شُهُودُ يَومِ الْقِيَامَة
سلطان الحصين
.الحَمْدُ للهِ أَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ وَأَشْكُرُهُ، وَأَتُوبُ إِلَيْهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلى يوم الدينِ
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: الشُهُودُ يَوْمَ القِيَامَةِ يَخْتَلِفُونَ عَنْ شُهُودِ الدُّنْيَا، لَا تَنْفَعُ مَعَهُمُ الرَّشَاوِي، وَلَا يَعْرِفُونَ المُجَامَلَاتِ، يُؤْمَرُونَ فَيَنْطِقُونَ، لَا يَزِيدُونَ وَلَا يَنْقُصُونَ، لَا يَكْذِبُونَ وَلَا يَمْتَنِعُونَ، شَهَادَتُهُمْ وَاضِحَةٌ، وَعِبَارَاتُهُمْ مَفْهُومَةٌ، يَرْفَعُونَ رَايَةَ: ﴿أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾[سورة فصلت:21]
فَمِنْ شُهُودِ يَوْمِ القِيَامَةِ: الأَرْضُ، فتشهدُ على الناسِ بِمَا عَمِلُوا عَلَيهَا مِنْ خَيرٍ أوْ شرٍ، يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: ﴿ إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ﴾[سورة الزلزلة:1-5]، وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا﴾ فقَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا أَخْبَارُهَا؟ قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّ أَخْبَارَهَا أَنْ تَشْهَدَ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ وَأَمَةٍ، بِمَا عَمِلَ عَلَى ظَهْرِهَا، أَنْ تَقُولَ: عَمِلْتَ كَذَا وَكَذَا، يَوْمَ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَهُوَ أَخْبَارُهَا»، أخرَجهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ
ومِنْ شُهُودِ يَوْمِ القِيَامَةِ كَذَلِكَ: المَلَكَانِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَٰذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾[سورة ق:21-22]، يقُولُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللهُ فِي تَفْسِيرِهِ: " أَيْ مَلَكٌ يَسُوقُهُ إِلَى المَحْشَرِ، وَمَلَكٌ يَشْهَدُ عَلَيْهِ بِأَعْمَالِهِ "، فَالقَرِينُ مِنَ المَلَائِكَةِ وَالَّذِي لَازَمَهُ طِيلَةَ حَيَاتِهِ، قَدْ كَتَبَ عَلَيْهِ جَمِيعَ مَا لَفَظَ وَعَمِلَ بِهِ، وَالإنسان غَافِلٌ عَنْهُ، فيَبْدَأُ بِالشَّهَادَةِ عليه أَمَامَ اللهِ تَعَالَى
يَسُوقُ اللهُ صِنْفاً مِنَ النَّاسِ، المُتَنَكِّبِينَ عَنِ الصِّراطِ إِلَى أَرْضِ المَحْشَرِ، فَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لِأَحَدِهِمْ: أَلَمْ أُكْرِمْكَ، وَأُسَوِّدْكَ، وَأُزَوِّجْكَ وَأُسَخِّرْ لَكَ الخَيْلَ وَالإِبِلَ، وَأَذَرْكَ تَرْأَسُ وَتَربَعُ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، آمَنْتُ بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرُسُلِكَ وَصَلَّيْتُ وَصُمْتُ، وَتَصَدَّقْتُ، وَيُثْنِي بِخَيرِ مَا اسْتَطَاعَ، فَيَقُولُ: هَا هُنَا إِذَنْ، ثُمَّ يَقُولُ الآنَ نَبْعَثُ شَاهِداً عَلَيْكَ، فَيَسْتَنْكِرُ فِي نَفْسِهِ، مَنْ ذَا الَّذِي يَشْهَدُ عَلَيْهِ، وَإِذَا بِهِ يُفَاجَأ بِخَتْمِ فَمِهِ، وَاسْتِنْطَاقِ جَوَارِحِهِ، فَيُقَالُ لَهَا انْطِقِيْ: ﴿الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾[سورة يس:65]، فَتَنْبَعِثُ الأَصْوَاتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فِي جَسَدِ ذَلِكَ العَاصِي، وَهُوَ يَرَى بِعَيْنِهِ، وَيَسْمَعُ بِأُذُنِهِ مَا لَمْ يَكُنْ يَتَوَقَّعُهُ، وَمَا لَا