صِفَةُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ (حَجُّ التَّمَتُّعِ) 1 ذِي الحِجَّةِ 1440

محمد بن مبارك الشرافي
1440/11/28 - 2019/07/31 11:45AM

صِفَةُ الحَجِّ وَالعُمْرَةِ (حَجُّ التَّمَتُّعِ) 1 ذِي الحِجَّةِ 1440

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ, الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ, الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيه, أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أنَّ مٌحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيماً كثَيراً.

أمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عَبَادَ اللهِ, وَتَعَلَّمُوا عِبَادَاتِكِمْ, فالْمُسْلمَ إذا عَرِفَ سنَّةَ نبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي العِبَادَةِ فَأدَّاهَا على الوَجْهِ الصحيحِ: نالَ رِضَا ربِّهِ, وقدْ كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حريصاً على تعليمِ النَّاسِ الهَدْيَ الصَّحيحَ, ولذلكَ لَمَّا حَجَّ صلى الله عليه وسلم كانَ يقولُ للناسِ (لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ) رواهُ مسلمٌ.

أيُّهَا الإِخوةُ: نَظَراً لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ يَحُجُّ مُتَمَتِّعاً فَإِنَّ هَذِهِ الخُطْبَةُ سَتَكُونُ بِإِذْنِ اللهِ عَنْ صِفَةِ حَجِّ التَّمَتُّع, وَبِإِذْنِ اللهِ يَسْتَفِيدُ مِنْهَا الْمُسْلِمُ سَواءً يُرِيدُ الحَجَّ هَذَا الَعامَ أَمْ لَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إذا وَصَلَ مَنْ يُرِيدُ الإِحْرَامَ إلى المِيقَاتِ, فإنَّهُ يُسَنُّ لَهُ الاغْتِسَالُ والتَطَيُّبُ, فَيَتَنَظَّفُ فِي بَدَنِهِ, ويَأْخُذُ ما يَنْبَغِي أَخْذُهُ مِنَ الشُّعُورِ والأَظْفَارِ إِنْ كانتْ طويلةً, وأمَّا إنْ كانَ قَدْ أَخَذَها في بلدِهِ فلا حَاجَةَ لأنْ يَأْخُذَ مَرَةً ثَانِيَةً لأنَّ ذَلِكَ ليْسَ سُنَّةً للإِحْرَامِ, ثُمَّ يَلْبَسُ الرَّجُلُ إِزَاراً ورِدَاءً, والمَرْأَةُ تَلْبَسُ ما شَاءَتْ مِنَ الثِّيَابِ غَيْرَ مُتَبَرِّجَةٍ بِزِينَةٍ, ولَيْسَ هُنَاكَ ثِيَابٌ للإِحْرَامِ خَاصَّةٌ بالنِّسَاءِ, وعَلَيْهَا أَنْ تَجْتَنِبَ النِّقَابَ والقُفَّازَيْنِ والبُرْقُعَ, ولَكِنَّهَا تُغَطِّي قَدَمَيْهَا بِالشُّرَّابِ ويَدَيْهَا بِالعَبَاءَةِ . ثُمَّ يُصَلِّي إِنْ كَانَ وَقْتُ فَرِيضَةٍ أَوْ صَلَاةِ ضُحَى ثُمَّ يُحْرِمُ نَاوِياً بِقَلْبِهِ قائِلاً: لَبَّيْكَ عُمْرَةً, وبِهَذَا دَخَلَ فِي الإِحْرَامِ.

ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَكَّةَ وَيُكْثِرُ مِنَ التَّلْبِيَةِ: لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ! يُصَوِّتُ بِهَا الرَّجُلُ وتُخْفِيهَا المرْأَةُ, حَتَّى يَصِلَ إِلَى المَسْجِدِ الحَرامِ, فَيَدْخُلَهُ بِرِجْلِهِ اليُمْنَى قَائِلاً: بِسْمِ اللهِ, اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى محمدٍ, اللَّهُمَّ افْتَحْ لي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ, ثُمَّ يَتَوَجَهُ إِلَى الكَعْبِةِ الْمُشَرَّفَةِ, ثُمَّ يَطُوفُ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ, وَيُسَنُّ في هَذَا الطَّوَافِ سُنَّتَانِ, لَيْسَتْ فِي غَيْرِهِ مِنَ الأَطْوِفَةِ: الرَّمَلُ والاضْطِبَاعُ, فَأَمَّا الرَّمَلُ: فَهُوَ إِسْرَاعُ الْمَشْيِ مَعَ مُقَارَبَةِ الخُطَى ويَكُونُ فِي الأَشْوَاطِ الثَّلَاثَةِ الأُولَى فَقَطْ, وأَمَّا الاضْطِبَاعُ: فَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ وَسَطَ رِدَائِهِ تَحْتَ إِبْطِهِ الأَيْمَنِ وطَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقِهِ الأَيْسَرِ, وَيَبْقَى عَاتِقَهُ الأَيْمَنُ مَكْشُوفاً, وهَذِهِ الهَيْئَةُ إِنَّمَا تُشْرَعُ في هَذَا الطَّوَافِ فَقَطْ فَلَا تُشْرَعُ قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ.

