صدقك وهو كذوب-23-6-1437هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف
محمد بن سامر
1437/06/22 - 2016/03/31 20:11PM
[align=justify]أمابعد: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، قَالَ: "وَكَّلَنِي رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأَتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأَخَذْتُهُ، وَقُلْتُ: وَاللَّهِ لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-قَالَ: إِنِّي مُحْتَاجٌ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ, وَلِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ، قَالَ: فَخَلَّيْتُ عَنْهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ، وَسَيَعُودُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ سَيَعُودُ؛ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: إِنَّهُ سَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-، قَالَ: دَعْنِي فَإِنِّي مُحْتَاجٌ وَعَلَيَّ عِيَالٌ، لاَ أَعُودُ، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ؟، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، شَكَا حَاجَةً شَدِيدَةً، وَعِيَالًا، فَرَحِمْتُهُ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ، فَرَصَدْتُهُ الثَّالِثَةَ، فَجَاءَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ، فَأَخَذْتُهُ، فَقُلْتُ: لَأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-، وَهَذَا آخِرُ ثَلاَثِ مَرَّاتٍ، أَنَّكَ تَزْعُمُ لاَ تَعُودُ ثُمَّ تَعُودُ، قَالَ: دَعْنِي أُعَلِّمْكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهَا، قُلْتُ: مَا هُوَ؟، قَالَ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ، فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ [اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ...] حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ، فَإِنَّكَ لا يَزَالُ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبُك شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، فَأَصْبَحْتُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ؟، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، زَعَمَ أَنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللَّهُ بِهَا، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ، قَالَ: مَا هِيَ؟، قُلْتُ: قَالَ لِي: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ مِنْ أَوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآيَةَ [اللّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ]، وَقَالَ لِي: لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، وَلاَ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ-وَكَانُوا أَحْرَصَ شَيْءٍ عَلَى الخَيْرِ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثِ لَيَالٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟، قَالَ: لاَ، قَالَ: ذَاكَ شَيْطَانٌ".
إخواني الكرام: تأملوا في قولِه-عليه وآله الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ"، خرجتْ من فمِ خيرِ إنسانٍ، في العدوِ اللَّدودِ الشَّيطانِ، فأخبرَ أنه صدقَ في خبرِه ذلك، مع أن طبعَه الكذبُ، وذلك لأنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-كانَ خلُقُه القرآنَ، وقد قالَ اللهُ-تعالى-: [وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُواْ]، أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ وكرهُهُم عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، بَلْ اِسْتَعْمِلُوا الْعَدْلَ فِي كُلِّ أَحَدٍ صَدِيقًا كَانَ أَوْ عَدُوًّا، فما أجملَ العدلَ والإنصافَ، مهما كانتْ العدواةُ والخِلافُ.
عندما نحكمُ على النَّاسِ، ينبغي لنا أن نراعيَ الصِّدقَ والعدلَ، كما قالَ-تعالى-: [وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا]، ولا يليقُ بالمسلمِ أن يكتمَ المحاسنَ ويُظهرَ السَّيئاتِ، ويتناسى الجميلَ ويَذكرَ القَبيحاتِ، وهذا منهجٌ ربَّانيٌّ عظيمٌ، اسمع إلى قولِ اللهِ-تعالى-: [وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ]، القنطارُ: المالُ الكثيرُ، [يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا]، فمعَ أنَّ هذه الآيةَ جاءتْ في سياقِ آياتِ الذَّمِّ لأهلِ الكتابِ، ولكنَّ اللهَ-سبحانَه وتعالى-ذكرَ ما في بعضِهم من الأمانةِ ؛ لنتعلَّمَ الصِّدقَ والعدلَ والأمانةَ.
وكانَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-لا ينتقصُ ما عندَ النَّاسِ من الأخلاقِ الجميلةِ والصفاتِ الطيبةِ، ولو كانوا كفَّارًا، فها هو يقولُ لأصحابِه عن النَّجاشي قبل إسلامِه: "لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجَا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ"، فلم يمنعه كفرُ النَّجاشي عن ذكرِ ما فيه من العدلِ والإحسانِ، بل يبعثُ إليه الصَّحابةَ ليتخلَّصوا من أذى مشركي قريشٍ وعذابِهم.
