صَائِمُون 12 ــ 9 ــ 1445هـ
عبدالعزيز بن محمد
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ أَمَّا بَعْدُ:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا* يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
أَيُّها المُسْلِمُون: سَعَى سَاعٍ إِلى مَرْضاةِ رَبِه، وعَمِلَ عامِلٌ لِنَيْلِ هُداه.. عَبْدٌ يَتَقَلَّبُ في مَسَالِكِ العُبُودِيَّةِ وفي مَراقِيْها يَرْتَقِي. قَلْبٌ مُخْلِصٌ وفُؤَادٌ خَاشِع، وعَمَلٌ مُتْقَنٌ وهَدِيٌ قَوِيْم. * عَبْدٌ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ للإِسْلامِ فَقَرَّتْ بِهِ عَيْنُهُ. وَمَا أَدْرَكَ عَبْدٌ نِعْمَةً أَعْظَمَ مِن نِعْمَةِ الإِسْلام {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ} {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَىٰ نُورٍ مِّن رَّبِّهِ} * عَبْدٌ مُؤْمِنٌ.. مُقْبِلٌ على رَبِهِ وإِليهِ رَاغِب. يَتَذَلَّلُ إِليه بالعُبُودِيَةِ، فَمَا يَنْفَتِلُ مِنْ عِبادَةٍ إِلا ويَشْرَعُ بأَخْرَى. ولا يَفْرَغُ مِنْ طَاعَةٍ إِلا ويَنْصَبُ لأُختِها {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ*وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب}
* عَبْدٌ مُؤْمِنٌ مُستَجِيْبٌ لله {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} أُمِرَ بالإِخْلاصِ فَأَخْلَص، وأُمِرَ بالصَلاةِ فَصَلَّى، وأَمِرَ بالزَّكاةِ فَزَكَّى، وأَمِرَ بالَحَجِّ فَحَجَّ، وأُمِرَ بالصِيامِ فَصَام. ولِكُلِّ عِبَادَةٍ فَضْلُها وجَزاؤُها. وكُلُّ زَمانٍ لَهُ مِن العِبادَاتِ ما يُتَوَّجُ بِه. وشَهْرُ رَمَضانَ قُرِنَ بِعِبادَةِ الصِّيام. والصِّيامُ مِنْ أَجَلِّ وأَكْرَمِ القُرُبات، عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه أَنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: (كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ، الحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ، قالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: إلَّا الصَّوْمَ؛ فإنَّهُ لِيْ، وَأَنَا أَجْزِي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي.) روه مسلم * صَائِمُون.. حَبَسُوا النَّفْسَ عَن شَهَواتها، وَذَادُوْها عَنْ مَلذَّاتِها. أَقامُتِ التَقْوَى قِوامَ قُلُوبِهِم، فَقَاوَمُوا دَوافِعَ الهَوَى وكَبَحُوا جِماحَ الشَّهَوات. يُقَدِّمًونَ أَمْرَ اللهِ عَلى ما يُرِيْدُون، ويُؤْثِرُونَ رِضاهُ على ما يَشْتَهُون (يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِن أَجْلِي).