وَيُسَنُّ لَهُ في بِدَايَةِ الطَّوَافِ أَنْ يَسْتَلِمَ الحَجَرَ الأَسْوَدَ وَيُقَبِّلَهُ, ومع الزحام يُشَيرُ إِلَيْهِ وَيقَولُ: اللهُ أَكْبَرُ, ثَمَّ يَطُوفُ جَاعِلَاً الكَعْبَةَ عَنْ يَسَارِهِ, وَيُكْثِرُ مِنْ ذِكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَدُعَائِهِ واسْتِغْفَارِهِ وَكُلَّمَا حَاذَى  الرُّكْنَ اليَمَانِيَّ اسْتَلَمَهُ: أَيْ مَسَحَهُ بِيَدِهِ, فِإنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ الاسْتِلَامُ فَإِنَّه لا يُشِيرُ إِلَيْهِ ويُوَاصِلُ طَوَافَهُ, وَيَقُولُ بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ, وَيُكَرِّرُ هَذَا الذِّكْرَ حتَّى يَصِلَ إِلَى الحَجَرِ الأَسْوَدِ, فَيَفْعَلُ عِنْدَهُ مَا فَعَلَهُ في المَرِّةِ الأُولَى, حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ, ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى مَقَامِ إبرَاهِيمَ, وَيَقْرَأُ (وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى) ثُمَّ يَجْعَلُ المَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ ويُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ, فَإِنْ كَانَ زِحَامٌ رَجَعَ إِلَى الخَلْفِ وَلَا يُزَاحِمُ الطَائِفِينَ لأَنَّ الحَقَّ لَهُمْ, ولَوْ صَلَّاهُمَا في أَيِّ جِهَةٍ مِنَ الحَرَمِ أَجْزَأَ, وَيُشْرَعُ لَهُ في هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ: التَّخْفِيفُ, وَأَنْ يَقْرَأَ في الأُولَى بَعْدَ الفَاتِحَةِ سَورَةَ: الْكَافِرُونَ, وفي الرَكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَعْدَ الفَاتِحَةِ: سُورَةَ الإخلاصِ, فِإِذَا انْتَهَى قَامَ, ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى الصَّفَا, فِإِذَا دَنَا مِنَ اَلصَّفَا قَرَأَ (إِنَّ اَلصَّفَا وَاَلْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اَللَّهِ) وقال: أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اَللَّهُ بِهِ.

ثُمَّ يَرَقَىَ اَلصَّفَا حَتَّى يَرَى اَلْبَيْتَ, فَيسْتَقْبَلُ اَلْقِبْلَةَ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ, وَيُوَحَّدُ اَللَّهَ وَيُكَبِّرُهُ وَيَقُولُ (لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ, لَهُ اَلْمُلْكُ, وَلَهُ اَلْحَمْدُ, وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ, لَا إِلَهَ إِلَّا اَللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ, وَنَصَرَ عَبْدَهُ, وَهَزَمَ اَلْأَحْزَابَ وَحْدَهُ) ثُمَّ يَدْعُو دَعَاءً طَوِيلاً حَسْبَ مَا يَسْتَطِيعُ, ثُمَّ يُعِيدُ الذِّكْرَ السَّابِقَ, ثَمَّ يَدْعُو ثُمَّ يُعِيدُ الذِّكْرَ ثُمَّ يُنَزِّلُ يَدَيْهِ ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إِلَى اَلْمَرْوَةِ ماشِياً, حَتَّى يَصِلَ مَكَانَ بَطْنِ الوَادِي, وَهُوَ الآَنَ مُعَلَّمٌ بِالنُّورِ الأَخْضَرِ, فَيَجْرِي جَرْياً شَدِيداً حَسْبَ قُدْرَتِهِ إِلَى نِهَايِةِ النُّورِ الأَخْضَرِ, لَكِنْ إِنْ حَصَلَ ضَرَرٌ عَلَيْه أَوْ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ إِخْوَانِهِ حُجَّاجِ بَيْتِ اللهِ لَمْ يَجْرِ, وَمَشَى مَشْياً مُعْتَاداً, وَالمَرْأَةُ لَا يُشْرَعُ لهَا أَنْ تَجْرِيَ فِي السَّعْيِ [وَهَذَا بِإِجْمَاعِ العُلَمَاءِ] لأَنَّهَا فِتْنَةٌ! حتَّى يَصِلَ إِلَى المَرْوَةِ, فَيَفْعَلُ عَلَيْهَا مَا فَعَلَ علَى الصَّفَا مِنْ رَفْعِ اليَدَيْنِ والذِّكْرِ ثَلَاثاً وَالدُّعَاءِ مَرَّتَيْنِ بَيْنَ ذَلِكَ.

