شهر صفر من أشهر الله

بسم الله الرحمن الرحيم

إخوة الإيمان والعقيدة ... عند كل حدث كلام، ومع كل تأريخ وقفة، ومع كل مقام مقال، فلقد دخل علينا في هذه الأيام شهرٌ جديد ألا وهو شهر صفر، وهو أحد الشهور الهجرية ]إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ[ وهو الشهر الذي بعد المحرَّم، وهو الشهر الذي وقعت فيه أحداثٌ عظامٌ وتواريخ جليلة، كغزوةِ الأبواء، وفتح خيبر، ولقد تعددت أقوال العلماء في سبب تسميه هذا الشهر بصفر! ومهما تعدَّدت أسباب التسمية يبقى أن شهر صفر شهرٌ من أشهرِ الله، وزمانٌ من أزمنةِ الله، لا يَحصُل فيه إلا ما قضاه الله وقدَّره، والأزمنةُ لا دخلَ لها فيما يُقدِّرُهُ الله سبحانه تعالى.

ولقد كان العرب في جاهليتهم وقبل الإسلام يتشاءمون من شهر صفر، ويعتقدون أنه شهرُ حلول المكاره ونزول المصائب، والمشركون يتشاءمون من شهر صفر؛ لأنهم يعودون فيه إلى السلب والنهب والغزو والقتل بعد الكف عنها في الأشهر الحرم، حتى إنه لا يتزوج من أراد الزواج في هذا الشهر لاعتقاده أنه لا يوفَّق، ومن أراد تجارة فإنه لا يمضي صفقته في شهر صفر خشية ألا يربح، بل إن التشاؤم والطِّيرة لم يكن حادثًا عند العرب في جاهليتهم فحسب، بل كان موجودًا في الأمم التي سبقتهم، فقوم صالحٍ عليه السلام تشاءموا منه، وقالوا ]اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ[ وأصحاب القرية تشاءموا بالمرسلين ]قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ[ وآلُ فرعون تشاءموا بموسى ومن آمن معه ]فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ[.

وإذا كان أهل الجاهلية يعتقدون في بعض الأشهر الاعتقادات الباطلة، فإن الناظر لحالهم يرى جهلهم وبعدهم عن الهدي الرباني السليم والواضح، فهم لا يعلمون، لا يؤمنون، لا يعقلون، لا يفقهون، صم بكمٌ عميٌ، فهم لا يرجعون، لكن للأسف نجد فئةً من أمة محمد ﷺ من أهل الإسلام، أبتْ أنفسهم إلا أن يتشبهوا بأهلِ الجاهلية، وحذو حَذوهم في بعض بِدَعهم والتشاؤم بهذا الشهر، وهل يُعقل أن يوجد بيننا وفي القرن الحادي والعشرين وفي عصر التطور العلمي والتكنولوجي والشبكات العنكبوتية - مَن لا يزال يعتقد بهذه الخرافات والضلالات والبدع ويؤمن بها!!

تلك البدع والاعتقادات والخرافات الباطلة .. نراها ونجدها منتشرة عند حلول شهر صفر، ويعتقدها بعضٌ من الناس هداهم الله.

التوقف عن إقامة حفلات الزواج وإقامة الأعراس في هذا الشهر تمسكًا بما عليه أهل الجاهلية من التشاؤم. وتجد من البعض، وهو معتقد بذلك أنه يقرأ في آخر أربعاء قول الله تبارك وتعالى ]وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[ من قرأها كذا مره وكذا مرة، فإنها تدفعُ الشر، وتُزيل المكاره التي تنزل آخر شهر صفر، وهذا من الأمور التي لم تثبت في ديننا، وليس لها أصل، وهذه من البدع المُحدثة التي لا أصل لها في الدين الحنيف، والتي لم تثبت عن الرسول ﷺ ولا عن أحد من أصحابه رضوان الله عليهم منها شيء، ولا يوجد لها أصلٌ في الشرع لا من الكتاب ولا من السنة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ، فَهُوَ رَدٌّ).