عَهْدَ لَهُ بِهِ، فَيَدَاهُ تَشْهَدُ، وَسَمْعُهُ يَشْهَدُ، وَبَصَرهُ يَشْهَدُ، وَفَخِذُهُ تَشْهَدُ، وَعِظَامُهُ تَشْهَدُ، وَجِلْدُهُ يَشْهَدُ، وَهُوَ مُضْطَرِبٌ لِهَوْلِ المَنْظَرِ الَّذِي يَرَاهُ وَلَا يَكَادُ يُصَدِّقُهُ، حَتَّى إِذَا خُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الكَلَامِ قَالَ مُخَاطِباً جِلْدَهُ: ﴿ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا﴾ ، وَإِذَا بِالجُلُودِ تَرُدُّ عَلَيْهِمْ: ﴿ قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾، ثُمَّ يَزِيدُ المَوْقِفُ سُوءاً عِنْدَمَا يَسْمَعُونَ التَّوْبِيخَ مِنْ جُلُودِهِمْ: ﴿وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَٰكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ﴾[سورة فصلت:21] وَعِنْدَهَا لَا يَسْتَطِيعُ إِجَابَةَ جَوَارِحِهِ إِلَّا بِالْعِتَابِ الَّذِي لَا يَنْفَعُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ العَصِيبِ
.إِنَّهَا مَوَاقِفُ تَسْتَحِقُّ أَنْ يَتَأَمَّلَهَا الإِنْسَانُ، وَإِنَّهَا لَشَهَادَاتٌ، لَابُدَّ لِلْعَاقِلِ أَنْ يَحْسِبَ حِسَابَهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ، وَإِذَا بِالْأَوْرَاقِ قَدْ كُشِفَتْ وَبِالْأَعْمَالِ قَدْ رُصِدَتْ، وَبِالْأَشْهَادِ وَقَدْ نَطَقَتْ، وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ
.بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُم فِي القُرْآنِ العَظِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُم بِمَا فِيهِ مِنَ الآيَاتِ وَالذِّكْرِ الحَكِيم، أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ
الخطبة الثانية.الحَمْدُ للهِ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ المَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
أَيُّهَا المُسْلِمُونَ: مِنْ شُهُودِ يَوْمِ القِيَامَةِ كَذَلِكَ: نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم؛ ففِي ذَلِكَ اليَوْمِ يُشْرِفُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم بِالشَّهَادَةِ عَلَى المُكَذِّبِينَ وَالعُصَاةِ مِنْ أُمَّتِهِ، يَقُولُ تَعَالَى: ﴿ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ﴾[سورة النساء:41-42]، يُحْشَرُ النَّاسُ فِي سَاحَةِ العَرْضِ الوَاسِعَةِ، وَعَلَى كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدٌ بِأَعْمَالِهَا، وَعِنْدَمَا يَكُونُ هَؤُلَاءِ العُصَاةُ وَاقِفِينَ فِي السَّاحَةِ يُنْتَدَبُ الرَّسُولُ صلى الله عليه وسلم .لِلشَّهَادَةِ، عِنْدَهَا يَتَمَنَّى العُصَاةُ أَنْ تَبْتَلِعَهُمُ الأَرْضُ، وَيُهَالَ عَلَيْهِمُ التُّرَاب، وَلَا يَقِفُوا ذَلِكَ المَوْقِف المَهِين أَمَامَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَشْهَدُ عَلَيهم
.فَاتَّقُوا اللهَ وَحَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا، وَزِنُوا أَعْمَالَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُوزَنُوا، وصلُّوا على الرحمة المهداة، والشَّفيع يوم المحشر والمعاد، فاللَّهُمّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَاركْ عَلَى سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا وَشَفِيعِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ
___
المرفقات
1626439571_شهود يوم القيامة.docx
1626439571_شهود يوم القيامة.pdf