صفة التيمم والمسح على الخفين
عايد القزلان التميمي
1445/06/16 - 2023/12/29 07:18AM
الحمدُ لله اللطيف الخبير، العليم القدير، شَرَعَ للناسِ أفضلَ الشرائع في الكمال والتيسير، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له العليّ الكبير، وأشهد أنّ نبيَّنا محمّدًا عبده ورسوله البشير النذير صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلا وأَنْتمْ مُسْلِمُونَ))
أيها المؤمنون : إن من نِعم الله الجلية التي ينبغي أن تُذكر فتُشْكَر، أن ديننا الإسلامي دين اليُسر ورفع الحرج ـ بقوله: (( هُوَ ٱجْتَبَـٰكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ مّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرٰهِيمَ هُوَ سَمَّـٰكُمُ ٱلْمُسْلِمِينَ ))
وقال سبحانه: يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ . فاليسر ورفع الحرج له أمثلة كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى (( يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى ٱلصَّلوٰةِ فٱغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ٱلْمَرَافِقِ وَٱمْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى ٱلْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَٱطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُم مّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْهُ مَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ وَلَـٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )).
فقد امتن ربنا سبحانه على عباده بتيسير أمر الطهارة، و شرع لهم التطهر بالصعيد الطيب الطاهر أي التيمم إذا لم يجد المسلم الماء أو يتضرر باستعماله فقال (( وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُم مّنَ ٱلْغَائِطِ أَوْ لَـٰمَسْتُمُ ٱلنّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيّباً فَٱمْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مّنْه )) فهذا هو التيمم؛ يصلي به المسلم ـ إذا احتاج إليه ـ النفل والفرض؛ ولا يبطل إلا بمبطلات الوضوء.
وصفته أن يضرب المتيمم وجه الأرض ضربة واحدة بباطن يديه ثم يمسح بهما مرة وجهه وظاهر كفيه.
عباد الله : وإن من رحمة الله بعباده أيضا ًأن شرع لهم المسح على الخفين بدلا من غَسْلِ الرِّجْلَين
يعني إذا كان على رِجْل المسلم كنادر أو شراب وكان قد لبسهما وهو طاهر فإن الله تعالى برحمته أجاز له المسح عليهما بدلا من غَسْلِ الرِّجْلَين ،
ودليل ذلك في الآية السابقة قوله تعالى (( وَأَرْجُلَكُمْ )) قراءة أخرى صحيحة وهي قراءة الجرِّ أي كسر وَأَرْجُلَكُمْ ؛ فيها رخصة المسح على الخفين والجوربين ونحوهما ،
تكون (أَرجُلِكم) معطوفةً على قوله: وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ، فتدخُل في ضِمنِ الممسوحِ حين تكونُ مستورةً بالخفِّ ونحوه، كما بيَّنتْه السُّنَّة .
والمسح على الخفين رخصة تواترت فيها الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حيث بلغت أربعين حديثاً من رواية سبعين صحابيا،
ومن تلك الأحاديث حديث المغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: كنتُ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في سَفرٍ، فأهويتُ لِأنزعَ خُفَّيه، فقال: ((دَعْهما؛ فإنِّي أدخلتُهما طاهرتينِ، فمَسَح عليهما )) متفق عليه.
أيها المؤمنون، وأما بداية مدة المسح على الخفين أو الجوربين فإنها تكون مِن أول مسحةٍ بعد الحَدَث وليس من أول لبس الخف وجعل للمقيم يومًا وليلة أي: أربعًا وعشرين ساعة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن أي: اثنتان وسبعون ساعة، لما ثبت عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوم وليلة للمقيم)).
ويجب أن يكون الملبوس من خف أو جورب ضافياً وساترا القدم إلى الكعبين، لا يقصر عنهما حتى يكون ساتراً لما يجب غسله؛ ليكون المسح نائباً عن الغَسْلِ، و أما النِّعلان والخفان المقطوعان وكل ما يُلبَس دُون الكعبين فلا يصح المسح عليه . والذي يُمسح هو أعلى الخُف، فيُمرّ المسلم يده من عند أصابع الرِّجْل إلى السَّاق فقط، ويكون المسح باليدين جميعاً على الرجلين جميعاً، يعني اليد اليمنى تمسح الرجل اليمنى، واليد اليسرى تمسح الرجل اليسرى في نفس اللحظة، كما تُمسَح الأذنان، لأن هذا هو ظاهر السنة ،وعلى أي صفة مسح أعلى الخف فإنه يجزئ لكن كلامنا هذا في الأفضل .
أقول ما سمعتم وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أنَّ محمَّدًا عبده ورسوله الصادق الأمين ، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أمَّا بعدُ: فيا عباد الله: اتَّقوا الله - تعالى – واعلموا أن التيسير مقصدٌ من مقاصد هذا الدين وصفة عامّة للشريعة، في أحكامها وعقائدها، وأخلاقها ومعاملاتها، وأصولها وفروعها. فشريعة الله كلّها يسرٌ وسماحة وأحكام الشرع راعت أحوالَ المكلفين وظروفَهم من الصحة والمرض، والحضر والسفر، وأحوال الاضطرار قال الله لاَ يُكَلّفُ ٱللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا
ثم اعلَمُوا أنَّ الله - سبحانه وتعالى - أمرَكُم بأمرٍ بدأ فيه بنفسه؛ فقال جلَّ من قائل عليمًا ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
المرفقات
1703823476_صفة التيمم والمسح على الخفين.docx
1703823477_صفة التيمم والمسح على الخفين.pdf