شيئ من الأحكام في بعض الأصوات و الكلام
الغزالي الغزالي
1434/05/23 - 2013/04/04 21:19PM
شيئ من الأحكام في بعض الأصوات و الكلام الجمعة 24 جمادى الأول 1434 هـ : 05 أبريل 2013 م
الْحَمْدُ لِلَّهِ شق النور، وعلم هواجس الصدور، نافذ أمره، دائم بره، شديد بطشه، واجب حمده، فتبارك اسمه، وجل ذكره، محمود بكل لسان، معبود بكل زمان، مقصود بكل مكان، ونشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الرحمن، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالقرآن، والداعي إلى التوبة والإيمان، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وَعلى أنبياء الله ورسله في كل حين وآن.. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ.. مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ! الصوتُ نعمةٌ من الله جل جلاله، والنطقُ مِنَّةٌ من الرحمن سبحانه، فلولا الكلامُ لأصبحَ الإنسانُ شبيها بالجماد أوالحيوان، وصعُبُ عليه التخاطبُ والتواصل والتفاهم، لكن بنعمةِ النطقِ والكلامِ سهُلَ عليه كل ذلك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ بالنطق والقول تكون عبادة الرحمن، فتلاوة القرآن، وذكر الملك الديان، كل ذلك باللسان.. وخير الكلام كلام الله عزوجل، وأفضل الحديث حديث رسول الله .. ومن الآداب الشرعية خفض الصوت في حضرة النبي وسائر المجالس، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}. وكذلك يخفض المسلم صوته في مسجده وسائر المساجد، وعند العطاس، فـ"إذا عطس أحدكم فليضعْ كفَّيه على وجهِه وليخفض صوته". صحيح الجامع. كذلك لا يشرع رفع الصوت عند الدعاء، عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله في سفر، فلما دنونا من المدينة؛ كَبرَّ الناسُ ورفعوا أصواتهم، فقال رسول الله : "يا أيها الناس! إنكم لا تَدْعُون أصمَّ، ولا غائباً؛ إن الذي تَدْعُونَهُ بينكم وبين أعناق ركابكم". صحيح أبي داود. ويكره رفع الأصوات عند القتال والجهاد، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ قال:" كان أصحاب النبي يَكْرَهُونَ الصَّوْتَ عند القِتَالِ"صحيح أبي داود. ويشرع رفع الصوت في الأذان، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، قَالَ لَهُ: (إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ؛ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ)، فَإِنَّهُ: «لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» البخاري. وفي رواية: "إنّ المُؤَذِّنَ يُغْفَرُ لهُ مَدَّ صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ سَمِعَ صَوْتَهُ..". صحيح الجامع. عباد الله! "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط، حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت؛ رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس"صحيح الجامع. ويستحب رفع الصوت عند الخطبة والموعظة، فقد كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ» مسلم. وصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ! لا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ». وعند التأمين في الصلاة، عن وائل بن حُجْرٍ قال: كان رسول الله إذا قرأ: {ولا الضالين}؛ قال: "آمين"، ورفع بها صوته. صحيح أبي داود. وكَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلاةِ، إِذَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ: «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، لا نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَنَاءُ الْحَسَنُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» الدعاء للطبراني. و(كان يخرج في العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير) صحيح الجامع. وعند الاستئذان يرفع صوته ليعلم به أهل الدار، عَنْ أَبِي الْعَلانِيَةِ قَالَ:" أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، ثُمَّ سَلَّمْتُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، ثُمَّ سَلَّمْتُ الثَّالِثَةَ فَرَفَعْتُ صَوْتِي وَقُلْتُ: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدَّارِ)، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَتَنَحَّيْتُ نَاحِيَةً فَقَعَدْتُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ غُلامٌ فَقَالَ: (ادْخُلْ)، فَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي أَبُو سَعِيدٍ: (أَمَا إِنَّكَ لَوْ زِدْتَ لَمْ يُؤْذَنْ لَكَ..) صحيح الأدب المفرد. ورفع الصوت مطلوب عند الحاجة للأكل أو الشرب من ممتلكات الآخرين فـفي الحديث«إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ؛ وَإِلاَّ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلا يَحْمِلْ» سنن أبي داود، والترمذي. ويرفع الصوت عند العمل وهو يحدو ببعض الأبيات ونحو ذلك، فعَنِ البَرَاءِ، قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ، حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ.. وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا .. وَلاَ تَصَدَّقْنَـــا وَلاَ صَلَّيْنَـــــا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا .. وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا .. إِذَا أَرَادُوا فِتْنَـةً أَبَيْنَــــا
يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ) البخاري، ومسلم. وقد يسمع بعض الناس كلام بعض الملائكة فـ"بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: (اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ)، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: (يَا عَبْدَ اللهِ! مَا اسْمُكَ؟) قَالَ: (فُلانٌ) -لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ- فَقَالَ لَهُ: (يَا عَبْدَ اللهِ! لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟) فَقَالَ: (إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ؛ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟) قَالَ: (أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا؛ فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ)". مسلم. إن أصواتَ بعضِ الرجال خيرٌ من كثير من الرجال، وهذه شهادة من النبي لأحد رجاله:«لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ» بغية الباحث، عن زوائد مسند الحارث. والفاروق عمر يفر من صوته الشيطان، عن سعد بن أَبِي وَقَّاصٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ قال:"والذين نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا سَمِعَ الشَّيْطَانُ صَوْتَ عُمَرَ أَوْ حَسَّ عُمَرَ سَالِكًا فَجًّا؛ إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَهُ". ظلال الجنة. وهناك أصواتٌ ممدوحة تُذكِّرُ بالله عند سماعها، وأصواتٌ قبيحة منكرة نستعيذ بالله عند سماعها، ففي الأدب المفرد.. [عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ من رسول الله يَقُولُ: "أَقِلُّوا الْخُرُوجَ بَعْدَ هُدُوءٍ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ خَلْقًا يَبُثُّهُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلابِ أَوْ نهاق الحمير فاستعيذوا بالله من الشيطان". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا؛ فَسَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. وَإِذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الْحَمِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهَا رأت شيطانا؛ فتعوذوا بالله من الشيطان". وأصل هذه الأحاديث في الصحيحين. قال سبحانه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ، إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}. ومن المحظورات أصوات الموسيقى وآلات الملاهي والطبول، عن مجاهد قال:" كنت مع ابن عمر، فسمع صوت طبل، فأدخل إصبعيه في أذنيه، ثم تنحى..". صحيح ابن ماجة. قال مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}؛ قَالَ: (الْمَزَامِيرُ). حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ؛ صَوْتُ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَصَوْتُ رَنَّةٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ". البزار عن أنس. ولم نُنْهَ عن البكاء بل نهينا عن الصراخ والعويل، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:" خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّخْلِ، وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْتَهَى إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَوَضَعَ الصَّبِيَّ فِي حِجْرِهِ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَنْهَانَا عَنِ الْبُكَاءِ؟) قَالَ: «لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ فَاجِرَيْنِ، صَوْتِ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ، مِزْمَارِ شَيْطَانٍ وَلَعِبٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، شَقِّ الْجُيُوبِ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ».مسند أبي داود الطيالسي عن جابر. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُتْبَعَ جِنَازَةٌ مَعَهَا رَانَّةٌ". (الرنَّةُ الصوت، يقال: رنت المرأة إذا صاحت). صحيح ابن ماجة. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالا:" أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ، قَالا: ثُمَّ أَفَاقَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي! وَكَانَ يُحَدِّثُهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ». مسلم، (حلق: أي شعره عند المصيبة لأجلها، سلق: أي رفع الصوت عند المصيبة. خرق: شق الثياب). صحيح ابن ماجة . ومن الصوت المباح، البكاء دون عويل أوصراخ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (أُصِيبَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأَبْكِي وَجَعَلُوا يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللهِ لا يَنْهَانِي، قَالَ: وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو، تَبْكِيهِ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ :"تَبْكِيهِ، أَوْ لا تَبْكِيهِ، مَا زَالَتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ". البخاري ومسلم. ومن الصوت المباح، الدف وما شابهه في النكاح والأفراح، والأعياد والمواسم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ؛ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ». النسائي عن محمد بن حاطب. أما أصوات الصبيان، فأصواتهم دائما عالية، خصوصا عند فرحهم ولعبهم، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِجَالِسًا، فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ؛ فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: «يَاعَائِشَةُ! تَعَالَيْ فَانْظُرِي». فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي: «أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ!». قَالَتْ: (فَجَعَلْتُ أَقُولُ: (لا!) لأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ..). (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ) رواه الترمذي. اللَّهُمَّ اجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، واجعلنا ممن يتبع محمدا ويحيي سنته.. (آمين) وَأقُولُ قَوْلي هَذَا.. الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الإِنْسَانَ، وَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهِ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ الْعِلْمَ هَادِياً إِلَى الرِّفْعَةِ وَالْجِنَانِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخِيرَةُ خَلْقِهِ مِنْ إِنْسٍ وَجَانٍّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ حَازُوا الْفَضْلَ وَالرِّضْوَانَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً يَمْلأُ الْمِيزَانَ.. أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وعلى ذكر الأصوات، توجد أصوات ولكن لا نسمعها، عَلِمْناها بالوحي، المنزل على النبي ، ومنها: أصوات الموتى فـ"إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟! يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصَعِقَ " البخاري عن أبي سعيد. وأهل القبور الذين يعذبون في قبورهم تخرج أصواتهم، فقد (دَخَلَ النَّبِيُّ يَوْمًا نَخْلا لِبَنِي النَّجَّارِ، فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رِجَالٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ؛ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ فَزِعًا، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ). مسند أحمد. « إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ». صحيح الجامع والمعجم الكبير للطبراني عن ابن مسعود. وأصوات الزناة والزواني، واستغاثاتهم لا تنتهي، ففي حديث سمرة الطويل: "فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ-قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ" قَالَ: «فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا». البخاري. فأما إن سألتم عن أهلِ النار، وصراخِهم فيها فاستمعوا لقوله تعالى، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ، فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} . وعن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ، فَأَتَيَا بِي جَبَلاً وَعْرًا، فَقَالا: اصْعَدْ! فَقُلْتُ: إِنِّي لا أُطِيقُهُ، فَقَالا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟ قَالُوا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، .." صحيح ابن خزيمة وصحيح الترغيب. وأصوات النيران غريبة مخيفة، عن عبد الله بن عَمرو، قال: "إن أهلَ النار لَيَدْعُونَ مالكًا فلا يُجيبُهم أربعينَ عامًا، ثم يقول: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}. ثم يَدْعُونَ ربَّهُم فيقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}، فلا يُجيبُهُم مِثْلَ الدنيا، ثم يقولُ: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}، ثم يَأْيَسُ القَومُ، فما هُوَ إلاَّ الزَّفيرُ والشَّهيقُ، تُشْبِهُ أصواتُهُم أصواتَ الحَمير؛ أوَّلُها شَهيقٌ، وآخِرُها زَفيرٌ". صحيح الترغيب. فعند الحشر ينادي الله سبحانه عباده الحفاة العراة.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -أَوْ قَالَ:الْعِبَادُ- عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا" قَالَ: قُلْنَا: (وَمَا بُهْمًا؟) قَالَ: "لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ" قَالَ: قُلْنَا: (كَيْفَ! وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلا بُهْمًا؟!) قَالَ: «بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ». مسند أحمد وصحيح الترغيب. ولا أحد في قدرته الإنكار والعناد، {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. فالشهود عليك منك، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ..}. رواه أحمد بإسناد حسن صحيح. يوم الحشر عند اجتماع الأولين والآخرين والجن والإنس، في هذا اليوم العظيم ماذا يسمعون؟ وهل ترتفع الأصوات؟ {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ، وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا، يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}. وهناك من جانب آخر وفي الحنة، أصواتٌ وأيُّ أصوات؛ في المتعة والجمال، واللذة والنعيم، «إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: (نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانْ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامْ، يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانْ)، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: (نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا يَمُتْنَهْ، نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَهْ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّهْ)». المعجم الأوسط عن ابن عمر. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا طُولَ الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلاتٌ، وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ، يَسْمَعُهَا الْخَلائِقُ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا"، قُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! وَمَا ذَلِكَ الْغِنَاءُ؟ قَالَ: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ، التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّقْدِيسُ، وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ". البعث والنشور للبيهقي. عباد الله! "مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"، وفي رواية: «وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». البخاري.. جمعنا الله على كلمة الحق والهدى، ووفقنا لما يحب وترضى، وأخذ بنواصينا للبر والتقوى.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. اَللّـهُمَّ إنا نسألُك طهارةَ قلوبِنا، وزكاةَ نفوسِنا، وعِفَّةَ ألسنَتِنا، وغَضَّ أبصارِنا، وصَوْنَ أسماعِنا عن كلِّ ما حَرَّمْتَ عَلَيْنا، ونسألُك اللهمَّ إيماناً كاملاً، ويقيناً صادقاً، وقلباً خاشعاً، ولسانًا ذاكراً، وطرفاً دامعاً، وتوبةً قبل الموتِ، ومغفرةً بعد الموتِ، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم بيض وجوهنا، ويمن كتابنا، ويسر حسابنا، وثبت أقدامنا، وسدد ألسنتنا، وثبت حجتنا.. اللهمَّ اجعَل التقوى زادَنا، واجعَل الجنَّة مآبنا، وارزقنا: شكرًا يُرضِيك عنَّا، و ورَعًا عن مَعاصِيك يحجزنا.. اللهمَّ إنّا نسألك الطيِّبات، وترْك المُنكَرات، وإزالة العثرات.. وأنْ تتوبَ علينا، وإنْ أردت بعبادك فتنةً أنْ تقبِضَنا إليك غير فاتنين ولامفتونين.. اللهم اجعل لنا وللمسلمينَ من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل فِتنةٍ عِصْمةً، ومن كل بلاءٍ عافيةً، واجعل حياتنا أمناً وسلاماً وسكينة، وراحةً وطُمأَنِينةً.. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين).. عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.[/font][/size][/color]
الْحَمْدُ لِلَّهِ شق النور، وعلم هواجس الصدور، نافذ أمره، دائم بره، شديد بطشه، واجب حمده، فتبارك اسمه، وجل ذكره، محمود بكل لسان، معبود بكل زمان، مقصود بكل مكان، ونشهد أن لا إله إلا الله الرحيم الرحمن، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث بالقرآن، والداعي إلى التوبة والإيمان، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه، وَعلى أنبياء الله ورسله في كل حين وآن.. أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْمَلُوا بِطَاعَتِهِ وَرِضَاهُ.. مَعَاشِرَ المُسْلِمِينَ! الصوتُ نعمةٌ من الله جل جلاله، والنطقُ مِنَّةٌ من الرحمن سبحانه، فلولا الكلامُ لأصبحَ الإنسانُ شبيها بالجماد أوالحيوان، وصعُبُ عليه التخاطبُ والتواصل والتفاهم، لكن بنعمةِ النطقِ والكلامِ سهُلَ عليه كل ذلك، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى؛ بالنطق والقول تكون عبادة الرحمن، فتلاوة القرآن، وذكر الملك الديان، كل ذلك باللسان.. وخير الكلام كلام الله عزوجل، وأفضل الحديث حديث رسول الله .. ومن الآداب الشرعية خفض الصوت في حضرة النبي وسائر المجالس، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ، وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ، أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى، لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}. وكذلك يخفض المسلم صوته في مسجده وسائر المساجد، وعند العطاس، فـ"إذا عطس أحدكم فليضعْ كفَّيه على وجهِه وليخفض صوته". صحيح الجامع. كذلك لا يشرع رفع الصوت عند الدعاء، عن أبي موسى الأشعري قال: كنت مع رسول الله في سفر، فلما دنونا من المدينة؛ كَبرَّ الناسُ ورفعوا أصواتهم، فقال رسول الله : "يا أيها الناس! إنكم لا تَدْعُون أصمَّ، ولا غائباً؛ إن الذي تَدْعُونَهُ بينكم وبين أعناق ركابكم". صحيح أبي داود. ويكره رفع الأصوات عند القتال والجهاد، عن قَيْسِ بن عُبَادٍ قال:" كان