صلاة الفجر فضائلها وتفريط الناس فيها

مبارك العشوان
1436/04/02 - 2015/01/22 22:53PM
إن الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله... مسلمون.
عباد الله: روى البخاري من حديث عبد الله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ ).
الصلاة عباد الله ركن من أركان الإسلام فلا يصح إسلام مع تركها، وقد فرضها الله تعالى خمس صلوات في اليوم والليلة: الفجر والظهر والعصر والمغرب والعشاء.
وفي البخاري ومسلم: أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قـال: ( نَزَلَ جِبْرِيلُ فَأَمَّنِي فَصَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ ثُمَّ صَلَّيْتُ مَعَهُ يَحْسُبُ بِأَصَابِعِهِ خَمْسَ صَلَوَاتٍ )
قد يستغرب البعض عندما نعدد الصلوات، وهي معروفة لكل أحد؛ الصغير والكبير لا يجهلون أن الصلوات خمسا؛ وأن لها أوقاتا محددة؛ ولكنَّ المتأمل في أحوال الناس اليوم يجد منهم من لا يصلي في المسجد إلا أربعا، منهم من لا يشهد الفجر مع الجماعة، بل وجد منهم لا يصليها في وقتها، والمصيبة العظمى من لا يصليها لا في المسجد ولا في بيته أو سكنه.
لذا فإن حديث اليوم عن هذه الصلاة العظيمة، والتي تكاثرت الأدلة في فضائلها، وكذا في التحذير من التهاون بها.
فمما جاء في فضلها أنها صلاة مشهودة، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( تَجْتَمِعُ مَلَائِكَةُ اللَّيْلِ وَمَلَائِكَةُ النَّهَارِ فِي صَلَاةِ الْفَـجْرِ ) قال أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: { إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } رواه البخاري. وقال عَلَيْهِ الصلاة وَالسلام: ( يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ وَصَلَاةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَــلُّونَ ) رواه البخاري ومسلم.
صلاة الفجر هي الصَلاة التي أقسم الله تعالى بها، وسميت سورة من القرآن باسمها: { وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ }الفجر1ـ2
من صلى هذه الصلاة فهو فِي عَهْدِ الله تبارك وتعالى وَأَمَانِهِ وحفظه فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ ) رواه مسلم.
ومن خيرات هذه الصلاة وبركاتها أنَّ: ( مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْلِ، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّهُ ) رواه مسلم.
هذه الصلاةُ سببٌ للنجاة من النار ففي الحديث: ( لَنْ يَلِجَ النَّارَ أَحَدٌ صَلَّى قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا يَعْنِي الْفَجْرَ وَالْعَـصْرَ ) رواه مسلم. وهي سبب لدخولِ الجنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ ) رواه البخاري ومسلم. والبردان هما: الصبح والعصر. وهي كذلك طريق للفوز بأعظم نعيم يُعطاهُ أهلُ الجنة؛ يقول جَرِيرُ بْن عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: ( أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا، يَعْنِي الْعَصْرَ وَالْفَجْرَ، ثُمَّ قَرَأَ جَرِيرٌ: { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَــا }رواه البخاري ومسلم
عباد الله: وهل سمعتم بما جاء في فضلِ سُنةِ الفجرِ؟!
قَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: ( رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ) رواه الإمام مسلم. فإذا كان هذا فضلُ راتبةِ الفجرِ؛ فما ظَنَّكم
بِفريضتها ؟! وقد علمتم أنه ما تقرب أحد إلى الله تعالى بأحـــب إليه مما افترض عليه.
المحافظة على هذه الصلاة مع بقية الصلوات سبب لتكفير السيئات ومحوها كما في البخاري ومسلم: أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: ( أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالُوا لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ قَالَ فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا ). وفي الحديث الآخر: ( الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) رواه مسلم.
جعلني الله وإياكم ممن قال فيهم: { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ } المعارج 34ـ 35
بارك الله لي ولكم ...









الخطبة الثانية:
الحمد لله... أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واحذروا كل الحذر أن تتهاونوا بصلواتكم؛ فهذه سمة أهل النفاق أعاذني الله وإياكم من النفاق، قال تعالى عنهم: { إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً } النساء 142 وقال عنهم: { وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلا وَهُمْ كُسَالَى } التوبة 54 وقال عليه الصلاة والسلام: ( لَيْسَ صَلَاةٌ أَثْقَلَ عَلَى الْمُنَافِقِينَ مِنْ الْفَجْرِ وَالْعِشَاءِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ الْمُؤَذِّنَ فَيُقِيمَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يَؤُمُّ النَّاسَ ثُمَّ آخُذَ شُعَلًا مِنْ نَارٍ فَأُحَرِّقَ عَلَى مَنْ لَا يَخْرُجُ إِلَى الصَّلَاةِ بَعْدُ ) رواه البخاري. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما، قـــــَالَ: ( كُنَّا إِذَا فَقَدْنَا الْإِنْسَانَ فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعِشَاءِ أَسَأْنَا بِهِ الظَّنَّ ). أخرجه ابن حبان وصححه الألباني.