* صَائِمُون.. والصِّيامُ مِدادُ التَقْوَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} صَنَعَ الصِّيامُ في قُلُوبِ الصَائِمِينَ مُراقَبَةً للهِ وتَقْوَى. يُراقِبونَ اللهَ في الخَلَوات، يَسْتَشْعِرُونَ مَعِيَّةَ اللهِ لَهُم ونَظَرَهُ إِليهِم، يَسْتَحْضِرُونَ إِحَاطَتَهُ بِشأَنِهِم وَقُدْرَتَهُ عَلِيْهِم. فَما يَجْتَرِؤُونَ على شَيءٍ مِن المُفَطِّراتِ ولَوْ كانُوا في مَنأَىً قَصِياً. لِتَمْتَدَّ هَذِهِ المُراقَبَةُ والتَقْوَى إِلى الاقْتِرانِ بِهِم في كُلِّ أَحْوالِهِم. فَما يَتَجاسَرُونَ على اقْتِرافِ ذَنْبٍ مَهما انْفَرَدُوا {..وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}
* صَائِمُون.. والصِّيامُ جُنَّةٌ يَسْتَجِنُّ بِهِ العَبْدُ مِنَ الشَّيْطانِ ومِنْ وَسَاوِسِه ومِنْ هَمَزَاتِه، ومِنْ شُرُورِ النَّفْسِ الأمَّارةِ بالسُّوءِ. ويَسْتَجِنُّ بِهِ العَبْدُ مِنَ النَّار، عَنْ أَبِيْ سَعِيْدٍ الخُدْرِيِّ رضي اللهُ عَنهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: «مَنْ صَامَ يَوْمًا في سَبِيْلِ اللهِ بَعَّدَ اللهُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِين خَرِيْفاً» متفق عليه صِيامُ يَومٍ في سَبِيْلِ مَرْضاةِ اللهِ.. يُبَعِّدُ اللهُ بِهِ وجْهَ عَبْدِهِ عَنِ النارِ سَبْعِيْنَ خَرِيْفاً. فَما الظَّنُ بِمَنْ صامَ شُهُوراً في سَبِيْل مَرْضاةِ الله.
* صَائِمُون.. هَذَّبَ الصِيامُ أَخْلاقَهُم وجَوارِحَهُم، غَمَرَهُمْ الصِيامُ بِسَكِيْنَةٍ لا اسْتِكانَة. وبِنَشَاطٍ لا خُمُول، وبِجِدٍّ لا كَسَلْ. غَمَرَهُمُ الصِّيامُ بِرَاحَةٍ ورَوْحانِيَّة. أَمْسَكُوا عَن المُفَطِّرَاتِ، وكَفُّوا عَنْ اللَّغْوِ وعَنِ الصَّخَبِ وعَنْ الغَضَبِ وعَنِ المُهاتَرَات. خَلِيْقَةٌ لِلْمُسْلِمِ في كُلِّ وَقْت {وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا} وفي وَقْتِ الصِيامِ تَتَجَلَّى هذِهِ الخَلِيْقَةُ وتَتَأَكَّد. عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَال: (وإذَا كانَ يَوْمُ صَوْمِ أحَدِكُمْ فلا يَرْفُثْ ولَا يَصْخَبْ، فإنْ سَابَّهُ أحَدٌ أوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ) رواه البخاري ومسلم
* صَائِمُون.. أَلْقَوا الأَوْزَارَ عَنْ ظُهُورِهِم، وأَزاحُوْها عَنْ كَواهِلِهِم. حِيْنَ أَدْرَكُوا أَن جَمْعَ الحَسَناتِ يَسْتَلِزِمُ الحِفاظَ عَلَيْها. وأَنَّ الاجْتِهادَ في عَمَلِ القُرُباتِ يجِبُ أَنْ يَقْتَرِنَ بالاجْتِهادِ في ضَمانِ بَقائِها. فَسَارَعُوا بِرَدِّ المَظالِمِ إِلى أَهْلِها.. أَعادُوا مالاً قَدْ اسْتَباحُوه، واسْتَغْفَرُوا لِعَبْدٍ قَدْ اغْتَابُوه. وتَحَلَّلُوا مِنْ مُسْلِمٍ قَدْ بَهَتُوه.