بل إن العجب العجاب أن هؤلاء لم يكتفوا بمخالفتهم الواضحة للهدي النبوي، وللدين الإلهي، بل تراهم يستدلون على هذه البدع والخرافات بأحاديث مكذوبة، وموضوعة على النبي ﷺ (من بشَّرني بخروج صفر بشرته بالجنة) وهذا حديث باطلٌ لا أصل له، وهو كَذِب مَحض على النبي ﷺ القائل عليه الصلاة والسلام: (مَن كذب عليَّ متعمدًا، فليتبوأ مقعده من النار).

بل إن النبي ﷺ حارب هذا المعتقد، ونهى عنه، فقال ﷺ (لا عَدوى، ولا طِيرة، ويعجبني الفأل)، فسُئِل: ما الفأل؟ فقال: (الكلمة الحسنة).

فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث نفي ما كان يعتقده أهل الجاهلية من الاعتقادات الباطلة التي تؤثر في القلب، وتُضعف الظن الحسن بالله عز وجل.

فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث قضية التشاؤم في شهر صفر، وأنه ليس من الدين في شيء، وهو كبقية الأشهر، ويقع فيه ما قدره الله عز وجل من المقادير، ولا يحصل فيه إلا ما قضاه وقدره الله، ولم يختص سبحانه هذا الشهر بوقوع مكاره ولا بحصول مصائب، فهو شهر من أشهر الله، وأيامه من أيام الله تبارك وتعالى، وزمان من الأزمنة، والأزمنة لا دخل لها في التأثير ولا في ما يقدِّره الله سبحانه، وليس فيها ما يدَّعيه بعضُ الجهلة بالدين من الذين لبَّس الشيطان عليهم.

فاتقوا الله عز وجل في أنفسكم، وراجعوا أنفسكم، وعلاقتكم وإيمانكم بالله تبارك وتعالى، واعلموا علم اليقين قول الله عز وجل ]مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ[ ويؤمنوا إيمانًا صادقًا بقول الله تبارك وتعالى ]مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ[.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

 

 

معاشر المؤمنين .. إلى يُسيء الظن ويعتقد ويؤمن بأباطيل وخرافات وأوهام أهل الجاهلية، فيتشاءم ويتوقع أن ما يقع له فيه من المكروه والسوء والضرر، إنما حدث بشؤم شهر صفر، ويتطيَّر من هذا الشهر ويتردد على لسانه: صفر طفر، وصفر لا سفر، وصفر لا عمل، وصفر لا زواج فيه؛ لأن مصيره الفشل والطلاق، وصفر لا تجارات ولا صفقات؛ لأن مآلها الخسارة والإفلاس والكساد والبوار، وهذا كُلُّهُ من الطِّيَرَةِ المنهي عنها، وهو قادح في التوحيد وربما يوقع صاحبها في الشرك والعياذ بالله؛ قال ﷺ (الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ) وقال ﷺ (ليس منَّا مَن تطيَّر أو تطير له) وقال ﷺ (الطِّيَرَةُ شِرْكٌ الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، ثلاثًا).

والعبد لا بد أن يعتقد أنه لا خالق إلا الله، ولا مدبر للكون سواه، وأن الرب الذي يرزق، ويشفي، ويحيي، ويميت بأسباب، وهو قادر على أن يرزق، ويشفي، ويحيي، ويميت من غير أسباب، والأخذ بالأسباب ركن من أركان التوكل على الله، فلا يضر التصرف في أسباب العيش، والتكسب في أسباب الرزق، والأخذ بأسباب الشفاء، والنجاة من الهلاك لمن صحَّ توكله، وهذا لا يقدح في مقامه ولا ينقص ذلك من حاله، فالموحد يعلم أن الله تعالى قد جعل في الأسباب منافع خلقه، ومفاتح رزقه، وخزائن حكمته، ويعلم أنه بهذا مقتد في ذلك بنبيه ﷺ ومتبعٌ لسنته.

وليعلم كل منا .. إن الضار والنافع هو الله وحده لا شريك له، ولا أحد ولا شيء سواه يملك الضر ولا النفع ]وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[.

أسأل الله أن يغفر لنا ويرحمنا ..

المرفقات

1723180083_شهر صفر.pdf

1723180093_شهر صفر.docx

المشاهدات 351 | التعليقات 0