عباد الله: والبعض من الناس هذه حالهم مع الصلوات أو مع بعضها، يتهاونون بها ويتثاقلون عنها ويتكاسلون، يتصفون بأبرز صفة للمنافقين؛ ثم النفاق على أنفسهم.
تعمد النوم عن الصلاة أيها الناس سبب لشديد العذاب، ففي البخاري في حديث رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم أنــــه قال: ( إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا، وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى ) قَالَ: ( قُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللَّهِ مَا هَذَانِ؟ ) إلى آخر الحديث وفيه أنهما قالا له: أَمَّا الرَّجُلُ الأَوَّلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ ). أعاذني الله وإياكم من عذابه.
عباد الله: هذا بعض ما ورد في فضائل هذه الصلاة وبعض ما ورد في التحذير من تركها أو التهاون بها؛ ليتذكر المؤمن فينتفع ولينتبه الغافل والمفرط فيتوب.
لنتواص أيها الناس بهذه الفريضة الأب مع أهله وأولاده، والأخ مع إخوته، والمرأة مع بناتها، والموظف والعامل مع زملائهم.
عباد الله: وهذه على وجه الاختصار بعض الوسائل المعينة على تعظيم شأن صلاة الفجر والاستيقاظ لها: فمنها: سؤال الله تعالى التوفيق والعون للقيام لهذه الصلاة، فبه تعالى يستعان على أمور الدين والدنيا، ولهذا نقرأ في أعظم سور القرآن الكريم وفي كل ركعة من صلواتنا: { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
ومنها ترك المعاصي والبعد عنها فبالمعاصي تزول النعم وتحل النقم، قال تعالى: { وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ } الشورى 30 وفوات صلاة الفجر من أعظم المصائب، فراجع نفسك أخي المسلم وتخلص من ذنوبك التي حرمتك الصلاة؛ جاءَ رجلٌ إلي الحسنِ البصري رحمه الله، فقالَ لهُ: يا أبا سعيدٍ أُعِدُّ طَهوري، وأبيتُ معافى، ولا أستيقظُ للصلاة. فقال الحسنُ: قَيَّدَتكَ ذنوبُك، أحسِن في نهارِك؛ يُحسن لكَ في ليلك.
ومن الأسباب: التَذَكُّر الدائم لما أَعَدَّ اللهُ تعالى لِمَنْ حافظ على هذه الصلاة من الخيرات، وما أعدَّ لمن فرَّطَ فيها وضَيَّعها من العقوبات.
ومن ذلك: ترك السهر، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم: يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العشاء وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا.
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى عن تأخير صلاة الفجر بسبب السهر فأجاب بأنه: لا يجوز للمسلم أن يسهر سهرا يترتب عليه إضاعته لصلاة الفجر في الجماعة أو في وقتها ولو كان ذلك في قراءة القرآن، أو طلب العلم.
ومن الأسباب: التَطَهَّر قبل النَومِ، وقراءة أذكاره ، والنوم على الجنب الأيمن.
ومنها: اتخاذ أسباب الاستيقاظ وضبِطِ المُنَبِهَ على وقتِ الصلاةِ أوْ قَبْلهُ بقليل؛ لِتتمكنَ من الاستعدادِ للصلاة، وتوقظَ غَيْرَكَ لها. أو توصي من يوقظك للصلاة من أهلك أو أصحابك.
ومنها عدم الإكثار من الأكل قبل النوم فالذي يأكلُ كثيراً يشربُ كثيراً وينامُ كثيراً ويخسرُ من عمره كثيراً.
ومنها: ذكُر الله تعالى عند الاستيقاظِ مباشرةً؛ حتى لا تُعَاودَ النومَ فإن المسلمَ إذا ذكر الله عند استيقاظهِ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ مِنْ عُقَدِ الشيطان وسَهُلَ عليهِ القيام.
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه ...
اللهم أعز الإسلام...
ثم صلوا وسلموا...
المشاهدات 2034 | التعليقات 0