 فِإِذَا انْتَهَى مِنَ السَّعْيِ, حَلَقَ شَعْرَهُ أَوْ قَصَّرَ مِنْهُ, ولَا يَكْفِي أَنْ يَأْخُذَ شَعَرَاتٍ مِنْ كُلِّ  جَانِبٍ, بَلْ لَابُدَّ مِنْ تَعْمِيمِه! والحَلْقُ أَفْضَلُ إِلَّا إِذَا كَانَ قُرْبَ الحَجِّ, كَمَا لَوْ اعْتَمَرَ فِي اليَوْمِ الخَامِسِ أَوْ مَا بَعْدَهُ فَالتَّقْصِيرُ أَفْضَلُ, لكَيْ يَبْقَى شَعْرٌ يَحْلِقُهُ في الحَجِّ, وَبِهَذَا تَمَّتْ عُمْرَتُه.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: فإِذَا كَانَ اليَوْمُ الثَّامِنُ وهُوَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ: أَحْرَمَ مِنْ مَكَانِهِ الَّذِي هُوَ نَازِلٌ فِيهِ, ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى مِنَى إِنْ لَمْ يَكُنْ نَازِلاً بِهَا, فَيُصَلِّي فِي مِنَى الظُّهْرَ والعَصْرَ والمَغْرِبَ وَالعِشَاءَ وَالفَجْرَ, كُلَّ صَلَاةٍ فِي وَقْتِهَا, قَصْراً بِدُونِ جَمْعٍ, والنُّزُولُ بِمِنَى فِي هَذَا اليَوْمِ سُنَّةٌ, فَإِنْ لمْ تَتَيَسَّرْ فَلَا شَيَء عَلَيِهِ, فِإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ سَارُوا إِلَى عَرَفَاتٍ, وَبَقَوْا فِيهَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ, وَيُصَلُّونَ الظُّهْرَ وَالعَصْرَ جَمْعاً وَقَصْراً مَعَ الإِمَامِ إِنْ تَيَسَّرَ وإِلَّا صَلَّوا فِي أَمَاكِنِهِم, وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إِلَّا بَطْنَ الوَادِي فَلَيْسَ مِنْهَا.

وَهَذَا اليَوْمُ يَوْمٌ عَظِيمٌ مِنْ أَيَّامِ اللهِ, فَيَنْزِلُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا يُبَاهِي بِالحَجِيجِ المَلَائِكَةَ, فَيَجْدُرُ بِالْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَغِلَّهُ أَحْسَنَ اسْتِغْلَالٍ فَيُكْثِرُ مِنَ الذِّكْرِ وَقِرَاءَةِ القُرْآنِ والدُّعَاءِ, قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) رواهُ الترمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ الأَلْبَانِيُّ. فَيُكْثِرُ مِنْ هَذَا الذِّكْرِ بِخُصُوصِهِ, وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةَ وَيَدعُو لَنِفْسِهِ وَوَالِدَيْهِ وَأَهْلِهِ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا والآَخِرِةِ, وَيَسْتَمِرُ عَلَى ذَلَكَ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ولا بَأْسَ أَنْ يَسْتَجِمَّ الإِنْسَانُ ويُرِيحَ نَفْسَهُ بِأَكْلٍ أَو شُرْبٍ أَوْ نَوْمٍ, ثُمَّ يُعَاوِدُ الاجْتِهَادَ فِي الدُّعَاءِ والذِّكْر, اَللَّهُمَّ أَعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِين.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصَّلاةُ والسَّلامُ على خَاتَمِ النَّبِيِينَ, وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ, نَبيِنَا محمدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فِإِذَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ, تَوَجَّهَ الحُجَّاجُ إِلَى مُزْدَلِفَةَ بَسَكِينَةٍ وَوَقَارٍ, فِإِذَا وَصَلُوا إِلَيْهَا صَلَّوا المَغْرِبَ والعِشَاءِ جَمْعاً وَقَصْراً (لِلْعِشَاءِ!) وَهَذَا الْمَبِيتُ وَاجِبٌ مِن وَاجِبَاتِ الحَجِّ, وَالسُنَّةُ البَقَاءُ بِالْمُزْدَلِفَةِ إِلَى طُلُوعِ الصُّبْحِ ثَمَّ صَلَاةُ الفَجْرِ فِي أَوَّلِ وَقْتِهَا ثُمَّ اسْتِقْبَالُ القِبْلَةِ والإِكْثَارُ مِنَ الذِّكْرِ إِلَى قُبَيْلِ طُلُوعِ الشَّمْسِ ثُمَّ التَّوَجُّهُ إِلَى مِنَى.