أصحاب النبي يَكْرَهُونَ الصَّوْتَ عند القِتَالِ"صحيح أبي داود. ويشرع رفع الصوت في الأذان، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ، قَالَ لَهُ: (إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ، أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ؛ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ)، فَإِنَّهُ: «لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلاَّ شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» البخاري. وفي رواية: "إنّ المُؤَذِّنَ يُغْفَرُ لهُ مَدَّ صَوْتِهِ وَيُصَدِّقُهُ كلُّ رَطْبٍ ويابسٍ سَمِعَ صَوْتَهُ..". صحيح الجامع. عباد الله! "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة أحال له ضراط، حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت؛ رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس"صحيح الجامع. ويستحب رفع الصوت عند الخطبة والموعظة، فقد كَانَ رَسُولُ اللهِ إِذَا خَطَبَ احْمَرَّتْ عَيْنَاهُ وَعَلا صَوْتُهُ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ مُنْذِرُ جَيْشٍ يَقُولُ: «صَبَّحَكُمْ وَمَسَّاكُمْ» مسلم. وصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ المِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ، فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ، وَلَمْ يُفْضِ الإِيمَانُ إِلَى قَلْبِهِ! لا تُؤْذُوا المُسْلِمِينَ، وَلا تُعَيِّرُوهُمْ، وَلا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ، فَإِنَّهُ مَنْ تَتَبَّعَ عَوْرَةَ أَخِيهِ المُسْلِمِ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ، وَمَنْ تَتَبَّعَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ». وعند التأمين في الصلاة، عن وائل بن حُجْرٍ قال: كان رسول الله إذا قرأ: {ولا الضالين}؛ قال: "آمين"، ورفع بها صوته. صحيح أبي داود. وكَانَ يَقُولُ فِي دُبُرِ الصَّلاةِ، إِذَا سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَقُومَ، يَرْفَعُ بِذَلِكَ صَوْتَهُ: «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ، وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، لا نَعْبُدُ إِلاَّ إِيَّاهُ، لَهُ النِّعْمَةُ وَلَهُ الْفَضْلُ، وَلَهُ الثَنَاءُ الْحَسَنُ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ» الدعاء للطبراني. و(كان يخرج في العيدين رافعا صوته بالتهليل والتكبير) صحيح الجامع. وعند الاستئذان يرفع صوته ليعلم به أهل الدار، عَنْ أَبِي الْعَلانِيَةِ قَالَ:" أَتَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ فَسَلَّمْتُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، ثُمَّ سَلَّمْتُ فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، ثُمَّ سَلَّمْتُ الثَّالِثَةَ فَرَفَعْتُ صَوْتِي وَقُلْتُ: (السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أَهْلَ الدَّارِ)، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَتَنَحَّيْتُ نَاحِيَةً فَقَعَدْتُ، فَخَرَجَ إِلَيَّ غُلامٌ فَقَالَ: (ادْخُلْ)، فَدَخَلْتُ، فَقَالَ لِي أَبُو سَعِيدٍ: (أَمَا إِنَّكَ لَوْ زِدْتَ لَمْ يُؤْذَنْ لَكَ..) صحيح الأدب المفرد. ورفع الصوت مطلوب عند الحاجة للأكل أو الشرب من ممتلكات الآخرين فـفي الحديث«إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ عَلَى مَاشِيَةٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا صَاحِبُهَا فَلْيَسْتَأْذِنْهُ، فَإِنْ أَذِنَ لَهُ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا فَلْيُصَوِّتْ ثَلاثًا، فَإِنْ أَجَابَهُ فَلْيَسْتَأْذِنْهُ؛ وَإِلاَّ فَلْيَحْتَلِبْ وَلْيَشْرَبْ وَلا يَحْمِلْ» سنن أبي داود، والترمذي. ويرفع الصوت عند العمل وهو يحدو ببعض الأبيات ونحو ذلك، فعَنِ البَرَاءِ، قَالَ: (رَأَيْتُ النَّبِيَّ يَوْمَ الخَنْدَقِ وَهُوَ يَنْقُلُ التُّرَابَ، حَتَّى وَارَى التُّرَابُ شَعَرَ صَدْرِهِ.. وَهُوَ يَرْتَجِزُ بِرَجَزِ عَبْدِ اللَّهِ:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا .. وَلاَ تَصَدَّقْنَـــا وَلاَ صَلَّيْنَـــــا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا .. وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأَعْدَاءَ قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا .. إِذَا أَرَادُوا فِتْنَـةً أَبَيْنَــــا