ولم يكن-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-ينسى لأهلِ الفضلِ فضلَهم، فلمَّا كتبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إلى أَهْلَ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بأمر فتحِ مكةَ، فسألَه رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-، فأخبرَه بعُذرِه، وقالَ له: وَمَا فَعَلْته كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ-عليه وآله الصَّلاةُ والسَّلامُ-: لَقَدْ صَدَقَكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فقَالَ الرسولُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-مُذَّكرًا لعمرَ بمحاسنِ حاطبٍ السَّابقةِ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
وهكذا كانَ أصحابُه-رضيَ اللهُ عنهم-قَالَتْ أمُنا عَائِشَةُ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-في قِصَّةِ غَيرةِ زوجاتِ النَّبيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-منها-قالتْ: فَأَرْسَلَ أَزْوَاجُ النَّبِيُّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ-زَوْجَ النَّبِيِّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْهُنَّ فِي الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-أَيْ تُعَادِلُنِي فِي الْحَظْوَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ عنده-وَلَمْ أَرَ امْرَأَةً قَطُّ خَيْرًا فِي الدِّينِ مِنْ زَيْنَبَ، وَأَتْقَى لِلَّهِ، وَأَصْدَقَ حَدِيثًا، وَأَوْصَلَ لِلرَّحِمِ، وَأَعْظَمَ صَدَقَةً، وَأَشَدَّ ابْتِذَالًا لِنَفْسِهَا فِي الْعَمَلِ الَّذِي تَصَدَّقُ بِهِ وَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ-تَعَالَى-، ولما ذكرتْ عيبًا فيها في قولِها: مَا عَدَا سَوْرَةً مِنْ حِدَّةٍ كَانَتْ فِيهَا–تعني أنها تغضبُ وتثورُ بسِرْعَةِ-اعتذرتْ لها وقالتْ: تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ-تعني إذا غضبتْ تهدأُ بسرعةٍ-.
وهكذا إذا حكموا على أحدٍ، فإنهم يوازنون بين حسناتِ الناسِ وسيئاتِهم، ولا يَبخسونَ النَّاسَ قدرَهم ومنزلَتهم ولو كانَ بينهم أشدَّ العدواةِ، هكذا هيَ أخلاقُ الكِبارِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المُسلمينَ...
أما بعد: فما هو حالُنا في الحكمِ على غيرِنا سواءً كانَ عدوًّا أو صديقًا، بعيدًا أو قريبًا، هل وازَّنا في أقوالِنا؟، أم ظلمْنا في أَحكامِنا؟ هل كَتمنا المحاسنَ لعداوةٍ من العداواتِ؟، أو نسينا من موقفٍ واحدٍ كلَّ المعروفِ والحسناتِ؟ فتشبهنا بالنساءِ، وهنَّ أكثرُ أهلِ النَّارِ، فعَنْ عَبْداللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما-قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-: "أُرِيتُ النَّارَ-أَراه اللهُ النارَ-، فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ قَطُّ أَفْظَعَ، وَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ!، قَالُوا: بِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: بِكُفْرِهِنَّ، قِيلَ: يَكْفُرْنَ بِاللَّهِ؟، قَالَ: يَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ- يعني يجحدنَ معروفَ الزوجِ لهنَّ-، وَيَكْفُرْنَ الإِحْسَانَ-يعني وينكرنَ إحسانَ غيرِهن إليهنَّ-، لَوْ أَحْسَنْتَ إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ، ثُمَّ رَأَتْ مِنْكَ شَيْئًا، قَالَتْ: مَا رَأَيْتُ مِنْكَ خَيْرًا قَطُّ".
فعلينا أن ننظرَ ونوازنَ، ولا نكونُ كالمنافقِ الذي إذا خاصمَ فجرَ، وجحدَ ما كانَ من المعروفِ وأنكرَ، بل علينا أن نعملَ بقولِه –تعالى-: [وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ]، فلا تنسَ فضلَ غيرِك عليك، ولا تُنكرْ معروفَه وإحسانَه، ولا تجعلْ غضبًا يُنسي كلَّ خيرٍ، ولا زلةً تمحي كلَّ جميلٍ، يقولُ سعيدُ بنُ المُسيَّبِ-رحمَه اللهُ-: "ليسَ من شريفٍ ولا عالِمٍ ولا ذي سُلطانٍ إلا وفيه عيبٌ، ولكن من النَّاسِ من لا ينبغي أن تُذكرَ عيوبُه؛ فمن كان فضلُه أكثرَ من نقصِه وُهِبَ نقصُه لفضلِه"، وصدقَ القائلُ:
[/align]
إخواني الكرام: تأملوا في قولِه-عليه وآله الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ"، خرجتْ من فمِ خيرِ إنسانٍ، في العدوِ اللَّدودِ الشَّيطانِ، فأخبرَ أنه صدقَ في خبرِه ذلك، مع أن طبعَه الكذبُ، وذلك لأنَّ النَّبيَّ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-كانَ خلُقُه القرآنَ، وقد قالَ اللهُ-تعالى-: [وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُواْ]، أَيْ لَا يَحْمِلَنَّكُمْ بُغْضُ قَوْمٍ وكرهُهُم عَلَى تَرْكِ الْعَدْلِ فِيهِمْ، بَلْ اِسْتَعْمِلُوا الْعَدْلَ فِي كُلِّ أَحَدٍ صَدِيقًا كَانَ أَوْ عَدُوًّا، فما أجملَ العدلَ والإنصافَ، مهما كانتْ العدواةُ والخِلافُ.
