صفةُ صلاةِ النبيّ (2)
أحمد بن ناصر الطيار
الحمد لله ربِّ العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله إله الأولين والآخرين، وقيُّومُ السماوات والأرضين، الذي لا فوز إلا في طاعته، ولا عزَّ إلا في التذلُّل لعظمته، ولا غنى إلا في الافتقار إلى رحمته، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخِيرته من خلقه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد:
إخوة الإيمان: كَانَ نبيّنا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أراد الصلاة يتوضأ، ثم يستاك في بيته بعود الأراك قبل الوضوء أو أثناءه، وكان يحرص عليه أشدّ الحرص ويقول: قَالَ: «لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ»، وفي رواية: «عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ».
ولم يرو أحدٌ من الصحابة رضي الله عنهم أنه كان يستاك عند إقامة الصلاة في المسجد.
فإذا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، ولا يتلفظ بالنية، ويرفع يديه معها ممدودتي الأصابع مستقبلا بهما الْقِبْلَةَ إِلَى فُرُوعِ أُذُنَيْهِ، وَرُوِيَ إِلَى مَنْكِبَيْهِ، ثم يضع يده اليمنى على ظهر اليسرى.
ثم يقرأ دعاء الاستفتاح، وله صيغ منها: «اللَّهُمَّ بَاعِدْ بَيْنِي وَبَيْنَ خَطَايَايَ كَمَا بَاعَدْتَ بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، اللَّهُمَّ اغْسِلْنِي مِنْ خَطَايَايَ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ، اللَّهُمَّ نَقِّنِي مِنَ الذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنَ الدَّنَسِ».
ثم يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، بسم الله الرحمن الرحيم"، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ.
وَكَانَتْ قِرَاءَتَهُ مَدًّا، يَقِفُ عِنْدَ كُلِّ آيَةٍ وَيَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ، ثم يشرع في قراءة ما تيسّر بعد الانتهاء من قراءة الفاتحة، ولا يسكت إلا سكتة لطيفة لأجل ترادّ النفس.
وكان يطيل في قراءة صلاة الفجر، وَأَمَّا الظُّهْرُ فَكَانَ يُطِيلُ قِرَاءَتَهَا أَحْيَانًا، وأما العصر فعلى النصف من قراءة الظُّهْرِ إِذَا طَالَتْ، وَبِقَدْرِهَا إِذَا قَصُرَتْ.
وَأَمَّا الْمَغْرِبُ، فَكَانَ هَدْيُهُ فِيهَا خِلَافَ عَمَلِ النَّاسِ اليوم، فإنه صلاها مرة بـ (الطور) في الركعتين، ومرة بـ (المرسلات).
وأما المداومة على قراءة قصار المفصَّل فيها فليس من هديه عليه الصلاة والسلام.
وأما العشاء: فقرأ - صلى الله عليه وسلم - فيها بـ (التين والزيتون)، ووقَّت لمعاذ رضي الله عنه فيها ب، (والشمس وضحاها) و (سبح اسم ربك الأعلى) و (الليل إذا يغشى) ونحوها.
وكان يطيل الركعة الأولى على الثانية من كُلِّ صَلَاةٍ.
فإذا فرغ من القراءة سكت سكتة لطيفة لأجل ترادّ النفس، ثم رفَع يديه وَكَبَّرَ رَاكِعًا، وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ كَالْقَابِضِ عَلَيْهِمَا، وَبَسَطَ ظهره ومدّه واعتدل، ولم ينصب رأسه ولم يخفّضه.
وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، وَتَارَةً يَقُولُ مَعَ ذَلِكَ أَوْ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ: «سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي»، وَكَانَ رُكُوعُهُ المعتاد مقدارَ عشر تسبيحات، وسجوده كذلك.
ثم يرفع رأسه قَائِلًا: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ، ثم يقول إذا استوى: «ربنا ولك الحمد» أو «اللهم ربنا لك الْحَمْدُ، مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الْأَرْضِ، وَمِلْءَ مَا بينهما، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَيْءٍ بَعْدُ، أَهْلَ الثَّنَاءِ وَالْمَجْدِ، أَحَقُّ مَا قَالَ الْعَبْدُ، وَكُلُّنَا لَكَ عَبْدٌ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ.
ثُمَّ يُكَبِّرُ وَيَخِرُّ سَاجِدًا وَلَا يرفع يديه، وكان يضع ركبتيه ثُمَّ يَدَيْهِ بَعْدَهُمَا، ثُمَّ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ، وَيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ، ويبسط كفيه وأصابعه، ولا يفرج بينهما ولا يقبضهما، وَكَانَ يَقُولُ: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى» ويقول: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي».
ثم يرفع رأسه مكبرا ولا يرفع يديه، ثم يجلس مفترشا، يفرش اليسرى ويجلس عليها وينصب اليمنى، ويضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقيه على فخذيه، ثم يقول: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي، وَاجْبُرْنِي، وَاهْدِنِي، وَارْزُقْنِي».
ثم يصلي الثانية كالأولى إِلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: السُّكُوتِ، وَالِاسْتِفْتَاحِ، وَتَكْبِيرَةِ الإحرام، وتطويلها، فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يستفتح، ولا يسكت بين التكبير وبين قراءة الفاتحة، ولا يكبِّر للإحرام فيها، ويقصِّرها عن الأولى.
اللهم علّمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علّمتنا، إنك ربنا رؤوف رحيم.
********************
الحمد لله وحده، والصلاةُ والسلام على من لا نبيّ بعده, أما بعد:
إخوة الإيمان: كَانَ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا جَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ وَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى فخذه الأيسر، ويده اليمنى على فخذه الأيمن، وقبَض ثنتين من أصابعه وحلَّق حلقةً، ثم رفع إصبعه يدعو بها ويحرِّكها، ثم يقول: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ، الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، السلام عليك أيها النبي ورحمة اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أن محمدا عبده ورسوله»، وكان لا يُطيل فيه.
وكان يتورَّك في التشهد الثاني، ويقول فيه ما يقوله في التشهد الأول، ويزيدُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ, كَمَا صَلَّيْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ, وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ, كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ, إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وهذه إحدى الصيغِ الثابتة.
ثم يدعو بعد ذلك، ثم يسلّم تسليمتين.
اللهم أذقنا طعم الإيمان, وَمُنّ علينا في صلاتنا بالخشوع والاطمئنان, يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.
عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
المرفقات
1725544909_صفةُ صلاةِ النبيّ صلى الله عليه وسلم (2).pdf