وَيَجُوزُ التَّعَجُّلُ مِنْ مُزْدِلِفَةَ لأَصْحَابِ الأَعْذَارِ وَمَنْ كَانَ مَعَهُم وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ لَأَنَّهُ يَتْبَعُهُمْ, فَيَنْفِرُونَ بَعْدَ أَنْ يَبِيتُوا نِصْفَ اللَّيْلِ في مُزْدَلِفَةَ, وَالأَفْضَلُ أَن لَا يَخْرُجُوا حَتَّى يَغِيبَ القَمَرُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَن بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضْيَ اللهُ عَنْهُم.

فِإِذَا وَصَلَ إِلَى مِنَى: رَمَى جَمْرَةَ العَقَبَةِ بِسَبْعِ حَصَيِاتٍ وَيُكَبَّرُ مَعَ كِلِّ حَصَاةٍ, ثُمَّ نَحَرَ هَدْيَهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ أَوْ وَكَّلَ مَنْ يَثِقُ بِهِ ثُمَّ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ مِنْ جَمِيعِ شَعْرِهِ والحَلْقُ أَفْضَلُ, وَبِهَذَا حَلَّ التَّحَلُّلَ الأَوْلَ فَيَجُوزُ لَهُ كَلُّ شَيءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ بِالإِحْرَامِ إلا النِّسَاءَ, ثُمَّ ينْزِلُ إِلَى مَكَّةَ فَيطُوفُ للإِفَاضَةِ ثُمَّ يَسْعَى سَعْيَ الحَجِّ, وَبِهَذَا حَلَّ التَّحَلُّلَ الثَّانِي, فَيَحِلُّ لَهُ كَلُّ شَيءٍ حَتَّى النِّسَاءِ! فَهَذِهِ خَمْسَةُ أَعْمَالٍ فِي يَومِ العَاشِرِ: رَمْيٌ وَنَحْرٌ وَحَلْقٌ وَطَوافٌ وَسَعْيٌ, فَإِنْ أَخَّرَ شَيْئاً مِنْهَا عَنْ يَوِم العِيدِ أَوْ خَالَفَ بَيْنَهَا فِي التَرْتِيبِ فَلَا حَرَجَ!

ثُمَّ يَعُودُ إِلَى مِنَى فَيبِيتَ بِهَا لَيْلَةَ الحَادِي عَشَرَ وَالثَّانِي عَشَرَ - والثَّالِثَ عَشَرَ إِنْ تَأَخَّرَ وَهُوَ الأَفْضَلُ - وَيَرْمِي الجِمَارَ الثَّلاثَ كَلَّ يَومٍ بَعْدَ الزَّوَالِ, وِلَا يَجُوزُ قَبْلَهُ عَلَى القَوْلِ الصَّحِيحِ وَهُوَ رَأْيُ جُمْهُورِ العُلَمَاءِ.  وَمِنَ السُّنَّةِ أَنْ يَدْعُوَ بَعَدَ رَمْيِ الجَمْرَةِ الأُولَى وَالثَّانِيَةِ, فَيَبْتَعِدُ عَنِ الزِّحَامِ وَيَسْتَقْبِلُ القِبْلَةِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيُطِيلُ الدُّعَاءَ, وَأَمَّا بَعَدَ رَمْيِ جَمْرَةِ العَقَبَةِ فَلَا يُشْرَعُ الدُّعَاءُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمَنْ أَرادَ التَّعَجُلَ خرَجَ مِنْ مِنَى قَبل َغُروبِ شَمسِ يَومِ الثَّانِي عَشَرَ, ثُمَّ إِذَا أَرَادَ السَّفَرَ إِلَى بَلَدِهِ طَافَ لِلْوَدَاعِ ثُمَّ خَرَجَ, وَإِنْ أَخَّرَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَطَافَهُ عِنْدَ خُرُوجِهِ أَجْزَأَهُ عَنِ الوَدَاعِ. وَبِهَذا تَمَّ الحَجُّ وَاكْتَمَلَ النُّسُكُ, فَعَسَى اللهُ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنَّا العَمَلَ وَأَنْ يَتَجَاوَزَ عَنِ الزَّلَلِ.

اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا, وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا اَلَّتِي فِيهَا مَعَادُنا, وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ, وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَر, رَبَّنَا آتِنَا فِي اَلدُّنْيَا حَسَنَةً, وَفِي اَلْآخِرَةِ حَسَنَةً, وَقِنَا عَذَابَ اَلنَّارِ, اَللَّهُمَّ إِنِّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفَجْأَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

الحَجِّ-وَالعُمْرَةِ-حَجُّ-التَّمَت

الحَجِّ-وَالعُمْرَةِ-حَجُّ-التَّمَت

المشاهدات 1082 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا