شهيد كربلاء

عبد الرحيم المثيلي
1438/01/04 - 2016/10/05 07:09AM
الخطبة الأولى
أما بعد : فاتقوا الله أيها المؤمنون واعلموا أنكم إليه راجعون .
عباد الله : سنعيش اليوم مع آل بيت نبينا  , نعيش مع البطل الشهيد سيد من سادات شباب الجنة , أرادوا له الذل مع الحياة ... فأبى إلا الشهادة في سبيل الله ..
نعم ..إنه الحسين بن علي بن أبي طالب  , ابن فاطمة بنت محمد  , ولد الحسين في السنة الرابعة من الهجرة , وعاش في كنف أمه وأبيه واستقى من معين أخلاق بيت النبوة في بيت سيدة نساء الجنة ...!
أدرك الحسين من حياة النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين، وصحبه إلى أن توفي وهو راضٍ عنه ، ثم كان الصديق يكرمه ويعظمه، وكذلك عمر وعثمان، وصحب أباه وروى عنه، وشاركه في مغازيه كلها ، وكان معظماً موقراً ولم يزل في طاعة أبيه حتى استشهد أبوه  ، فلما آلت الخلافة إلى أخيه الحسن، وتنازل عنها لمعاوية لم يكن الحسين موافقاً لأخيه لكنه سكت وسلّم , ولم يرد أن يشق عصا الطاعة ويفسد ما أصلحه الحسن
انصرف الحسين في خلافة معاوية إلى الجهاد في سبيل الله ... تحت راية لا إله إلا الله ..ومن الجيوش التي سار فيها الحسين : أول جيش يغزو مدينة قيصر القسطنطينية بقيادة يزيد بن معاوية . « أَوَّلُ جَيْشٍ مِنْ أُمَّتِي يَغْزُونَ مَدِينَةَ قَيْصَرَ ، مَغْفُورٌ لَهُمْ » [ البخاري ].
عباد الله : ولما أخذت البيعة ليزيد بن معاوية في حياة معاوية امتنع الحسين من البيعة ؛ لأنه كان يرى أن هناك من هو أحق بالخلافة والبيعة من يزيد.
فخرج من المدينة إلى مكة، ولم يكن على وجه الأرض يومئذٍ أحد يساويه في الفضل والمنزلة .
فلما مات معاوية  جاءت الكتب والرسائل من أهل العراق إلى الحسين  يدعونه إليهم ليبايعوه بالخلافة ، فبعث ابن عمه مسلم بن عقيل بن أبي طالب  إلى العراق ليكشف له حقيقة الأمر ، فلما دخل مسلم بن عقيل  الكوفة تسامع أهل الكوفة بقدومه ، فجاءوا إليه فبايعوه على إمرة الحسين  ، فاجتمع على بيعته من أهلها ثمانية عشر ألفاً فكتب مسلم إلى الحسين ليقدم إليهم ، فانتشر الخبر فكتب يزيد بن معاوية من دمشق لعامله على الكوفة عبيد الله بن زياد بأن يطلب مسلم بن عقيل ويقتله أو ينفيه عن البلد , فتخاذل أهل العراق عن مسلم  فقبض عليه ابن زياد وقتله .
وكان قبل أن يقتل  قد أرسل إلى الحسين  يطلب منه الرجوع إلى مكة ويخبره أن أهل العراق قد غدروا به .
لم يصدق الحسين الخبر فخرج متوجهاً إلى العراق ومعه أهل بيته من أبنائه وإخوته وأبناء أخيه الحسن , وأبناء مسلم بن عقيل وغيرهم من النساء والأطفال ، وذلك يوم الاثنين العاشر من ذي الحجة سنة 60 هـ. ويقال : إن الحسين لقي الشاعر الفرزدق في الطريق فسلم عليه وسأله عن أمر الناس في العراق فقال له: إن قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية !!
بلغ ابن عمر أن الحسين قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليال فقال له: أين تريد؟ قال: العراق، وهذه كتبهم ورسائلهم وبيعتهم، فقال ابن عمر: لا تأتهم، فأبى، فقال له: إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله ما يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع، فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل.
أقبل الحسين يسير نحو العراق ولم يعلم بمقتل ابن عمه مسلم بن عقيل ، وكان لا يمر بقبيلة من قبائل العرب إلا اتبعوه ، حتى وصل كربلاء ، فقال: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا : كربلاء ، فقال: كرب وبلاء. فلما كان وقت السحر أقبلت عليهم خيول ابن زياد بقيادة الحرّ بن يزيد وكانوا ألف فارس، والحسين وأصحابه متقلدون سيوفهم، فأمر الحسين أصحابه أن يترووا من الماء ويسقوا خيولهم وخيول أعدائهم .
فلما دخل وقت الظهر أمر الحسين رجلاً فأذن ثم خرج فخطب الناس من أصحابه وأعدائه واعتذر إليهم مجيئه هذا، ولكن قد كتب له أهل الكوفة أنهم ليس لهم إمام، ثم أقيمت الصلاة وصلى الحسين بالجميع الظهر ثم صلى بهم العصر لما جاء وقته ، فسأله الحرّ عن هذه الرسائل التي أرسلت له فأحضر له الحسين كتباً كثيرة فنثرها بين يديه وقرأ منها طائفة، فقال الحرّ: قد أُمرنا إذا نحن لقيناك أن لا نفارقك حتى نقدمك على ابن زياد , فقال الحسين الموت أدنى من ذلك. فقال له الحرّ فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلنّ، فقال الحسين: أفبالموت تخوفني ؟:
سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى * إذا ما نوى حقاً وجاهد مسلما
وآسى الرجال الصالحين بنفسه * وفارق خوفاً أن يعيش ويرغما
وبعد صلاة العصر، والحسين جالس أمام خيمته محتبياً بسيفه نعس فخفق برأسه ثم استيقظ وقال لأخته زينب إني رأيت جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي : (( إنك تروح إلينا )).
تقدم جيش ابن زياد نحو الحسين وطلبوا أن ينزل على حكم عبيد الله بن زياد وإلا قاتلنك . فقال أصحاب الحسين: بئس القوم أنتم !! أتريدون قتل ذرية نبيكم وخيار الناس في زمانهم ؟ فقال لهم الحسين: ارجعوا لننظر أمرنا الليلة وكان يريد أن يستزيد تلك الليلة من الصلاة والدعاء والاستغفار , وقام في أول الليل وخطب أصحابه ، فحمد الله وأثنى عليه وقال لأصحابه: من أحب أن ينصرف إلى أهله في ليلته هذه فقد أذنت له، فإن القوم إنما يريدونني، فاذهبوا حتى يفرج الله عز وجل فقالوا له: لا بقاء لنا بعدك، ولا أرانا الله فيك ما نكره , لا والله لا نفعل، ولكن نفديك بأنفسنا وأموالنا وأهلينا، ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك!!
بات الحسين وأصحابه طول ليلهم يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرعون، وخيول عدوهم تدور من ورائهم. فلما أذن الصبح صلى رضي الله عنه بأصحابه صلاة الفجر وكانوا اثنان وثلاثون فارساً وأربعون راجلاً , ثم أعطى رايته أخاه العباس، ودخل خيمته واغتسل وتطيب بالمسك ثم ركب فرسه و اقتتلوا قتالاً شديداً، وقتل من معه جميعاً إلا النساء والأطفال بعد بلاء شديد وقتال ليس له مثيل , ثم تقدموا إليه فقتلوه - قتلهم الله - وجاء أشر القوم سنان بن أبي عمرو فنزل إليه وحز رأسه وحمله إلى ابن زياد في الكوفة .
عباد الله : ولما وصل الجيش إلى الكوفة ومعهم رأس الحسين أمر ابن زياد بالناس فجمعوا ثم صعد المنبر وذكر خبر قتل الحسين فرحاً بذلك ، فقام إليه رجل صالح فقال: ويحك يا ابن زياد! تقتلون أولاد النبيين وتتكلمون بكلام الصديقين .
ثم جاءت الرواحل بالنساء والأطفال وأُدخلوا على ابن زياد، فدخلت زينب ابنة فاطمة فقال ابن زياد: الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم، فقالت: بل الحمد لله الذي أكرمنا بمحمد وطهرنا تطهيرا لا كما تقول، وإنما يفتضح الفاسق ويكذِب الفاجر. قال: كيف رأيتِ صنع الله بأهل بيتكم؟ فقالت: كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فيحاجونك عند الله .
قال عبد الملك بن عمير: دخلت على ابن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس، فوالله ما لبثت إلا زماناً قليلا حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد وإذا برأس ابن زياد بين يدي المختار على ترس . فسبحانك ربي ما أعدلك !!
أرسل هذا الطاغية برأس الحسين إلى يزيد بن معاوية بالشام فلما وضعت بين يديه بكى ودمعت عيناه وقال : كنت أرضى من طاعتكم بدون قتل الحسين، أما والله لو أني صاحبك ما قتلتك .
وكان مقتله رضي الله عنه يوم الجمعة يوم عاشوراء من محرم سنة إحدى وستين , وله من العمر ثمان وخمسون سنة .
عباد الله : لقد أراد الله لهذا الإمام الشهادة ورفع الدرجة، وإلا فقد نهاه عن الخروج إلى العراق وحذره من خذلان الرافضة ابن عباس، وابن عمر، ومحمد بن الحنفية، وذكروه بخذلان الرافضة لأبيه وأخيه من قبل ، ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً، فإن الذين شهروا السلاح في وجهه وقتلوه ومن معه من آل بيته هم نفس الرافضة الذين كتبوا إليه مبايعين وواعدين بنصره .

