صَلَاةُ الجَمَاعَةِ ( هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ )
مبارك العشوان 1
الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أمَّا بَعدُ: فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ: ( أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ فَقَالَ: هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَجِبْ ) [رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
عِبَادَ اللهِ: هَذَا حَدِيثُ عَظِيمٌ فِي وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ عَلَى الرِّجَالِ؛ وَهُوَ مِمَّا يَنْبَغِي تَذَاكُرُهُ وَالتَّوَاصِى بِهِ.
وَقَدْ جَاءَتِ الأَدِلَّةُ بِوُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ وَفَضْلِهَا وَبِالبَشَائِرِ الكَثِيرَةِ لِمَنْ حَافَظَ عَلَيهَا؛ كَمَا جَاءَتْ بالتَّحْذِيرِ مِنَ التَّهَاوُنِ بِهَا، وَالوَعِيدِ الشَّدِيدِ لِمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا.
يَقُولُ عَبْدُ اللهِ بنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: ( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا؛ فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلَاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ، فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى، وَإِنَّهُنَّ مَنْ سُنَنَ الْهُدَى، وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِي بَيْتِهِ، لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ، وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ، وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ، ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ، إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً، وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً، وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً، وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ )
وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( صَلَاةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلَاتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لَا يُخْرِجُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلَّا رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ، مَا دَامَ فِي مُصَلَّاهُ: اللهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللهُمَّ ارْحَمْهُ، وَلَا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلَاةَ ) [مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، وَهَذَا لَفْظُ البُخَارِيِّ]
وَيَقُولُ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( صَلَاةُ الجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ
وَمِنَ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ: ( رَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ فِي الْمَسَاجِدِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
عِبَادَ اللهِ: لَيْسَتِ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ، وَلَا شُهُودُهَا فِي المَسَاجِدِ؛ أَمْرًا اِخْتِيَارِيًّا؛ مَنْ أَرَادَ المَسْجِدَ صَلَّى فِيهِ، وَمَـنْ
أَرَادَ بَيْتَهُ أَوْ سُوقَهُ، أَوْ دَائِرَتَهُ وَمَقَرَّ عَمَلِهِ؛ صَلَّى فِيهِ.
لَيْسَ الأَمْرُ كَذَلِكَ: بَلْ اِسْتَمِعُوا إِلَى قَولِ اللهِ تَعَالَى: { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأبْصَارُ } النور36 ـ 37
اِسْتَمِعُوا إِلَى قَولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ، ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا، ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى رِجَالٍ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقًا سَمِينًا، أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ العِشَاءَ ) [ رَوَاهُ البُخَارِيُّ ]
أَعَاذَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ حَالِهِمْ، وَبَارَكَ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية:
الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ.
أمَّا بَعدُ: فَاتَّقُوا اللهَ - عِبَادَ اللهِ، وَاِصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَجَاهِدُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى طَاعَةِ اللهِ، جَاهِدُوا أَنْفُسَكُمْ عَلَى صَلَاةِ الجَمَاعَةِ مَعَ المُصَلِّينَ؛ وَأَبْشِرُوا؛ فَإِنَّهَا وَإِنْ بَعُدَتْ عَلَيْكُمُ المَسَاجِدُ، وَطَالَتْ بِكُمُ الخُطْى؛ فَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ: ( أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ وَانْتِظَارُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَذَلِكُمْ الرِّبَاطُ ) [ رَوَاهُ مُسْلِمٌ ]
ثُمَّ احْذَرْ يَا مَنْ تَتَهَاوَنُ بِصَلَاةِ الجَمَاعَةِ، وَتَتَخَلَّفُ عَنِ المَسَاجِدِ، اِحْذَرْ يَا مَنْ تُنَادَى: ( حَيَّ عَلى الصَّلاةِ، حَيَّ على الفَلَاحِ ) ثُمَّ لَا تُجِيبُ؛ فَلَقَدْ حَرَمْتَ نَفْسَكَ خَيرًا كَثِيرًا.
يَا مَنْ أَصَحَّ اللهُ جِسْمَكَ، وَأَمَدَّكَ بِالنِّعَمِ تَتَقَلَّبُ فِيهَا لَيلَكَ وَنَهَاركَ، أَهَكَذَا تَشكُرُ نِعَمَ اللهِ.
أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الرَّجُلِ الَّذِي يُهَادَى بَينَ الرَّجُلَينِ حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ [ لَا يَسْتَطِيعُ المَشْيَ بِنَفْسِهِ حَتَّى يَعْضُدَهُ رَجُلٌ عَنْ يَمِينِهِ وَآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ ]
أَيْنَ أَنْتَ مِنَ الرَّجُلِ الأَعْمَى الَّذِي لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُهُ؛ وَلَمْ يُرَخِّصَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ.
أَيُّهَا المُتَهَاوِنُ بِالجَمَاعَةِ، المُتَخَلِّفُ عَنِ المَسَاجِدِ؛ اِعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ مِنْ أَبْرَزِ صِفَاتِ المُنَافِقِينَ؛ فَكُنْ مِنْهَا عَلَى حَذَرٍ.
أَجَارَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النِّفَاقِ.
ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.
اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.
عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
المرفقات
1709155146_صَلَاةُ الجَمَاعَةِ ( هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ ).pdf
1709155162_صَلَاةُ الجَمَاعَةِ ( هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلَاةِ؟ ).docx
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
تعديل التعليق