شَهْرُ شَعْبَانَ، وَوَصَايَا قَبْلَ رَمَضَان

مبارك العشوان 1
1443/08/06 - 2022/03/09 23:24PM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى - أَيُّهَا النَّاسُ - حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: تَقُولُ عَائِشَةُ رِضِيَ اللهُ عَنْهَا: ( كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلمَ يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ: لَا يَصُومُ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلى الله عَلَيهِ وسَلمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ ) رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

وَفِي رِوَايةٍ لِمُسْلِمٍ: ( كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ، كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ إِلَّا قَلِيلاً ).

وَمِنْ هُنَا نَعْلَمُ - رَحِمَكُمُ اللهُ -  أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيَّزَ هَذَا الشَّهْرَ عَنْ غَيْرِهِ بِكَثْرَةِ الصِّيَامِ.

وَقَدْ ذَكَرَ العُلَمَاءُ فِي هَذَا بَعْضَ الحِكَمِ: مِنْهَا أَنَّ فِي صِيَامِهِ تَمْرِينٌ عَلَى هَذِهِ العِبَادَةِ؛ فَيَعْتَادُ الصِّيَامَ قَبْلَ رَمَضَانَ لِيَدْخُلَ فِي رَمَضَانَ بِقُوَّةٍ وَنَشَاطٍ، وَإِقْبَالٍ عَلَى الطَّاعَةِ، وَلَا يَجِدَ فِيهِ كُلْفَةً وَمَشَقَّةً.

وَمِنَ الحِكَمِ: قَالُوا لِأَنَّ شَعْبَانَ فِي مُقَدِّمَةِ رَمَضَانَ؛ فَالصِّيَامُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ كَمَا أنَّ صِيَامَ سِتٍّ مِنْ شَوَّالَ بَعْدَ رَمَضَانَ بِمَنْزِلَةِ السُّنَنِ البَعْدِيَّةِ لِلصَّلَاةِ.

فَلْنَحْرِصْ - وَفَّقَكُمُ اللهُ - عَلَى الْإِكْثَارِ مِنَ الصِّيَامِ فِي هَذَا الشَّهْرِ؛ وَلْنَعْلَمْ أَنَّ هَذَا هُوَ الذِي ثَبَتَتْ بِهِ سُنَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ.

أَمَّا مَا جَاءَ فِي لَيلَةِ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ؛ فَيَقُولُ الشَّيْخُ ابنُ بَازٍ رَحِمَهُ اللهُ: وَالَّذِي أَجْمَعَ عَلَيهِ جُمْهُورُ العُلَمَاءِ أنَّ الاحْتِفَالَ بِهَا بِدْعَةٌ، وَأَنَّ الأَحَادِيثَ الوَارِدَةَ فِي فَضْلِهَا كُلَّهَا ضَعِيفَةٌ، وَبَعْضُهَا مَوضُوعٌ..  الخ.

عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ نَسْتَقْبِلُ رَمَضَانَ؛ يَحْسُنُ بِنَا ذِكْرُ بِعْضِ الوَصَايَا وَالتَّنْبِيهَاتِ.

فَمِنْ ذَلِكَ: مَنْ كَانَ عَلَيْهِ أَيَّامٌ مِنْ رَمَضَانَ المَاضِي فَلْيُبَادِرْ بِقَضَائِهَا؛ وَلْيَعْلَمْ أنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهَا إِلَى رَمَضَانَ الثَّانِي بِدُونِ عُذْرٍ؛ قَالَ تَعَالَى: { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } البقرة 184

لِيُذَكِّرْ بَعْضُنَا بَعْضًا بِأَهَمِّيَّةِ المُبَادَرَةِ بِالقَضَاءِ؛ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَنَا الوَقْتُ وَفِي ذِمَمِنَا شَيءٌ مِنْ رَمَضَانَ المَاضِي.

وَمِنْ ذَلِكَ: أَنْ نَتَعَلَّمَ أَحْكَامَ الصِّيَامِ الفِقْهِيَّةِ، وَآدَابَهُ وَنَتَدَارَسَهَا فِي مَجَالِسِنَا، وَمَسَاجِدِنَا، وَنُعَلِّمَهَا أَهْلَنَا وَأَوْلَادَنَا وَعُمَّالَنَا وَخَدَمَنَا؛ لِيُؤَدِّيَ الجَمِيعُ هَذِهِ العِبَادَةَ العَظِيمَةَ، وَهَذَا الرُّكْنَ مِنْ أرْكَانِ الإِسْلَامِ عَلَى عِلْمٍ وَبَصِيرَةٍ؛ فَيَكُونُ مَقْبُولًا عِنْدَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ فَاللهُ تَعَالَى لَا يَقْبَلُ مِنَ العَمَلِ إِلَّا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَلِشَرْعِهِ جَلَّ وَعَلَا مُوِافِقًا. 