يَرْفَعُ بِهَا صَوْتَهُ) البخاري، ومسلم. وقد يسمع بعض الناس كلام بعض الملائكة فـ"بَيْنَا رَجُلٌ بِفَلاةٍ مِنَ الأَرْضِ، فَسَمِعَ صَوْتًا فِي سَحَابَةٍ: (اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ)، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ، فَأَفْرَغَ مَاءَهُ فِي حَرَّةٍ، فَإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَتْ ذَلِكَ الْمَاءَ كُلَّهُ، فَتَتَبَّعَ الْمَاءَ، فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الْمَاءَ بِمِسْحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ: (يَا عَبْدَ اللهِ! مَا اسْمُكَ؟) قَالَ: (فُلانٌ) -لِلاسْمِ الَّذِي سَمِعَ فِي السَّحَابَةِ- فَقَالَ لَهُ: (يَا عَبْدَ اللهِ! لِمَ تَسْأَلُنِي عَنِ اسْمِي؟) فَقَالَ: (إِنِّي سَمِعْتُ صَوْتًا فِي السَّحَابِ؛ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُولُ: اسْقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ، لاسْمِكَ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا؟) قَالَ: (أَمَّا إِذْ قُلْتَ هَذَا؛ فَإِنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا، فَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ، وَآكُلُ أَنَا وَعِيَالِي ثُلُثًا، وَأَرُدُّ فِيهَا ثُلُثَهُ)". مسلم. إن أصواتَ بعضِ الرجال خيرٌ من كثير من الرجال، وهذه شهادة من النبي لأحد رجاله:«لَصَوْتُ أَبِي طَلْحَةَ فِي الْجَيْشِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ رَجُلٍ» بغية الباحث، عن زوائد مسند الحارث. والفاروق عمر يفر من صوته الشيطان، عن سعد بن أَبِي وَقَّاصٍ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ قال:"والذين نَفْسِي بِيَدِهِ! مَا سَمِعَ الشَّيْطَانُ صَوْتَ عُمَرَ أَوْ حَسَّ عُمَرَ سَالِكًا فَجًّا؛ إِلا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَهُ". ظلال الجنة. وهناك أصواتٌ ممدوحة تُذكِّرُ بالله عند سماعها، وأصواتٌ قبيحة منكرة نستعيذ بالله عند سماعها، ففي الأدب المفرد.. [عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ من رسول الله يَقُولُ: "أَقِلُّوا الْخُرُوجَ بَعْدَ هُدُوءٍ؛ فَإِنَّ لِلَّهِ خَلْقًا يَبُثُّهُمْ، فَإِذَا سَمِعْتُمْ نُبَاحَ الْكِلابِ أَوْ نهاق الحمير فاستعيذوا بالله من الشيطان". وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ رَسُولِ اللَّهِ قَالَ: "إِذَا سَمِعْتُمْ صِيَاحَ الدِّيَكَةِ مِنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهَا رَأَتْ مَلَكًا؛ فَسَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ. وَإِذَا سَمِعْتُمْ نُهَاقَ الْحَمِيرِ مِنَ اللَّيْلِ، فَإِنَّهَا رأت شيطانا؛ فتعوذوا بالله من الشيطان". وأصل هذه الأحاديث في الصحيحين. قال سبحانه: {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ، وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ، إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}. ومن المحظورات أصوات الموسيقى وآلات الملاهي والطبول، عن مجاهد قال:" كنت مع ابن عمر، فسمع صوت طبل، فأدخل إصبعيه في أذنيه، ثم تنحى..". صحيح ابن ماجة. قال مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ}؛ قَالَ: (الْمَزَامِيرُ). حلية الأولياء، وطبقات الأصفياء. وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "صَوْتَانِ مَلْعُونَانِ؛ صَوْتُ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ، وَصَوْتُ رَنَّةٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ". البزار عن أنس. ولم نُنْهَ عن البكاء بل نهينا عن الصراخ والعويل، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ:" خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى النَّخْلِ، وَمَعَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَانْتَهَى إِلَى ابْنِهِ إِبْرَاهِيمَ، وَهُوَ يَجُودُ بِنَفْسِهِ، فَوَضَعَ الصَّبِيَّ فِي حِجْرِهِ، فَبَكَى، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: (يَا رَسُولَ اللَّهِ! تَنْهَانَا عَنِ الْبُكَاءِ؟) قَالَ: «لَمْ أَنْهَ عَنِ الْبُكَاءِ، إِنَّمَا نَهَيْتُ عَنْ صَوْتَيْنِ فَاجِرَيْنِ، صَوْتِ مِزْمَارٍ عِنْدَ نِعْمَةٍ، مِزْمَارِ شَيْطَانٍ وَلَعِبٍ، وَصَوْتٍ عِنْدَ مُصِيبَةٍ، شَقِّ الْجُيُوبِ، وَرَنَّةِ شَيْطَانٍ، وَإِنَّمَا هَذِهِ رَحْمَةٌ».مسند أبي داود الطيالسي عن جابر. وعَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ أَنْ تُتْبَعَ جِنَازَةٌ مَعَهَا رَانَّةٌ". (الرنَّةُ الصوت، يقال: رنت المرأة إذا صاحت). صحيح ابن ماجة. عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، وَأَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى قَالا:" أُغْمِيَ عَلَى أَبِي مُوسَى وَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ أُمُّ عَبْدِ اللهِ تَصِيحُ بِرَنَّةٍ، قَالا: ثُمَّ أَفَاقَ، قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمِي! وَكَانَ يُحَدِّثُهَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: «أَنَا بَرِيءٌ مِمَّنْ حَلَقَ وَسَلَقَ وَخَرَقَ». مسلم، (حلق: أي شعره عند المصيبة لأجلها، سلق: أي رفع الصوت عند المصيبة. خرق: شق الثياب). صحيح ابن ماجة . ومن الصوت المباح، البكاء دون عويل أوصراخ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: (أُصِيبَ أَبِي يَوْمَ أُحُدٍ، فَجَعَلْتُ أَكْشِفُ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ، وَأَبْكِي وَجَعَلُوا يَنْهَوْنَنِي، وَرَسُولُ اللهِ لا يَنْهَانِي، قَالَ: وَجَعَلَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرٍو، تَبْكِيهِ)، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ :"تَبْكِيهِ، أَوْ لا تَبْكِيهِ، مَا زَالَتِ الْمَلائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا، حَتَّى رَفَعْتُمُوهُ". البخاري ومسلم. ومن الصوت المباح، الدف وما شابهه في النكاح والأفراح، والأعياد والمواسم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلالِ وَالْحَرَامِ؛ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ». النسائي عن محمد بن حاطب. أما أصوات الصبيان، فأصواتهم دائما عالية، خصوصا عند فرحهم ولعبهم، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِجَالِسًا، فَسَمِعْنَا لَغَطًا وَصَوْتَ صِبْيَانٍ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ؛ فَإِذَا حَبَشِيَّةٌ تَزْفِنُ وَالصِّبْيَانُ حَوْلَهَا، فَقَالَ: «يَاعَائِشَةُ! تَعَالَيْ فَانْظُرِي». فَجِئْتُ فَوَضَعْتُ لَحْيَيَّ عَلَى مَنْكِبِ رَسُولِ اللَّهِ ، فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَيْهَا مَا بَيْنَ المَنْكِبِ إِلَى رَأْسِهِ، فَقَالَ لِي: «أَمَا شَبِعْتِ، أَمَا شَبِعْتِ!». قَالَتْ: (فَجَعَلْتُ أَقُولُ: (لا!) لأَنْظُرَ مَنْزِلَتِي عِنْدَهُ..). (حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الوَجْهِ) رواه الترمذي. اللَّهُمَّ اجعلنا ممن يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، واجعلنا ممن يتبع محمدا ويحيي سنته.. (آمين) وَأقُولُ قَوْلي هَذَا.. الْحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ الإِنْسَانَ، وَعَلَّمَهُ الْبَيَانَ، وَنَشْهَدُ أَنْ لاَّ إِلَهِ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، جَعَلَ الْعِلْمَ هَادِياً إِلَى الرِّفْعَةِ وَالْجِنَانِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخِيرَةُ خَلْقِهِ مِنْ إِنْسٍ وَجَانٍّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ حَازُوا الْفَضْلَ وَالرِّضْوَانَ، وَسَلَّمَ تَسْلِيماً كَثِيراً يَمْلأُ الْمِيزَانَ.. أَمَّا بَعْدُ: أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: وعلى ذكر الأصوات، توجد أصوات ولكن لا نسمعها، عَلِمْناها بالوحي، المنزل على النبي ، ومنها: أصوات الموتى فـ"إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ، فَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونِي، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا! أَيْنَ يَذْهَبُونَ بِهَا؟! يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإِنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهَا الإِنْسَانُ لَصَعِقَ " البخاري عن أبي سعيد. وأهل القبور الذين يعذبون في قبورهم تخرج أصواتهم، فقد (دَخَلَ النَّبِيُّ يَوْمًا نَخْلا لِبَنِي النَّجَّارِ، فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رِجَالٍ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ؛ مَاتُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، فَخَرَجَ النَّبِيُّ فَزِعًا، فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ). مسند أحمد. « إِنَّ الْمَوْتَى لَيُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمْ، حَتَّى إِنَّ الْبَهَائِمَ لَتَسْمَعُ أَصْوَاتَهُمْ». صحيح الجامع والمعجم الكبير للطبراني عن ابن مسعود. وأصوات الزناة والزواني، واستغاثاتهم لا تنتهي، ففي حديث سمرة الطويل: "فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ-قَالَ: فَأَحْسِبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:- فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ" قَالَ: «فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا». البخاري. فأما إن سألتم عن أهلِ النار، وصراخِهم فيها فاستمعوا لقوله تعالى، {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا، رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ، أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ، فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} . وعن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: "بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ إِذْ أَتَانِي رَجُلانِ، فَأَخَذَا بِضَبْعَيَّ، فَأَتَيَا بِي جَبَلاً وَعْرًا، فَقَالا: اصْعَدْ! فَقُلْتُ: إِنِّي لا أُطِيقُهُ، فَقَالا: إِنَّا سَنُسَهِّلُهُ لَكَ، فَصَعِدْتُ حَتَّى إِذَا كُنْتُ فِي سَوَاءِ الْجَبَلِ إِذَا بِأَصْوَاتٍ شَدِيدَةٍ، قُلْتُ: مَا هَذِهِ الأَصْوَاتُ؟ قَالُوا: هَذَا عُوَاءُ أَهْلِ النَّارِ، .." صحيح ابن خزيمة وصحيح الترغيب. وأصوات النيران غريبة مخيفة، عن عبد الله بن عَمرو، قال: "إن أهلَ النار لَيَدْعُونَ مالكًا فلا يُجيبُهم أربعينَ عامًا، ثم يقول: {إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ}. ثم يَدْعُونَ ربَّهُم فيقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ}، فلا يُجيبُهُم مِثْلَ الدنيا، ثم يقولُ: {اخْسَأُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ}، ثم يَأْيَسُ القَومُ، فما هُوَ إلاَّ الزَّفيرُ والشَّهيقُ، تُشْبِهُ أصواتُهُم أصواتَ الحَمير؛ أوَّلُها شَهيقٌ، وآخِرُها زَفيرٌ". صحيح الترغيب. فعند الحشر ينادي الله سبحانه عباده الحفاة العراة.. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : "يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -أَوْ قَالَ:الْعِبَادُ- عُرَاةً غُرْلاً بُهْمًا" قَالَ: قُلْنَا: (وَمَا بُهْمًا؟) قَالَ: "لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ، أَنَا الدَّيَّانُ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلا يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ، حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، حَتَّى اللَّطْمَةُ" قَالَ: قُلْنَا: (كَيْفَ! وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلا بُهْمًا؟!) قَالَ: «بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ». مسند أحمد وصحيح الترغيب. ولا أحد في قدرته الإنكار والعناد، {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}. فالشهود عليك منك، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ..}. رواه أحمد بإسناد حسن صحيح. يوم الحشر عند اجتماع الأولين والآخرين والجن والإنس، في هذا اليوم العظيم ماذا يسمعون؟ وهل ترتفع الأصوات؟ {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لا عِوَجَ لَهُ، وَخَشَعَتِ الأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا، يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلاً}. وهناك من جانب آخر وفي الحنة، أصواتٌ وأيُّ أصوات؛ في المتعة والجمال، واللذة والنعيم، «إِنَّ أَزْوَاجَ أَهْلِ الْجَنَّةِ لَيُغَنِّينَ أَزْوَاجَهُنَّ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ سَمِعَهَا أَحَدٌ قَطُّ، إِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: (نَحْنُ الْخَيْرَاتُ الْحِسَانْ، أَزْوَاجُ قَوْمٍ كِرَامْ، يَنْظُرْنَ بِقُرَّةِ أَعْيَانْ)، وَإِنَّ مِمَّا يُغَنِّينَ بِهِ: (نَحْنُ الْخَالِدَاتُ فَلا يَمُتْنَهْ، نَحْنُ الآمِنَاتُ فَلا يَخَفْنَهْ، نَحْنُ الْمُقِيمَاتُ فَلا يَظْعَنَّهْ)». المعجم الأوسط عن ابن عمر. وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:" إِنَّ فِي الْجَنَّةِ نَهْرًا طُولَ الْجَنَّةِ، حَافَّتَاهُ الْعَذَارَى قِيَامٌ مُتَقَابِلاتٌ، وَيُغَنِّينَ بِأَحْسَنِ أَصْوَاتٍ، يَسْمَعُهَا الْخَلائِقُ، حَتَّى مَا يَرَوْنَ أَنَّ فِيَ الْجَنَّةِ لَذَّةً مِثْلَهَا"، قُلْنَا: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ! وَمَا ذَلِكَ الْغِنَاءُ؟ قَالَ: "إِنْ شَاءَ اللَّهُ، التَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ، وَالتَّقْدِيسُ، وَثَنَاءٌ عَلَى الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ". البعث والنشور للبيهقي. عباد الله! "مَا مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ، لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ أَيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ، وَيَنْظُرُ أَشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إِلاَّ مَا قَدَّمَ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ"، وفي رواية: «وَلَوْ بِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ». البخاري.. جمعنا الله على كلمة الحق والهدى، ووفقنا لما يحب وترضى، وأخذ بنواصينا للبر والتقوى.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. اَللّـهُمَّ إنا نسألُك طهارةَ قلوبِنا، وزكاةَ نفوسِنا، وعِفَّةَ ألسنَتِنا، وغَضَّ أبصارِنا، وصَوْنَ أسماعِنا عن كلِّ ما حَرَّمْتَ عَلَيْنا، ونسألُك اللهمَّ إيماناً كاملاً، ويقيناً صادقاً، وقلباً خاشعاً، ولسانًا ذاكراً، وطرفاً دامعاً، وتوبةً قبل الموتِ، ومغفرةً بعد الموتِ، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم بيض وجوهنا، ويمن كتابنا، ويسر حسابنا، وثبت أقدامنا، وسدد ألسنتنا، وثبت حجتنا.. اللهمَّ اجعَل التقوى زادَنا، واجعَل الجنَّة مآبنا، وارزقنا: شكرًا يُرضِيك عنَّا، و ورَعًا عن مَعاصِيك يحجزنا.. اللهمَّ إنّا نسألك الطيِّبات، وترْك المُنكَرات، وإزالة العثرات.. وأنْ تتوبَ علينا، وإنْ أردت بعبادك فتنةً أنْ تقبِضَنا إليك غير فاتنين ولامفتونين.. اللهم اجعل لنا وللمسلمينَ من كلِّ همٍّ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل فِتنةٍ عِصْمةً، ومن كل بلاءٍ عافيةً، واجعل حياتنا أمناً وسلاماً وسكينة، وراحةً وطُمأَنِينةً.. اللهم إنا نعوذ بك من الخوف إلا منك، ومن الفقر إلا إليك، ومن الذل إلا لك، نعوذ بك من عضال الداء، ومن شماتة الأعداء، ومن السلب بعد العطاء.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. (آمين).. عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.[/font][/size][/color]
الغزالي الغزالي
مقتبسات
تعديل التعليق