الخطبة الثانية
أما بعد:
ولنا مع قصة مقتل الحسين عدة وقفات:
أولاً: إن ما حصل بين المسلمين من المعارك والحروب إنما هي فتنة ابتلى الله بها هذه الأمة، وإن من منهج أهل السنة والجماعة الإمساك عما شجر بين الصحابة. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون. فنمسك ألسنتنا عن الخوض في الفتن التي حصلت بينهم ، ونكل أمرهم إلى الله.
ثانياً: إن صيام المسلمين ليوم عاشوراء لا علاقة له بمقتل الحسين أبداً ، وإنما صيامنا ليوم عاشوراء لصيام نبينا له , وحث الناس على صيامه .
ثالثاً: إن كل مسلم ينبغي أن يحزنه مقتل الحسين ، فإنه رضي الله عنه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيد شباب اهل الجنة .
رابعاً: إن المسؤولين عن قتل الحسين  هم شيعته من أهل العراق الذين دعوه لينصروه ثم غدروا به وقاتلوه مع عبيد الله بن زياد .
ذكر في كتب السير أنه جاء حجاج من أهل العراق إلى ابن عمر يسألونه عن المحرم إذا قتل بعوضة هل عليه فدية ؟ فقال : "عجباً لكم يا أهل العراق تقتلون الحسين وتسألوني عن دم البعوض " .

خامساً : اختلف الناس في الموضع الذي دفن به رأس الشهيد الحسين بن علي رضي الله عنهما اختلافاً كثيراً ، والصحيح أنه دفن بالبقيع في المدينة، عند قبر أمه فاطمة الزهراء رضي الله عنهما، أما جسده الطاهر فمدفون بكربلاء ولكن لا أحد يعلم مكان قبره على وجه التحديد .
سادساً : لقد مات من هو خير من الحسين جده رسول الله وأبوه علي بن أبي طالب وأخوه الحسن ! فما بال الشيعة لا ينوحون إلا على الحسين , ويعادون من لا ينوح عليه كنياحتهم . إنه الهوى والضلال المبين !! .

أيها المسلمون : حب الحسين إيمان , وبغضه نفاق , قال  : " الحسن والحسين سيدا شباب الجنة " [ الترمذي ] , و قال  " من أحب الحسن والحسين فقد أحبني , ومن أبغضهما فقد أبغضني " [ أحمد وابن ماجه ] .
فاللهم إنا نسألك حب الحسين , ونبرأ إليك ممن قتل الحسين ... اللهم نسألك حبك وحب من يحبك ..
المرفقات

شهيد كربلاء.docx

شهيد كربلاء.docx

المشاهدات 1386 | التعليقات 0