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيمِ وَنَفَعَنَا بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيِ وَالذَّكَرِ الْحَكِيمِ وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَظِيمَ الْجَلِيلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلُّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية: 

الحَمْدُ لِلَّهِ وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ؛ أمَّا بَعدُ:

عِبَادَ اللهِ: فَمَنْ كَانَ لَدَيهِ أوْلَادٌ أوْ بَنَاتٌ أو إخْوَةٌ أو أخَوَاتٌ فَإِنْ كَانُوا صِغَارًا لَمْ يَبْلُغُوا سِنَّ الرُّشْدِ وَلَا يَشُقُّ عَلَيهِمْ الصِّيَامُ فَلْيَحُثَّهُمْ عَلَيهِ لِيَعْتَادُوهُ، وَلَا يُلْزِمْهُمْ بِهِ.

أمَّا إِذَا بَلَغُوا سِنَّ الرُّشْدِ وَصَارُوا مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ فَلْيَأْمُرْهُمْ بِالصِّيَامِ، وَلْيُلْزِمْهُم بِهِ، وَلْيُبَيِّنْ لَهُمْ أنَّ الصَّومَ وَاجِبٌ عَلَى المُسْلِمِ البَالِغِ العَاقِلِ القَادِرِ المُقِيمِ؛ يَجِبُ عَلَيهِ صَومُ الشَّهْرِ كَامِلًا، وَلَيسَ مُخَيَّرًا بِأَنْ يَصُومَ أيَّامًا وَيُفْطِرَ أيَّامًا.  

أوْلَادُنَا - أيُّهَا النَّاسُ - أَمَانَةٌ فِي رِقَابِنَا، وَنَحْنُ مَسْئُولُونَ عَنْ رِعَايَتِهِمْ وَتَرْبِيَتِهِمْ، وَتَعْلِيمِهِمْ أُمُورَ دِينِهِمْ؛ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... ) أخْرَجَهُ البُخَارِيُّ.

عِبَادَ اللهِ: سَلُوا اللهَ تَعَالَى أنْ يُبَلِّغَكُمْ رَمَضَانَ وَيُوَفِّقَكُمْ لِاغْتِنَامِهِ، وَيُعِينَكُمْ عَلَى ذِكْرِهِ تَعَالَى وَشُكْرِهِ وَحُسْنِ عِبَادَتِهِ؛ فَقَدْ قَالَ جَلَّ وَعَلَا: { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } البقرة 186

اعْقِدُوا العَزْمَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى الجِدِّ فَي شَهْرِكُمْ وَالتَّفَرُّغِ فِيهِ لِعِبَادَةِ رَبِّكُمْ؛ احْرِصُوا عَلَى كَسْبِ هَذِهِ الفُرْصَةِ، وَاسْتِغْلَالِ هَذَا المَغْنَمِ، تَهَيَّؤُا لِحِفْظِ أيَّامِهِ وَلَيَالِيهِ، لِتَمْلَؤُهَا بِالطَّاعَاتِ؛ فَلَا يَدْرِي أَحَدُنَا مَا يَعْرِضُ لَهُ.

مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا سَيَشْغَلُهُ فِي رَمَضَانَ؛ وَيُمْكِنُ إِنْجَازُهُ هَذِهِ الأَيَّامَ فَلْيُنْجِزْهُ، وَمَا كَانَ مِنْهَا يُمْكِنُ تَأْجِيلُهُ بَعْدَ رَمَضَانَ فَلْيُؤَجِّلْهُ؛ فَرَمَضَانُ أيَّامٌ مَعْدُودَةٌ لَا يَنْبَغِي التَّفْرِيطُ فِيْهَا.

نَظِّمْ أَخِي المُسْلِمُ وَقْتَكَ مِنَ السَّحَرِ إِلَى السَّحَرِ، وَإِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ يَضِيعَ نَهَارُكَ فِي نَوْمٍ وَلَيلُكَ فِي سَهَرٍ.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا - رَحِمَكُمُ اللهُ - عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا }الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللهُمَّ بَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ.اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ، اللَّهُمَّ أصْلِحْ أئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، اللَّهُمَّ خُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ، واجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ، اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَدِينَنَا وَبِلَادَنَا بِسُوءٍ فَرُدَّ كَيْدَهُ إِلَيهِ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ تَدْمِيرًا عَلَيهِ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ.

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَلِيَّ الْعَظِيْمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

 

المرفقات

1646868207_شَهْرُ شَعْبَانَ، وَوَصَايَا قَبْلَ رَمَضَان.pdf

1646868234_شَهْرُ شَعْبَانَ، وَوَصَايَا قَبْلَ رَمَضَان.doc

المشاهدات 1158 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا