضيةُ بدأتْ مِنْ فلسطينَ، ثُمَّ أفغانستانَ ثُمَّ العِراقَ ثُمَّ الشَّامِ، واللهُ اعلم بُكرا مَنْ؟ فلا تزالُ الذئابُ الكافرةُ، تُهدِدُ بلادَ الاسلامِ
سببُ الفشلِ هو التنازعُ والاختلافُ في الرأيِّ، قالَ تعالى: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} (46) سورة الأنفال.
قالَ مُجاهدٌ في قوله تعالى وتذهبَ ريحُكم: أي نُصرَتُكم.
سببُ الفشلِ هوَ الانغماسُ في شهواتِ الحياةِ ومزخارِفها وملذاتِها، يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَتَدَاعَى الأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا ، قُلْنَا : مِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ ؟ قَالَ : لا ، أَنْتُم يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ ، وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ ، يَنْزَعُ اللَّهُ الْمَهَابَةَ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهَنَ ، قِيلَ : وَمَا الْوَهَنُ ؟ قَالَ : حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ " . رواه ابو داود."
وقالَ تعالى: وما أصابكم منْ مُصيبةٍ فبما كسبتْ أيديِكم ويعفو عَنْ كثيرٍ."
سببُ الفشلِ هوَ كثرةُ المعاصي، قالَ تعالى: يايها الذينَ امنوا إنْ تَنصروا اللهَ يَنصرُكم ويُثبتْ أقدَامَكم." صلاتُكَ نصرةٌ لهذا الدينِ، صيامُكَ نُصرةٌ لهذا الدينِ، قراءتكَ للقرءانِ نُصرةٌ لهذا الدينِ، دعاءُكَ نُصرةٌ لِهذا الدينُ، الصبرُ على البلاءِ وعلى الشهواتِ نصرةٌ لِهذا الدينِ، حِجابُ المرأةِ نصرةٌ لِهذا الدينِ،
عِبادَ اللهِ: إذا أردنا الفلاحَ والنَّجاحَ والنَّصرَ والتَّمكينَ لِهذهِ الامةِ، علينا بتطبيقِ شرعِ اللهِ على أنفسنا وإن كانْ لمْ يُطبَّقْ بالارضِ، قالَ احدُ الحكماءِ: طبقْ شرعَ اللهِ على نفسِكَ يُقامُ في الارضِ، وعلينا أنْ نُطبقَ سنةَ نبيِّنا محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: تركتُ فيكم أمرينِ إنْ تَمسكتُم بهما لنْ تضلوا بعدي أبداً، كتابَ اللهِ وسنتي. وعلينا أنْ نقتديَ بإثارِ الصحابةِ والسلفِ الصالحِ في حياتِنا ومعاملتِنا مَعَ النَّاسِ، قالَ الامامُ مالكٌ: لا يَصلُحُ آخرُ هذه الامةِ، إلَّا ما صَلَحَ بهِ أولُها.
أقولُ ما تسمعونَ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكمْ فاستغفروهُ وتوبوا إليهِ، إنَّه هوَ التوابُ الرحيمُ."
أمَّا بعدُ: عِبادَ اللهِ: عَنْ عبدِ بنِ عمرٍو رضيَ اللهُ عنهما قالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: المُسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ مِنْ لِسانهِ ويدهِ، والمُهاجرُ مَنْ هجرَ ما نهى اللهُ عنهُ. رواهُ البخاريُّ."
المُسلمُ مَنْ سَلِمَ المسلمونَ مِنْ لِسانهِ ويدهِ، مِنْ صُورِ إيذاءِ المسلمينَ الغيبةُ والشتمُ والقذفُ بالباطلِ واستحلالُ عِرضهِ، قالَ تعالى: إنَّ الذينَ يؤذونَ المؤمنينَ والمؤمناتِ بغيرِ ما اكتسبوا فقدْ احتملوا بُهتاناً وإثماً مُبيناً."
وقالَ رسول اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ" قَالُوا الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا وَسَفَكَ دَمَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". رواهُ مسلمٌ."
وقالَ احدُ السلف: فليكنْ حظُّ المسلمِ منكَ ثلاثٌ، إنْ لمْ تنفَعْهُ فلا تَضُرُّهُ، وإنْ لمْ تُفرحْهُ فلا تُغِمُّهُ، وإنْ لمْ تمدَحْهُ فلا تُذِمُّهُ، فأياكَ أنْ تؤذيَ أخاكَ المسلمَ بِذرةٍ مِنَ الشرِ، فحقوقُ اللهِ تُغفرُ، أمَّا حقوقُ العبادِ فإنَّها لا تُغفرُ، إلَّا إذا سامحَكَ أخوكَ أمامَ اللهِ يومَ القيامةِ."
والمُهاجرُ مَنْ هجرَ ما نهى اللهُ عنهُ
هلْ هجرنا كُلَّ مظهرٍ سيءٍ فينا؟ هلْ هجرنا الشهواتِ والملذاتِ؟ هلْ هجرنا سماعَ الاغاني والمُلهياتِ؟ هلْ هجرنا المسلسلاتِ الساقطةِ والافلامَ الخليعةَ؟ هلْ هجرنا النظرَ والسماعَ إلى الحرامِ؟ هلْ هجرنا رفقةَ السوءِ وتحلينا بِصُحبةِ الاخيارِ الابرارِ؟ هلْ هجرنا الفراغَ وانشغلنا بالعلمِ والعبادةِ والطاعةِ؟ هلْ هجرنا الكسلَ والتزمنا بالصلواتِ؟ هلْ هجرنا قطعَ الارحامِ واصبحنا نصِلُ أرحامَنَا؟ هلْ هجرنا عقوقَ الوالدينِ وأصبحنا نُبِرُهُما؟
الحقيقةُ إننا بحاجةٍ ماسةٍ لِنراجعْ حسابَتَنا معَ اللهِ، وأنْ نُحاسِبَ أنفسَنَا قبلَ أنْ يُحاسبَنا اللهُ.
اللهمَّ وفقنا لِطاعتِكَ وطاعةِ نبيِّكَ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وطاعةِ مَنْ أمرتَنا بِطاعتهِ عملاً بقولِكَ: يايها الذينَ امنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأولي الامرِ منكم."
وصلِّ اللهمَّ وباركْ على سيدِنا محمدٍ وعلى آلهِ وأصحابِهِ أجمعينَ."
زياد الريسي - مدير الإدارة العلمية
بارك الله فيك شيخ عنان ونفع بعلمك وجزيت خيرا وفضلا وأصلح الله لنا أنفسنا وذرياتنا وأهلينا !
تعديل التعليق