حَفِظُوا أَعْمالَهُمْ بِحْفْظِ أَلْسِنَتِهِم وكَفِّ أَيْدِيْهِم وتَنْقِيَةِ مَكَاسِبِهِم. حُقُوقُ العِبادِ أَعادُوها، وأَعْرَاضُ العِبادِ صَانُوها. فَحُقُوقُ العِبادِ سُتُقْضَى يَومَ الحِسابِ مِنَ الحَسَنات. عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ كَانَتْ عِندَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ، مِنْ عِرْضِهِ أو مِنْ شَيْءٍ، فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ اليومَ قَبْلَ أَن لا يَكُونَ دِينَارٌ ولا دِرْهَمٌ؛ إِنْ كَانَ له عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ، وَإِن لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أَخَذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ» رواه البخاري
* صَائِمُون.. بَذَلُوا أَمْوالَهُم ابْتِغاءَ مَرْضاةِ الله. جَادُوا بالعَطاءِ والنَّفْسُ للشُّحِ تَدْفَعُ. وأَعْظَمُ الصَّدَقَةِ حِيْنَ تَعْتَرِضُ للنَّفْسِ أَسْبابُ والطَمَع. ورَمَضَانُ شَهْرُ الجُودِ والعَطاء. قَالَ عَبدُاللهِ بنُ عَباسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما «كَانَ رَسُوْلُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجْوَدَ ما يَكونُ في رَمَضانَ» متفق عليه * صَائِمُون.. وفي لَيالِ الشَهْرِ للهِ قَائِمُون {كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} * صَائِمُون.. يُسَارِعُونَ إِلى عَمَلِ الصَالحات. وأَفْقَهُ الصَّائِمِيْنَ مَنْ حَافَظَ على الفَرائِضِ وقَامَ بأَداءِ الواجِباتِ. ثُمَّ انْثَنَى إِلى النَوافِلِ فاسْتَزَادَ مِنَ الحَسَنات. وأَفْضَلُ النَوافِلِ ما كانَ أَثَرُهُ في صَلاحِ القَلْبِ أَعْظَم. وعِبادَاتُ القُلُوبِ أَجَلُّ مِنْ عِباداتِ الأَبْدان. ولا عِبادَةَ للبَدَنِ ما لَمْ تَقْتَرِنَ بِها عُبُودِيَّةُ القَلْب {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ *إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}
بارك الله لي ولكم بالقرآنِ العظيم..
الحمدُ للهِ رَبِّ العَالمين، وأَشْهَدُ أَن لا إله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً رَسُوْلُ رَبِّ العَالَمِيْن، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْنَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيْماً أَمَّا بَعْد: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُوْن
أيها المسلمون: صَائِمُون.. وهَنِيئاً لِمَنْ للهِ صَام. لَهُمْ عَنْدَ اللهِ أَوْفَرُ ثَوابٍ وأَكْرَمُ جَزاءَ. عَنْ سهلِ بنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: (إنَّ في الجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ له الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ منه الصَّائِمُونَ يَومَ القِيَامَةِ، لا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ، فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) رواه مسلم
* صَائِمُون.. يَتَقَدَّمُونَ صِيامَهُم بِالسُّحُورِ، وفي السَّحُورِ للصَّائِمِ بَرَكَة. عَنْ أَنَسِ بنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (تَسَحَّرُوا؛ فَإِنَّ في السَّحُوْرِ بَرَكةً) متفق عليه
* صَائِمُون.. ولَهُم في لَحَظَاتِ الأَسْحارِ مُناجاةٌ وذِكْرٌ للهِ واسْتِغْفار.
* صَائِمُون.. وعَلى مَائِدَةِ الإِفْطارِ فَرْحَةٌ تَعْلُو الوُجُوه. وفَرْحَةٌ أُخْرَى مُدَّخَرَةٌ لَهُم يَومَ الجَزَاء. عَنْ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قَالَ: (لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. وَلَخُلُوفُ فِيْهِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ مِن رِيحِ المِسْكِ) روه مسلم
* صَائِمُون.. وللأُسْرَةِ في شَهْرِ الصِيامِ تَرْبِيَةٌ إِيْمانِيَةٌ. تُرَسَّخُ فيها كَثِيْرٌ مِنَ القِيَمِ الإِسْلامِيَّةِ. تُهذَّبُ فيها عُقُولُ الجِيْلِ، وتُزَكَّى فيها نُفُوسُهُم، وتُنَوَّرُ فيها بَصائِرُهُم. في زَمَنٍ تَعْصِفُ بالأُمَةِ أَعاصِيْرُ الفِتَنِ، وتَتَجاذَبُها أَمْواجُ التَّغْيِيْر.
