صلاة الأوابيين

الحمد لله الذي لم يخلق العباد عبثاً، ولم يتركهم سدىً، بل خلقهم لعبادته، أنزل عليهم كتبه، وأرسل إليهم رسله، فبينوا لهم دين الله القويم، وصراطه المستقيم، وتركوهم على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك. أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

إخوة الإيمان والعقيدة ... من رحمة الله بعباده، وفضله وامتنانه، أن كثر وعدد لهم طرق الخير، وأسباب الرضى والقبول، ويسَّـر كل إنسان لما خلق له، وفضل بعض الأعمال على بعض، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال (يُصْبِحُ عَلَى كُلِّ سُلَامَى مِنْ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ ، فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنْ الْمُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِنْ الضُّحَى).

فإن صلاة الأوابين فعلها يسير، وفضلها كبير، وثوابها جزيل، ولو لم يكن لها فضل إلا أنها تجزئ عن الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان كل يوم لكفاها فضلاً ، وزاد المرء عليها حرصـاً ، فما صفة هذه الصلاة ؟ وكم عدد ركعاتها؟ وما حكمها وأفضل أوقاتها؟ وما يتعلق بها؟ هذا ما نود الإشارة إليه في هذه العجالة ، وبالله تعالى التوفيق.

عباد الله .... أقل صلاة الضحى: ركعتان. وأفضلها: أربع ركعات، مثنى مثنى. وأكثرها: ثمان ركعات، وقيل اثنتا عشرة ركعة، وقيل لا حدَّ لأكثرها.
جاء في حديث أم هانئ رضي الله عنها: إن النبي ﷺ دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات. وعن عائشة رضي الله عنها: كان يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء. وعن جابر رضي الله عنه: أنه ﷺ صلى الضحى ست ركعات.

وعن أبي الدرداء وأبي ذر رضي الله عنهما عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ قَالَ ( ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ لِي مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، أَكْفِكَ آخِرَهُ ) وفي رواية ( أتعجز يا ابن آدم أن تصلي أول النهار أربع ركعات أكفك بهن آخر يومك! ) أَيْ: أَكْفِك شُغْلَك وَحَوَائِجَك وَأَدْفَع عَنْك مَا تَكْرَهُهُ بَعْدَ صَلَاتِك إِلَى آخِرِ النَّهَارِ : وَالْمَعْنَى أَفْرِغْ بَالَك بِعِبَادَتِي فِي أَوَّلِ النَّهَارِ أُفْرِغْ بَالَك فِي آخِرِهِ بِقَضَاءِ حَوَائِجِك.

عباد الله ... كان ﷺ يخفف في صلاة الضحى القراءة، مع إتمام الركوع والسجود، فهي صلاة قصيرة خفيفة، تقول أم هانئ رضي الله عنها في وصفها لصلاته ﷺ لها: ... فلم أر قط أخَـفًّ منها، غير أنه يتم الركوع والسجود. وفي رواية عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: لا أدري أقيامه فيها أطول أم ركوعه أم سجـوده، كل ذلك يتقارب.

عباد الله ... اعلموا أن وقت صلاة الضحى يبدأ من ارتفاع الشمس إلى الزوال. وأفضل وقتها عندما تَرْمَض الفصال، لحديث زيد بن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال ( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال ) أي: إذا اشتدت حرارته من المشمس أي حين يبول الفصلان من شدة الحر في أخفافها.

أسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته.

أقول ما تسمعون، واستغفر الله

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أرشف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

معاشر المؤمنين ... صلاة الضحى سنة مؤكدة عن النبي ﷺ كما بيَّنا سابقًا من قوله وفعله ﷺ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أَوْصَانِي خَلِيلِي بِثَلَاثٍ لا أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ : صَوْمِ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَصَلاةِ الضُّحَى ، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أَوْصَانِي حَبِيبِي ﷺ بِثَلَاثٍ لَنْ أَدَعَهُنَّ مَا عِشْتُ : بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَصَلَاةِ الضُّحَى ، وَبِأَنْ لَا أَنَامَ حَتَّى أُوتِرَ.

فوصية النبي ﷺ لأبي الدرداء وأبي هريرة رضي الله عنهما تدل على فضيلة الضحى ، وكثرة ثوابه وتأكده ، ولذلك حافظا عليه ولم يتركاه.

وهي وصيته ﷺ لأمته، فامتثلوا – يا عباد الله – بوصية المصطفى عليه الصلاة والسلام، وحافظوا على صلاة الضحى، فهي صلاة قصيرة خفيفة، وأجرها كبير وعظيم.

قال رسول الله ﷺ ( لا يحافظ على صلاة الضحى إلا أواب، وهي صلاة الأوابين ) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال ( مَنْ صَلَّى الْغَدَاةَ فِي جَمَاعَةٍ ، ثُمَّ قَعَدَ يَذْكُرُ اللَّهَ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ ، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، كَانَتْ لَهُ كَأَجْرِ حَجَّةٍ ، وَعُمْرَةٍ ، تَامَّةٍ ، تَامَّةٍ ، تَامَّة ) فمن صلى الفجر في جماعة ثم قعد يذكر الله تعالى حتى ترتفع الشمس قدر رُمْح فصلى ركعتين .. فإن هذه تُسمَّى صلاة الإشراق وهي صلاة أول الضحى.

قال عقبة بن عامر رضي الله عنه: أمرنا رسول الله ﷺ أن نصلي الضحى بسور منها والشمس وضحاها، والضحى.

واللهَ أسأل أن ييسرنا لليسرى، وأن ينفعنا بالذكرى.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمُسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّر أعداءَ الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا رخاءً، وسائرَ بلادِ المُسلمين. اللهم وفِّق إمامَنا لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك، ووفِّق جميعَ وُلاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم انصُر جُنودنا البواسل، اللهم ثبِّت أقدامهم، وسدِّد رميَهم، واجعلهم يا ربَّنا قوةً من قوتك يا ذا الجلال والإكرام.

عباد الله ... صلوا