عندما نحكمُ على النَّاسِ، ينبغي لنا أن نراعيَ الصِّدقَ والعدلَ، كما قالَ-تعالى-: [وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا]، ولا يليقُ بالمسلمِ أن يكتمَ المحاسنَ ويُظهرَ السَّيئاتِ، ويتناسى الجميلَ ويَذكرَ القَبيحاتِ، وهذا منهجٌ ربَّانيٌّ عظيمٌ، اسمع إلى قولِ اللهِ-تعالى-: [وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ]، القنطارُ: المالُ الكثيرُ، [يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَّا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا]، فمعَ أنَّ هذه الآيةَ جاءتْ في سياقِ آياتِ الذَّمِّ لأهلِ الكتابِ، ولكنَّ اللهَ-سبحانَه وتعالى-ذكرَ ما في بعضِهم من الأمانةِ ؛ لنتعلَّمَ الصِّدقَ والعدلَ والأمانةَ.
وكانَ رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-لا ينتقصُ ما عندَ النَّاسِ من الأخلاقِ الجميلةِ والصفاتِ الطيبةِ، ولو كانوا كفَّارًا، فها هو يقولُ لأصحابِه عن النَّجاشي قبل إسلامِه: "لَوْ خَرَجْتُمْ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللَّهُ لَكُمْ فَرَجَا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ"، فلم يمنعه كفرُ النَّجاشي عن ذكرِ ما فيه من العدلِ والإحسانِ، بل يبعثُ إليه الصَّحابةَ ليتخلَّصوا من أذى مشركي قريشٍ وعذابِهم.
ولم يكن-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-ينسى لأهلِ الفضلِ فضلَهم، فلمَّا كتبَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إلى أَهْلَ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بأمر فتحِ مكةَ، فسألَه رسولُ اللهِ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-، فأخبرَه بعُذرِه، وقالَ له: وَمَا فَعَلْته كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ-عليه وآله الصَّلاةُ والسَّلامُ-: لَقَدْ صَدَقَكُمْ، فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ، فقَالَ الرسولُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ-مُذَّكرًا لعمرَ بمحاسنِ حاطبٍ السَّابقةِ: "إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ، فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
وَإِذا الحبيبُ أَتَى بذنبٍ واحدٍ***جَاءَتْ محاسنُه بِأَلفِ شَفِيعٍ
وهكذا إذا حكموا على أحدٍ، فإنهم يوازنون بين حسناتِ الناسِ وسيئاتِهم، ولا يَبخسونَ النَّاسَ قدرَهم ومنزلَتهم ولو كانَ بينهم أشدَّ العدواةِ، هكذا هيَ أخلاقُ الكِبارِ.
أستغفرُ اللهَ لي ولكم ولجميعِ المُسلمينَ...
الخطبة الثانية
فعلينا أن ننظرَ ونوازنَ، ولا نكونُ كالمنافقِ الذي إذا خاصمَ فجرَ، وجحدَ ما كانَ من المعروفِ وأنكرَ، بل علينا أن نعملَ بقولِه –تعالى-: [وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ]، فلا تنسَ فضلَ غيرِك عليك، ولا تُنكرْ معروفَه وإحسانَه، ولا تجعلْ غضبًا يُنسي كلَّ خيرٍ، ولا زلةً تمحي كلَّ جميلٍ، يقولُ سعيدُ بنُ المُسيَّبِ-رحمَه اللهُ-: "ليسَ من شريفٍ ولا عالِمٍ ولا ذي سُلطانٍ إلا وفيه عيبٌ، ولكن من النَّاسِ من لا ينبغي أن تُذكرَ عيوبُه؛ فمن كان فضلُه أكثرَ من نقصِه وُهِبَ نقصُه لفضلِه"، وصدقَ القائلُ:
سامِحْ أخاكَ إذا خلَـطْ***منهُ الإصابَةَ بالغلَـطْ
منْ ذا الذي مـا سـاءَ قـَـطُّ***ومنْ لهُ الحُسْنى فقـطْ
منْ ذا الذي مـا سـاءَ قـَـطُّ***ومنْ لهُ الحُسْنى فقـطْ
المرفقات
صدقك وهو كذوب23-6-1437هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.docx
صدقك وهو كذوب23-6-1437هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.docx
صدقك وهو كذوب23-6-1437هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.pdf
صدقك وهو كذوب23-6-1437هـ-هلال الهاجري-الملتقى-بتصرف.pdf