تَرْبِيَةٌ.. تُرَسَّخُ فيها مَعانِي الاسْتِجابَةِ للهِ والانْقيادِ لأَمْرِه. وتُرَسَّخُ فيها مَعانِيْ الوُقُوفُ عِنْدَ حُدُودِ اللهِ. وتُرَسَّخُ فيها.. أَنْ بَيْنَ كُلِّ نَقِيْضَيْنِ حَاجِزٌ يَسِيْرٌ، وأَنَّ بَيْنَ كُلِّ طَرَفِيْنِ فاصِلٌ حَاسِمٌ. فَمَنْ تَـجَاوَزَ حُدُودَ الحَقِّ انْجَرَفَ إِلى البَاطِل. كَما أَنَّ ما بَيْنَ النَّهارِ والليلِ لَحْظَةُ الغُرُوب. فَمَنْ أَفْطَرَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ولَو بِلَحْظَةٍ بَطَلَ صَوْمُه.
* في شَهْرِ الصِيامِ.. تَتَجَلَّى قِيْمَةُ الصَّبْرِ، وأَنَّ مَنْ لا يَصْبِرُ عَلى مطْلَبٍ لَنْ يُحَقِّقَ مُرادَه. صَبْرٌ على طَاعَةِ اللهِ، وصَبْرٌ عَنْ مَعصِيَةِ اللهِ، وصَبْرٌ على ما يُؤْلِمُ مِنْ أَقْدارِ الله.
* في شَهْرِ الصِّيامِ.. تَتَجَلَّى قِيْمَةُ الأُخُوَّةُ الإِيْمانِيةِ.. يَجُوعُ الصَّائِمُ.. فلا يَنْسَى بُطُوناً لا يُفارِقُها الجُوعُ. ويَجْتَمِعُ بأُسْرَتِهِ.. فلا يَنْسَى أُسَراً شَتَتَتها المَصائِبُ. ويَتَقَلَّبْ في الأَمْنِ.. فلا يَنْسَى شُعُوباً أَرْهَقَها الخَوْف.
* وفي شَهْرِ الصِيامِ.. يُرَبَّى الجِيْلُ عَلى استْحْضارِ نِعَمِ اللهِ على المُسْلِمِينَ.. أَنْ وَحَّدَ قُلُوبَهُم على التَوْحِيْدِ وجَمَعَهُم على العِبادَة. بَيْنَما أُمَمُ الكُفْرِ.. يُمَزِّقُها الشِّرْكُ، وتَتَشَعَّبُ بِها الأَهواءُ، وتَتَفَرَّقُ بِها الضَلالات.
* شَهْرُ الصِّيامِ.. شَهْرٌ يُحَلِّقُ بِهِ المُؤْمِنُ إِلى أَعْلَى مَراتِبِ الإِيْمان. والإِيْمانُ اعْتِقادٌ وقَوْلٌ وعَمَل، يَزِيْدُ بالطَّاعَةِ ويَنْقُصُ بالعِصْيان. يَزِيْدُ إِيْمانُ المُؤْمِنِينَ في رَمَضانَ.. بِما أَوْدَعَهُ فيهِ مِنْ صَالحِ القَوْلِ والعَمَل {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ..}
اللهمَّ أحينا مسلمين.. وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين
المرفقات
1711005877_صَائِمون 12ــ 9 ــ 1445هـ.docx
تركي العتيبي
خطبة مؤثرة وعظية
تعديل التعليق